بتـــــاريخ : 3/30/2009 9:41:42 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1046 0


    طريق الهداية - التوبة والاستغفار 100

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : الدكتور محمد هداية | المصدر : www.islamiyyat.com

    كلمات مفتاحية  :
    التوبة الاستغفار

     

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. أسئلة كثيرة يطرحها مجرد التأمل التدبر في آية واحدة من آيات المولى تبارك وتعالى في سورة العنكبوت (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) وسألنا أسئلة كثيرة عن مسألة الفتنة والفرق بينها وبين البلاء والامتحان والاختبار. سألنا أسئلة كثيرة عن مسألة تصور الإنسان أن يقول كلاماً بلسانه لكن عمله لا يصادق على هذا الكلام وسألنا عن الناس الذين قالوا آمنا فُتنوا فماذا عن الناس الذين كفروا ولم يؤمنوا هل لن يكون عندهم امتحان أم أن امتحانهم وفتنتهم ستكون بشكل مختلف؟ أسئلة كثيرة جداً نحتاج أن نعيش معها في هذا اللقاء. أرحب بضيفي وضيفكم فضيلة الدكتور محمد هداية.
    د. هداية: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. طبعاً الأسئلة في اللغة في البداية: الفتنة موضوع الابتلاء، الابتلاء هو الامتحان والاختبار وبعض الناس يقولون أن الفتنة هي الامتحان والاختبار لكن الفتنة هي العملية نفسها ليست الامتحان عنوان والفتن هي العملية نفسها أن تأتي بالنار وتُدخل فيها سبيكة الذهب حتى نُخرج الذهب والباقي كله ينصهر. وفي الحلقة السابقة ذكرنا أن المثال مضروب منه وله يعني الذي سيسقط في الامتحان عقابه النار وأساس الفتنة أن تُدخل الذهب النار فهذا تشبيه تمثيلي جميل جداً. ما أريد أن نقف عنده اليوم الدعوة الإسلامية ليس من سبيل الصدفة الترتيب الذي حصل أنها تبدأ في مكة وتنتهي في المدينة. الرسول عليه الصلاة والسلام مر بأناس كفروا ومرّ بأناس نافقوا، لم يكن في مكة منافقين وإنما كان فيها كفار، هذا في الغالب الأعمّ. السؤال الذي نريد أن نقف عنده نتأمل الآيات وأنت سألت سؤالاً طيباً (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) هذا للذين قالوا فما بال الذين لم يقولوا؟ والذين لم يؤمنوا؟ أيهما أخطر على الإسلام إدعاؤه أو رفضه؟ إدعاؤه. هذه هي قضية الآيات والذي يؤكد معنى ولازم معنى الآيات أن كفار قريش كانوا محترمين لأنهم لو فهموا أن المسألة مسألة كلام لقالوا لا إله إلا الله إنما تصور هذا الكافر المحترم محترم لأنه فهم أنها ليست كلاماً وإلا لقالها مثل اليهود في المدينة. أنت تعرض قضية تطالب الناس أن تؤمن بها، القاعة فيها مائة شخص خمسين آمنوا بالقضية وثلاثين ادّعوا وعشرين رفضوا، أنت ستحترم أولاً الخمسين الذين آمنوا ثم ستحترم العشرين الذين رفضوا لأنهم كانوا واضحين لأن وضوحهم سيبين نقطة الخمسين أن المسألة ليست كلاماً وإلا لكانوا قالوها هؤلاء العشرين. إعلان الكفر في عصر الدعوة الأول يجب أن يخدمني اليوم لأن المسألة لو كانت كلاماً لقالوها بلسانهم وانتهى الأمر، عرفوا أن فيها التزام وكلمة التزام حتى مع الفتنة.
    المقدم: التطبيق على واقعنا هناك بعض الآنسات أو السيدات عموماً في مسألة الالتزام بالزي الشرعي أو الخمار يعرفون أنه فرض لكن نحن نفهم أن الحجاب التزام له التزامات معينة ليس فقط مسألة إلتزام بزي لكن سألتزم في منهجي وفي طريقة شغلي ونوعيته وأنا لست مستعدة لذلك فأنا أخشى أن ألتزم بالحجاب وأكون دعاية سيئة للمحجبات لأن مسلكي لم يلتزم بعد ولم يطبق إلتزام الحجاب لهذا سأوخر ارتداء الحجاب.
