حوار مع فضيلة الشيخ ياسر برهامي(الجزء الأول)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ثم أما بعد،
صوت السلف: في أول حوار في موقعنا يسرنا ويسعدنا أن يكون ضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور ياسر برهامي، والشيخ ياسر ضيفنا في هذا الحوار نهنئه بافتتاح موقعه، ونستطلع منه بعضاً من خلفيات شخصيته ودعوته ومنهجه الذي يتميز به، وتتميز به الدعوة السلفية في الإسكندرية.
بداية نرحب بك شيخنا الفاضل ونهنئك بالموقع، وندعو الله عز وجل أن يجعله في ميزان حسناتك يوم القيامة.
- الشيخ: جزاكم الله خيراً الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
صوت السلف: في بداية اللقاء نود أن نتعرف على بياناتكم الشخصية.
الشيخ: الاسم/ ياسر حسين محمود برهامي حشيش
تاريخ الميلاد/ 25من صفر سنة 1378هـ - الموافق 9 من سبتمبر 1958 م
الدراسة/ خريج كلية الطب سنة 1982 طب الإسكندرية، وحاصل على ماجستير طب الأطفال سنة 1992، وحاصل على ليسانس الشريعة الإسلامية سنة 1999.
صوت السلف: وبيانات الأسرة إذا سمحتم لنا.
الشيخ: والدي رحمه الله كان يعمل مهندساً، ونشأت في أسرة ملتزمة،وبفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ كان جو الالتزام العام يؤثر فيها، وإن لم يكن تفاصيل الالتزام على ما نعلمه الآن من معاني الالتزام التفصيلي في سائر نواحي الحياة، لكن التدين بصفة عامة والتوجه إلى التزام الحلال واجتناب الحرام بعد المحافظة على الصلوات والعبادات الواجبة. والدي رحمه الله كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين في كفر الدوار حيث محل عمله وكذا سكنه لفترة من الزمن، وكان هو سبب في اقترابي من معاني الالتزام، وكذا كان عمي الدكتور برهامي حفظه الله هو أيضاً تربى معنا، رباه والدي كواحد من أفراد الأسرة.
صوت السلف: نفهم من ذلك أن النشأة الأسرية كانت هي العامل الرئيسي في اتجاهك للالتزام.
الشيخ: نعم، بالإضافة إلى تعرض والدي وعمي لمحنة الإخوان عام 1965 وقد بقي عمي محبوساً فيها لمدة خمس سنوات مما كان له أكبر الأثر في ارتباطي به لشعوري بشدة الظلم الواقع عليه. وكنا نذهب لزيارته في طرة ..... فكان هناك تعلق شديد وحب له، حيث لم يكن هناك سبب يقتضي أن يعتقل، وكان منهج الإخوان في ذلك الوقت ليس فيه هذا القدر الكبير من التميع الحالي، بل أتذكر أن أول قراءتي في مكتبة البيت كان كتاب رياض الصالحين وكتاب فقه السنة، وهذه الكتب أول ما أثر في، وأتذكر أني قرأت كتاب رياض الصالحين وانتهيت من قراءته في الصف الثالث الإعدادي، وشرعت في قراءة الأجزاء الصغيرة من كتاب فقه السنة بعدما خروج عمي من المعتقل سنة 1970، وبدأ يتغير الوضع، كان هناك توجه إلى المزيد من المحافظة على القرآن، المحافظة على الصلاة في أوقاتها، تعلم بعض أحكام التجويد وبعض سنن الصلاة، حيث كانوا يدرسون في المعتقل المغني وسبل السلام، وأتذكر أن أول من دلني على كتاب معارج القبول عمي أيضاً، فلذلك كان المنهج فيه قرب كبير أو فيه روافد كثيرة من المنهج السلفي.
صوت السلف: نفهم من ذلك أن دخول عمك السجن كان مرحلة، بينما كان خروجه مرحلة أخرى دفعتك للقراءة فماذا كانت المرحلة التالية؟
الشيخ: كانت المرحلة التالية في الالتزام بعد النشأة الأولى في المرحلة الثانوية، حيث كنا أنا والأخ أحمد حطيبة والأخ مصطفى خليل كنا نشترك معاً في الجماعة الدينية، كنا في فصل واحد، وكنا نلقي الدروس تحت إشراف مشرفها الأستاذ شاكر القطان حفظه الله؛ وهو أحد أفاضل الأساتذة وكان مشرف الجماعة الدينية، فكان هو يستمع، هو لم يكن يشارك ولكنه كان يستمع إلى الدروس التي كنا نلقيها في الفسحة، وكان هذا سبباً في مزيد من القراءة ومزيداً من المطالعة، والإمكانية الدعوية بدأت تتكون من خلال إلقاء هذه الدروس لمدة ربع ساعة يومياً.
