حوار مع فضيلة الشيخ ياسر برهامى (الجزء الثاني)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
يسر موقع صوت السلف أن ينشر الجزء الثانى من الحوار الذى أجريناه مع الشيخ/ ياسر برهامي (المشرف على الموقع)، ونحب أن نشير إلى أن الحوار تم مرة واحدة وجزّأناه في النشر على حلقتين، وثمة حلقة أخرى من الحوار لم تتم بعد يمكن لمن أراد أن يرسل الأسئلة التى يقترح علينا أن نسألها للشيخ وإن شاء الله يجد إجابة عليها فى الحلقة الثالثة من الحوار.
لقراءة الحلقة الأولى اضغط هنا
صوت السلف: ذكرت لنا أن ممن التقيت بهم الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله، والشيخ أبو بكر الجزائري، والشيخ ابن قاعود، فلتكن البداية بالشيخ عبد الرزاق عفيفي كيف ومتى كان اللقاء معه؟
الشيخ: كنت فى رحلة حج عام 1981 وبقيت شهراً بعد الحج حتى هدأت الأوضاع بعد مقتل السادات، وكان الشيخ عبد الرزاق عفيفي أهم من التقيت به، فكان كثير من القضايا الحساسة جداً التى طرحت فى المجال الدعوى بعد ذلك كانت مستفادة من مجالسة الشيخ رحمه الله، والطرح مفيد جداً رغم قصر المدة، والشيخ ابن باز رحمه الله كان يقدر الشيخ عبد الرزاق عفيفي تقديراً بالغاً جداً، وكان رغم أنه كان نائب الرئيس فى اللجنة الدائمة إلا أن كان لا يجلس إلا إذا جلس الشيخ، يعنى كأنه يعتبره شيخه.
فكان الشيخ عبد الرزاق عفيفي له فهم دقيق جداً بمسائل الواقع.
صوت السلف: خاصة وأن الشيخ شهد الواقع المصري.
الشيخ : نعم، ولهذا كانت مسألة غاية في الفائدة حقيقة، يعنى مثلاً في الكلام على قضايا الحكم بما أنزل الله كان كلامه فيها هو الذى سجلناه فى الكتب، مع التفريق طبعاً بين النوع والعين، وهذا أمر معلوم، لكن الشيخ عبد الرزاق عفيفي كان كلامه فى منتهى الوضوح، هو كان رئيس لجماعة أنصار السنة، ولذلك أنا أجزم بأن المخالفين لنا فى هذه المسألة ممن ينتسب لأنصار السنة مخالفون للشيخ حامد الفقى مؤسس الجماعة ولأعلم شيوخها بعد ذلك الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
صوت السلف: هل نستطيع أن نقول أن الدعوة السلفية لها تاريخ تستمده من وراثتها لمنهج جماعة أنصار السنة المحمدية الأصيل؟
الشيخ: هي تأثرت بلا شك، لأن جماعة أنصار السنة كانت على منهج أهل السنة والجماعة وتميزت بنشره على يد الأستاذ حامد الفقي، وعلى يد الشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ عبد الرحمن الوكيل، كل هؤلاء لهم تأثير ضخم، وكان كذلك الشيخ محمد على عبد الرحيم، وإن كان منزلة المشايخ المتقدمين فى العلم أعلى، لكن كان لنا معه بعض المجالسات ولكن ليست بالطويلة، فبالتأكيد تأثرت الدعوة، لكن استفادت من خلال تجربة العمل فى الجماعة الإسلامية بنوع من التواجد وسط الشباب، لكن مع الحذر من الأخطاء الحركية والمنهجية التى وقعت فيها جماعة الإخوان.
