بتـــــاريخ : 3/16/2009 9:38:27 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1479 0


    تفسير آية الكرسي

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : الدكتور خالد بن عثمان | المصدر : www.islamiyyat.com

    كلمات مفتاحية  :
    تفسير آية الكرسي
    قال الشيخ الدكتور خالد بن عثمان السبت حفظه الله تعالى :

    الحمد لله ربالعالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آلهوصحبه أجمعين ،أما بعد :
    فأسأل الله عز وجل أن يكتب لنا في هذا الاجتماع العلمالنافع والخير الذي نتبصر به الطريق الموصلة إلى الله تبارك وتعالى ، وأسأل الله عزوجل أن يجعل ذلك باعثا إلى تفهم كتابه وتدبره وتعلم معانيه .

    في هذا الدرسالأول من دروس التفسير سيكون حديثنا بإذن الله عز وجل عن آية من كتاب الله تباركوتعالى نبتدأ بها هذا اليوم :
    ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَاتَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِمَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَأَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّابِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُحِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ )


    يقول الله عز وجل ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُلَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌوَلَا نَوْمٌ ) الآية . أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ابن كعب رضي الله عنه أنالنبي صلى الله عليه وسلم سأله فقال ، أي آية معك في كتاب الله أعظم ؟ فقال علىالبديهة : ( الله لا إله إلا هو الحي القوم ) .

    فهذا السؤال يحتاج جوابه إلىنظر وتأمل واستقراء وتبصر في معاني كتاب الله عز وجل ..

    القرآن فيه آلافالآيات ، فإذا أراد أحد من الناس أن يحكم بأن هذه الآية هي أعظم آية في كتاب اللهيحتاج أن يستحضر المعاني الواردة في القرآن بعد استحضار الآيات الواردة فيه ، ثميستطيع أن يحكم بعد ذلك هل هذه الآية أعظم أم تلك ..

    أبي بن كعب رضي اللهعنه لشدة حذقه في حفظ كتاب الله عز وجل ولشدة تبصره ومعرفة معانيه قال على البديهة : (الله لا إله إلا هو..)
    ولم يقل ذلك لأن النبي صلىالله عليه وسلم أعلمه هذا المعنى في يوم من الأيام .. لا ..
    والدليل على أنالنبي صلى الله عليه وسلم ما أخبره به أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما سمع هذهالإجابة : ( ليهنك العلم أبا المنذر ) يعني هنيئا لك بالعلم يا أبا المنذر ..

    هنأه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا البصر والفقه والفهم في كتاب اللهتبارك وتعالى الذي أهله ليتعرف على هذا المعنى من بين آلاف الآيات القرآنية ، فحكمبأن هذه الآية هي أعظم آية في كتاب الله عز وجل .

    ولماذاكانت أعظم آية في كتاب الله ؟..

    يا إخوة .. شرف العلم بشرف المعلوم .. وشرف الذكر بشرف المذكور .

    فالعلوم والصنائع إنما تشرف وتتفاضل بحسبمضامينها ومحتوياتها .. فالعلم الذي يتعلق بالطبابة مثلا أشرف من العلم الذي يتعلقبالحدادة ، والعلوم التي تتعلق بالمعادن أشرفها ما كان يتعلق بالمعادن النفيسةكالعلوم المتعلقة بالذهب ، ويلي ذلك العلوم التي تتعلق بالمعادن الخسيسة كالحديد ،فهذه علوم تتعلق بباب واحد ومع ذلك تفاوتت أشد التفاوت .

    لماذا ؟.. لأنمتعلقها متفاوت .. فهذا علم يتعلق بالذهب وهذا علم يتعلق بالحديد .
    المهن .. الذي يقود الطائرة صنعته أشرف من الذي يقود القطار ، وأشرف من الذي يقود السيارةمثلا ..
    الذي يعمل في الطبابة .. مهنته طبابة الإنسان .. هذه الصنعة أشرف ممنيتعاطى طبابة الحيوان ..
    لماذا ؟.. لأن شرف العلم بشرف المعلوم .. وشرف الذكربشرف المذكور .

    فهذه الأية تتعلق بأسماء الله عز وجل وصفاته بل تتعلق بأعظمالأسماء والصفات .. بل تتعلق بأسماء ترجع إليها سائر الأسماء الحسنى التي تدل علىأوصاف الكمال ، ولذلك كانت هذه الآية أعظم من غيرها .. كانت أعظم آية في القرآنالكريم .

    وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه جماعة من الصحابةمنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والمغيرة بن شعبة ، وأبو أمامة الباهلي وجابرببن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أنيموت ) .

    وجاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيقصة الشيطان الذي كان يحثو من تمر الصدقة – والحديث مشهور- وفيه أن أبا هريرة رضيالله عنه لما أخذه في المرة الثالثة قال له : لا أدعنك حتى آتي بك رسول الله صلىالله عليه وسلم . فقال له : ألا أعلمك شيئا ينفعك الله به ؟! فقال : بلى . فقال:إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه لن يزال عليكمن الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح.

    إذا أويت إلى فراشكفاقرأ آية الكرسي فإنه لن يزال عليك من الله حافظ .. يحفظه ويحوطه ويرعاه ..
    ولايقربك شيطان حتى تصبح .. فهذا الحفظ ،الأرجح – والله أعلم – أنه حفظ مطلق ، من الهوام وشياطين الإنس وشياطين الجن ..
    فالله عز وجليحفظه ويحوطه ويكلؤه ويرعاه من كل مخوف ، وكذلك لا يقربه شيطان فلا يرى الرؤىالمزعجة ، ولا تقع في قلبه الخواطر و الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب العبدليوقع الشك في قلبه ، أو يريه رؤى مزعجة فيقع الحزن في نفسه .

    هذه بعضالأحاديث الثابتة التي وردت في فضل هذه الآية العظيمة من كتاب الله عز وجل .
    ما التفسير ، فالله عز وجل يقول : (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ..

    ( الله) : قال كثير من أهل العلم : إنه الاسم الأعظم ، واستدلوا على ذلك بأمورمنها :
    أن جميع الأسماء الحسنى تعود إليه لفظا ومعنى .. مامعنى تعود إليه لفظا ومعنى ؟..

    تعود إليه لفظا: أي أنهاتأتي معطوفة عليه دائما في القرآن : ( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوسالسلام المؤمن المهيمن ) ..
    ولا تجد في القرآن أن هذا الاسم الكريم يعطف على شيءمن الأسماء الحسنى .. يعني لا تجد ( الرحمن الرحيم الله ) .. لا ... الله الرحمنالرحيم ، ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فكل الأسماء الحسنى تعود إليه لفظا ..

    كما أنها تعود إليه معنى : أنتم إذا تأملتم في هذه الأشياء التيتذكر في معاني هذه الأسماء الحسنى ستدركون أن هذه الآية فعلا تستحق أن تكون أعظمآية في كتاب الله .. يعني ستخرجون بهذه النتيجة ..

    ومعنى أن الأسماء الحسنىتعود إليه معنى .. ( الله) مشتق على الأرجح ، كما هو قولالمحققين من أهل اللغة مثل سيبوبه والخليل بن أحمدوالزجاج والفراء ، وهو اختيارابن القيم وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله أجمعين .

    والإله هو المعبود .. والتأله معناه التعبّد .

    هذا الإسم الكريم ( الله) مشتق من صفة الإلهية ، أو يتضمن صفة الإلهية ..
    والذي يكون إلها لا بد أن يكونربا ، خالقا ، رازقا ، حيا ن مالكا ن غنيا ، قادرا ن وغير ذلك مما نعرف من أوصافالكمالات ؛ ومالا نعرف ، فلا يكون إلها إلا من كان متحققا بجميع صفات الكمالوالجلال والعظمة والكبرياء وما إلى ذلك ، وإلا فلا يكون إلها ..

    الإله لايكون عاجزا ، ولا يكون فقيرا ، ولا يكون ضعيفا ، ولا يكون فيه نقص بوجه من الوجوه ،فهو الذي له الكمال المطلق ، وبالتالي يستحق أن يعبد .
    فالفقير العاجز المربوبلا يصلح أن يعبد وإنما يعبد الغني الخالق ، القادر ، الرازق ، المحيي ، المميت ،المدبر ، الذي بيده مقاليد كل شيء ، فإذا سئل أعطى وإذا دعي أجاب .. هذا هو الإله .

    ولهذا يقول العلماء إن توحيد الإلهيةمتضمنلتوحيدالربوبية .
    إذا قلت هو إله فهذا يتضمن أنه هو الرازق ، المحيي ، المميت ،القادر ..إلخ .

    ولهذا يقولون أيضا إن توحيد الربوبيةيستلزمتوحيد الإلهية، معنى هذا الكلام .. إذا أقررت أن الله هوالخالق ، الرازق ، المحيي ، المميت ، الضار ، النافع ، فما حاجتك إلى غيره ؟! .

    ولهذا احتج النبي صلى الله عليه وسلم على حصين – والد عمران بن حصين – جيءبه وهو شيخ هرم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليجادله في الإيمان فقال له النبي صلىالله عليه وسلم : "كم إلها تعبد" ؟ قال : سبعة ، ستة في الأرض وواحد في السماء .
    فسأله النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأسئلة : "من لحاجتك؟ من لرغبتك ؟ " ،فيقول : الذي في السماء .. الذي في السماء ... الذي في السماء ، فحجَه النبي صلىالله عليه وسلم بهذه القضية قال : " فما حاجتك بهؤلاء الآلهة ؟ ما حاجتك بغيره ؟! فكان ذلك سببا لإسلامه رضي الله عنه ، وقد جاء للاحتجاج على النبي صلى الله عليهوسلم في قضية التوحيد .

