أم مازن ) امرأة من صالحات زماننا, راغبة في الخير, محبه للطاعة معظمه لكتاب الله تعالى فهو جليسها في كل وقت وآن, البر عندها من أرجى أعمالها, محسنه للقريب والبعيد, زاهدة في الدنيا, مترفعة عن ملاذها الزائلة, صابرة على البلاء, محتسبه أجرها عند ربها وخالقها.
بلغ الناس خبر وفاتها فبكاها القريب والبعيد وكيف لايُبكى على مثلها وهي مثال للخير في جوانبه كله.
صور من عبادتها:
أقول وأنا إمام الجامع الذي تصلي فيه: لا أعرف أن هذه المرأة قد أخطأتها صلاة التراويح والقيام منذ أكثر من عشر سنوات, بل تكاد تكون أول من يدخل الجامع وأخر من يخرج منه في ليالي رمضان وإن فُقدت عرفنا أنها في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام, حتى قالت إحدى الأخوات اللاتي يصلين مها في الحرم سأسميها فقيدة الصف الأول في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام, فلقد كانت كما تقول الأخت : لايُخطئها الصف الأول في الحرم النبوي وان رأيتها رأيت أمراه أما تصلي أو إنها انكبت على كتاب الله تتلوه أو رافعه يديها تطلب ربها (وقد نوت هذا العام أن تقضي رمضان في الحرم النبوي –نسأل لله أن لايحرمها أجر النية)
تقول إحداهن:كانت تصلي بين التراويح والقيام ما شاء الله أن تصلي مستغلة لهذا الزمان الفاضل فيما يقربها إلى الله.
ويقول أهل بيتها : كانت قوامه لليل , صائمة للنهار, لايُعرف عنها أنها تركت قيام الليل إلا لعارض, تصوم الأيام البيض, والاثنين والخميس لايخطئها صيامها ولا صيام الأيام الفاضلة(فهلا عرفت قيمه هذه الطاعة وفضلها وحرصت عليها)
ومن صور الخير التي اعرفها عنها أنها كانت لاتفرط في حضور محاضره أو درس لشدة حرصها وحبها لمجالس الخير فأين الزاهدات في هذا الخير وقد شُغلن بتوافه الأمور وضياع الأوقات؟
ومن الصور الدالة على تأصل الخير فيها وقلما يحرص عليها الكثير(إنها لم تبن بيتها إلا بعد إن بنت مسجدا لله تعالى)
وفي الحديث :
(من بنى مسجدا لله بنى الله له بيتا في الجنة جعله الله مما أعد لها قبل قدومها عليه).
بل من عظيم إخلاصها أنها كانت حريصة كل الحرص أن لايعلم أحد بخبر هذا المسجد لأنها إنما تريد وجه الله تعالى.
برها في الوالدين صلتها للرحم:
قد عُرفت هذه المرأة بالبر للوالدين, ولما سألنا أهلها عن برها قالوا لاتسل, وماذا عسانا أن نقول لك؟
هل نحدثك عن رعايتها لأمها ؟؟ وعدم غيابها عنها؟
أم نحدثك عن إحسانها لوالدها بعد وفاته ونذكر لك خدمتها لامها بكل صور الخدمة؟
لقد كانت حريصة أشد الحرص على برهما, وربما حرمت نفسها من أشياء لأجلهما يقول أخواتها:
كانت كثيرا ماتحثنا على صله الرحم, ومواصلتهم في المناسبات, وتكسوا كثير منهم كل عيد حتى وان كانوا أغنياء.
وربما مرت ببعض قرابتها ضائقة فكانت أول من يُسارع لفكها حتى وإن بلغ المال مابلغ لأنها كانت تتاجر مع ربها.
وتحفظ قوله تعالى: (ماعندكم ينفذ وماعند الله باق) فتاجرت فيما بقي.
*تربيتها لأبنائها:
كانت حريصة أشد الحرص على تربية أبنائها والسعي في صلاحهم.
أما الذكور فكانوا من رواد المساجد-خاصة صلاه الفجر-، ومن طلاب الحلقات وحفظ بعضهم كتاب الله تعالى.
بل إن أحد أبنائها أمّ الناس وهو في الثانية عشر من عمره يقول:كانت والدتي هي من دفعني لهذا الخير.
وكانت حريصة أشد الحرص على حجاب بناتها فتُلبسهن الحجاب وهن صغار.
تقول إحدى بناتها: كانت والدتي حريصة على أن أحسن الصلاة وأؤديها على أكمل وجه وتحملنا المسؤولية في ذلك.
