هذا سؤال كان يطرح نفسه عليَّ كثيرا, خصوصا عندما أسمع أو أقرأ أو أقف على قصة مؤلمة لفتاة وضعت نفسها في موقف لا تحسدها عليه أي فتاة, ثم أجد أنها هي من مكنت هذا الشاب من أن يتمتع بها ويأخذ منها ما يريد !
ما هي الأسباب التي جعلت هذه الفتاة تثق في شاب غريب عنها ؟!
وكيف وصلت ثقتها به إلى أن تكلمه كما تكلم الزوجة زوجها ؟!
ثم كيف وصل بها الحال إلى أن تهتك سترها بنفسها وتسلمه صورتها ؟
وتكون الطامة عندما تصل بها الثقة به إلى أن تهديه شرفها بالحرام..
أتساءل وأنا أسمع هذه القصص:
أين عقل هذه الفتاة ؟ وكيف تسمح لنفسها بأن تفضح أهلها وتدنس شرفهم وهي تجري خلف الأوهام ووعود الزواج ؟
وكيف استطاع هذا الشاب أن يتلاعب بعواطفها إلى درجة أن استسلمت له طائعة مختارة حتى أنها نسيت الفضيحة في الدنيا قبل الآخرة؟ ونسيت أن لهذا اللقاء المحرم نتائج من أقلها الحمل سفاحا , وعدم الزواج طول عمرها لأنها لن تجد من يتزوجها وهي ثيب دون أن تتزوج .
وكان الدافع الذي يحثني على كتابة هذا البحث هو أن ما نسمعه من قصص ما هو إلا الجزء الأخير منها , وأن هناك - ولا بد - أسبابا جعلت هذه الفتاة العاقلة تقع في مثل هذا المنزلق الخطير .
وسأحاول في بحثي هذا أن أسلط الضوء على أسباب هذه العلاقات المحرمة .. وسيكون حديثي عنها في ست نقاط رئيسة :
1- مدخل
2- نظرة الشاب للفتاة ونظرة الفتاة للشاب ... فرق ما بين النظرتين
3- أهم المشاكل التي تعاني منها الفتاة : أ- الاكتئاب ب- الكبت ج – الحاجة للاستماع والتعاطف الصادق د- الحاجة للحب هـ – عاطفة الأمومة و- حب لفت النظر
4- طرق الشباب في التلاعب بعواطف الفتيات
5- كيف تتجنب الفتاة الوقوع في العلاقات المحرمة ؟
6- همسة في أذنك يا ولي الأمر .
7- قضايا لها صلة بالموضوع : أ- الرجوع للحق مطلب والتمادي في الباطل خطأ ب- بيدي لا بيد عمرو ج- زهرة في غابة د- الحب المستحيل هـ – كيف أنساه ؟ و- الزواج قسمة ونصيب .. ولكن !!
8- خاتمة
هذا وأسأل الله أن يحفظ بنات المسلمين من كل شر ، وأسأله سبحانه أن يطهر قلوبنا وأن يجعلها عامرة بحبه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المؤلف
1- مدخل :
علاقة الحب بين الشاب والفتاة في الإسلام تنقسم إلى قسمين رئيسين : حب سوي ، وحب غير سوي . فمن الحب السوي حب الرجل لأمه وأخته وزوجه ، وكذلك الحال بالنسبة للفتاة . أما الحب غير السوي فهو إقامة علاقة حب بين شاب وفتاة لا تحل له أيا كانت هذه الفتاة .
وليس هناك ثمة مشكلة من العلاقة الأولى لأنها علاقة سوية مستقيمة لا خطر منها ، لكن الخطر كل الخطر هو العلاقة الثانية .. أي علاقة الحب التي بين شاب وفتاة لا تربطهما علاقة تبيح هذا الحب . والشاب في هذه العلاقة أشبه ما يكون بالصياد الذي يراوغ فريسته إلى أن تقع بين يديه . وهذا الدور يلعبه الشاب من خلال الهاتف أو في السوق والشارع والتجمعات المختلطة ، أو من خلال الإنترنت في هذا الوقت .
والملاحظ في معظم هذه العلاقات أن الفتاة فيها كالجارية التي يتمتع بها الرجل - وقد يُمَتِّع بها غيره أيضا تحت التهديد - ثم يتركها ليبحث عن غيرها !
إن من الأشياء التي تجهلها المرأة عن الرجل أنه من تركيبة تختلف عن تركيبتها ، ويتصرف بطريقة تختلف تماما عن طريقتها ، ومن هذه الاختلافات : نظرة الرجل والمرأة لعلاقة الحب هذه !
فالرجل لا يرضى أن يقترن بامرأة " مستعملة " حتى لو كان هو من استعملها ، لأن من وقعت في الحرام معه لن يمنعها شيء من الوقوع في الحرام مع غيره .