    د. هداية: لو كان منطق يقابل منطق عاقل لقال القرآن وليضربن بخمرهن ساعة يقدرن، ساعة يستطعن يعني لكان أعطاهم مساحة لكن القرآن قال (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (31) النور). المشكلة والذي يحزنني على هؤلاء الناس أنهم لا يفهمون مناط ما يقولون.
    المقدم: ويقولون أنهم سألوا علماء تقول أنا شغلي لا يسمح بارتداء الحجاب وصاحب العمل يمنعه فأكون مضطرة وفي مجال الإعلام هناك الكثير من المحطات التي تمنع المذيعة المحجبة وهناك جهات تريد مذيعات محجبات وهناك جهات تسمح بالإثنين لكن نحن نعمل في جهة ترفض ارتداء الحجاب ولو ارتديته لن أخرج على الشاشة.
    د. هداية: مع أن هذا عذر غير مقبول فما بالك بالتي ليس عندها عذر؟! نحن نرفض هذا العذر الذي ذكرته لكن ما بالك بالتي ليس عندها أي عذر فماذا سيكون موقفها؟! والخطير أن كل هذا من تلبيس إبليس
    المقدم: عملت مقارنة زمنية سريعة جداً في عصر نزول الوحي وأيامنا وسألت نفسي أيها أولى؟ السيدات اللواتي تجادلن اليوم في مسألة الحجاب وتتحججن بالظروف والمجتمع وغيره والنساء اللواتي كُن في عصر نزول الوحي وسألت نفسي هل هن كن أحسن منا أنهم كانوا يعيشون في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو موجود أو أنهم أحسن منا لأن الله تبارك وتعالى ارتضى لهم أن يخلقهم في ذلك العصر حتى يكونوا قدوة لنا لما تصل إلينا أخبارهم فنقلدهم؟. ساعة نزلت آيات الحجاب كل النساء قطعن قطعاً من قماش لديهن وغطّين رؤوسهن وسمعوا كلام ربنا من غير كلام ولا سفسطة ولا حجج وإنما سمعن كلام المولى سبحانه وتعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) الأحزاب) طالما وقعت العهد مع الله تعالى يعني سترضى بالشروط والعهد هو مع الله تعالى فكيف يمكنني أنا أن أشطب شيئاً من العقد مع الله؟! لماذا النساء في عصر الرسول صلى الله عليه قُلن سمعنا وأطعنا ونحن في عصرنا نقول سمعنا وجادلنا؟
    د. هداية: نفس الكلام الذي ذكرته في مسألة الحروف المقطعة قلنا أنه لم يسأل عنها أحد ساعة نزولها ونحن نسأل. هذه هي القضية، القضية على مراد الله في الزمن فإذا أراد المولى تعالى أن يأتي فلان في هذا العصر أو ذاك فلا يمكن لأحد أن يغير هذا الأمر وليس من حق أحد أن يتمنى أن يكون في العصر الأول هذا الكلام كله مفرّغ عن مضمونه. أنا أتكلم في نقطة أن المسألة مسألة الإيمان الحق انتبه الكفار الأوائل إلى أنها التزام وليست مجرد كلام. تخيل اليهود في المدينة عملوها بدليل أول سورة تكلمت عن المنافقين في القرآن سورة البقرة التي هي 87 في ترتيب النزول والتي هي أول سورة نزلت في المدينة المنورة وسبحان الله شاءت إرادة الله أن يعرض لك في هذه السورة المؤمن والكافر والمنافق ويترك المنافق للآخر لم يعرض النفاق بين الإيمان والكفر وإنما عرض التقوى ثم الكفر ثم النفاق وأفرد له 13 آية في حين أن الفئة الأولى ذكرت في 3 آيات والكفار ذكرهم في آيتين والنفاق في 13 آية ولم يأت به الله كمحلة وسط بين الكفر والإيمان كأن الكفر يقابل الإيمان أما النفاق فهو بلوى وفي الدرك الأسفل من النار جزاؤهم (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145) النساء).
    المقدم: في آية سورة الأحزاب (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36))
    د. هداية: انتبه لقوله تعالى (إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ)
    المقدم: هذه للذين يقولون أن السُنة لا داعي لتطبيقها.
    د. هداية: (إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) هنا ما كان لهم أن يكون لهم الخيرة يعني ليس من حقهم أن يقولوا أنا أرى أو أصل المسألة.