صوت السلف: لماذا لم تعملوا ضمن جماعة أنصار السنة؟
الشيخ: الحقيقة أن هذه المسألة كانت تتوقف على شخصيات القائمين على الجماعة فى الأماكن المختلفة، ففي الإسكندرية كان هناك طائفة لا تستوعب الشباب ولا طاقاتهم بل تكاد تحصر نفسها في قضايا بعينها تتشدد جداً فيها وتهمل غيرها رغم أن الحق غالباً ما يكون فى خلافها مثل قضية الاقتصار على الصحيحين فى الاستدلال ومثل قضية إخراج القيمة فى زكاة الفطر ومثل قضية إنكار المهدي، ولقد كان الوضع فى الإسكندرية لا يحتمل أي تطوير للعمل من خلال الوضع القائم فى حين كان التعاون التام فى وجود الشيخ صفوت نور الدين رحمه الله وقبل أن يتولى رئاسة الجماعة، وأتذكر أن الشيخ كان يحضر لقاءات الإخوة في المحافظات المختلفة بتواضعه وعلمه وسعة أفقه وحسن خلقه رحمه الله تعالى، وفى كثير من البلاد عمل الأخوة ضمن هذه الجماعة حتى حالت ظروف كثيرة خارجة عنا عن ذلك.
صوت السلف: وماذا عن لقائكم بالشيخ أبو بكر الجزائري رحمه الله؟
الشيخ: لقد زار الشيخ الدعوة هنا فى الإسكندرية في عام 1986، وكان لهذه الزيارة أثر كبير جداً في تدعيم موقف الدعوة وخصوصاً أمام الإخوان، لأنه زار كل مساجد الدعوة تقريباً، وألقى محاضرات قوية جداً في المنهج السلفي.
صوت السلف: ذكرت أن الدعوة استفادت من موقف الشيخ عبد الرزاق عفيفي في مسألة الحاكمية، فهل تمت مناقشات منهجية مع الشيخ الجزائرى بخلاف المحاضرات العامة؟
الشيخ: نعم لا شك، وكان من ذلك أن سئل الشيخ فى مسجد نور الإسلام عن حديث النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من مات وليس فى رقبته بيعة مات ميتة جاهلية" فأجاب الشيخ فقال: "أنا سئلت هذا السؤال فى المغرب فقلت لهم أنتم فى أعناقكم بيعة للملك الحسن الثاني، ومعلوم موقف الحسن الثاني، يعنى علمانية واضحة، والعلاقات كانت مع إسرائيل فى ذلك الوقت ـ يعنى قبل أن يزور السادات القدس أو بعدها يعنى سنة 1986 ـ، كان خلاص تم الصلح مع إسرائيل، لكن الحسن الثاني كان في عز المعركة فى ذلك الوقت"، الغرض المقصود بأن هذه الإجابة أثارتنى وأثارت كل الإخوة، فعاتبت الشيخ فيها وقلت له: يا شيخ يعنى الآن هذه الفتوى كيف تتم؟ فقال: "هذا سؤال حرام أن يسأل؟، هل تريد أن أقول أن يخرجوا ويقاتلوا ويترتب على ذلك الفتن، أنا احتاط لكم كما أحتاط لنفسي، أنا كنت أقصد أن الناس مطيعون رغما عنهم للحسن الثاني، وكل من فى فى بلدهم مطيعون رغماً عنهم مقهورون فى ذلك"، فقلت له: الناس تسأل عن الحديث فى الناحية الشرعية وليس عن الواقع القهري، الناس يمكن أن يقال لهم أنهم إذا عجزوا عن شيء سقط الواجب، الجواب الذي ينبغي أن يجاب به أنهم إذا عجزوا عن المعنى الشرعى فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وهذه هي الحقيقة، لماذا؟ يعنى ما موقفنا من الأمر؟ هذه البيعة بيعة لأمير المؤمنين، هذا خليفة، هذا الذي ينطبق على الحديث: (من مات وليس فى رقبته بيعة مات ميتة جاهلية)، فهذه بيعة، فهذا الخليفة غير موجود، لا يوجد خليفة للمسلمين الآن، فماذا نجيب ربنا عن هذا المعنى؟ هل نموت ميتة جاهلية؟ نقول: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، نحن ندين لله عز وجل بأنه عندما يوجد خليفة سوف نبايعه، والخليفة لا بد أن يكون ممكناً، ذا سلطان، وليس أنه شخص عادى يمكن أن يوضع فى السجن بين لحظة وأخرى، وبالتالي فتركنا لهذا الأمر من باب العجز، وعدم الوجود، وهذه حجتنا عند الله، فاعتذرت له عن سوء الأدب فى الاعتراض على الفتوى فقلت له: سامحني فقال ما معناه أنه ازداد لى حباً، وتقبل الأمر بصدر رحب جداً حفظه الله تعالى.
