الإنترنت وآثارها الإيجابية
كتبه أحمد عبد الحميد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد،
فتعتبر شبكة الإنترنت واحدة من التقنيات المتعددة الناتجة عن تطور إمكانيات الحاسب الآلي، لذا فلا يمكن رصد إيجابيتها بمعزل عن إيجابيات استخدامه، والذي أصبح عصباً رئيسياً لكل مجالات الحياة المعاصرة، وهذا ينصب بدوره على ما يتعلق بالعمل الإسلامي ومجالات الدعوة إلى الله عز وجل، بل لا نبالغ إن قلنا أن هذا التطور التكنولوجي أسهم إسهاماً بالغاً فيما نراه الآن من تزايد أعداد الملتزمين وانتشار الكثير من المفاهيم الشرعية ليس فقط في بلاد المسلمين بل في ربوع الأرض كلها وهذا كله من فضل الله عز وجل: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ) (المدثر: 31).
إن البعض قد يقف موقف الرافض أو على الأقل المتشكك من جدوى الاستفادة من هذه الوسائل لا سيما مع ما يراه لها من آثار سلبية بالغة الخطورة(1)، ولكن إجمالاً نقول إن هذه الوسائل شأنها شأن غيرها من الوسائل لها أحكام مقاصدها، فإن استخدمت في أوجه الخير فبها ونعمت، ويكون ذلك شكراً لنعمة الله عز وجل، وإن استخدمت في طرق الشر والإفساد فكفر لنعمته سبحانه (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) (فاطر: 43)، وعلى المسلم الناصح لنفسه وأمته أن يبحث عن كل وسيلة ينصر بها دين الله، مقترباً من جنته ورضوانه حتى وإن أداه ذلك أن يمشي فوق أرض الشوك مشمراً محاذراً.
ربما كان يسعنا في وقت سابق أن نقول: "السلامة لا يعدلها شيء" ونعرض عن كل ما يأتينا من جانب هذه التقنيات من خير أو شر من باب أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، أما الآن وقد أصبحت هذه الوسائل تقتحم كل مناحي حياتنا بلا استئذان فقد أصبح الكل متأثراً بها شاء أم أبى سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وعلى هذا فخير للمرء أن يكون هو الرائد وهو المؤثر الذي يفتح أبواب الخير ويغلق أبواب الشر، وطوبى لمن كان ذلك. ويكون السلاح بيده أمضى منه بيد عدوه وذلك بإيمانه بالله وحسن مقصده وكمال متابعته لهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحـج: 40)، ونحن نلقي الضوء في هذه الكلمات المحدودة على عدد من أهم ـ لا كل ـ النواحي الإيجابية المترتبة على استخدام التقنيات الحديثة خاصة ما يتعلق فيها بالعمل الإسلامي(2) فمن هذه الإيجابيات:-
- - أن استخدام الوسائط المتعددة كبرامج الصوت والصورة أصبح وسيلة فعالة ومتطورة لمتابعة الدروس والسلاسل العلمية، ولحفظ هذه المواد النافعة بحيث يمكن الانتفاع بها في أي وقت أو مكان وبتكاليف محدودة جداً ومتجاوزة بذلك الكثير من العقبات التي تتعلق بالبعد عن أماكن العلماء وصعوبة الانتقال ومعوقاته وتكاليفه، وكذلك العقبات التي تتعلق بكثرة الأعمال وضيق الأوقات وتعارض المواعيد.
- - ومنها انتشار البرامج والتطبيقات الإسلامية بكافة أنواعها وسواء على أجهزة الحاسب التقليدية أو المحمولة، ونخص بالذكر المكتبات الإلكترونية التي شكلت دعماً حقيقياً لطلبة العلم في هذا الزمان لا سيما مع كثرة المهام وعدم التفرغ وتسارع عجلة الحياة. فأصبح بإمكان طالب العلم اقتناء الآلاف من المكتبات والمراجع التراثية والمعاصرة في كافة العلوم والمجالات والتي لا يستطيع اقتنائها في صورتها الورقية المعتادة لكثرة التكاليف أو ضيق الأماكن، أضف إلى ذلك الإمكانيات الهائلة في استعراض المعلومات وتخزينها وأدوات البحث المتطورة، كل هذا أسهم في توفير ساعات طويلة من الجهد المضني وأضاف إلى عمر الأمة ككل أعواماً طويلة من أعمار أبنائها.
- ومنها أن هذا الانتشار للبرامج الإسلامية والوسائط المتعددة استوعبت قطاعات كبيرة من عموم المسلمين المستفيدين من غير طلبة العلم، بل ومن المشاركين في العمل الدعوى بإنشاء هذه البرامج وتطويرها، أو رعايتها مادياً والنفقة عليها، أو المعاونة في نشرها طلباً للمثوبة والأجر.
- ومنها أن الإنترنت ساعدت على ازدهار ذلك كله من خلال التواصل بين أبناء المسلمين وتبادلهم للأفكار والاحتياجات والإمكانيات وتضافر مجهوداتهم فلم يعد مستغرباً أن يشترك مجموعة من الشباب في تطوير برنامج نافع أو إنشاء مكتبة إلكترونية ضخمة أو موقعاً نافعاً على الشبكة، كل في مكانه وبإمكانياته المحدودة في كثير من الأحيان. والأمثلة على ذلك كثيرة جداً لا يتسع المقام لذكرها.
- ومنها أن الإنترنت مكنت الداعية وطالب العلم من الوصول إلى معارف عديدة في مختلف المجالات النافعة، لا سيما ما يتعلق بشئون المسلمين، ومن ذلك التعرف على أحوال المسلمين ومتابعتها بدقة مما يؤدي إلى التواصل الوجداني بين المسلمين وتحقيق معاني الأخوة في الله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10) ويعمق معاني الولاء (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) (التوبة: 71)، فيفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم كما قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) (رواه مسلم) فيشكلون معاً ركباً واحداً يسير إلى الله عز وجل.
- ومنها أنها مكنت من نشر الإسلام في أقطار الأرض كلها، وبيان محاسنه ورد شبهات الطاعنين فيه وهذا تلحظه من التزايد المطرد لأعداد من يدخلون الإسلام يومياً وبالآلاف، قال الله عز وجل (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107)، وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (سـبأ: 28).
- ومنها أنها شكلت مصدراً خصباً وسهلاً لمن أراد التعرف على منهج أهل السنة والجماعة والالتزام به في مواجهة الطوفان الهائل من الشبهات والشهوات التي يضعها أهل الباطل في طريق من أراد الوصول إلى جنة الله عز وجل (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) (الأنبياء: 18).
وبعد فهذا رصد سريع لبعض الآثار والنواحي الإيجابية لاستخدام هذه الوسائل الحديثة لا سيما فيما يتعلق بالعمل الإسلامي، ولنا وقفة أخرى إن شاء الله نرصد فيها الآثار السلبية التي تتعلق بالأمر ذاته. سائلين المولى عز وجل الهداية والتوفيق. والحمد لله رب العالمين.
(1) مناقشة هذه الآثار السلبية ستأتي في مقالات لاحقة إن شاء الله.
(2) لن نتكلم هنا عن تفاصيل الأساليب النافعة لاستخدام هذه التقنيات فلهذا موضع آخر