ومن الجدير بالذكر أن أقول : إن الفتاة هي الفتاة مهما تغيرت جنسيتها أو أصلها أو بيئتها أو دينها أو درجة التزامها لأننا نتكلم عن شيء يتعلق بنفسيتها وتفكيرها كأنثى بغض النظر عن دينها أو لونها أو عمرها .. فهي عاطفية لدرجة أنها تستخدم عاطفتها كثيرا في الحكم على الأشياء ، وحساسة وسريعة التأثر بما حولها ، وضعيفة وتحتاج لمن يساندها ويقف بجانبها ؛ ولذلك فهي عندما تحب فإنها تفقد عقلها وتصبح كاللعبة بين يدي الشاب , وقد تعطيه كل ما تملك بدون أن تعي ما الذي تفعله بنفسها وما الذي تجنيه من جراء ذلك !!
وهذه الأمور إيجابية وسلبية في الوقت نفسه، وقد تتغير من فتاة إلى فتاة أخرى , ولكن تبقى هذه السمات غالبة عند النساء ، وهي موجودة بدرجة أقل عند الشباب ..
وقبل أن نبدأ في الموضوع أقول : الشاب في بحثي هذا هو ذلك الشاب العابث بأعراض الناس ، والذي يسعى لإقامة علاقات حب محرمة مع الفتيات بقصد خبيث .. أما بقية الشباب فحديثي ليس عنهم .
نظرة الفتاة للشاب ونظرة الشاب للفتاة والفرق بينهما :
عندما يريد الشاب أن يبدأ في علاقة مع الفتاة فإنه يفكر فيها كأداة أو وسيلة لتفريغ شهوته ، أي أنه ينظر لها نظرة جنسية . بينما الفتاة تنظر للشاب على أنه مصدر للحب والعاطفة والقوة .
هي تبحث عن " الحب " وهو يبحث عن " الجنس" !!
هي تفكر بطريقة تغلب عليها العاطفة ، وهو يفكر بطريقة تغلب عليها الواقعية (1).
قد يريد الرجل نوعاً من العاطفة وقد تريد الفتاة شيئاً من الحاجة الجنسية ، وقد يكون الرجل قد أقام هذه العلاقة - فعلا - من أجل الزواج ، ولكن الغالب هو ما ذكرت من أنها علاقة خاطئة , والفتاة فيها هي الخاسر الأكبر ..
فمن خلال سماعنا لكثير من القصص نجد أن الشاب ما أن ينتهي غرضه من الفتاة ويدنس شرفها حتى يتركها لغيرها بينما تظل هي تحبه وتنتظر وعوده بالزواج وبالحياة العائلية السعيدة ..
ولا أنسى أن أذكر أن الفتاة الشرقية - سواءً كانت مسلمة أو غير مسلمة - تحب أن تترجم الحب إلى علاقة زواج ، ولا ترضى أن تكون أداة يلهو بها الرجل وتلهو هي به لفترة ثم تتركه ويتركها ، ولهذا فهي تطلب من صديقها الزواج وتلح عليه في ذلك ، وهو لا يريد تحمل أعباء الزواج وتكاليفه ولهذا يكتفي منها بما تعطيه من نفسها ثم يتركها .
وهنا أمران لا بد من ذكرهما :
ليست كل علاقة بين شاب وفتاة تكون على هذا الشكل فيمكن أن تكون هناك علاقة حب بين رجل وامرأة بدون "جنس" ولكن هذا شيء نادر جداً , لأن كثرة اللقاء والاختلاط والخلوة بين الشاب والفتاة يهيج العواطف ويحركها للمنكر .. وفي دراسة أمريكية تبين أنه حوالي 47% من ضحايا الاغتصاب في أمريكا كن ضحايا لاغتصاب أصدقائهن ! وحوالي عشرين بالمائة كن ضحايا لاغتصاب أقارب وأصدقاء العائلة ، وبعبارة أخرى : سبعين في المائة من الفتيات كن ضحايا للعلاقة " البريئة " (1)!!
وهذا يدلنا على أن الصداقة البريئة بين شاب وفتاة يختلطان ببعضهما وقد يرى أحدهما من الآخر ويسمع ما لا يقدر على أن يصبر عليه شبه مستحيلة ..
مشاكل الفتيات
أ- الاكتئاب :
وهو حزن شديد ينتاب الفتاة من وقت لآخر ، بسبب أو دون سبب ، تطول مدته وتقصر ، فتحس الفتاة بالحزن الشديد وبالرغبة في البكاء والانطواء ، وربما تحب أن تنفس عن نفسها بأن تكلم صديقتها العزيزة أو أقرب أخواتها لها .