صوت السلف: في نهاية المرحلة الثانوية وعلى أعقاب الجامعة كيف كان حالكم؟
الشيخ: أنهينا المرحلة الثانوية وفي داخل كل منا صبغة إسلامية قوية بفضل الله، وفي أثنائها منَّ الله علينا بإطلاق اللحية التي سمعنا القول بوجوبها سماعاً مرسلاً بلا دليل، فبحثنا في كتاب فقه السنة الذي كان يمثل المرجعية الفقهية لنا في ذلك الوقت فوجدنا فيه إشارة في الحاشية فيه أن الجمهور حملوا الأمر بإطلاق اللحية على الوجوب، ومن ثم قالوا بوجوب إطلاقها وحرمة حلقها، فعزمنا على الالتزام بذلك فمنَّ الله علينا بها والحمد لله رب العالمين.
صوت السلف: ماذا وعن الجامعة؟
الشيخ: عند دخولي الجامعة سنة 1976 التقيت بالإخوة في الجماعة الإسلامية التي كانت تمارس دوراً بارزاً في الدعوة إلى الله.
صوت السلف: هل يحضرك أسماء الشخصيات التي التقيتها أولا؟
الشيخ: كان أول من التقيته الشيخ أحمد فريد، حيث كان مقيماً في سيدي بشر في ذلك الوقت، وكان في مسجد السلام وكنت أصلي معهم التراويح من قبل أن أدخل الجامعة، وكان في سنة خامسة طب. وفي الجامعة تعرفت أيضاً على الشيخ محمد إسماعيل وكان أيضاً في خامسة طب، وتعرفت أيضاً على الشيخ سعيد عبد العظيم وكان في سنة خامسة وكذلك الدكتور إبراهيم الزعفراني.
صوت السلف: المعروف أن الدكتور إبراهيم الزعفراني أحد رموز جماعة الإخوان المسلمين.
الشيخ: الجماعة الإسلامية في ذلك الوقت كانت سلفية خالصة والدكتور الزعفراني وغيره كانوا على هذا المنهج إلا أن حصل الانقسام المشهور في صفوف الجماعة الإسلامية.
صوت السلف: هل عايشت هذه الأحداث عن قرب؟
الشيخ: نعم فإن هذه الأحداث وقعت بعدما كنت أعمل مع الجماعة الإسلامية.
صوت السلف: إذن فلنتحدث أولاً عن كيفية عملك في الجماعة الإسلامية.
الشيخ: ذكرت لك أننا تعرفنا على إخوة الجماعة الإسلامية في كلية الطب وفي أول الأمر كلفوا الدكتور أحمد حطيبة بالمسئولية عن كلية طب الأسنان بينما كنت أنا مسئول عن نصف دفعتي، وما زلت أذكر أول كلمة ألقيتها في مدرج الكلية وكانت قراءة في سورة الرحمن ثم كلمة عن شروط لا إله إلا الله فبقيت عالقة في ذهني لا سيما أن ذات الموضوع كان موضوع أول خطبة ألقيها في مسجد التقوى، وهكذا تعرفنا بعد ذلك على بقية إخوة الجماعة الإسلامية خارج كلية الطب كالشيخ أبي إدريس.
صوت السلف: عودة إلى موضوع انقسام الجماعة الإسلامية.
الشيخ: أخرج الأخوان من السجون والجماعة الإسلامية موجودة على أرض الواقع بمنهجها السلفي النقي، وفي بداية الأمر لم يحاول الإخوان إظهار كبير فرق، وكانوا مثلاً يحافظون على الهدي الظاهر، ولم يتعرضوا للكتب السلفية التي ندرسها وظل الأمر على ما هو عليه من دعوة الجماعة الإسلامية المتميزة بمنهج سلفي واضح جداً مع الاستفادة بالطاقة الحركية الموجودة عند الإخوان، وكذلك طاقة الشباب العالية. وتمت معسكرات صيفية سنة 77، 78، 79 كلها كانت ذات منهج سلفي، كان يوزع فيها كتاب الأصول العلمية للدعوة السلفية، وكان يدرس فيها كتاب تطهير الجنان والأركان عن درن الشرك والكفران، كلها كانت صبغة سلفية في جميع الأشياء، بدأ النزاع يظهر بعدما قويت شوكة الإخوان ومحاولة فرض منهجهم على الجماعة الإسلامية، فبعض الشباب اختار المحافظة على المنهج ولو على حساب الجماعة، والبعض الآخر أختار المحافظة على الجماعة ولو على حساب المنهج.
