الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالكل يعرف قصة أصحاب السبت، وهم طائفة من اليهود حرم الله عليهم صيد يوم السبت عقوبة لهم على أمر، ثم ابتلاهم بأن الصيد لا يأتي إلا يوم السبت.
وقد قيل في المـَثل: إن الكلب قد ذهب إلى الأسد قائلاً: "يا ملك الغابة، اختر اسمًا حسنًا"، فقال: "نعطيك قطعة لحم ونأتمنك عليها إلى الغد، فإن حفظتَها ائتمناك على الاسم الحسن"، فقَبِل ذلك، ثم لما لم يصبر عليها أكلها قائلاً: "وما كلب إلا اسم حسن".
وهؤلاء اليهود لم يصبروا على هذا الابتلاء فانتهكوه واحدًا بعد الآخر حتى عمَّ فيهم المنكر؛ فمسخهم الله قردة وخنازير، ومن ثَم قيل لليهود: إنهم إخوان القردة والخنازير، وليست هذه بأُخُوَّة نسب، وإلا لقيل: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سورة الأنعام: 164]، ولكنها أخوة نسب مع رضى بالأفعال والسير على نفس الطريق.
إن قصة أصحاب السبت تلخص السمات النفسية لليهود:
1- التمرد على أمر الله.
2- الحرص على الحياة.
3- التظاهر على المنكر.
4- الاحتيال على أمر الله فضلا عن البشر.
ومضى أصحاب القرية وظل اليهود كلهم أصحاباً للسبت عبر العصور، يلزمون الدنيا بأسرها أن تغلق يوم السبت -لاسيما البنوك الربوية- بينما لا يتركون هم في دولتهم اللقيطة التنزه والتسوق يوم السبت!
وفي مؤتمر مدريد للسلام عقدت الاجتماعات وقت صلاة الجمعة والمسلمون -الذين لم يطلب دينهم الوسط غيرَ أداء الصلاة ثم الانتشار في الأرض- جالسون مع اليهود يفاوضون ويستسلمون!!، ثم صفعهم الوفد اليهودي إحدى صفعات غدره عندما غادر مدريد إلى تل أبيب بحجة أن اليهود يحرم عليهم العمل يوم السبت، رغم أن جدول الأعمال المعَد سلفًا كان يتضمن لقاءات يوم السبت.
والآن يعلن اليهود عن مهلة لحماس وغيرها تنتهي يوم الأحد، ويؤكد أن عطلة السبت إذا مرت بسلام؛ فإن هذا من شأنه أن يساعد مجلس الوزراء الإسرائيلي على تجنب توجيه ضربة لغزة في اجتماعه يوم الأحد، ثم تُوَجَّه ضربةُ الغدر إلى المدنيين العُزَّل في غزة ظهر يوم السبت!!
وأظن أننا لسنا في حاجة إلى أن نؤكد أن أخلاق الحرب في الإسلام وإن كان في قاموسها أن "الحرب خدعة"؛ فليس في قاموسها الغدر والخيانة ونقض العهود، حتى أن الله ألزم المسلمين المعاهِدين إذا ارتابوا من عدوهم وأرادوا فسخ العهد ألا يحركوا ساكنًا قبل أن يُعلِموا عدوَّهم بذلك؛ حتى يكون هو والمسلمون في معرفة انقضاء العهد سواءً {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [سورة الأنفال: 58].
ولكن اليهود لهم قاموس أخلاق لا يدانيه غيره سوءًا، حتى صارت كلمة يهودي تساوي جملة من القبائح والرذائل، وإن كانت في عيون الأمريكان ومن يضطر إلى الرؤية بعيون الأمريكان فضائل، الأمر ليس فيه جديد، ولكن الأمر الجدير بالتوقف عنده فعلاً هو: ما الذي يُلجِئ إسرائيل صاحبة الأسطول الجوي الخارق أن تقوم بكل عمليات التمويه والكر والفر تمهيدًا لقصف تلك البقعة الصغيرة من الأرض والتي تسمى غزة؟!
ترى ما الذي يدفعها إلى ذلك؟، أهو التلذذ بالغدر والخيانة؟، أم هي عقدة الخداع الاستراتيجي الذي صنع معهم يوم سبت في حرب العاشر من رمضان؟! (والتي انتصر فيها الصائمون المكبرون عليهم في يوم العاشر من رمضان قبل أن يعيد الإعلام تسميته إلى حرب السادس من أكتوبر).
وهل هذا الخداع يعيد إليهم شيئًا من هيبتهم المخابراتية التي تمرغت في الوحل في حرب رمضان؟!
الظاهر أنه أمر آخر غير ذلك كله، إنه الرعب الذي أخبر عنه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ» [رواه البخاري].
الرعب الذي يجعل إسرائيل تخشى من أي حركة جهاد إسلامية، مهما صغر حجمها وقل عددها وعدتها.
إنه الرعب الذي التقطت كاميرا أحد المصورين إحدى صوره لجندي إسرائيلي مدجَّج بالسلاح وكأنه دبابة بشرية ومع ذلك يفر من أمام طفل صغير همَّ أن يرميه بالحجارة!!
لقد بُحَّت أصواتُنا من تكرار لفت انتباه أمتنا المترامية الأطراف من إندونيسيا شرقًا إلى شاطئ الأطلسي غربًا إلى هذا المعنى. فاليهود جبناء {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [سورة الحشر: 14].
اليهود لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بمساعدة المسلمين قبل مساعدة الغربيين؛ لأن الذلة المضروبة عليهم لا تزول إلا بحبل من الله وحبل من الناس، والعون من الله لا يأتيهم إلا لفساد أحوال المسلمين، {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [سورة آل عمران:112].
وإذا كان اليهود يستأسدون اليوم على هذه الفئة المستضعفة من المسلمين، فلا أقل من أن نجتمع على اليهود بدعائنا عليهم، ودعائنا لإخواننا، وقنوتنا في صلواتنا، وعودتنا إلى ربنا، فبالطاعات يُستجلَب النصر، وتُستمطَر الرحمات.
وأنتم يا أهل غزة العزة: إن تضحياتِكم ليست بجديدة عليكم، وصمودَكم أنتم له أهل، وكسرَكم لشوكة عدوكم غرةٌ في جبين الدهر.
تقبل الله قتلاكم في الشهداء، وأحسن عزاء أهليهم فيهم، وثبَّت أحياءكم، وغفر لحَيِّكم وميِّتِكم، فصبرًا صبرًا.... {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [سورة النساء: 104].
وكفاكم فخرًا أن إسرائيل اضطرت إلى استخدام حيلها الدنيئة لكي تواجهكم مع تفاوت القوى المادية ذلك التفاوت الشاسع؛ فإيمانكم وقود معركتكم، ربما امتد شعاع نوره لأجيال بعدكم، فاللهم مجريَ السحاب منزلَ الكتاب هازمَ الأحزاب، اهزمهم و زلزلهم يا رب العالمين.