هي لا تدري ما الذي بها ، ولا تدري ما الذي يدعوها لكل هذا الحزن … ولكنها مكتئبة .
هذا الاكتئاب له أوقات قد يزيد فيها بحسب الفتاة وطبيعتها ، مثلا : وقت العادة الشهرية أو قُبيلها ، أثناء الحمل ، بعد الولادة ، ويحصل أيضا عند حدوث - أو توقع حدوث - مشكلة ما .
وهناك فرق بين الاكتئاب المرضي – أو المزمن – وبين الاكتئاب الوقتي الذي يصيب الفتيات ، فالأول لا يزول إلا بالعلاج النفسي عند الطبيب المختص ، بينما النوع الثاني فكما أتى بدون سبب فإنه يزول بدون علاج عند الطبيب ، وتعود الفتاة التي كانت تبكي بكاء مراً وتحس أنها حزينة ومغتمة … إلخ تعود للعب والمرح والضحك بعد ساعة أو ساعتين ، وربما تطول المدة فتكون يوما أو يومين .
تقول الإحصاءات إن المجتمع الطبيعي فيه 15% من المكتئبين ، وثلث هذا العدد من الذكور والباقي من النساء … لماذا ؟؟!!
إن تكوين الفتاة يختلف عن تكوين الرجل ، فهي عاطفية جداً ومشاعرها جياشة ومتقلبة ، فهي كثيرا ما تثور بسرعة وترضى بسرعة ، وعلاقاتها الاجتماعية أكفأ من الرجل وأقوى ، ومن ذلك أنها تتشرب هموم صديقاتها ومشاكلهن وتشاركهن الحزن والفرح . والفتاة لا ترى بأساً في إظهار ضعفها على شكل بكاء أو حزن شديد ، ثم إنها كثيرا ما تفتقر لوجود متنفسٍ لها حتى يذهب ما بها من الهم .
قارن هذا بالشاب الذي تعود منذ أن كان صغيراً على عبارات مثل : " أنت رجل عيب تصيح ! " ، وإذا ما ظهر من الولد أي مظهر من مظاهر الضعف - كالبكاء مثلا - قيل له " البكاء للبنات ! " .
لهذا السبب فإننا نجد أن الرجل لا يحب أن يظهر بمظهر الضعف وانعدام الثقة بالنفس أبداً لأنه تربى تربية جافة تجعل من إبداء المشاعر السلبية مظهرا من مظاهر التشبه بالفتيات .
والرجل يستطيع أن يضبط مشاعره الإيجابية والسلبية أكثر مما تفعله الفتاة ، وتأثره بما حوله أقل . ثم إنه "حر" لأنه رجل يستطيع أن يفعل ما يشاء ، وأن يخرج متى ما شاء ، ويكلم من يشاء ، وليس عليه - عند كثير من العائلات - أية قيود (1).
ب- الكبت :
الكبت هو شعور الفتاة بعدم القدرة على التعبير عما يدور بداخلها أو التنفيس عن نفسها ، أي أنها تحس أنها غير قادرة على أن يكون ظاهرها مثل باطنها ، أو الشعور بأنها غير قادرة على أن تحصل على ما تشاء سواء أكان هذا الشيء ماديا أم معنويا ..
وهو شعور ينتابها إذا أحست بأنها مُضيق عليها من قبل أهلها أو مجتمعها أو دينها .
وهذا الشعور قد لا يحس به الرجل لأنه - كما ذكرت - لا يفرض عليه المجتمع قيودا كالتي يفرضها على الفتاة .
والكبت له أنواع :
1- كبت مطلوب ( إيجابي ) .
2- كبت مرفوض ( سلبي ) .
3- كبت يخضع للنقاش وقد يكون صحيحاً أو خاطئاً بحسب نظرة الأهل والمجتمع .
فمن الكبت المطلوب : أن يرفض الأهل الطلبات التي تؤدي لضياع ابنتهم , أو التي تضعها في مواقع الشبهات ، أو توقعها في المحرمات … كمنعها من الخروج مع السائق لوحدها ، أو منعها من زيارة صديقة سمعتها سيئة ، أو منعها من لبس ملابس تخالف الستر الذي يأمر به الدين ويحافظ عليه المجتمع ، أو منعها من التسكع في الأسواق مع الصديقات ، أو الخروج في أوقات متأخرة … الخ
ومن الكبت المطلوب الذي يمارسه المجتمع على الفتاة : منع الفتاة من بعض الخصائص التي يعطيها للرجل ، فالمجتمع مثلا لا يسمح للفتاة أن تعيش بمفردها في بيت أو شقة بينما هذا مسموح للشاب ، والمجتمع يسمح للولد أن يلعب في الشارع ، وأن يلبس ما يُـحَرِّمه هذا المجتمع على الفتاة .. وغير ذلك من الأمور التي يمارسها المجتمع انطلاقا من الدين أو الأعراف والتقاليد السليمة .
أما الكبت الخاطئ فهو أن تمنع الفتاة من أشياء ضرورية تجعلها تحس بانعدام الثقة والأمان والإحساس بالظلم وأنها تُعامَل كجماد ليس له مشاعر وأحاسيس ، وهذا بالطبع يحطم شخصيتها ويجعلها كالجماد في البيت ، ويجعلها تكره نفسها ومن حولها . فمثلا بعض الأسر تمنع الفتاة من الخروج من البيت إلا للمدرسة فقط ! فلا يسمح لها بزيارة الأهل والأقارب إلا نادرا ، ولا يسمحون لها بالخروج للنزهة ولا حتى للأماكن المحترمة أو التي ليس فيها اختلاط مع الرجال ، وقد تمنع الفتاة أيضا من التحدث مع صديقاتها بالهاتف حتى لو كانت محتاجة لذلك !
أما الكبت الذي تشعر به الفتاة ويكون السبب محلاً للنقاش فهو كمن يمنع ابنته من حضور زواج صديقتها بحجة أن الأعراس فيها مفسدة وفيها رؤية لبنات ممسوخات عن فطرتهن ، أو كمن تمنع ابنتها من بعض المباحات كوضع مساحيق التجميل لأنها ما زالت بنتا وهذه المساحيق للمتزوجات فقط ، أو كمن يمنع ابنته من " الجوال " بحجة أنه لا داعي له للفتاة .
وهذه الأمور وغيرها قد تشعر الفتاة بعد منعها منها بأنها مضيق عليها وأنها مكبوتة وأنها مظلومة وأنها ضحية لقسوة والديها ولقسوة المجتمع ، وقد ينتج عن ذلك كره الفتاة للأهل ورغبتها في التخلص منهم باي وسيلة ، بل قد لا نكون مبالغين إن قلنا أن الفتاة قد تفكر في الانتقام من أهلها بسبب هذا الكبت الذي يمارس عليها وكأن أهلها يتصورون أنها جسد لا روح فيه ..
ولذلك لا يستبعد أن تكون أكثر نوبات الاكتئاب التي تحدثنا عنها بسبب الشعور بالكبت !
ج- الحاجة للاستماع والتعاطف الصادق :
من المعروف لدى أي مهتم بعلم نفس الإنسان أننا معرضون في حياتنا اليومية لكثير من الانفعالات التي تؤثر علينا إيجابياً ( لقاء الأحبة , سماع الإطراء من الآخرين , الزواج , الرزق بمولود ... الخ ) ، وكذلك نتعرض للانفعالات السلبية ( موت قريب ، فشل في دراسة ، غضب من صديق ، إهانة ، إحراج من شخص معين .... الخ ) ، هذه الانفعالات منها ما هو يسير ومآله للزوال في ساعة أو ساعتين , ومنها ما هو صعب الزوال ويحتاج لوقت طويل حتى يزول .
ونحن عندما نتعرض لانفعال سلبي معين ونحس بالحزن والكآبة فإننا نحب أن ننفس عن أنفسنا بأي طريقة كانت ، ولو لم نفعل ذلك فإنه سيأتي اليوم الذي نعجز فيه عن تحمل المزيد من الهموم ، فتخرج هذه الهموم عن كونها هموما وأحزانا عادية إلى أن تكون اكتئابا مزمنا يحتاج لطبيب حتى يعالجه .. وحتى أدخل في صلب الموضوع الذي أتكلم عنه أقول :
عندما تشعر الفتاة بالحزن والاكتئاب فإنها بحاجة لشخص قريب من نفسها تحدثه بما فيها ، وتبث له شكواها ، تحدثه عن أحزانها وهمومها ، وهي لا تريد منه " الحل " لمشكلتها ، ولا أن يخبرها برأيه وأن ينصحها بشيء معين - خصوصا وأن كثيرا من مشاكلنا لا حل لها عند من نشتكي لهم - بقدر ما تحتاج منه لأمرين :
1- الاستماع والإنصات الجيد .
2- التعاطف والمشاركة الوجدانية .
والفتاة عندما تشتكي فلا يعني هذا دائماً أنها فعلاً تحس بمشكلة ، فإنه قد يوجد من الفتيات من تحب أن تبدو ضعيفة ومسكينة ومعذبة ، وتحس بأنها بحاجة للعطف وتحتاج لمن يقول لها : أنتِ مسكينة , أنتِ مظلومة ... الخ ، وهي بهذا تشعر بالراحة لأنها شعرت بأن محدثها يشاركها ويتعاطف معها ويحبها !