    المقدم: الخيرة من أمرهم في الطاعة أعمل أو لا أعمل لكن في مسألة الإلتزام في الزي الرشعي تحيرت بين من يقول أنه النقاب ومن يقول هو الحجاب
    د. هداية: أنا معك في هذا الكلام وأقول دعنا في الحجاب. الأصل النقاب لكن نحن في عصر وزمن صار الأصل فيه الحجاب وتنازلنا عن النقاب وأُشهد الله على ما نقول وهو أعلم بمقصدي. إجماع علماء الأمة على الحجاب وأنا مع علماء الأمة وسأعطل فهمي للنص حتى أنقذ الأمة. هذا موضوع في منتهى الخطورة ويدخلون لمناقشته بحجّة شيطانية إبليسية واضحة أنه ليس من أركان الإسلام! هل شرب الخمر من أركان الإسلام؟! ما هذا المنطق؟! والذي يروّج لهذا الكلام ويصفق له إثمه كإثم الذي يتكلم لأن الآية تقول (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) الإستفهام الأول (أ) هذا استفهام لإنكار المسألة، الهمزة للإستفهام وحسب يعني توهم كأنه يقول أنهم توهموا الوهم عملوه حقيقة وعلم؟ توهمهم هذا ليس على مراد القائل سبحانه وتعالى وإنما على هواهم هم. ثم يقول (يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) لا، بل يفتنون جاءت في معرض الردع.
    المقدم: هل يمكن أن نقول أن في اختيار اللفظ رسالة لمن يتدبر أن ينتبه أن امتحان الدنيا صعب أشبه بالنار؟ نعطي مثالاً تطبيقياً: الشاب الذي عنده صحة ما شاء الله وعنده كبت ويرى النساء الجميلات بدون حجاب وأجساد عارية وهو في فترة شباب وفتوة وشبق جنسي شنيع وهو يجاهد نفسه حتى لا يقع في الزنا والخطيئة
    د. هداية: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (69) العنكبوت)
    المقدم: هل تكون مكابحة النفس مثل النار كأني أضع يدي في النار؟ يدي في النار وشهوتي فيها وأنا أقول لا، طاعة الله، غضب الله!. نقول أمثلة ثانية لنربط المفاهيم والفتن الكثيرة التي نتعرض لها كمسلمين مؤمنين قلنا آمنا مع الواقع الذي نعيشه للأسف الآن أصبح صعباً على أناس كثيرين.
    المقدم: مسألة الفتنة دخول الذهب النار فهل كل الذي يتعرض له الإنسان في الدنيا من امتحانات صعبة كأنه فعلاً هناك نار تأكله كنار الغريزة الجنسية ونار المال الحرام والدنيا غالية ويقول أولادي والوضع المالي والشركة لا تعطيني حقي وغيره وهذا كله من تلبيس إبليس، يقول لك سميها عمولة سميها ما شئت
    د. هداية: الابتلاء موضوعه الفتنة والفتنة عملية تدخل السبيكة النار لتفرز المواد، الجنة أو النار نتيجة للإبتلاء لذلك قال تعالى (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (3) العنكبوت) لما فتن الذي قبلهم فما الجديد عندهم؟ المسألة من عهد آدم إلى يوم القيامة هذا قضاء الله أن تُعرض عليك الرسالة في كل الديانات فإما أن تقبل وإما أن ترفض، الذي رفض لم يدخل في توصيف الآية، أما الذي أعلن يكون عندنا مؤمن ومنافق.
    المقدم: أين الذي لم يؤمن ولم يُعلن؟
    د. هداية: الذين يعملون السيئات ذكرت الكل لكن جاء التركيز فيها على المنافق لأن هذه هي الخطورة، الكافر أعلن كفره ولم يخدعني. يقولون أنا لا أخاف على الدين من أعدائه ولكن أخاف على الدين من أدعائه، لأن هذا يقول أنا مسلم. النفاق هو إظهار شيء وإبطان شيء آخر هذا في حد ذاته خداع أولاً لي أنا كمجتمع لذلك لا يمكن أن أتقي شره لكن الكافر أراحني لأنه أعلن كفره صراحة فأتّقي شره إنما المشكلة في المنافق. توصيف سورة البقرة للكافر (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)) بدأ بتوصيف الذي عملوه، هؤلاءأعلنوا لكن لما تكلم على المنافق لم يقل إن الذين نافقوا وإنما قال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)) الآية فيها التفات، أنت ذكرت الخداع سابقاً وقال تعالى (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)) هو خدعني لكن عندما تقول خدعني تكون قد بالغت والصحيح أن تقول خادعك، تهيأ له أنه خدعك، أنا لما آمنت التصقت وصرت في معية الله فقال (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)) الخدع الحقيقي لهم هم لأن ربنا سيدافع عني وينجيني.