صوت السلف: هل يمكن أن تصوغ لنا هذه المناقشة فى عبارة مختصرة؟
الشيخ: نحن نرى أن الطاعة التى تجب على المسلم فى المنشط والمكره وفى السر والعلن هى طاعة الخليفة الذى يتولى باسم الدين لإقامة الدنيا بالدين، وإن لم يكن مستجمعاً لشروط الخلافة، وأما من عدا ذلك فالطاعة تكون حيث كانت مصلحة المسلمين، وقد لا يوجد فرق عملى فى بعض الأحيان كالحالة التى أجاب عنها الشيخ، ولكن التفريق النظرى مهم جداً حتى إذا ما وجد واقع مغاير حكم عليه بما يناسبه كحال الفلسطينيين مع اليهود مثلاً، وكحال الجهاد الأفغانى مع الروس فى أول الأمر، فنحن في الواقع نلتزم بما فيه مصالح المسلمين مما تطلبه الحكومات المعاصرة وحتى ما نمنع منه من أمور الدعوة فنمتنع منه لما كان الضرر على الدعوة أعظم من المصلحة المرجوة، وإثم المنع على من منعنا ونحن لا نرى أن الصدام والمواجهة المحسوسة تأتى بالخير على الدعوة بل بالعكس، ولكن لا يعنى المداهنة أو قبول الباطل أو الإقرار بالمنكر أو المشاركة فيه.
صوت السلف: بمناسبة ذكر البيعة ما رأيك في البيعة التي تأخذها بعض الجماعات لقادتها، وما موقف الدعوة من البيعة؟
الشيخ: أقول بلا مداراة ولا مداهنة ولا كذب لمصلحة الدعوة ولا تعريضاً كما يحاول البعض أن يتهمنا، وللعلم نحن لا نرى الكذب لمصلحة الدعوة بل الكذب يضر الدعوة، وإنما يجوز الكذب فيما أجازه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "في الحرب، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها، والإصلاح بين الناس" أقول: ليس عندنا بيعة، وإنما نرى تحقيق التعاون على البر والتقوى، أن هذا لازم لنا من غير بيعة، البيعة هذا أمر حصل فيه نوع من الخلل في الفهم لأن البيعة التي رآها بعض العلماء جائزة على الطاعات أو مشروعة، ظنها الناس أنها بالمعنى السياسي، وتحولت على يد الإخوان من بيعة تشبه البيعة الصوفية إلى البيعة السياسية، وأصبح المرشد بمنزلة الإمام والحاكم على أفراد الجماعة.
صوت السلف: وهل هذا يعد خروجاً على مفهوم البيعة الشرعي؟
الشيخ: هناك معنى للبيعة بالمفهوم السياسي وهذا يكون للإمام الممكن، وهذا غير حاصل، فهم صبغوها بهذه الطريقة، وهناك بيعة على الطاعات يعني مثلاً أنا أبايعك على إقامة الصلاة، الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يبايع الناس على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، وهذه ليست بالمعنى السياسي للبيعة وهذا أمر مشروع إذ هو نوع من العهد، بأن أقول لك مثلا: عاهدني بأن تحافظ على صلاة الجماعة، عاهدني على أن تحقق التعاون على البر والتقوى، عاهدني بأن تحافظ على طلب العلم، يعني مثلاً كنا نكتب في المعهد أنا فلان أتعهد بأن أحافظ على دروس المعهد كاملة، وأن أشارك في العمل الدعوي بعد تخرجي من المعهد، هذا هو .. هذا تعهد بالعمل على الطاعة ليس بالمفهوم السياسي، فحدث خلط بالفعل لدى الإخوان ثم الجماعات الأخرى. وبداية البيعة عند الإخوان كانت من تأثرهم بالمنهج الصوفي عند الأستاذ حسن البنا ـ رحمه الله ـ، لأنه كان في الطريقة الحصافية فهذا فهم أنه يكون بالمعنى السياسي، واستمرت عند كل الجماعات التي تأخذ بيعة مثل الجماعة الإسلامية والجهاد.