وقد تكون الفتاة حزينة فعلا وهناك سبب قوي يؤثر سلبا على نفسيتها ، ولكن هذا لا يغير شيئاً في مطلب الفتاة ممن يستمع إليها ، فهي وإن كانت شبه متأكدة من أن الحل ليس بيد الشخص الذي تحدثه ، ولكنها تريد منه أن يظهر التعاطف الصادق معها وأن يشاركها في همها وحزنها .
ولا أعني بهذا أن الفتاة لا تريد حلا لمشاكلها ، بل أقصد أن الفتاة لا تطلب الحل ابتداء ، وأنها تريد ممن يستمع إليها أن يستمع إليها ويمكنها من الكلام حتى يذهب ما بنفسها من الحزن .. وبعد ذلك تكون الفتاة متقبلة للحل الذي يعطيها إياه من تتكلم معه .
ونستطيع أن نقول إن الفتاة في مجتمعنا عندها مشكلة حقيقية في إيجاد شخص يتعاطف معها ويكون قريبا منها ، يتشرب المشاكل والهموم ، ويستمع للشكوى ويظهر التعاطف والحب الصادق ، خصوصاً عندما تكون الفتاة محاطة بأب بعيد عنها وبينها وبينه علاقة رسمية تمنعها من الشكوى له ؛ وأم لاهية عابثة بعيدة عنها تتعامل الفتاة معها بعلاقة رسمية بحيث لا تستطيع الفتاة أن تجعل منها صديقة لها ، وبعيدة عنها بحيث أن الأم لا تنزل للمستوى العمري المناسب لابنتها ولا تتفهم حاجتها في هذا السن (1)!
ومن الملاحظ لدى كثير ممن لهم احتكاك حديث بالنساء أنهم يقولون : ألا توجد امرأة متفائلة ؟! ألا توجد امرأة ليس عندها مشاكل ؟! هل يعقل أن كل امرأة أتحدث معها تبدأ في الشكوى ؟!
والجواب : الحاجة للتعاطف وللاستماع هما السبب الأول لأن الفتاة في كثير من الحالات لا تجد من يستمع إليها في البيت ، فتجد في الشكوى للشباب فرصة للتنفيس عن نفسها خصوصا وأن الشاب المعاكس سيسمع ما تقوله وسيظهر تعاطفه معها نظرا لأن هذا سيجعلها تثق به وتحبه ومن ثم تتعلق به .
والسبب الثاني أن الرجل يحكم على المرأة بمنظاره وبمقاييسه على الأمور ، والرجل يرى أن الشكوى مزعجة جدا لأنها نوع من أنواع الضعف الذي لا يرضى أن يضع نفسه فيه .
وغالباً أننا - رجالاً ونساءً - نشتكي لمن نميل إليهم في بعض المرات ، ولكننا لا نفتح قلوبنا على مصراعيها إلا لمن نثق بهم ، فإن لم تجد الفتاة من تثق به في البيت فربما تكون الشكوى للغرباء هي البديل ..
د - الحاجة للحب :
الفتاة الطبيعية عبارة عن كتلة متحركة من العواطف التي تتأجج في كثير من الأحيان وتسكن في أحيان أخرى ، ومن هذه العواطف عاطفة الحب . والحب الذي أقصده ليس حب الفتاة لوالدها أو والدتها أو لأخيها أو غيرهم من الأشخاص والأشياء ، بل هو الحب بمعنى الميل العاطفي والذي يكون للزوج - بالحلال - أو العشيق - بالحرام - .
وهذه الحاجة موجودة أيضا عند الرجال ، ولكن الفرق بين الرجال والنساء أن الرجل يتحكم في عواطفه ويتغلب عليها في كثير من الأحيان - كما ذكرنا سابقا - ، بينما تعجز المرأة عن هذا في كثير من المرات .
والفرق الآخر أن الرجل يستطيع أن يشبع هذه الحاجة بالزواج ممن يحب وليس عليه حرج في ذلك ، بينما تبقى المرأة تتعذب وتتألم في انتظار ذلك الخاطب الذي يأتي ليطرق الباب ، وإن ابتلاها الله بالحب فإنها لن تستطيع أن تتقدم لخطبة من تحبه ولا أن تصرح بذلك لأحد، ولو قيل عنها إنها تحب رجلا فستعامل على أنها فتاة منحرفة حتى ولو كانت ليست كذلك .
فإذا علمنا أن عاطفة الحب عند الفتاة ليس لها مجال للتفريغ المؤقت (1) ، وإذا أضفنا إلى هذا أن الفتاة ربما تكون تجد معاملة سيئة من أهلها (2) فإننا سنفترض أن هذه العاطفة ستنحرف بالتأكيد .