    المقدم: وربنا عارف ومطلع على السرائر
    د. هداية: هذه هي (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت) هنا سمّى النفاق كذباً. الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يأخذ الآية ويفهمها جيداً لأنه رسول والله تعالى أعطاه هداية الدلالة والمعونة فيقول صلى الله عليه وسلم "آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب" الرسول وصّف من القرآن "وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان" وقال شيئاً آخر "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً" زاد عليها "وإذا خاصم فجر" وإذا تمعنت في هذه الصفات الأربعة تجدهم جميعاً يندرجون تحت الكذب.لأن الكذب مخالفة الواقع ومخالفة الحقيقة. توضيفات سورة البقرة توصيفات رائعة يقول تعالى (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا (14) البقرة) قالوا قول فقط (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)) هذا خداع أما الخدع (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15))
    المقدم: أنت اخترت الظلمة فتسبقى فيها
    د. هداية: لماذا لن يرجع؟ لأنه دفع كل الهدى حتى يشتري الضلالة تخيل غباءه؟! قال (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)) كأنه اشترى بكل الهدى الذي عنده ضلالة فلم يبق لديه هدى واصبح يمشي على ضلالة. القضية أن المسألة تتعدى بكثير مجرد القول ويصل هذا التعدي إلى الصدق والجهاد قل ما تقول في الدرجات وفي القول قل ما تشاء الدركات ثم جاء قوله تعالى الذي قصمهم (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145) النساء) يعني في أحطّ دركة وأشد عذاب ولو انتبهنا للآية (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) السجدة) لماذا لم يقل أعيدوا إليها؟
    المقدم: لأنهم لم يخرجوا منها فعلاً؟
    د. هداية: لا، هم يمكن أن يكونوا خرجوا. أعيدوا تبين أنهم خرجوا لكن لو قال أعيدوا إليها قد توحي أنهم أعيدوا إلى أطرافها بعيداً لكن أعيدوا فيها تبين أنهم أعيدوا في وسطها حتى تتحقق الكلمة يعني في شدة النار. صدق القرآن (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)) ولم يذكر شيئاً عن النعيم وقال (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار) هذه تؤيد فكرتك أنهم لم يخرجوا ونحن سبق وذكرنا أن الخروج خروج حُكمي وقتي حتى يتحقق قوله تعالى (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ (56) النساء).
    المقدم: معنى اللغة يمكن أن ينطبق هنا مسألة إعادة العذاب (أُعِيدُوا فِيهَا) ممكن أن تعني أن الجلد يتغير فنعيد كرة العذاب
    د. هداية: نحن قلنا هذا ليس خروجاً من النار هذه مسألة تبديل جلد ليشعروا أكثر (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) يعني استوت
    المقدم: واستوى مراكز الإحساس بالألم في الجلد فلم يعودوا يشعروا بالعذاب
    د. هداية: لذلك قال تعالى (بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) هذه اللام (ليذوقوا) للتعليل حتى يشعروا ثانية بالألم. هذه الآيات تجعلنا نقول نحن لا نريد النار لا نقول أدخل النار قليلاً ثم أخرج! هذا كلام ناس أغبياء متخلفة عقلياً، الذي يفكر في هذا الكلام بعد أن سمع الآية هذا متخلف.
    المقدم: إذن الناس الذين يقولون هناك آراء فقهية وهناك آيات وأحاديث تؤيد هذا الرأية؟
    د. هداية: لا، لا يوجد آيات والذي عنده آيات تؤكد هذا المعنى فليرسلها لنا القرآن منطقه لا يتغير ولا يتعارض الآيات كلها تصب في اتجاه واحد والقرآن واضح وضوح الشمس في كبد السماء لا يحتاج إلى تبيين. القرآن قسم الجنس البشري إلى اثنين (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) (إن الأبرا لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) (فأما من أوتي كتابه بيمينه - وأما من أوتي كتابه بشماله) ليس هناك ثالث بل على العكس هناك آية (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) الحشر) لا يستوي، لو أخرجته من النار ولو للحظة تكون سويت بينه وبين أصحاب الجنة.