ونحن من أجل المفاسد الحاصلة في موضوع البيعة ولسوء فهمها، ولأجل الخلط الذي يحدث ما بين المعاهدة على الطاعات الذي لا يوجب شيئاً لم يكن واجباً، في الحقيقة لو أوجبتها على نفسي بالعهد يتحلل منه بكفارة يمين، يعني لو قال واحد أعاهد الله على أن أصلي السنة مثلاً، فهذا تصبح السنة واجبة عليه لأجل نذره، وإذا لم يف عليه كفارة، يعني يكفر عن يمينه، لكن قضية التعاون على البر والتقوى لازمة سواء تبايع الناس أو لم يتبايعوا.
صوت السلف: كثيراً ما رفع الإخوة الدعاة والمشايخ شعار (السلمية والعلنية) فما فقه هذا الشعار؟
الشيخ: هذا الشعار ذكره الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في تقييمه لما ينبغي عليه العمل الدعوي لدفع المضار عن العمل الإسلامي، وهذا نقول به لأن الأصل في الدعوة العلن والبيان ونحن في واقعنا لا نحتاج إلى سرية، وقد تمكنا من الدعوة العلنية بحمد الله، ثم هي سرية وهمية أضر من العلنية كذلك معنى السلمية لأنه بها يحصل أنواع من الخير ودفع الشر لأهل الإسلام ولا يعنى ذلك أن كل أحوال المسلمين في كل مكان وزمان كذلك، فنحن لا نبطل الجهاد بالقوة والسنان وموقفنا واضح من الجهاد في بلاد المسلمين التي نزلها الأعداء كأفغانستان والبوسنة وفلسطين والشيشان والعراق، ورغم الدخن الذي يوجد إلا أن الجهاد من أعظم الطاعات وأفضل القربات وهو بين الوجوب العيني على أهل البلد والوجوب الكفائي على غيرهم، كذلك في معنى السرية فالمسلمون في روسيا والاتحاد السوفيتي سابقاً هل كانوا يستطيعون إظهار المصحف أو الصلاة جماعة؟ فضلاً عن تعلم العلم والدعوة إلى الله فما كان يلزمهم؟ هل نقول السرية محرمة عليهم وإذا لم تقدروا على العلن لا تقرؤوا القرآن في السر ولا تدعوا ولا تعملوا ؟؟ نعوذ بالله من ذلك، بل يجب عليهم ما يقدرون عليه من ذلك قدر إمكانهم و بالذي يدفع الضرر عنهم في دينهم قبل دنياهم، والبعض يجادل أن يجعل كل طاعة لا بد فيها من إعلان واستئذان وهذا ليس من كلام أهل العلم، وأنصح بمراجعة كتاب (فقه الأمر بالمعروف) في هذا المقام، ولكن نقول لسنا بحمد الله نحتاج إلى السرية، وضررها في واقعنا أكثر من نفعها.
صوت السلف: وماذا عن لقائك بالشيخ ابن قاعود؟
الشيخ: كان ذلك أثناء زيارة الشيخ ابن قاعود لنا هنا في الإسكندرية، وأيضاً كنت ملازماً له فيها، ووجدنا طبعاً فرقاً كبيراً بين طريقته رحمه الله وبين طريقة الشيخ أبى بكر، طريقة الشيخ أبو بكر كانت تميل إلى الجماهيرية، طريقة الشيخ ابن قاعود كانت ما شاء الله علمية ممحصة تمحيصاً دقيقاً، وهو رجل مجتهد عالم، بلا شك أثر تأثيراً ضخماً جداً على كل الأخوة.