وهكذا ينبغي أن تكون المؤمنة التي تعلم أنها مسئولة عن أبنائها بين يدي الله تعالى
حفظها للقرآن:
من الخير الذي خص الله به هذه المرأة أن جعل القران يسكن قلبها في حياتها الدنيا, وقد أشغلها عن الناس ومجالسهم الفارغة كانت تتلوه في صبحها ومسائها مما جعلها تختمه في كل أسبوع مره, على الرغم من أنها ربة بيت وأم لأولاد ومديره لمدرسه وبلغت سنا قلما يحفظ المرء فيه القرآن إلا أنها عزمت على ختمه, فأعطاها الله ما أرادت لصدق نيتها, وقوة عزيمتها, فماذا عسى أن تقول الفتيات المنصرفات عن كتاب الله؟
*زهدها في الدنيا:
على الرغم من أن الله وسع عليها بالمال إلا أن الزهد أن ظاهرا عليه لأنها على يقين من زوال الدنيا, وانتقال أهلها منها إلى دار الجزاء والحساب فكانت تجعل مالها في أحوج ماتكون إليه يوم لقاء الله تعالى(لم يكن همها كهم الكثير الذي لايجاوز فستانا تلبسه أو زينه تتزين بها)
بل كان همها الأعظم كيف أتاجر مع الله في هذا المال وليس معناه ترك الدنيا بكليتها, ولكن لا لتطغي الدنيا على الآخرة وكانت تُنكر على من يتوسعن في اللباس ومناسبات الأفراح لكمال عقلها الذي دلها على خير كثير كما تطالعه في هذه المقالة.
ولقد كان من مشاريعها وقف شقه لتكون دار لتحفيظ وأخرى لدعم المسجد والدار فسبحان من يوفق عبده للخير ويدله عليه.
غيرتها على حرمات الله أن تُنهك:
عُرفت بغيرتها على المحارم فكانت – وهي مديره مدرسه- لاتسمح لطالبتها أن يتساهلن في الحجاب, فكانت شديدة المراقبة لهن في هذا الباب ولاتسمح للأدوات من شنط وأقلام التي فيها صور.
تقول إحدى أخواتها:
مما اعرفه عن أم مازن أنها لاتسمح بوجود المنكر أو أن يُفعل أمامها.
إحسانها للضعفاء:
كان قلبها الكبير يشعر بمآسي الضعفاء والمحتاجين, فتحنوا عليهم وترأف بهم لم يكن حالها –كحال من أهمتهم أنفسهم فكانوا جُل اهتمامهم بها ولايهمهم إلا تلبيه ملاذهم الخاصة- بل كانت تعلم أن للفقير حق في المال وللمسكين فيه نصيب فلذا كانت عطوفة رحيمة تقول إحداهن:كانت أم مازن تأتي بكثير من احتياجاتي وربما وضعتها عند بابي وذهبت من غير أن اشعر بها.
يخفي محاسنه والله يظهرها إن الجميل إذا أخفيته ظهرا
يقول أحد إخوانها: لقد اكتشفنا بعد وفاتها إنها تكفل عدة أسر لايعلم بها الا الله تعالى وتكفل ثلاثة أيتام خارج البلاد كفاله تامة.
بل إن من عجيب صنعها أن خلال بقائها في المدينة كانت تبحث عن الفقراء –انظر إلى الهم-فوفقها الله لأسرة جزائرية وثالثة إفريقية وغيرهم.
أما جارتها فقد انخرطت بالبكاء عندما بلغها خبر وفاتها قدمت على أهلها وجعلت تقول لهم : لقد كانت أم مازن من ارحم الخلق بي كانت تتعاهدني بكل ما احتاج في بيتي وأولادي فرحمها الله رحمة واسعة
وفاتها –رحمها الله-
وبعد هذه السيرة العطرة التي كانت عليها –هذه المرأة الصالحة – أتظن أن يُضيع عبده عند الوفاة ؟حاشا وكلا.
فإن الله سبحانه يُكرم عبده عند الوفاة وبعدها ما يجعل نفيح عبيره يظهر للعالمين واختنا قد ظهر نفيح عبيرها للناس بما أكرمها من كرامات تجعل من يسير بركب الصالحين يثبت ومن تخلف يلحق بهم لينال شرف الدارين والذكر الحسن بعد الممات
أما حالها عند وفاتها فبقول ابنها الذي كان معها: كانت قبل الحادث منشغلة بذكر الله تعالى –ومن عاش على شيء مات عليه-
وتقول من غسلتها :
حزنت لما بلغني خبر وفاتها ولكني عندما رايتها على نعشها فرحت بمنظر وجهها وقد علته ابتسامه عريضة تنبئ عن فرحتها –بإذن الله بما اعد الله لمثلها من الصالحات.
اللهم اغفر لأم مازن, وارفع درجتها في عليين