صوت السلف: ومتى حدث التمايز الواضح وكيف؟
الشيخ: حصل ذلك في أوائل سنة 1400هـ ، وكنت آنذاك في رحلة عمرة في شهر رمضان وبقيت هناك إلى الحج فعدت لأجد الأخوة الذين آثروا الحفاظ على المنهج السلفي قد انسحبوا من الجماعة الإسلامية.
صوت السلف: ألا يمكن أن تحدثنا عن هذه الرحلة قبل الاستطراد في تفاصيل الانسحاب من الجماعة الإسلامية؟
الشيخ: هذه الرحلة كانت ذات أثر كبير جداً علي، وكانت في صيف السنة الثانية في كلية الطب سنة 79 الموافق رمضان من سنة 1399 إلى حيث سافرت إلى العمرة في رمضان وبقيت إلى الحج. خلال هذه الرحلة لزمت دروس الشيخ ابن باز رحمه الله، وكانت القضايا التي كانت تمثل نقاط اختلاف في الدعوة أو في العمل كلها كنت أسأله عنها بطريقة مباشرة، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، ومن خلال كثرة الحضور جعل الله الشيخ سبباً في تسهيل الحج في مخيمات هيئة التوعية الإسلامية، وقدر الله سبحانه وتعالى من فضله أن يكون الشيخ المسئول عن الخيمة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى، فلازمنا فترة الحج كلها.
صوت السلف: يعني حضرتك بقيت فترة الحج بصحبة الشيخ محمد بن عثيمين.
الشيخ: نعم بقيت مع الشيخ ابن عثيمين فترة الحج كلها، وطبعاً في ذلك الوقت لم يكن قد اشتهر الشهرة العالية جداً مثل الشيخ بن باز رحمهما الله تعالى، ولكن أعجبت به وبأسلوبه العلمي الدقيق، وفتاواه المنضبطة جداً.
صوت السلف: أظن أن هذه الفترة لابد وأن تظل محفورة في ذهنك.
الشيخ: نعم بلا شك، للقائي فيها بالعالمين الشامخين ابن باز والعثيمين كما أنه قد حدثت فيها أحداث الحرم وهذه الأحداث التي وقع فيها عدد كبير من المنتسبين إلى العلم والدعوة عصمنا الله تعالى بفضله من الوقوع فيها. وكان الشيخ محمد إسماعيل قد حضر إلى الحج ونصح الإخوة آنذاك بالبعد عن الفتن وهو ما اتفق عليه جميع الأخوة الموجودون هناك آنذاك.
صوت السلف: عودة إلى موضوع الانسحاب من الجماعة الإسلامية.
الشيخ: بعد العودة وجدت تغيراً كبيراً حصل في منهج الجماعة وكان الإخوة في السنة الثالثة في كلية الطب مرتبطين بي ارتباطاً قوياً جداً، فظلوا معي، ومعظم الشباب استمروا على المنهج السلفي في ذلك الصيف، ولما حضرت إلى معسكر الجماعة الإسلامية كالمعتاد وجدت تغيراً كما يقولون مائة وثمانين درجة إلى منهج الإخوان، فلم أستطع أن أكمل المعسكر وانسحبت، وانسحب معي مجموعة كبيرة من الإخوة، وهنا ظهر أن هناك عمل إخواني صرف، وهو ما يسمى بالجماعة الإسلامية، أما الدعوة السلفية فهي عبارة عن مسجدين أو ثلاثة فقط، كان منهم مسجد التقوى ومسجد السلام ومسجد عباد الرحمن في بولكلي ومسجد نور الإسلام.
صوت السلف: هل كان هناك مساجد أخرى في ذلك الوقت؟
الشيخ: لا كان مسجد نور الإسلام، في البداية كان مسجد أحمد بن حنبل الذي كان الشيخ أحمد حطيبة مسئولاً عنه، وبعد ذلك أصبح مسجد نور الإسلام لما انتقل إليه الشيخ، لكن لم يكن هناك يربط الإخوة ببعضهم في ذلك الوقت إلا المنهج.
