الحلقة 27:
نعيش اليوم مع قول الحق تبارك وتعالى (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)) آية في كتاب الله في سورة ق تحتاج إلى تدبر من نوع معين. ما هو الحق؟ بعض المفسرين يقولون إن الحق هو الموت ويريدون أن يطلقوا المعنى "وجاءت سكرة الموت بالموت الذي هو الحق" قد لا ترفض هذا المعنى لكن علينا أن نتوقف عند إطلاق اللفظ الحق وهو كل حقيقة غابت عنك في الدنيا أو كل حقيقة سعيت أنت إلى الوصول إليها وهذه نقطة فارقة هذا الذي يبحث عن الحق في الدنيا ليكون له الموقف الحق في الآخرة يختلف عن هذا الذي يعيش على مفاهيم ضالّة وبِدَع مُضلّة. في الموت آيات وبالموت نرى العجب واسمحوا لي في هذه الحلقة أن أتوقف في بدع نراها بأعيننا ساعة يموت أخ لنا في الإسلام. ولنتكلم بصراحة، الموت حينما يأتي الحق تبارك وتعالى يقول (وجاءت سكرة الموت بالحق) هذا الحق بالنسبة للميت وذكرنا ما يحدث للعبد المؤمن الذي يرى الحق وعنده رصيد في العقيدة يجعله يتخطى المسألة ويصل بفضل الله إلى الجنة والعبد الكافر يفاجأ بالحق وما عنده رصيد من الاعتقاد إنما اعتقاده كان فاسداً وكل ما عنده فاسداً فمصيره إلى النار والعياذ بالله. سنقف عند موقف في غاية الصعوبة إذا قلنا للناس ما هذا الذي يحدث قالوا هذا ما وجدنا عليه آباءنا للأسف الشديد عادات وتقاليد خرجت بالعبودية من مراد الله تبارك وتعالى إلى أهواء الناس. نعرض واقعة في هذا الموضوع عشتها بنفسي في هذا الموضوع وأسل الله تبارك وتعالى أن يغفر لي ولكم، مات أخ لنا في الله وانتقلنا لنحضر الجنازة والدفن ونعيش معهم هذا الموقف الذي لا يفر منه لا صغير ولا كبير وما إن وصلنا إلى هذا المكان وبدأت البدعة تعمل من اللحظة الأولى، أولاً ساعة يموت العبد تبدأ العائلة في حشد كل طاقتها يريدون أن يفعلوا شيئاً للميت لكن نسأل هذا الميت هل عمل شيئاً في حياته؟ تتمسك الناس بقراءة يس على الميت وأثبت أهل التحقيق أنه لا صحة لهذا الحديث عن سورة يس هو حديث موضوع عن رسول الله r. الحديث يقول "لكل شيء قلب وقلب القرآن يس إقرأوها على موتاكم" من حيث المتن ومن حيث السند: من حيث المتن لا يمكن أن يقول r هذا الكلام، أحمد بن حنبل مات من أجل أن لا يقول إن القرآن مخلوق لأنه لو قال بخلق القرآن لمات القرآن والقرآن كلام الله تبارك وتعالى وسينادي تعالى به بعد موت كل الخلائق لمن الملك اليوم؟ قالها تعالى بعد موت الجميع ومن ثم فالقرآن كلام الله باق ببقاء الله. هذه نقطة فهمها أحمد ابن حنبل واستوعبها فهل يعقل أن الإمام ابن حنبل فهمها ولم يستوعبها الرسول r ؟ ولا يمكن أن يقول r هذا الكلام "لكل شيء قلب وقلب القرآن يس" إذن الرسول اعتبر القرآن شيء وكل شيء هالك وهذا لا يمكن أن يقوله الرسول r هذا من حيث المتن. ومن حيث السند فيه كذاب ووضاع ومجهول وأهل التحقيق كلهم أثبتوا أن الحديث أقل ما يقال فيه أنه ضعيف جداً لكن هو في الحقيقة موضوع، فقراءة يس على الميت لا أصل لها فضلاً على أن في سورة يس آيات لا تليق بالموت فإذا كان الميت يسمع (هذه جهنم التي كنتم توعدون إصلوها اليوم بما كنتم تكفرون) هل هذا كلام يقال للميت؟. القرآن كلام الله ومنهج الأحياء لا علاقة للميت به والميت هذا لا ينفعه إلا القرآن الذي قرأه هو في حياته. ثانياً يؤتى بثلاثين رجل كل واحد يقرأ جزءاً ثم يقولون نهب ثواب هذه الختمة لروح فلان لكن من قال لك أنك أخذت ثواب القراءة؟ الهبة لا تكون إلا عن مِلك، فأنت الذي قرأت من قال أنك امتلكت حسنة توزعها على الناس وما هكذا فعل رسول الله r. دعك من الحج عن الميت والعمرة عن الميت لن ندخل في الخلافات الفقهية التي فيه. لكن نتعرض لحديث الكل يقوله ويأخذونه سنداً لهذا الفكر الخاطئ سنعمل للميت صدقة. عندنا آية في كتاب الله لو فهمناها ما تكلمنا هذا الكلام (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى) يُرى أي يفرز لأن ليس كل الأعمال ستقبل لا بد أن تكون الأعمال خالصة لوجه الله تعالى. (إلا ما سعى) أي ما سعى هو ويُرى أي يُفرز يقبل ما هو لوجه الله ويرفض ما فيه رياء ونفاق، فعندما أسمع هذه الآية هل أبقى جالساً حتى بعد أن أموت أحد يعمل لي عمرة أو يحج عني؟ هذه للأسف استقرت في الأذهان. ويحتجون بحديث الرسول r قال: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث (من ثلاث من عمله هو) وقال في الحديث الإنسان وليس ابن آدم لأنه ساعة تموت لن تكون إبن أحد وإنما ستكون لوحدك (ولقد جئتمونا فرادى) وتذكروا ما قاله r لأهله" إعملوا فما لا أغني عنكم من الله شيئاً من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
