|
الضرورة القصوى لتكامل الطاقات البشرية
الناقل :
elmasry
| العمر :42
| الكاتب الأصلى :
د. خالد عبدالرحمن الجريسي
| المصدر :
www.ecoworld-mag.com
الضرورة القصوى لتكامل الطاقات البشرية
د. خالد عبدالرحمن الجريسي
لو أني حدثتك عن رجل أُسندت إليه إدارة شركة عالمية كبرى, ذات تاريخ مِهْني عريق ومصداقية عزَّ نظيرها, وهو لا يدرك حتى مسمَّى تلك الشركة, فضلاً عن طبيعة عملها, ومعرفة أقسامها الداخلية وعدد فروعها، لقلت لي؛ حقًا إنه لمأزق كبير وعلى هذا الرجل التنحِّي فورًا, ليفسح المجال لمن هو أفضل منه ليتبوأ مثل هذا المنصب المرموق, وإلاَّ فإن الانهيار المريع والإفلاس السريع هو المصير الحتمي لتلك الشركة. فما بالك لو أني أبلغتك بأن هذا الرجل قد تجاسر على الاستمرار في مهمته المستحيلة, بل إنه بادر إلى حلِّ مجلس الإدارة, دون اعتماد مجلس آخر, وسارع بعدها إلى إلغاء كافة الأقسام الداخلية للشركة مع صرف العاملين بها, ثم هو يرجو بعدها الازدهار لشركته الكبرى!!
فأيُّ عَجَبٍ يتملَّكك من حال هذا الرجل؟
وأنا أقول؛ أو ليس كلٌّ منا قد خلقه ربُّه في أحسن تقويم؟ أو ليس كلٌّ منا قد منحه ربُّه مملكة عظمى من العطاءات؟ فهل تعرّف أحدنا على بعض قدراته الذاتية؟ وهل حاول استثمار شيء منها؟ وهل بادر إلى حسن إدارتها لتتكامل أقسامها؟ ثم هل نظر في جواره الإنساني باحثاً عن طاقات كامنة في غيره, ليَفِيد منها, أو لِيَهَبَها ما يُفيدها؟
كثير منا لم يفعل شيئًا من ذلك, بل ربما أوصد أحدنا كلَّ سبيل قد يوصله إلى ذلك, ثم هو يرجو، بل يطمح، أن ينهض بمجتمعه ليبلغ به منزلة الكفاية الذاتية, بل الرفاهية المنشودة.
إذًا, أو ليس كثير منا اليوم في مأزق كبير, يفوق بمرات مأزق مدير الشركة آنف الذكر؟
لقد أيقنت المجتمعات المدنية الحديثة الأهمية الكبرى لمبدأ التعاون الاجتماعي, والضرورة القصوى لتكامل الطاقات البشرية, فهيَّأت أولاً المناخ المنظِّم لهذا العمل, وهي تغذي نفوس أفرادها دومًا بنزعة التطوع في العمل لخدمة المجتمع، فإذا بالكفاءات لديهم ترتفع, وتزداد عندهم فرص العمل, وتتنامى في مجتمعاتهم حركة الإنتاج, لِتسدَّ بعدها كثير من الحاجات, ويتحقق قَدْر مقبول من التكافل الاجتماعي.
فما هي القواسم المشتركة لمؤسسات وأطر العمل التعاوني الاجتماعي؟ وهل تراها تتوافق مع شريعتنا لنعمل بها؟ أم تخالفها فنطرحها جانبًا ونضرب عنها صفحًا؟
العمل التعاوني ذو غاية اجتماعية إنسانية، كما في قوله عزَّ وجل }وتعاونوا على البِرِّ والتقوى|.
العمل التعاوني قائم أصلاً على نزعة التطوّع، كما ورد في قوله تعالى }فمن تطوع خيرًا فهو خير له|.
العمل التعاوني ذاتي التمويل، كما قال سبحانه وتعالى }وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم|.
العمل التعاوني يكون متماسكًا بفضل قيم مشتركة لدى العاملين فيه، كما جاء في قوله عزَّ وجل }هذه أمتكم أمة واحدة|.
فمَنْ أحقُّ من أهل الإسلام, بالتطوع والتعاون والتكافل؟
ولن نختلف بعدها على المسميات؛ مؤسسات, لجان تعاونية, روابط اجتماعية, جمعيات إنسانية. فإن اختلفنا على المسمَّى, فلنعلم أن غيرنا ممن جاورنا أو ابتعد عنا قد تخطى نطاق العمل التعاوني الاجتماعي التقليدي المقيَّد بالجمعيات والمؤسسات, وتكونت لديهم أطر مستحدثة لعمل اجتماعي واسع النطاق. وقد تجد اليوم فرق عمل يحوي أحدها مئات بل ألوفًا من الأفراد, يتواصلون بطرق الاتصال الحديث, وهم يسهمون بشكل فاعل في تنمية الشركات الاقتصادية, والمؤسسات الاجتماعية, والإعلامية, والمعاهد العلمية, ضمن شبكة علاقات تعاونية عامة, تتلاقح فيها الأفكار, وتتكامل فيها الجهود لتحقيق تنمية اجتماعية أفضل.
كل ذلك التنافس في التعاون الاجتماعي يتم عيانًا بيانًا, وآثاره مشهودة في واقع عالمنا المعاصر, ولم يفكر كثير منّا بعد بمعرفة طاقاته, فضلاً عن استغلالها ذاتيًا, أو التطوع بها لخير الناس.
فمتى ينفق كلٌّ منا مما عنده، ويدرك قوله سبحانه وتعالى ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه|؟
عضو الجمعية السعودية للإدارة - الرياض.
|