صوت السلف: وهل ظل العمل الدعوي السلفي قاصراً على المسجد فترة طويلة أعني متى عاد العمل السلفي إلى الجامعة؟
الشيخ: في سنة رابعة كان الأخ عماد عبد الغفور اقترح أن نعمل عملاً سلفياً في الجامعة، فوافقت واتفقت أن نكون مشتركين معاً في هذا العمل، فبدأ العمل فبدأ الصدام مع الإخوان الذين كانوا يعملون باسم الجماعة الإسلامية.
صوت السلف: ومتى كان ذلك؟
الشيخ: هذا كان في سنة 1980، وهي التي حدثت أحداث كلية الطب فيها، هذه الأحداث كنا نوزع أوراقاً ونعمل محاضرات في ساحة الكلية ونسميها ندوة، ونتكلم فيها عن قضية التوحيد وقضايا الإيمان باليوم الأخر ويتكلم فيها الإخوة، فخطط الإخوان لمنع هذا اللقاء، ومنع خروج الناس والمشاركة، وحصل صدام بين بعض الإخوة وبعضهم، وساعتها حدث نوع من التخبط في المواقف، لأنهم كانوا مرتبين أمورهم جيداً ونحن فاجأنا مثل هذا الموقف، بعض الإخوة طالب بالانسحاب، وبعضهم طالب بالرد بعنف، وظهر ارتباك شديد جداً في صفوفنا أمام الناس، وساعتها التقى الأخوة مع بعضهم واتفقوا أنه لابد أن يتم العمل بطريقة مرتبة بينهم وبين بعض، ما يشبه باتحاد الدعاة بين الإخوة الذين يعرفون الآن بشيوخ الدعوة السلفية أو رموزها، وتم الاتفاق على أن الشيخ أبو إدريس هو قيِّم المدرسة السلفية، وتواجد العمل في المساجد بالإضافة إلى العمل في الجامعة، وحدثت احتكاكات أقل بعد ذلك لكن بقيت مستمرة.
صوت السلف: ومتى توقفت هذه الاحتكاكات أو اضمحلت؟
الشيخ: لقد تلاحقت الأحداث فدخل عدد من الإخوة السجن ضمن أحداث سبتمبر1980 التي دخل فيها رموز من مختلف الحركات الإسلامية منهم الشيخ أحمد حطيبة من السلفيين كما اعتقل الشيخ محمد إسماعيل بعد ذلك كما اعتقل الشيخ أحمد فريد بسبب رفض حلق اللحية في الجيش ولم يبق في الخارج إلا الشيخ سعيد عبد العظيم والشيخ أبو إدريس وأنا فتعاونّا في أمر الدعوة بفضل الله عز وجل إلى أن خرج الإخوة المحبوسين.
صوت السلف: ومتى أستأنفت النشاط الدعوي مرة أخرى؟
الشيخ: ظلت الدعوة السلفية، وكذلك الإخوان متأثرين بهذه الأحداث حتى منَّ الله علينا في عام 84 وبدأنا العمل حتى قبل الإخوان واستأنفنا النشاط في الجامعة وكونَّا أربع أسر في كليات الزراعة والتربية والهندسة والطب، وكتبنا عدداً من الرسائل تم توزيعها من خلال هذه الأسر جمعتها فيما بعد في كتاب "معاً على طريق الجنة".
صوت السلف: إذن يمكن القول بأن أصول كتاب "معاً على طريق الجنة" تمثل أول مؤلفاتك؟
الشيخ: لا بل سبقها كتاب فضل الغني الحميد الذي أعددته في أول الأمر كمذكرة تشمل اختصاراً لكتاب التوحيد لتدريسه للإخوة وكان هذا في عام 80 قبل الأحداث التي أشرت إليها.
صوت السلف: قبل أن ننتقل إلى محطات أبعد في المشوار الدعوى ، نريد أن نعود إلى نقطة شخصية أخرى، وهي أنك ذكرت لقياك بالشيخين ابن باز وابن عثيمين، فهل لقيت غيرهما؟
الشيخ: نعم التقيت بالشيخ ابن قاعود والشيخ أبي بكر الجزائري كليهما في زيارته للدعوة هنا في الإسكندرية وكذلك التقيت بالشيخ عبد الرزاق عفيفي في رحلة حج طال مقامي فيها هناك لظروف مقتل السادات.
أخي الكريم تابع معنا في الحلقة الثانية من الحوار
قصة لقيا الشيخ بالشيخ أبي بكر والشيخ ابن قاعود والشيخ عبد الرزاق عفيفي .
موقف طريف ومناقشة علمية مع الشيخ الجزائري
الدعوة السلفية من 84 إلى 94
أزمة 94 وأزمة 2002
والواقع الحالي