ومن الملاحظ أن هذه العاطفة هي الوتر الذي يعزف عليه كثير من عُـبَّاد الجنس والشهوة من الفنانين والفنانات ، فيخرجون الأفلام التي تحكي قصة عاطفية عن شاب أحب فتاة ، ثم لم يستطع هذا الشاب الوصول لحبيبته لسبب أو لآخر ، وتمضي أحداث الفلم التي تحكي كيفية تخطي الصعاب في سبيل التوصل للحبيبة ، وفي آخر الفلم يلتقي الحبيبان لقاء رومانسيا ويتزوج العشيق من عشيقته.
وهذه المشاهد ترغب الفتاة بالتجربة بعد أن صوروا لها الحبيب في أجمل منظر ، ثم أنهوا القصة بالزواج الذي تحلم به أي فتاة . ولهذا تعيش الفتاة في أحلام وردية ، وتنتظر بطل الفلم الذي سيراها ويعجب بها ثم تعيش معه قصة حب تختمها بالزواج , وغالباً ما يأتيها هذا الفارس ويحملها على الفرس الأبيض ويطير بها في السماء , ثم إذا قضى حاجته منها رماها من فوق الحصان ليستبدلها بأخرى !
لا أقول إن هذا يحصل " دائماً " ولكنه يحصل غالباً .
أما الانحراف الثاني بسبب عدم تفريغ هذه العاطفة التفريغ الصحيح فهو أن تميل الفتاة لفتاة مثلها ميلا عاطفيا غير مقبول . وهذا الحب اصطلح على تسميته بـ " الإعجاب " .
وفي هذه العلاقة تكون المعجبة تتعامل مع من أعجبت بها وكأنها تتعامل مع زوجها ، ولا يعني هذا أن كل علاقة إعجاب فهي علاقة تدخل في الشذوذ ، لأن الإعجاب عند الفتيات قد ينتهي بمجرد تبادل الهدايا ، والخجل الشديد عند رؤية من أعجبت الفتاة بها ، والغيرة عليها من الأخريات .. وربما يتطور هذا الإعجاب لدرجة تدخل في الشذوذ الجنسي خصوصا إن كان الرادع – الرقابة الذاتية أو الرقابة الخارجية – غائبا !
وهناك كتاب للداعية نوال بنت عبد الله اسمه ( فتياتنا والإعجاب ) ، يتكلم عن ظاهرة الإعجاب فحبذا الرجوع إليه .
هـ عاطفة الأمومة :
عاطفة الأمومة من العواطف التي تؤثر كثيرا على الفتيات ، وهي عاطفة أودعها الله في الأنثى ، وهذه العاطفة تبدو واضحة جدا في عمر مبكر من حياة الفتاة فنجد أنها تحب أن تقتني العرائس وتعاملها وكأنها تتعامل مع ابنتها ، وتفرغ فيها عاطفة الأمومة التي أودعها الله فيها .
وعندما تكبر الفتاة فإنها تتغير نفسياً وجسمياً ، ويتطور حبها للعرائس إلى حب لأطفال حقيقيين يملئون عليها حياتها وتستطيع أن تغرقهم بعاطفتها المكتومة والتي تكاد - بفعل الزمن وتأخر فارس الأحلام - أن تنفجر ..
وحتى تعلم مقدار هذه العاطفة وكيف تتناسى الفتاة كل شيء في سبيل توفيرها لنفسها ، فكر بمقدار الألم الذي قد يصل إلى الموت عند الولادة وكيف تنساه الفتاة في مقابل أن تسمع كلمة " ماما " ، ثم انظر إليها وقد خرج هذا الطفل منها وقد هدَّ جسمها ولاقت من العناء والألم ما قد لا يتحمله الرجال ، ثم لا تكتفي به وحده بل تحب أن تأتي بغيره أيضا . وبعد الولادة تبقى الأم تغرق طفلها بحبها وعطفها حتى يجعلها هذا الحب تستعذب ما يتأفف منه زوجها ويكرهه .
واليوم يعاني مجتمعنا من ارتفاع شديد في نسبة العنوسة ، وتأخر سن الزواج بالنسبة للشباب والفتيات ، وأصبح الزواج يكلف الشاب ما لا يستطيع أن يوفره إلا بجهد ومشقة . هذا بالإضافة إلى كثير من التعقيدات الاجتماعية الأخرى … فأصبحت معوقات الزواج كثيرة جدا لدرجة أن كثيرا من الفتيات قد يصل بها العمر إلى منتصف العشرينات وهي لم تتزوج بعد ، وبعضهن تستمر معاناتها لسن أكبر من هذا السن .
إذا تخيلنا هذا فإننا سنعلم أن هذه العاطفة تؤرق الكثير من الفتيات ، وأن علاقات الحب المحرمة قد يكون من أهم أسبابها أنها - في نظر الفتاة - سبيل للحصول على الأطفال .
