الحلقة 19:
نعيش اليوم مع مثال ضربه الله تبارك وتعالى لنا من أنفسنا حتى نحرر الأنفس المسلمة الحق عن الشرك ومن الشرك. تكلمنا في الحلقات السابقة عن مسألة التوحيد والتوحيد من القضايا التي يجب أن نفهم ما يقابلها فإفراد العبودية لله تبارك وتعالى يقابله الكفر لكن المصيبة التي قد يقع فيها بعض المسلمين أن يقابله الشرك فالشرك بالله قد يفعله المسلم دون أن يدري وهو ما يطلق عليه الشرك الخفي أما الشرك الظاهر فهي مسألة لا أخشى على المسلمين منها وإنما الذي أخافه على المسلمين الشرك الخفي، أن تحدد لك مسجداً به ضريح أو به شيخ قد دُفن وتقول سأذهب إلى فلان لأسأل الله تبارك وتعالى، أنا سأصلي في مسجد كذا. الله تبارك وتعالى في آية سورة الروم يضرب لنا المثال من أنفسنا ومن واقعنا (ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)) قضية تحتاج لوقفة وأعلم أن الآية قد تبدو صعبة لكن إذا فهمناها وتدبرناها سيهدينا الله إلى الصراط المستقيم، هذا المثال من واقعكم وهذا المثال يحدث لكم آناء الليل وأطراف النهار لكن أريد أن نقف على بعض الألفاظ المهمة جداً في قضية الإيمان والتوحيد وإفراد العبودية لله والمثال الذي يضربه الله تعالى لن تقبلونه أنتم على أنفسكم فكيف تقبلونه على الله تبارك وتعالى (ضرب لكم مثلاً من أنفسكم) المثال صاغه الله تعالى على صيغة سؤال فإذا أردت أن تعرف الحقيقة في قضية أنت مسلِّم بها لا تسأل عن خبر هذه القضية إنما تحول الخبر فيها إلى استفهام لتخرج الإجابة من فم من يجادلك ومن فم من يناقشك ومن فم من يعارضك. على سبيل المثال ولله المثل الأعلى إذا عملت معروفاً مع أحد الناس وتقول له أمام الناس أنا عملت لك كذا وكذا هذا الخبر يحتمل الصدق والكذب لكن إذا أردت أن تبين للناس أنك عملت معه المعروف فتقول ألم أفعل لك كذا؟ الإجابة لا بد أن تكون نعم، الإجابة بالإثبات. الله تبارك وتعالى ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هذا المثال تتوقع أن يقول حدث كذا وحدث كذا لكن الله تبارك وتعالى ساقه على سبيل الاستفهام (ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ) المثال عبارة عن سؤال من الله تبارك وتعالى الله تعالى رزقنا مالاً ورزقنا من هذا المال عبيداً وإماءً فامتلكت أيدينا هؤلاء العبيد وهذا من رزق الله لا من صنيعة أنفسنا فكل ما تملكه أنت في هذه الدنيا رزقك الله تعالى إياه لذا قال (فيما رزقناكم) كل ما تملكه رزق من الله لا دخل لك فيك. (هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ) الله فيما رزقك رزقك مالاً أي نقوداً وعقارات وأراضي وعندك عبيد هل تقبل أن هذ العبد الذي عندك أو الخادم يشاركك في رزقك الذي أعطاك الله تعالى إياه والذي تعتبره أنت مالك؟ يعني هل تقبل في هذا المثال أن الخادم الذي عندك الذي لم تخلقه أنت وإنما هو أيضاً من رزق الله تعالى لك هل تقبل أن يتقاسم معك مالك ويتصرف فيه كما يشاء؟ هل تقبل أن يشاركك أحد فيما رزقك الله تعالى إياه؟ بالمنطق السويّ لا تقبل فلماذا تقبل أن يشارك الله تبارك وتعالى ما عبدتم؟ أنتم لم تقبلوه على أنفسكم فكيف تقبلونه على الله تبارك وتعالى؟ والله تعالى يقول في الحديث القدسي: أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل لي عملاً أشرك فيه معي غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك" لأن الله الخالق الرزاق لا يقبل شريكاً في ملكه وأنتم إن عبدتم الله فقد أشركتم معه غيره (ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ) هل تقبلوا هذه؟ المنطق والعقل يقول لا أقبل أن يشاركني في مالي عبدٌ عندي فكيف تقبل وأنت عبد لله أن يشاركه فيك غيره؟ إن الذين أشركوا عبدوا جماداً سخره الله تعالى لهم، إذا نظرت إلى الكون تجد الجماد والنبات والحيوان والإنسان، الله تعالى رقّّى الجنس البشري وكرّمه على سائر الأجناس وجعل الله تعالى كل جنس يخدم الجنس الأرقى منه فالجماد يخدم النبات والجماد والنبات يخدم الحيوان والجماد والنبات والحيوان يخدم الإنسان بأمر الله تبارك وتعالى تسخيراً فكيف يعبد الإنسان جماداً من الأرض التي سخرها الله لجنسين قبلك ولك؟ هذا منطق عجيب، أولئك الذين عبدوا الأصنام والكواكب والنجوم أشركوا مع الله ما خلقه الله وما سخره الله تبارك وتعالى. هل تقبلوا على أنفسكم أن يشارككم من ليس له حق عندكم؟ فكيف تقبلوها في حق الله تعالى؟
(ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ) هذا سؤال، هل تقبلوا ذلك على أنفسكم؟ الإجابة لا، فطالما رفضت هذه الإجابة على نفسك وأنت مخلوق لله فكيف قبلتها على الله تبارك وتعالى؟ هذا المثال ساقه الله تعالى في سؤال وترك الإجابة لك وأياً كانت الإجابة ولا يمكن أن تكون إلا بالرفض قال الله تبارك وتعالى (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) الذي سيجيب على هذا السؤال وويرجع عما يفعله يكون عقله قد هداه هداية المعرفة العقلية بفضل الله وعليه أن يتناول القرآن ليأخذ الهداية الدينية لأننا قلنا أن العقيدة قائمة على نوعين من المعرفة الهداية العقلية من الله تبارك وتعالى وهي ليست منك وإنما أرجع الفضل فيها إلى الله تبارك وتعالى فتقول (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) والهداية الدينية هي المنهج الذي هو كتاب الله تبارك وتعالى الذي أنزله على رسوله r ليهدي به هذه الأمة. الموضوع يبدو صعباً لكن السؤال منطقي هل تقبل أن عبيدك وخدمك الذين ملكتهم بيمينك وهم من رزق الله تعالى هل تقبل أن يشاركوك في مالك؟ لا تقبل، إذن لماذا تقبله على الله تعالى؟ جدّد إيمانك وقل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أستغفر الله العظيم اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم إنا نسألك هداية لا معصية بعدها ونسألك توبة نصوح على مرادك فيها إن الله ولي ذلك والقادر عليه. هذا المثال الذي ساقه الله تبارك وتعالى ساقه حتى تكون الإجابة من نفسك ثم هداك وشرح لك الذي حدث في ملك الله (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29)) الذين أشركوا أو كفروا كان المعبود عندهم الهوى، هذه آية مبدعة. هذا سؤال آخر (فمن يهدي من أضل الله) إياك أن تقول لا أحد وإنما الذي يهدي هو الله، هذا الذي أضله الله نسأل الله له الهداية، هذا الذي أضله الله تبارك وتعالى الذي يهديه هو الله إن أفاء وعاد إلى رشده وإن سأل الله تعالى الهداية فإن الله تبارك وتعالى لا يؤخر الهداية عمن سأله إياها أبداً ولذا اسمع قوله تعالى (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى). أنتم لا تعبدون إلا الله (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) هؤلاء دائرة عملهم راجع لهم ولا يؤثرون عليك، القضية خطيرة وتحتاج لوقفة صدق مع نفسك. ساعة أمرك الله تعالى بالعبادة، هل أمرك بأن تعبده في مكان محدد؟ البعض يقول أذهب أصلي في هذا المسجد لأني أرتاح فيه أكثر أو صدري ينشرح فيه لأن فيه الشيخ فلان أو الولي فلان، الله تعالى في تعريفه واجب الوجود في كل زمان ومكان ولهذا يجب أن نصحح عقيدتنا والآية التي معنا في منتهى الإبداع البياني وفي منتهى الخطورة لمن يجادل (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم) لم يقل ماذا ظلموا؟ هؤلاء ظلموا أول ما ظلموا أنفسهم. (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ) سؤال يجب أن تجيب عليه اليوم لذلك فإذا سألت الهداية فاسأل الله والرسول r أطلقها فقال: "إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله" إن كان لك سؤال فلا تذهب إلى صغير أو كبير ولا تذهب إلى هذا الولي أو ذاك الشيخ ولكن إسأل الله في مكانك، ولكن إذا كانت عقيدتك أن الله تعالى واجب الوجود في كل زمان ومكان فاسأله في المكان الذي أنت فيه. وإياك أن تقول أنا ذاهب للعمرة حتى يغفر الله تعالى لي فماذا يفعل الذي ليس عنده مال ليذهب للعمرة؟ هل يضيع؟ كلا وإنما يستغفر الله تعالى من مكانه والبعض يظن أنه إذا عمل معصية يجب أن يهذب للعمرة ليستغفر والبعض يقول إفعل ما تشاء ثم اذهب إلى الحج ليغفر الله تعالى لك، كيف تؤجل الإستغفار عن معصية إلى موسم الحج؟ ماذا لو مت قبل موسم الحج؟ إياك أن تؤجل، إياك أن تسوّف ولذلك آيات القرآن الدالة على عظمة هذا الإله الحق في مسألة التوبة مثلاً (إنما التوبة على الله للذين يعملون السيئات ثم يتوبون من قريب) لم يقل يتوبون في موسم الحج أو العمرة وإنما قال من قريب فأسرِع بالتوبة الرسول r كان يستغفر الله ويتوب إليه من اليوم مائة مرة ولو قسمت مائة مرة على الـ24 ساعة فكم كان يستغفر في الساعة؟ إياك أن تؤجل التوبة وإياك أن تكون ممن (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم) فهذا الذي ضربه الله مثالاً من أنفسنا أنت لا تقبل أن يشاركك أحد في رزقك الذي رزقك الله تعالى إياه، انظر إلى هذا الإله الحق ساعة رزقنا اعتبرنا ملاّكاً لهذا الرزق وساعة طلب منك على سبيل المثال أن تزكي وتتصدق من هذا المال سألك أن تقرضه هو (من الذي يقرض الله قرضاً حسناً) ما هذا الإله؟ سبحانه وتعالى عما يشركون، سبحانه وتعالى عما يصفون. الأمر يحتاج إلى تدبر والآيات معنا أوضح من الشمس في كبد السماء (فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين) لا في الدنيا ولا في الآخرة ولذلك الآية الثانية (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)) والزم فطرة الله التي فطر الناس عليها (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)) أسأله تعالى أن يعيدنا إلى صحيح ديننا وأن يبعدنا والمسلمين عن الشرك والكفر وكل ما يؤدي إلى هذا الطريق إنه ولي ذلك والقادر عليه.