صوت السلف: جميع المشايخ الذين ذكرتهم هم من جملة علماء الدعوة الوهابية المعاصرين، فلماذا إذن ينسب البعض الدعوة إلى الشيخ الألباني؟
الشيخ: لا ينكر أحد فضل الشيخ الألباني ودعوته وجهوده في نشر السنة فهو من مجددي هذا الزمان، ولكن الدعوة لا تقتصر على واحد بعينه تنسب له دون من سواه، بل الدعوة تقدر جميع علماء أهل السنة القدماء والمعاصرين، والمواقف التي اتخذتها الدعوة كانت نتيجة دراسات على ضوء كلام أهل العلم ولا تخرج في مجموعها عنهم في معظم قضايا المنهج منظرة تنظيراً متقناً في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يمثل مرحلة هامة جداً في تنظير كلام السلف، وعند تنزيل كلامه على أرض الواقع رجعنا لكلام العلماء المعتبرين من المعاصرين.
صوت السلف: الإحالة على ابن تيمية أليست إحالة على الكتب، وإنما يطلب العلم على يد الشيوخ؟
الشيخ: هذا الكلام يقال لمن وجد الشيوخ ثم أعرض عنهم إلى الكتب ولكن عندما تفتقد ذلك فماذا فعل السلف؟ شيخ الإسلام كان له شيوخ ولكن مؤلفاته كالفتوى الحموية الكبرى وغيرها من شيوخه غير الكتب، وإلا فلماذا اعتبر شيخ الإسلام أعلم أهل زمانه بمذهب السلف إن لم يكن قد تعلم من الكتب ما لم ينقله غيره؟
الشيخ الألباني من شيوخه أبوه رحمه الله كان فقيهاً حنفياً متعصباً، فمن جعل الألباني إماماً في السنة والحديث؟
شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ذكر في "مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد" احتجاج مبتدعة زمانه عليه بمخالفته لمنهج شيخه "شيخ الإسلام ابن تيمية" وهذا لأنه مع أن له شيوخاً إلا أن كثيراً من علمه أخذه من كتب ابن تيمية.
وبالنسبة لي كان لقاء المشايخ ابن باز وابن عثيمين وابن قاعود والجزائري وعبد الرزاق عفيفي كما ذكرنا من أكثر المؤثرات في توضيح معالم المنهج بعد شيخ الإسلام ابن تيمية ومدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى فقراءتنا لم تكن مفرغة من الرجوع لأهل العلم والعرض عليهم خصوصاً في المواقف الحساسة، ثم كانت مناقشات الإخوة الدعاة الكرام مشايخ الدعوة من أعظم الأمور أهمية في تحديد مواقف الدعوة المختلفة فهم كلهم شيوخنا جزاهم الله خيراً.
صوت السلف: لنعد الآن إلى مسيرتكم الدعوية ذكرتم معاودة نشاط الجامعة في عام 1984، وماذا بعد؟
الشيخ: بعد ذلك تم إنشاء معهد إعداد الدعاة تحت إشراف الشيخ فاروق الرحماني رحمه الله في مسجد الفرقان، وشارك فيه الإخوة كلهم في البداية، لكن لم يستمر من المشايخ القدامى الذين بدءوا في العمل غيري أنا والشيخ أحمد حطيبة وأضيف إليهم من تخرج من المعهد واستمر المعهد حتى 1994.
صوت السلف: هل كان هذا المعهد أول محاولة من الدعوة لتقديم دراسة منهجية منتظمة؟
الشيخ: طبعاً ينبغي ملاحظة أنني أحكي عن مشواري الدعوى، وبالتالي ثمة أحداث قد تجدون فيها تفاصيل أكثر عند غيري وهي على وجه التحديد الجماعة الإسلامية في سنواتها الأولى وقبل دخولي الجامعة كيف كانت طبيعة الدراسة فيها، ومدرسة الجماعة الإسلامية التي كانت في مسجد عمر بن الخطاب، ثم بعد الانفصال انتقلت إلى مسجد عباد الرحمن وصارت تعرف بالمدرسة السلفية، وكان درس الخميس للشيخ محمد إسماعيل حفظه الله ملتقى الإخوة الأسبوعي من كل الإسكندرية وغيرها.