    المقدم: لو أن الله تعالى أكرمني بدخول الجنة مكرماً معززاً بدون عذاب بينما الآخر دخل الجنة بعد أن عُذّب بحسب كلامهم
    د. هداية: (لا يستوي) يعني لن تأتي لحظة يكونوا مستوين على قدم المساواة، لو كان الكلام كما تقول لكان لا يضير بضعة أيام في النار! لكن العذاب ليس هكذا وتوعّد الله تبارك وتعالى للمنافقين والكافرين ليس هكذا، الآية (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)) يعني أصحاب النار هم الخاسرون، لا يستوون.
    المقدم: هل الأحاديث التي تروى في هذه المسألة هل تحقق من صحتها أو أن هناك أحاديث مشكوك فيها؟ مثل حديث "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" هل هذا الحديث صحيح؟
    د. هداية: الحديث إذا عارض آية لا بد من الوقوف عنده وشرحه ونتحقق من سنده ورجاله، هذا الحديث يعارض آية!
    المقدم: هل ممكن أن نكون قد فهمنا الحديث خطأ؟
    د. هداية: هناك العديد من الأحاديث فهمناها خطأ
    المقدم: حديث "شفاعني لأهل الكبائر من أمتي" عملوا كبائر وانتهى الميزان وسيئاتهم أكثر والمفترض أنهم سيذهبوا إلى النار قبل أن ينفذ الحكم يقف الرسول صلى الله عليه وسلم فيشتفّع فعفو عنهم ربنا كما قال تعالى أنه يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، هل يمكن أن يكون هذا هو التصور؟ يتشفع الرسول صلى الله عليهم لهؤلاء عند ربه الذي رحمته سبقت غضبه فيغفر الله لهم فيدخلوا الجنة بدون أن يدخلوا في النار أولاً، هل هذا تفسير منطقي؟
    د. هداية: لا غير منطقي. المنطقي ما قاله القرآن في هذه النقطة، أنت تتكلم في شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر. القرآن سأل الرسول سؤالاً أريدك أن تجيب عليه وهذه من الأسئلة التي تركها القرآن حتى تجيب أنت قال (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) الفرقان) ماذا تتوقع أن يكون رد الرسول؟ سيقول لا طبعاً لأن هذا الإستفهام إنكاري.
    المقدم: هو سيقول أمتي أمتي فيقال له إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
    د. هداية: هذا الحديث الصحيح لأنه يقابل نص القرآن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "أصيحابي وفي رواية ثانية أمتي فيُحجز عنهم صلى الله عليه وسلم وربنا يقول له إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فهل يقول صلى الله عليه وسلم لربه لا، سآخذهم؟! غير ممكن. القرآن غالب يقول له (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) وكيلا بمعنى شفيعاً، ماذا ستكون الإجابة من الرسول؟
    المقدم: لا، طبعاً.
    د. هداية: إذا كنتم تريدون أن تكون الإجابة نعم وتريدون أن تخالفوا منطق القرآن فهو موضوع آخر. لكن القرآن ليس فيه آية تكلمت بهذا المنطق وهذا هو دسّ الإسرائيليين لمثل هذه المفاهيم حتى يزداد تلبيس إبليس على الناس ويقتنعوا أنهم مهما عملوا من معاصي لمجرد أنه قال (لا إله إلا الله) يدخل الجنة، هذه الآية دلت على أن القول ليس له أيّ اعتبار (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) إذن لما نفتنهم يجب أن يكون هناك نتيجة للفتنة إما ناجح وإما راسب فهل تريدني أنا أُدخل الراسب الجنة؟ هذا تهريج! إذن لماذا الامتحان؟ عندما يكون هناك تلميذ فاشل معك في الفصل وتجده قد انتقل معك إلى الفصل الثاني ماذا ستقول؟ هذا الكلام لا ينفع في المنطق القرآني ولا المنطق الإلهي.
