أرقام البطالة.. مبالغة أم حقيقة؟
هى مبالغة وليست حقيقية. هذا ما نقلت
ه وكالة الأنباء السعودية عن الدكتور عبدالواحد خالد الحميد، أمين عام مجلس القوي العاملة، حيث قال إن جميع الإحصائيات المتداولة والأرقام المنشورة حول البطالة بين الشباب السعودى مبالغ فيها، وأن البطالة الموجودة فى الاقتصاد السعودى هى بطالة هيكلية، حيث أنه توجد وظائف كثيرة ولكن لا تتوفر المهارات لدي الشباب السعودى المتقدمين لشغلها. وتقول أدبيات الاقتصاد إن هذا النوع من البطالة "يتعلق ببعض فئات المجتمع التى تعانى من استمرار فى معدلات بطالتها وطول أجلها حتي فى الأوقات التى تكون فيها معدلات البطالة فى الاقتصاد متدنية بشكل عام".
وتقول النظرية الاقتصادية إن "البطالة الهيكلية تعبر عن التعديلات غير الكاملة فى سوق العمل بسبب بعض القيود التى تحول دون تحريك الموارد الاقتصادية" وأن "ارتفاع معدلات البطالة فى أوساط الشباب يُغري إلي عوامل هيكلية إذا كان هؤلاء الشباب حديثى التخرج أو من ذوى المهارات المتدنية". وقد تزداد البطالة فى فئات أخري فى المجتمع لأسباب اجتماعية، كما هو حال المرأة السعودية؛ حيث أشار الدكتور الحميد إلي أن نسبة توظيف المرأة السعودية فى سوق العمل هى نسبة ضئيلة جداً لا تتجاوز 5%، مرجعاً الأسباب فى انخفاض هذه النسبة لعدم استطاعة المرأة السعودية العمل فى مكان يبعد عن مكان إقامتها وذلك لظروفها الاجتماعية. وكلام الدكتور الحميد صحيح، ولكن هناك عوامل وظروف اجتماعية أخري تسهم بشكل مباشر وقوى فى انخفاض نسبة مساهمة المرأة السعودية فى سوق العمل. وكلام الدكتور عبدالواحد الحميد عن البطالة الهيكلية صحيح أيضاً، ولكن البطالة الهيكلية هى جزء من كل. ويُعرف الدكتور عبدالمنعم محمد رشاد، المستشار بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض، بطالة بعض خريجى مرحلة التعليم العالى بأنها عرضٌ بلا مرض. وهو فى هذا التعريف المهنى يعرِّفها علي أنها بطالة هيكلية. ولكنى أعود وأقول إن هذا تشخيص لجزء من الظاهرة. وأسمح لنفسى بأن أستخدم كلمة الظاهرة. ولعل السبب لا يقتصر علي "الملاحظة العامة" التى يمكن أن يصل إليها أى شخص، حتي وإن لم يكن متخصصاً فى الاقتصاد، فى أن هناك أعداداً متزايدة من الشباب السعودى الباحثين عن عمل والذين لا يمكن تجاهل تزاحمهم علي الاستجابة للفرص المحدودة التى تفرض عليهم وخاصة فى المدن الكبري، حيث الجذب الحضارى. أى أن هناك أسباب أخري تفسر بعض الإحصائيات والأرقام المنشورة عن البطالة فى الاقتصاد السعودى. وأذكر فى هذا الصدد أن الدكتور محمد عبدالعزيز السهلاوى، رئيس صندوق تنمية الموارد البشرية، قد قدرها فى تصريح نشرته مجلة "الإدارى" اللبنانية مؤخراً بنسبة 20%. وهناك تقديرات مماثلة لهذه النسبة وربما أكبر مثل تقديرات المسؤولين بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
وهنا نطرح السؤال الكبير. هل أرقام البطالة هذه مبالغ فيها أم أنها أرقام حقيقية؟ السؤال سهل وسهل جداً، ولكن الإجابة علي مثل هذا السؤال الكبير تتطلب وجود معيار علمى لتقدير معدل البطالة فى الاقتصاد السعودى. وهذا شيء غير موجود. وقد تحدثت مع الدكتور عبدالواحد الحميد حول هذا الموضوع وعرفت اهتمامه الشخصى واهتمام الأمانة العامة لمجلس القوي العاملة به. وهو يدرك أننا بحاجة ملحة لترتيب البيت الإحصائى واستكماله وأهمية بناء وتطوير مؤشر علمى دورى لمعدل البطالة لأهميته كمعيار لأداء الاقتصاد وتوجهاته المستقبلية، ولأهميته فى الوقت نفسه فى الإسهام فى بلورة استراتيجية علمية وعملية للقضاء علي البطالة، سواءً كانت ظاهرة أم لم تكن، وسواءً كانت هيكلية أم لم تكن. أمام إفرازات البطالة فى المجتمع وتداعياتها الاجتماعية نتفق جميعنا علي آثارها السلبية ونتجاوز بكل تأكيد اختلاف الرأى حول نوعها، فالمرض مرض وإن اختلفت حدته أو خطورته. والصحة نعمة فى النفس وفى الاقتصاد.