صوت السلف: هل كان المعهد كافياً لتقرير أصول المنهج السلفي عن هذا الجمع الكبير من الأخوة؟
الشيخ: المعهد كانت رسالته تخريج طلبة علم، وبعد ذلك وكمحاولة لوصول المنهج لعدد أكبر صدرت بعد ذلك مجلة صوت الدعوة، وكانت معظم المقالات التي فيها تمثل المنهج السلفي مثل فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مثل فقه الخلاف، فقه الجهاد، الدعوة السلفية ومناهج التغيير، العمل الجماعي، كلها ظهرت خلال مجلة صوت الدعوة إلى أن توقفت أيضاً سنة 1994، وللعلم أنا لست كاتب هذه المقالات وحدي بل مشارك فيها وما كتبته أقره الإخوة. ولعل السبب في وجود كثير من الأخطاء المطبعية والأخطاء في النقل في هذه المقالة تعدد كاتبيها وتنوع العبارات والأوراق حتى اختلطت على من كان يعدها للطبع مع ضعف المراجعة في ذلك الوقت، ولذلك أنصح الإخوة بالترتيب في النقل والنشر لهذه المقالات حتى تراجع مرة ثانية.
صوت السلف: المعهد توقف سنة 94 المجلة توقفت سنة 94 لعل كثير من القراء لا يدري السر في ذلك.
الشيخ: الدعوة جزء من واقع مليء بالحسابات المعقدة ونحن نجتهد قدر الطاقة في فعل ما فيه جلب المصلحة ودرء المفسدة دون تعجل ودون أن نستجلب على أنفسنا أو على دعوتنا البلاء، بل شعارنا "والله لا يعطوننا خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبناهم إليها" ولكن إذا شاء الله شيئاً كان، فقد تم عمل قضية للإخوة سنة 94، وتم القبض علي الشيخ سعيد والشيخ أبو إدريس، وتم تسليم المعهد لوزارة الأوقاف على أساس أنهم سوف يستمرون في العمل، وطبعاً لم يستمر العمل بأي درجة من الدرجات، وتوقف عمل ما كان يسمى بالمجلس التنفيذي في ذلك الوقت، وهو ترتيب العمل في المناطق بطريقة مركزية.
صوت السلف: البعض يتهم الدعوة بالتهاون في إيقاف الأعمال الدعوية، فما ردكم؟
الشيخ: نحن نُتهم بتهمتين متناقضتين، الأولى: أننا ندعو دعوة سرية، ونأخذ بيعة إلى آخر التهم المعروفة، والثانية: هي تهمة التهاون التي ذكرتها، ونحن ندين لله بأن نفعل كل ما في وسعنا من نصرة دين الله بحيث تتحقق المصلحة وتدفع المفسدة، وبالتالي كان لا بد من إيقاف العمل في الظروف التي أشرنا إليها.
صوت السلف: هل شهد عام 94 إيقاف جميع أنشطة الدعوة؟
الشيخ: لا، بقى العمل مع الجامعة والطلائع وهو لم يتم الاعتراض عليه وظل مستمرا حتى سنة 2002، وهو القضية الأخيرة التي من خلالها تم إيقاف العمل في الجامعة والطلائع والعمل خارج محافظة الإسكندرية كذلك، وكان أصلاً السفر خارج الإسكندرية متوقف أيضاً من أواسط التسعينات كذلك.
صوت السلف: ضربت الدعوة في 94 ومع ذلك ظل العمل مستمراً حتى 2002 أين مراعاة المصلحة والمفسدة هناك؟
الشيخ: نحن تعرضنا لهذه التجربة في ضوء أحداث عالمية أكبر من تأثيرات داخلية أو أن بعض الناس قد يظن مثلاً أن العمل في الجامعة أو في المحافظات الأخرى هو السبب، هذه كانت المبررات المطروحة، لكن الحقيقة أن هذه المبررات كان ممكن توجد في أي وقت آخر مبررات غيرها، لكن الأحداث العالمية في ذلك الوقت كانت ذات أثر كبير جداً. وعموماً المفسدة التي يوقف العمل من أجلها هي المفسدة المتحققة، وأما الضرر المتوقع في الجملة فلو أوقفت الدعوة من أجلها لما دعا إلى الله داع.