و - حب لفت النظر :
هذه الصفة موجودة عند الفتيات الصغيرات والكبيرات ، فالفتاة منذ صغرها وهي تحرص على شكلها ومظهرها أكثر بكثير جداً من الولد ، ونجد أنها منذ أن تفهم وتعي ما يدور حولها تحب أن تتزين وتبدو في أجمل هيئة ، وهذا لا ينطبق على الولد في كثير من الأحيان .
أما السبب في هذا – وهذا السبب كذلك في غيره من الفروقات بين الرجل والمرأة – فيقال :
الله عز وجل خلق آدم من تراب ، وخلق حواء من آدم .. ولهذا فالرجل مرتبط بالأرض ، والمرأة مرتبطة بالرجل ، وهذا بالتالي يعني أن الرجل مرتبط بما لا روح فيه فيغلب عليه الجفاف العاطفي ، بينما المرأة مرتبطة بما له روح فتغلب عليها العاطفة .. وهذا أيضا هو سبب الفرق بين طريقة إثبات التفوق عند الرجل والمرأة ، فالرجل يثبت ذاته ويدلل على تفوقه بالعمل ، بينما المرأة تثبت ذاتها بعلاقاتها الاجتماعية مع الآخرين ..
ولهذا فإننا نجد أن الفتاة في التعليم المختلط مثلا تحرص على لفت الأنظار بجمالها وأناقتها ، بينما يحاول الشاب لفت الأنظار إليه بتفوقه على أقرانه .
وهذه الصفة في الفتاة قد تجعلها تلبس ما يغري الشباب بمعاكستها : كالنقاب الذي يبدي معظم الوجه ، والعدسات الملونة ، والعباءة الضيقة وغير هذا مما يكون سببا في لفت الأنظار إليها .
وهذا مما حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم حين منع من تطيبت من أن تأتي للصلاة في المسجد ، وحين حكم على من تعطرت " ليجد الناس ريحها " بأنها زانية .
إن حب لفت النظر لا تعني به الفتاة لفت نظر الشباب فقط ، بل لفت نظر الشباب والفتيات أيضاً لأن حب التزين والتجمل صفة تحبها الفتاة وتكون فيها حتى وهي في مجمع من النساء ( كالأعراس مثلا ) ، وقد يكون الإطراء أو النظر إلى زينتها وهيئتها بإعجاب فيه ما يكفيها من السعادة والرضا . ولذلك فإنه لا يشترط أن تكون الفتاة تنتظر نظرة إعجاب - بمعناها السيئ - بل قد تكون حريصة على نظرة إعجاب بريئة أيضاً !!
كيف يستطيع الشاب التلاعب بعواطف الفتاة ؟؟
وما هي الطرق التي يستخدمها في ذلك ؟؟
بعد أن ذكرنا أهم المشكلات التي تعاني منها الفتاة في مجتمعاتنا فإنه جاء الوقت الذي نجيب فيه عن السؤال المطروح في بداية الموضوع : كيف يستطيع الشاب التلاعب بعواطف الفتاة ؟؟ وما هي الطرق التي يستخدمها في ذلك ؟؟
يستطيع الشاب ذلك باستغلال مشكلة من المشاكل السابقة بذكاء وخبث أو بدون أن يقصد – أي بشكل عفوي – . فنجد أن المعاكس يلعب دورا من عدة أدوار : فتارة هو الطبيب النفسي المعالج والفتاة هي المريضة التي تجد في الشكوى إليه راحة تنقذها من الكبت الذي تحس به . وتارة هو الناصح الأمين الذي يرعاها ويبحث عن مصلحتها ولا يريد منها ولا لها إلا الخير . وتارة هو العاشق الولهان الذي وقع في حب تلك الفتاة بعد أن سمع صوتها أو نظر إليها في مكان ما أو قرأ لها مقالا يدل على ثقافتها ووعيها . وتارة هو شاب يبحث عن الاستقرار ويريد أن يتزوجها ويجمعها به بيت واحد .... إلى آخر هذه المداخل التي يدخل بها الشاب على الفتاة .
وقد يوجد من الشباب من هو محبوب بطبيعته وبدون خطط وبدون تكلف ، وهذا النوع من الناس يحبه كل من يختلط به سواءً أكان رجلاً أم امرأة .. والشاب الذي يتمتع بهذه الصفة قد يستغلها استغلالاً سيئًا في اصطياد الفتيات اللاتي يحببنه أو يملن إليه .