    المقدم: قد يتوقف الناس عند قوله تعالى (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت) كيف يعلم؟ ألم يكن ربنا يعلم؟ أليس هو العليم الخبير؟ (فَلَيَعْلَمَنَّ) هل مناط تطبيقها يخص المولى سبحانه وتعالى أم البشر أنفسهم؟
    المقدم: العليم الخبير يستحيل عليه الجهالة حاشاه سبحانه وتعالى، الآية تقول (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت) هو سبحانه سيعلم من الصادق ومن الكاذب؟ هل هذا العلم يتنافى مع العليم؟ أو هذا العلم تطبيقه لأجل البشر؟
    د. هداية: أولاً الآية اختبار عقائدي للناس. إياك أن يتسرب إليك أن الله تبارك وتعالى ينتظر سبحانه وتعالى وحاشاه حتى يعرف من نتيجة الإمتحان، لا، كل شيء أزلي عنده بدليل كيف صنّف في القرآن المؤمنون والكفار والمنافقون؟ بعلمه الأزلي. هو وصف ماذا سيعملوا؟ هذا عمله. فرّق بين عِلم الله تبارك وتعالى الذي هو نتيجة القضاء وبين أنه أجبرني أو لم يجبرني، أنا إلى الآن إذا أردت أن أتنصّر أتنصر وإذا أردت أن أتهوّد أتهوّد.
    المقدم: أجمل تفسير قلناه لكلمة (كتب) أنها بمعنى سجّل وليس بمعنى ألزم.
    د. هداية: طبعاً لا ينفع أن تكون بمعنى ألزم لأنه سبحانه هو الذي قال (لا إكراه في الدين) منطق القرآن هكذا. هو بعلمه المسبق سبحانه قسم الناس إلى ثلاثة أصناف مؤمن، كافر ومنافق من أين علِم وهي أول سورة نزلت في المدينة؟ لم يكن هناك منافقون بعد، بدليل أنه قال (يخادعون) بصيغة المضارع يعني لم تحصل بعد. الفكرة أنك أنت تمتحن ثانية من النص عندما تسمع كلمة (فَلَيَعْلَمَنَّ) أنت ماذا فهمت منها؟ أن الله تعالى حاشاه ينتظر ليعلم أم أن هذا علم كشف لنا نحن؟ علم إظهار. أنت بخبرتك كمدرس تقول هذا الطالب ناجح وهذا راسب وهذا بين بين لو فعلت هذا سيقول لك الطالب أنت ظلمتني أنا أحسن من الذي قلت عليه متفوق فأنت تعمل له ورقة امتحان.
    المقدم: ولهذا في الثانوية العامة عندما يطالب الأهل بمراجعة الدرجة يأتون له بورقة إجابة ابنه.
    د. هداية: هذه الورقة علم كشف، فالنتيجة ظهرت وانتهت.
    المقدم: لكن هناك ملحوظة، في منطق البشر قد يُخطئ مصحح أو مراجع في النتيجة ويظلم ابنك في درجة أو درجتين لكن هذا يستحيل في حق الله تعالى.
    د. هداية: هذه ميزة الورقة، هذا عدل الله سبحانه وتعالى. في سورة الإسراء قال تعالى (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)) أنت حاسب نفسك! أهل اليمين قال (هاؤم اقرأوا كتابيه) والآخر قال (يا ليتني لم أوت كتابيه). إذن (فَلَيَعْلَمَنَّ) علم إظهار لكم وكشف الحقيقة التي خدعوكم بها (يخادعونكم) الذي خُدِع ما زال الله تبارك وتعالى معه يدافع عنه ويُظهره فقال تعالى (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ). في الأول قال (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) لأننا فتنا فتكرار المسألة في كل عصر وفي كل ديانة على منطق واحد وعلى مذهب واحد وعلى مقاييس واحدة ليس هناك اختلاف في المقاييس ولن يُظلم أحد (لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ (17) غافر) كان هناك ظلم لكن بين الناس بعضهم بعضاً لكن عند الله تبارك وتعالى لا ظلم اليوم.
    المقدم: أنا متأكد أنه ليس هناك ظلم ولكن هناك من سيسأل نحن حسب ما نرى هناك من تأتيه امتحانات سهلة وهناك من تأتيه امتحانات صعبة فيقولون لو جاءنا امتحان سهل لكنا نجحنا فيه، مثلاً فلان طيب لا افتقر ولا خسر عمله وهناك غيره
    د. هداية: كلٌ ميسر لما خُلِق له
    المقدم: الذي خُلق وهو لا يُبصر هذا امتحانه صعب
    د. هداية: امتحانه صعب لكن نتيجته مضمونة " من فقد حبيبتيه وصبر لا جزاء له عندي إلا الجنة" هذا كأنه امتحان مسرّب، سهل جداً هذا الابتلاء وقلناها كثيراً للذين أصيبوا بمسألة النظر. دعنا نتكلم بمنطق البشر: هل ينفع أن أضع أنا اختباري؟
    المقدم: هذا امتحان صعب!