r أعمال جارية أي أعمال لا ينتهي الأجر عندها ساعة فُعِلت إنما تأخذ أجرها اليوم ويستمر أجرها لك إلى يوم القيامة لأنها أعمال متجددة وهذه الأعمال نوعين إما حسنات جارية وإما سيئات جارية. الذي بنى مسجداً يأخذ حسنات جارية والذي بنى مسرحاً هذا يأخذ سيئات جارية. في سورة ق قال تعالى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) لم يقل ما يعمل من عمل. الكلمة تقلها إما تكون حسنة أو سيئة، العمل تعمله إما تأخذ أجره حسنات أو تأخذ سيئات، إن كان صدقة جارية سيكتب لك إلى يوم القيامة لكن أن تكون أنت الذي عملته ولا ينفع أن يعمل أحد أمراً لأحد لأن الأمور في الإسلام كلها مبنية على النيّة، النية انعقدت أم لا؟ تقرأ القرآن وتهب ثوابه للميت نسأل هل الميت كان يقرا القرآن فيقال لا، لا يمكن أن يكون الدين يهذه الطريقة، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة. الله تعالى يقول (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله) ويقول r لأهله: إعملوا فما أغني عنكم من الله شيئاً من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" لن يقال هذا إبن من ولا والد من ولا من فعل له؟ إنما يقال ماذا عمل هو؟. الحديث "إذا مات الإنسان إنقطع عمله إلا من ثلاث (ثلاث أعمال عملها الميت)، إلا من صدقة جارية (أجراها هو) أو علم ينتفع به (تركه هو) أو ولد صالح يدعو له". وهذه تحتاج إلى وقفة (ولد صالح) يجب أن تفهم جيداً أولاً الرسول r لم يقل إبن، كل مولود ولد ذكر أو أنثى جارك أو تلميذك يعني كلنا ننفع بعضنا لكن هناك شرط، الصدقة أجراها هو والعلم هو تركه والولد الصالح ذكر أو أنثى تدخّل هو في صلاحه ليأخذ الأجر. الرسول r قال ولد لأنه لو قال إبن لكان ظلم الذي لم يتزوج والتي لم تتزوج والذي لم ينجب والتي لا تنجب، أحضر ولداً ربيه وأصلحه وأعطه ليتعلم وتدخل أنت في صلاحه حتى تكتب لك "أو ولد صالح يدعو له" فهذا الذي تدخلت في صلاحه وعلم أنك مت سيقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه " أو ولد صالح يدعو له" لو كان الولد طالحاً ودعى لك لن يُقبل. "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم نافع وولد صالح يدعو له" هذا الإنسان كان يسعى ويتحقق فيه قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) ومن ضمن سعيهم ثلاثة أمور هو عملهم وأخذ أجرهم ولكن أجرهم مستمر ليوم القيامة: صدقة تركها الميت قبل أن يموت، علم تركه الميت قبل أن يموت، ولد صالح أصلحه الميت قبل أن يموت والأمر لك يمكن أن تكون صدقتك الجارية عشرة آلآف صدقة ويمكن لك إن لم تكن عالماً أن تشتري كتب علم وتهبها لطالب علم يستفيد منها ويكون بعدها علماء كلما تعلموا من الكتاب أنت تأخذ الأجر. (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم) هذا لا ينفع لأن الدين لله ولرسول الله r وهو الذي وضّح لنا هذا الكلام فهل سمعتم أن النبي r ساعة مات فلان من أصحابه أو أهله قرأ له القرآن وأهداه الثواب؟ علينا أن نعيش على المنهج الصحيح وعلى السنة الصحيحة وقد عرضنا في الحلقات السابقة صحيح الإعتقاد. البعض يلقن الميت على القبر، من قال أن رسول الله r فعل هذا؟ الإجابة عن الأسئلة في القبر ستكون بلسان الحال لا بلسان المقال. علينا أن نتعلم ما يفيدنا الميت ساعة مات أفضى إلى عمله وما ينفعه هو الذي فعله هو وعلى قدر عمله يكون أجره. "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم نافع وولد صالح يدعو له" القضية تحتاج إلى وعي وإلى مفهوم صحيح، الدين بالنقل وليس بالعقل وصدق علي ابن أبي طالب ساعة قال لو أن الدين بالعقل لمُسح على الخُفّ من أسفله لا من أعلاه. إذا سألنا لم تمسح على الخف من أعلى؟ ستقول لأن رسول الله r فعل هذا وهذا لا نناقش فيه. أسأله تعالى أن يجلي لنا حقائق ديننا الحنيف وأن يجعلنا من المتمسكين بالدين القيم إن الله ولي ذلك والقادر عليه.