ويوجد من الشباب من يأسر الفتاة بسبب خطأ في مفهوم الحب والزواج عندها ، فبعض الفتيات تأسرها الأموال فتحب من تبدو عليه أمارات الغنى ، لأن المال مجلبة للسعادة . وبعضهن يقعن في حب الوسيم من الشباب ويكون همها هو أن ترتبط بمن يكون الجمال صفة فيه . وبعضهن يقعن في حب قوي الشخصية ، وبعضهن بصاحب المنصب الرفيع ، وبعضهن بالمثقف ... وهكذا !
ويوجد من الشباب من هو ساذج لا يعرف كيف يتعامل مع الفتيات ولا يعرف من أي مدخل يدخل إليهن ولا يعرف أن دون عرضها أبوابًا موصدة لن تفتحها إلا لمن كانت له همة - في الباطل والعياذ بالله - .
وكما يقال ( بالمثال يتضح المقال ) وهذه بعض الأمثلة المختصرة ، ويمكنك أخي القارئ أن تقيس عليها وتضع عليها مثلها من الأمثلة :
1- هي : أنا مهمومة ، وعندي مشاكل مع أهلي .. أحس أن الناس ضدي .. أحس أن ما لي قيمة في الدنيا .. أهلي دائما يعاملونني كالخادمة … الخ
هو : هذا غير معقول .. كيف واحدة مثلك يفعلون بها كذا ؟؟ احكي لي ما الذي حصل ؟؟؟
هي : اليوم حدث كذا وكذا ، وبالأمس حدث كذا ، أمي قالت لي كذا ، أبي منعني من كذا ... الخ .
وتستمر هذه المحادثة بين هذه الفتاة وهذا الشاب على هذا المنوال :
هي : عندها اكتئاب أو حزن وتريد من يسمعها .. وأهلها غافلون عنها ولا يمكنونها من الشكوى لأي منهم .
هو : عنده صبر ويعرف أنها تشتكي له وتريد من يسمعها و " يتعاطف " معها .. ومهمة المعاكس هنا أن يعطيها ما تريد حتى تصبح لا تستغني عنه لأنها تجد راحتها معه ، ثم بعد ذلك ومع مرور الوقت يحصل منها على ما يريد .
2- هو : أنا اليوم حزين جدا ، هل تعرفين لماذا ؟؟
هي : لماذا ؟
هو : بالأمس لم أستطع أن أتحدث معكِ ، وقد كنت أظن أني سأصبر ، ولكني ما استطعت واسودت الدنيا في وجهي … الخ
هنا يحاول الشاب أن يبين للفتاة أنه تعلق بها وأنه يحبها وأنه يتعذب بسبب حبه لها ، وبهذا يستغل نقطة ضعف عندها وهي حاجتها لمن يحبها ويشعرها بأن لها قيمة عنده وأن هناك من يهتم بها ويحبها .. وهي ستحس بحبه لها عن طريق مثل هذا الكلام المعسول أو الأفعال التي نحبها كالهدية أو كإرسال بعض البطاقات لها في مناسبة معينة أو بدون مناسبة .
ومع الأسف فإنه كلما زاد الأهل في المعاملة الجافة للبنت وحرموها من كلمات ولمسات الحب والعطف ، كلما كان تأثرها بكلمات الشباب أعمق وأعظم وأخطر .
3- " هي " تسمع منه أنه مسكين ومهموم ، وأن حظه في الدنيا سيئ ، وأن المشاكل تحيط به من كل جانب ، وأنه يعيش في دوامة من المشاكل التي لا يكاد يخرج من أحدها إلا ويقع في الأخرى ..
" هي " مفطورة على التفاعل بكل مشاعرها مع المهموم ، ومفطورة على مشاركة الآخرين مشاكلهم وأحزانهم ... وكلامه لها أيقظ عندها هذا الشعور ..
وهنا يستغل الشاب صفة " العاطفة الزائدة " عند الفتاة لأنه يعلم أنها ستتعاطف معه وأنها غالبا ما ستصدقه ، وربما مع الوقت ستحبه وتتعلق به .
4- " هو " يعلم أن حلم كل فتاة أن تظفر بزوج يكون أباً لأطفالها في المستقبل ، ويعلم أن عاطفة الأمومة تتأجج في صدر كل فتاة سوية ، ولهذا يعدها ويمنيها بالزواج وبالأطفال .
" هي " تعرف أن طريق الحلال لا بد أن يكون مباحاً ، وأن الزوج الصادق يطرق باب البيت ويخطبها من أبيها ، وتعلم أن الزوج لا يدخل البيت من النافذة !!
ولكن الوعود تلو الوعود ، وتعلق القلب بهذا الشاب ، وتحكيم العاطفة وإقصاء العقل تذهب هذا الخوف وتفتح الطريق للشاب ، وتفتح الأبواب الموصدة بابا تلو الآخر حتى يصل إلى ما يريده منها .