    د. هداية: كلمة ابتلاء تعني أنه امتحان صعب نحن لا ننكر. كلمة الفتنة التي ذُكرت كلمة فتن يعني نار تصل درجة حرارتها لصهر المعادن يعني امتحان ليس سهلاً.
    المقدم: يروي لي أحدهم قصة رجل كان يبصر ثم أراد ربنا أن يفقد البصر وهو رجل صابر ومحتسب ويعيش حياته مع أولاده ويأتوا إليه فيلاعبهم ثم يذهبوا فيقول هذا الرجل أنه مشتاق جداً لأولاده فالرجل الآخر الذي كان يجلس معه قال له أولادك كانوا معك منذ قليل فأجابه اشتقت أن أمتع نظري برؤيتهم ورؤية ملامحهم.
    د. هداية: ولو كان ابنه مدمناً هل كان سيحب أن يمتع نظره به؟!
    المقدم: قضاء أخفّ من قضاء
    د. هداية: لا ينفع أن أضع امتحاني! كان المفروض فيه أن يرد على الرجل: هناك أب آخر لا يريد أن يرى وجه ابنه! هذا ابنه وهذا ابنه، والله ابتلاء الأب بابنه المدمن أصعب فأنت لم تر هذا المدمن وهو يشتم أباه ويسرق ماله وهنام أب قتل إبنه لأنه أذى أخته، الابتلاءات ليس لها حصر وكلها على مراد الله وهذا امتحان آخر لنا أن نسلّم لما أراده الله تبارك وتعالى. لو ينفع في المنطق البشري أن أدخل على وزير التعليم وأخبره أني سأضع امتحاني أنا بنفسي هذه السنة لا ينفع هذا في المنطق البشري فما بالك بالمنطق الألهي. أنت لم تفاجأ بهذا الكلام في القرآن فأنت تقرأه وأنزله الله تعالى لك. يمكن أن نقول هذا الكلام لو أن الله تبارك وتعالى تركنا من غير مناهج (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الرحمن) بعد أن وضع المنهج علّمه لنا، وضع المنهج قبل الخلق ثم علمنا إياه بعد الخلق إذن ليس هناك مفاجأة. ويكون كلام الرجل الذي ذكرته صح لو أننا تُركنا من غير مناهج ثم نأتي يوم القيامة فيحاسب الذي أخطأ بدخول النار ويحاسب الذي عمل صالحاً بدخول الجنة! هل ذكر لنا شروط من قبل أو تفاصيل؟! لكن اليوم القرآن بملء فيه يقول (إقرأ كتابك) لأن كتابك كُتب على هواك أنت. أيهما أسبق؟ بالمنطق القرآني المنهج أو الهوى؟ المنهج بدليل (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الرحمن) علم القرآن قبل خلق الإنسان إذن المنهج أسبق. لكن أنت عملت الهوى بعد أن قرأت المنهج، أنت عملت الهوى الذي قيل لك لا تفعله ونُبّهت إليه سابقاً.
    المقدم: وليس هناك فتنة أو ابتلاء خارج المنهج كما يحصل للطلاب أحياناً عندما تأتيهم أسئلة في الاختبارات من خارج المنهج.
