كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
تطل العلمانية في وقتنا الحاضر بوجهها القبيح -تحاول زلزلة ما استقر في نفوس عامة المسلمين من مرجعية الإسلام، والقرآن، والسنة للأمة كمحور وجودها وهويتها، ومصدر تشريعها الذي ترتضيه- وإن فرض عليها عبر العصور غيره، لكنه مرفوض منبوذ من أبناء الأمة كلها لا يقبله إلا شرذمة قليلة من العلمانيين الذين لا يخفون الآن كراهيتهم للإسلام نفسه -وإن تدثر بعضهم بمحاربة الإرهاب كسادتهم في الغرب-، وارتدى بعضهم ثوب الهجوم على الإخوان المسلمين متناسين عمداً أن ما يهاجمونه هو الإسلام نفسه الذي لا يخص الإخوان المسلمين، وكم من مخالف للإخوان ومختلف معهم ومع ذلك لا يقبلون مطلقاً سموم العلمانيين في الطعن في شرع الله -سبحانه وتعالى-، وعدم ارتضائهم للكتاب والسنة مرجعاً للحياة بل كل أهل الإسلام يرون ذلك مُرُوقاً من الدين ونفاقا أكبر لا يختلف فيه قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم )
ورغم قلة عدد العلمانيين المعلنين صراحة رفضهم للإسلام إلا إن صوتهم هو الصوت المرتفع المسموع الذي يكاد يتردد في جميع وسائل الإعلام، مما يدل على مدى تغلغل هذه القلة المنبوذة من الأمة في مراكز التأثير، ومحاولتها الدائبة للتحدث باسم الأمة رغم لفظ الأمة لها، وإن كانت القلة في الحقيقة لا تحترم إرادة الأمة ولا هويتها ولا انتماءها، ولا تراعى مصالحها ومصالح الوطن، ورغم أن تجارب العلمانية في المسلمين تجارب مريرة مازالت تنزف الأمة من آثارها، ومازال التخلف والفساد والانحراف يضرب بجذوره في كل طبقات المجتمع منذ ترك تطبيق شرع الله منذ عصر الاحتلال الغربي، وما سبقه من عصور الانحطاط، إلا إنهم لا يزالون يخوفون الناس -مسلمهم وكافرهم- من تطبيق الإسلام كأن خراب العالم كله في عودة المسلمين إلى دينهم وتطبيق شريعته، فهلا سألوا أنفسهم ماذا صنع الإسلام في الأمم التي حكمها مسلمة وكافرة عبر التاريخ؟ وماذا كان أثر تطبيق الحدود مثلاً على الناس؟ هل قطع من الرقاب والأيدي مثلما فعله الغرب بقوانينه وديمقراطيته أينما حل في بلاد المسلمين وغيرهم؟ كم رجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته في حد الزنا؟ خمسة أنفس ثلاثة منهم كان باعتراف منهم تخلصاً من الذنب وتطهيراً للنفس للقاء رب العالمين -كان سببا في طهارة المجتمع-؟ كم يد قطعها النبي -صلى الله عليه وسلم- عبر سيرته -المنصوص عليه لا يزيد على ثلاثة- امتنع بها الفساد في المجتمع وحل الأمن والطمأنينة؟ كم النفوس أزهقت من جانب المسلمين والكفار في كل حروب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الذين فتحوا المشارق والمغارب عبر أقل من خمسين سنة؟ لم يتجاوز عدد القتلى في حياته -صلى الله عليه وسلم- بضع مئات من الطرفين وبعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- لم يتجاوز الألوف تأسست بها أعظم دولة عرفها التاريخ، وأعدل سيرة حفظت عن أمة، ودخل الناس بها في دين الله أفواجا طوعاً واختياراً. فقارنوا بين هذه الأعداد وبين من قتلهم الغرب في عصور الاحتلال والعبودية في إفريقيا وآسيا، وبين من قتلهم الشيوعيون في تأسيس دولتهم ملايين لا تحصى في سنوات معدودة. وقارنوا بين هذا الجهاد في سبيل الله وحرب واحدة خاضها الغرب في ست سنوات هي الحرب العالمية الثانية قتل فيها 60 مليوناً من البشر لنزوة عصبية لدى رئيس من رؤسائهم عارضه غيره، غير المجروحين والمشوهين، ومن مات بطريق غير مباشر. قارنوا بين ما قدمه الغرب للعالم من انحلال وضياع للقيم، وانتشار للمخدرات، وتجارة الدعارة في زماننا، والذل والهوان الذي يعانيه المعذبون من الأطفال والنساء المخطوفين ليكونوا مادة لهذه التجارة المحرمة، فضلاً عما يسمونه فناً وأدباً من تجارة الجنس الرخيصة في الأفلام والمسرحيات والروايات وغيرها. أَبَعْد كل هذا الدمار يزعم العلمانيون أن الإسلام هو خراب العالم وضياع الحضارة وانحسار القيم؟!!
والله لولا العمى والصمم لما تفوه إنسان، ولا كتب حرفاً من ذلك، ولكن كما قال -تعالى-: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج:46).
فإلى الله المشتكي مما نقرؤه ونسمعه، ويفرض علينا أن نراه وإليه نرفع دعوانا (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) (الأنبياء:112).