صوت السلف: البعض يعتبر قلة عدد دخول السجن دليل إدانة والبعض يعتبر مجرد دخوله السجن دليل إدانة على وجود فكر تكفيري أو ما شابه ذلك، فما الجواب؟
الشيخ: ذكرت أن شعارنا في ذلك "والله لا يعطونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم إليها"، ومن ثم لم نسع إلى صدام، ولذلك كانت فترات سجننا قصيرة وفي الغالب لأسباب خارجة عنا تماماً فالشيخ محمد تم القبض عليه في أحداث 80، وكذلك الشيخ أحمد حطيبة والشيخ أحمد فريد بسبب عدم حلق اللحية في الجيش، وتم القبض علي أنا والشيخ أحمد فريد والشيخ فاروق الرحماني رحمه الله بعد محاولة اغتيال أبو باشا، ومكثنا في المعتقل أشهر أو أكثر قليلاً، ثم قضية 94 ولم يمكث فيها الإخوة أكثر من شهر. ثم كانت القضية الأخيرة والتي طالت قليلاً للظروف التي أشرت إليها، وخرج إخوتنا تباعاً والحمد لله لم يبق منهم أحد وأود أن أزف البشرى لجميع إخواننا بخروج آخرهم قبل أيام ونسأل الله أن يفرج كرب جميع المسلمين.
صوت السلف: بالنسبة لك كم كانت مدة مقامك في السجن؟
الشيخ: سنة تقريباً.
صوت السلف: كيف رأى الشيخ تجربة السجن؟
الشيخ: والله تجربة السجن كان فيها رحمة من الله ـ سبحانه وتعالى ـ لأن الإنسان كان بدأ ينشغل انشغالاً شديداً جداً في العمل الدعوى فكان لا توجد فرصة للعبادة والذكر كما كانت موجودة في فترة السجن، وتوثقت العلاقة مع شخصيات كثيرة جداً وإخواننا الأفاضل الأحباء فكانوا في الحقيقة من الناحية الإيمانية جواً مفيداً جداً. ومن الناحية الدعوية الإنسان شعر بلا شك بفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ بتعمير المساجد وذكر الله ـ عز وجل ـ فيها، وكان الإنسان يشعر بألم شديد جداً حينما تأتي خطبة الجمعة، وهو يخطب في طرقة ويصلي في زنزانة فكان أمراً مؤلماً للنفس أن يحرم الإنسان من تعمير المساجد التي يحب الله ـ عز وجل ـ أن ترفع ويذكر فيها اسمه. من الناحية الإيمانية كما ذكرت، من الناحية الدعوية لا شك أن الإنسان استفاد من احتكاكه بالاتجاهات الإسلامية الأخرى وتقييم لعمل الجماعات الإسلامية الأخرى مثل الجماعة الإسلامية والجهاد وهذه الاتجاهات، وكان لنا بفضل الله تعالى مناقشات كثيرة معهم، وكان هناك الكثير جداً ممن تأثروا بهذه المناقشات، وبالفعل بدأت مراجعات يعني من أفراد منهم لطريقة تناوله للأمر، وبفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ وضح فيها مدى انضباط المنهج السلفي.
وبلا شك أيضاً أن الإنسان استفاد في طريقة ميزان المصالح والمفاسد، وأنه لا بد من مراعاة هذا الأمر بدقة وعدم التسرع. كنت أضرب للإخوة مثالاً ونحن في الداخل أن أموراً حصل فيها تسرع وإعجاب بحجم العمل الذي انتشر بسرعة جداً، لكن كان أشبه ما يكون بنفخ بالون من السهل جداً أن يثقبه أي شخص في أي وقت، ونحن لا نحتاج إلى هذا العمل الدعائي الضخم جداً، ولا الهيئات الإدارية الطويلة الشكل هذه التي في الحقيقة لا تثمر الفوائد المرجوة منها في ضوء عدم اكتمال الشخصية التي تقوم بالعمل في ذلك الوقت. مثل هذه الأشياء، وهي اكتمال الشخصية المسلمة المتكاملة التي هي في الحقيقة مفقودة في عامة الاتجاهات الإسلامية، هذا هو المناط الأول الذي لا بد أن نركز عليه، ونهتم بأن يكون هو هدفنا الأول، وهو وجود الشخصية المسلمة المتكاملة المستعدة والقادرة على تحقيق التعاون على البر والتقوى.