    د. هداية: هذه المسائل وضعها القرآن في نصابها. الايات التي معنا في سورة العنكبوت بداية السورة ألفت النظر إلى نقطة أولاً لترى عظمة المناهج سورة العنكبوت في ترتيب النزول 85 وسورة البقرة في ترتيب النزول 87، البقر في تصور كثير من المفسرين أنها أول ما تكلمت في المنافقين، لكن سورة العنكبوت وهي مكية مهدت لمسألة النفاق ولما سيحصل عندما سيهاجر الرسول والمسلمون إلى المدينة، إذن المنهج سابق. (أَحَسِبَ النَّاسُ) حتى لا يهاجر أحدكم ويقع في مطبّ ويقال أنا غيّرت بلدي وأنا مهاجر أو غريب، قال (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)) ما معنى يسبقونا؟ لما اثنان يجريان وأحدهما يسبق هل يمكن للآخر أن يعاقبه؟ لا يمكن لأنه أفلت منه وسبقه. إذا يسبقونا بلازم معناها يفلتوا، إذا كانوا يعتقدون أنهم سيفلتوا من قضاء الله وعقوبته المقدرة ساء ما يحكمون، يعني ساء ما يتوقعون أو يظنون لكن في الحقيقة ليست كذلك. الكافر أنت كبيرك ككافر أن تكفر لكنك لا يمكنك أن تفلت من العقاب. أنت تمردت أمام الناس والذي تركك أنه قضى بذلك وعندما تركك كان لك فرصة أن ترجع فالرحمة التي استهزأت بها سيكون العذاب بقدرها بدليل أن الذي يرجع (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70) الفرقان) لو قال فأولئك يغفر الله لهم لكن رضى من الله لكنه قال (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) ضمن للذي تاب التوبة النصوح مستقبله، تخيل! والمستقبل لا يكون إلا بيد الله تبارك وتعالى. أنا أقول لك أنت تبت توبة نصوح ولن أخطئ ثانية، سأكون كاذباً لكن أسبق (لن أخطئ) بقول إن شاء الله بإذن الله لأني لا أستطيع أن أثطلقها لأنها بيد المولى عز وجل. المفسرون الذي فسروا هذه الآية في الفرقان أنه يبدل سيئاتهم حسنات في المستقبل أصابوا في أنه لا يعلم المستقبل إلا الله والذي يتكلم رب العالمين لو تابوا توبة نصوح لن يخطئوا نفس الخطأ ثانية، بقي عليك أن تصدق في التوبة وتصدق في القول وتصدق في الفعل هذه عظمة الأداء القرآني (وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) الفرقان) متابا أي المكان الآمن بصدق. من الذي أمّنه؟ هذا فضل جديد ونعمة جديد. لو كنت صادقاً في توبتك لن ترجع وإنما ستكون في أمان والمولى تعالى هو الذي يضمن هذا لك (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) العملية نجحت مائة ي المائة لأنه عملها بصدق أصابت مراده هو عندما كان صادقاً في التوبة، لكن الذي يتوب ويرجع نقول له كلمة توبة هنا إدعاء أنت طبقتها لكنها ناقصة شرط لم تعمل العملية المهمة في التوبة وهو الندم، أنت استكبرت العقاب واستكبرت الفعل فندمت؟ فيقول لك لا لم أنتبه لهذا قل له لهذا رجعت. يجب أن تقول لنفسك كيف فعلت هذا؟ استخفيت من الناس ولم تستخف من الله؟
    المقدم: هل الندم له طريقة؟ لما يعمل الإنسان شيئاً ويتركه مثل الزنا ثم خفت من العقاب لكنه وهو يمسك نفسه من الزنا يقول كانت أيام!
    د. هداية: الندم أن يندم أن يتذكر
    المقدم: الندم الحقيقي هو أنه أول ما يتذكر يستقبح ما فعله ويستحقر نفسه على الذي فعله.
    د. هداية: وعليه أو يقِف تفكيره فيها وإلا من هذه اللذة المصطنعة قد يدخل الشيطان مدخلاً آخر أو النفس العاصية. ولهذا آيات العنكبوت حاكمة فارقة في أن القرآن يتكلم بمنطق مبدع بالذات عندما تعرف أن السورة ترتيبها 85 وما زال الرسول في مكة والعملية ليس في مكة، وهو لا يشرح لك الأمور عندما تحصل فقط وإنما يمهد لك لما سيحصل.
    المقدم: إياك أن تكون من الذين يقولون فقط بلسانهم. جزاكم الله كل خير دكتور. هذه النقلة والإلتفاتة ستعيدنا إلى ختام وتتويج الحلقات في التوبة والاستغفار بعودة مرة أخرى إلى آيات سورة الفرقان حتى نتكلم على التطبيق وملخص لوصفة عباد الرحمن للنجاة من هذه الفتن حتى نلقى الله بقلب سليم وبوجه مستبشر نضر يتمتع بالجنة وإلى نور الرحمن سبحانه وتعالى. المسيرة متواصلة ويا رب يوفقنا وينور الطريق تابعونا دائماً في طريق الهداية. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    كلمات مفتاحية  :
    التوبة الاستغفار

    تعليقات الزوار ()