وأقيموا الصلاة
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد...
فيقول الله ـ تعالى ـ:" وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ "
هذه ثلاثة أوامر من الله ـ تعالى ـ تفيد الوجوب ؛
فالأمر الأول :" وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ " أمر ٌ من الله ـ تعالى ـ بإقام الصلاة ظاهرا ًـ بالمحافظة على وضوءها ومواقيتها وبقية شروطها وأركانها وواجباتها وسننها ـ وباطنا ً بالمحافظة على روحها وهو الخشوع فيها بتدبر ما يُتلى ، واستحضار تعظيم الله ـ تعالى ـ في كل موقف من مواقفها ، وحال ٍ من أحوالها .
فالأمر الثاني: " وَآتُواْ الزَّكَاةَ " أمر ٌ بإعطاء الزكاة أصحابها وهي فريضة من فرائض الإسلام ، وركن من أركانها من جحدها كفر وارتد ، يُستتاب ُ ثلاثا فإن تاب وإلا قتل ، وإن كانوا جماعة لهم شوكة قاتلهم الإمام ، ومن منعها باخلا ً بها أخذت منه قسرا ً ، ويُعاقب بأخذ نصف ماله كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
والزكاة تكون في النقدين ( الذهب والفضة ) وما يقوم مقامها من الأوراق النقدية ، فإن بلغت نصابا ً ـ وهو من الذهب (85) جراما ً عيار (24) ، وفي الفضة (595) جراماً ، وتحسب بالفضة مراعاة لحق الفقير ـ، ومرّ عليه حول هجري فوجب ربع العشر.
· وتكون الزكاة في عروض التجارة ،وهي كل ما يعرض للبيع إذا قًوِّم فبلغ نصابا ً وحال عليه الحول ففيه ربع العشرأيضا ً.
· والزكاة تكون في الحُلي أيضا ً إذا بلغ 85 جراما ً عيار 24 ، فيقوم إذا حال عليه الحول ويُخرج ربع العشر.
· وتكون الزكاة في الزروع يوم حصادها ؛ فيما سُقي بماء السماء العشر وبما سُقي بالآلات والنفقة نصف العشر .
· والزكاة تكون في الأنعام السائمة على تفصيلات كثيرة مذكورة في كتب أهل العلم .
· والزكاة " تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
· والزكاة مواساة عظيمة للفقراء والمساكين وسبب من أسباب ألفة المجتمع وتماسكه، كما أنها سبب البركات من الله ـ تعالى ـ للأفراد والجماعات ومنع العقوبات قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا" الحديث. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
· فاحتاطوا لأنفسكم ، واحصوا أموالكم ، وأخرجوا زكاتها طيبة ً بها نفوسكم داعين الله ـ تعالى ـ أن يتقبلها منكم.
· واحذروا من البخل بها فالله ـ تعالى ـ :" وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " الآية
ويقول الله ـ تعالى ـ:" وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ".
ويقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
" ما من صاحب ذهب ولا فضة ، لا يؤدي منها حقها ، إلا إذا كان يوم القيامة ، صُفِّحت له صحائف من نار ، فأحمى عليها في نار جهنم ، فيُكوى بها حنبه ، وحبينه ، وظهره ، كلما بردت أ ُعيدت له ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يُقضى بين العباد ، فيُرى سبيله ، إما إلى جنة ، وإمل إلأى النار " الحديث رواه مسلم
· نسأل الله ـ تعالى ـ العافية ، وللناس أخطاء في الزكاة ؛ فمن ذلك أن بعضهم يظن أن دفع الضرائب يغني عن الزكاة ، وبعضهم يظن أن زكاة الفطر هي المقصودة بفريضة الزكاة ، وبعضهم يخرج من ماله دون إحصاء وحساب ، وبعضهم يتصرف في الزكاة ؛ فيخرج زكاة المال طعمة أو عينية ، وبعهضم يُخرج زكاة ماله إلى تاركي الصلاة والعصاة.
· هذه من الأخطاء التي ينبغي أن نحذرها ، وأن نتحوط لهذ العبادة العظيمة وأن نؤديها على الوجه التي يُرضي الله ـ تعالى ـ.
فالأمر الثالث:
قوله ـ تعالى ـ:" وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ "
هذا امر من الله ـ تعالى ـ بصلاة الجماعة ، والأمر يفيد الوجوب ما لم تأت قرينة صارفة إلى الاستحباب.
والأدلة كثيرة على وجوب صلاة الجماعة على الرجال القادرين حضرا ً وسفرا ً .
لحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل أعمى ، فقال : يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يرخص له فيصلي في نيته ، فرخص له ، فلما ولَّى دعاه ، فقال:" هل تسمع النداء بالصلاة " قال :" نعم . فقال :" فأجب " .رواه مسلم.
وفي رواية لأبي دواد في حديث ابن أم مكتوم قال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ" لا أجد لك رخصة "
فهذا رجل أعمى بعيد الدار ، ولا يجد له قائد يوافقه ويلازمه في المجيء إلى المسجد ، ولم يرخص له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ترك الجماعة ؛ فلا شك أن غيره أولى بذلك.
· وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ " من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر "
· وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لقد همممت أن آمر فتيتي فقيجمعوا حُزما ً حطب ثم آتي قوما ً يصلون في بيوتهم ليست لهم علة فأحرقها عليهم"
وهذا ظاهر في الفرضية .
· والآثار عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ تفيد ذلك أيضا ً.
· قال ابن المنذر ـ رحمه الله ـ : ولقد رُوينا عن غير واحد من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم قالوا :" من سمع النداء فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له ".
منهم ابن مسعود وأبو موسى الأشعري.
وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ" من سره أن يلقى الله غدا ً مسلما ً ،فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهن ، فإن الله شرع لنبيكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ سنن الهدى ، وإنهن من سنن الهدى ، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولو تركتم سنة نبيكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ لضللتم ، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ، ثم يعمد إلى المسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ، ويرفعه بها درجة ، ويحط عن بها سيئة ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف"
رواه مسلم.
· هذا وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنها سنة مؤكدة وهم الجمهور.· وذهب دواد إلى أنه فرض عين وهذا قول عطاء بن أبي رباح وأحمد بن حنبل وغيرهم.
· وقال الشافعي ـ رحمه الله ـ :" لا أ ُرخص لمن قدر على الجماعة في ترك إيتانها إلا من عذر". حكاه ابن المنذر.
· وهذا هو الصحيح لما ذكرناه آنفا ً من الأدلة ـ والله تعالى ـ أعلم.
· فلا يجوز أن تعطل المساجد من الجماعات ، وهذا من تخريبها لا من تعميرها كما قال الله ـ تعالى ـ.
· فليعمر بيوت الله كما أمر الله ـ تعالى ـ بالإيمان والعمل الصالح ، والحذر من التهاون بالصلاة مع الجماعة كما بينا.
والله نسأل أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا.