قراءة في كتاب " أغاني البنات الإسلامية بين الواقع والمأمول "
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
كتاب "أغاني البنات الإسلامية بين الواقع والمأمول" للكاتبة الصحفية وفاء سعداوي، يمثل أحد صور المراجعات التي تتم على صعيد الحركة الإسلامية بين الحين والآخر، وهذه المراجعات غالباً ما ينتج عنها تراجعات، أحياناً عن أخطاء لتصويبها، وأحيانا عن حق استجابة لضغوط الواقع.
ورغم كثرة هذا النوع الأخير على صعيد الحركة الإسلامية في الآونة الأخيرة، إلا أن هذا الكتاب ينتمي إلى النوع الأول الذي نتمنى أن نرى نماذج كثيرة له في أوساط الصحوة الإسلامية.
وحيث أننا بدأنا نعاني منذ فترة ليست بالقصيرة من اقتحام عادات وسلوكيات غير منضبطة في مجتمع الملتزمين بالسنة، ربما محاكاة لفصائل أخرى من الصحوة الإسلامية يتسع مفهومهم لقضية الالتزام لهذه السلوكيات، فقد رأينا أن ننشر ملخص هذه المراجعة، رغم أنها لم ترق إلى درجة المراجعة الشرعية المنضبطة، إلا أنها لا تخلو من دروس وعبر، والسعيد من وعظ بغيره، وإليك ملخصاً لأهم ما جاء في هذا الكتاب "أغاني البنات بين الواقع والمأمول".
الجذور التاريخية:
ولمعرفة خلفيات المشهد نعود إلى فترة الأربعينيات، حيث كانت الأخوات تدربن البنات الصغيرات -اللاتي لا تتعدى أعمارهن عشر سنوات- على إلقاء الأناشيد الإسلامية في الأفراح، التي كانت تقام في البيوت مع الفصل بين الرجال والنساء، وفي جمعية أنصار الحاج التي كانت ترأسها الحاجة زينب الغزالي، كانت تقام الاحتفاليات للحاجات قبل سفرهن وبعد العودة، تتضمن العديد من الأناشيد الإسلامية والاسكتشات التي كانت تؤديها البنات الصغيرات.
ومع تفجر أزمة الإخوان في عهد عبد الناصر توقفت هذه الأنشطة، لتعاود الظهور مرة أخرى منذ بداية الصحوة الإسلامية في السبعينيات من القرن الماضي، حيث كانت الأخوات في أوائل السبعينيات يكتفين بإلقاء الشعر أو الزجل، إلى جانب مسابقة وكلمة وعظ، تتناسب مع روح الفرح، وتلقى قبولاً واستجابة من المدعوات في أفراحهن الخاصة.
وسيلة دعوية:
وسرعان ما تطور الأمر ليتحول إلى فكرة دعوية على يد طالبات الجامعة، اللاتي كن يقتصرن على الإنشاد المصحوب بالتصفيق لإدخال السرور على قلب صديقتهن العروس، وبنية الدعوة للمدعوات في ذلك العرس، حيث كن يلبين الدعوة بدون أجر، ثم تطور الأمر ليتحول إلى فرقة إسلامية مدربة على الأناشيد والاسكتشات، مصحوبة بدقات الدفوف مما كان يثير إعجاب الحاضرات بالفرح الإسلامي، فبدأت الطلبات تنهال من المدعوات عليهن لإحياء أفراح أخرى، وبالفعل تكونت أول فرقة بأجر تابعة لجامعة القاهرة في أوائل التسعينيات.
والحقيقة أن هذه الأفراح كانت تقدم مثالاً راقياً للفن الراقي، والذي لاقى قبولاً لدى الملتزمات، وأيضا غير الملتزمات.
وبحلول منتصف التسعينيات زادت الفرق، وانتشرت في الأحياء المختلفة.
زي البنات:
إلا أن هذه الفرق مع تطورها انتهجت نهجاً جديداً باستعمال الآلات الموسيقية كالأورج، وكانت فرقة سندس أول فرقة إسلامية تقدم الاستعراضات، وترتدي عضواتها زياً موحداً، وتوسعت فلم تعد أنشطتها تقتصر على إحياء الأفراح، بل تعدت ذلك لحفلات الحجاب والنجاح والخطوبة والحنة والعقيقة.
ومن هنا برزت مشكلة كيفية تنوع فقرات الحفل بحيث لا تكرر الفرقة نفسها مع قلة عدد الأناشيد الإسلامية فلجأت الفرقة إلى إعادة استخدام الألحان القديمة مع تركيب الكلمات عليها، فصدر أول شريط إسلامي للغناء بصوت البنات وهو شريط "زي البنات".
أخوات نيو لوك:
ومع الوقت نال هذا التطور زي الأخوات في الأفراح، حيث تقوم أعضاء الفرقة بخلع الحجاب، ووضع المساحيق والغناء في الميكروفون، مع استعمال الشموع والأطواق، وهنا برزت بعض المحاذير فالبعض يغني في حضور العريس، باعتبار أن صوت النساء الجماعي ليس بعورة، والبعض يوزع بطاقات للتعريف بالفرقة تحمل صورة صاحبة الفرقة، بل وأصبح الفرح يمتد لمنتصف الليل لتعود البنات مع سائق أجنبي، إضافة إلى قيام البنات بالرقص في الأفراح.
بالطبع كل هذه المسائل أثارت جدلاً واسع النطاق حول مدى موافقتها للشرع، وتباينت الآراء تبايناً شديداً بين مؤيد لتقاضي الأجر لتغطية نفقات الملابس والآلات والانتقالات، إلى من يرفض هذه الفكرة باعتبارها تتعارض مع الهدف الأساسي لإنشاء الفرقة، وهو الدعوة إلى الله -تعالى-.
وكذلك اختلفت الآراء بالنسبة لاستعمال الآلات الموسيقية فمن الاقتصار على الدف إلى تأييد استعمال الأورج، أما زي الفرقة فقد لاقى الجدل الأكبر، فمع انتشار التصوير بالفيديو داخل قاعات النساء، وكذلك كاميرا الموبايل بات من الضروري على أعضاء الفرقة الالتزام بالزي الشرعي.
تطور الكلمات:
وبإلقاء نظرة على تطور كلمات الأغاني والأناشيد الإسلامية، نجد أن الأخوات في فترة السبعينيات كن يخترن الأناشيد الدينية من كتب الأناشيد التي يؤلفها شعراء الإخوان، مثل كتاب أغاني الأفراح الإسلامية وأغاني الأخوات.
وقد كانت هذه الكتب تحمل في مقدمتها ضوابط شرعية للغناء، حيث كان يرى في ذلك الوقت أن الغناء لا يكون إلى في إحدى المناسبات التي حددها الشرع وهي الأفراح والأعياد، وألا تصحبه المعازف ولا يتخذ حرفة، لأنه من المنافع المحرمة.
ديسكو إسلامي:
واستمر الحال حتى أواخر الثمانينيات، إلا أنه مع انجذاب جمهور أكبر لأغاني الأخوات واتساع نطاق غنائهن، كما أسلفنا بدأن في تركيب الكلمات الإسلامية على ألحان الأغاني غير الإسلامية، سواء أكانت هذه الأغاني فلكلوراً وتراثاً شعبياً، أو جديدة معاصرة أو وطنية حماسية أو لاهية راقصة سواء للكبار أو للأطفال، حتى إن بعض الرافضين لذلك التحول أسموه بـديسكو إسلامي.
الرؤية الشرعية:
ولا تنتهي الكاتبة من تناول هذه القضية دون أن تستعرض الحكم الشرعي حولها، فالدكتور محمد المختار المهدي الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر:
"لا يرى بأساً من تقاضي أجراً طالما أنهم تخصصوا في إدخال السرور على قلوب الناس، مع الالتزام بالضوابط الشرعية كحدود الزي بين النساء.
والذي حددته الآية الكريمة في كلمة (أَوْ نِسَائِهِنَّ)(النور:31)، حيث أضيفت كلمة نساء إلى المسلمات، واللاتي يفترض فيهن الأمانة، أما مع الاختلاط بغير المؤمنات فلا تأمن الأخت على نفسها أن تنقل النساء ما ترينه إلى أزواجهن.
لذلك يضع الدكتور مختار شروطا لعمل هذه الفرق تتمثل في:
1- أن ترتدي بنات الفرقة زيا محتشماً أمام النساء.
2- ضرورة اصطحاب محرم معهن عند عودتهن خاصة ليلاً.
3- يجب أن تكون الأغاني هادفة تشتمل على توصية وحث على الفضائل.
4- عدم ارتباط كلمات الأغاني بألحان أغاني ساقطة غير إسلامية.
5- لا تقوم البنات بالغناء في وجود العريس كما لا يجوز الرقص إذا كان فيه فتنة وإثارة".
اتقاء الشبهات:
ويضيف الشيخ محمد عبد الله الخطيب من علماء الأزهر شروطاً أخرى مثل:
1- السير في طريق آمن خاصة ليلاً.
2- لا يجوز استعمال غير الدف والطبلة.
3- استعمال الميكروفون يكون على قدر المكان ولإسماع الموجودات داخل القاعة فقط.
4- عدم جواز خلع الحجاب أمام المدعوات فهو من قبيل الهزل والفوضى.
5- عدم جواز تركيب الكلمات الإسلامية على ألحان غير إسلامية.
بينما يؤكد الشيخ حمدي إبراهيم على ضرورة محافظة المسلمة على سمتها الإسلامي من حيث الحشمة، وعدم التمايل وعدم اتباع العادات الجاهلية أو تقليد الغير، بل يجب تقديم بديل إسلامي متميز بشكله ومضمونه.
ويحث الأخوات على البعد عن مواطن الشبهات، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه) رواه البخاري، وقال أيضاً (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس)(رواه الترمذي وحسنه الألباني).
انتهى ما أردنا إيراده من هذه المراجعة، وهي كما قدمنا مراجعة ليست تامة، فهل يعقبها مراجعات أكثر انضباطاً والتزاماً بأحكام الشرع على مستوى الملتزمين بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة؟
هذا ما نرجوه من الله -تعالى-، وهو الهادي إلى سواء السبيل.