    فإذن .. حينما نقر بأن الله هو الإله ، فهذا يتضمنأنه موصوف بجميع صفات الكمال .

    وبهذا نعرف الجواب عن السؤال في معنى كونهذا الاسم ترجع إليه الأسماء الحسنى من جهة المعنى ، أي أن معناه يتضمن جميع معانيالأسماء الحسنى الدالة على الكمال ، فالله عز وجل ترجع إليه جميع معاني الأسماءالأخرى كالرازق ، والحي ، والقادر ، والمدبر ، والسميع ، والبصير وما إلى ذلك .

    ولهذا قال جمع من أهل العلم :إنه الاسم الأعظم الذي إذاسئل الله به أعطى ، وإذا دعي أجاب ، فهو أعظم الأسماء الحسنى وأجلّها على الإطلاق، كما أنه أيضا من الأسماء المختصة بالله تبارك وتعالى .. يعني بعض أسماءالله عز وجل يمكن أن يسمى بها المخلوق مثل العزيز ( وقالت امرأة العزيز ) ،أما ( الله) فلا يمكن أن يسمي به أحد منالمخلوقين ، فهو اسم مختص بالله تبارك وتعالى .
    ( الله لا إله إلا هو ) : هذهأشرف كلمة قيلت على الإطلاق ، وهي كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) .. هي أصدقكلمة ،وأعدل كلمة .. ما قال قائل قط أصدق كلمة من هذه الكلمة .. كلمة الشهادة .. كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) .. ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفضلما قلت أنا و النبيون قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) الحديث .

    ( الله لا إله إلا هو) : أي لا معبود بحق سواه .

    ثمقال : (الحي القيوم) : الحي : الذي له الحياة الكاملة منكل وجه ، فهي حياة لم تسبق بعدم .

    المخلوق حي يوصف بالحياة .. ولكن الفرقبين حياة المخلوق وحياة الخالق ؟ .
    حياة الخالق : لم تسبق بعدم ، هوالأول ، ولا يلحقها عدم ، وهو الآخر ، ولا يعتريها نقص بوجه من الوجوه ..
    حياةالمخلوق مسبوقة بالعدم ، ويعقبها الفناء والعدم .. يموت الإنسان ، ويعتريها النقصوالضعف والخلل بما يحصل للإنسان من الأوجاع والأمراض التي تكون ضعفا في حياته ،إضافة إلى السِنة والنعاس والنوم ، لأن النوم في الواقع هو موتة صغرى .. فنحن حينماننام ، فنحن في الواقع نموت في كل يوم ،بل قد نموت في كل يوم عدة مرات ، فهذا نقصفي حياتنا في الواقع ، وإن كان بالنسبة للمخلوق الضعيف الفقير المحتاج يُعد النومكمالا في حياته ، لأنه لو لم ينم لكان ذلك علة ومرضا يستدعي ذهابه إلى الأطباء .. فهذا كمال ، ولكنه ليس كمالا مطلقا ، بل هو كمال نسبي يليق بالمخلوق .

    أماإذا قيّمنا هذه الصفة ونظرنا إليها - النوم - من حيث هي ، فإنها لا تكون كمالا علىسبيل الإطلاق ، بل هي كمال نسبي يليق بالمخلوقين فحسب .

    أما الخالق فلايليق به النوم جل وعلا ، لأن النوم نقص في الحياة ، ولهذا قال :
    (الله لا إله إلا هو الحي) : الذي له الحياة الكاملة ، لم تسبقبعدم ولا يلحقها عدم ، وهي أيضا لا يعتريها نقص ..

    وهناسؤال.. وهو أن أهل الجنة يخلدون فيها ، فهل يرد ذلك على كون الله عز وجل لهالحياة الكاملة التي لا يسبقها عدم ، فما الجواب ؟ ..
    بقاؤهم في الجنة .. هلقيامهم بأنفسهم ؟! ..
    الجواب :
    لا .. وإنما بإقامة الله عز وجل لهم ،فقيامهم مفتقر إلى إقامة غيرهم.. إلى إقامة الله تبارك وتعالى ،فهو ليس قياما بنفسه ، وإنما قيام بغيره .

    أما قيام اللهعز وجل وبقاؤه وحياته الكاملة فإنه مقيم لنفسه سبحانه وتعالى ويقيم غيره ..

    وأنتم تلاحظون هذه المعاني المترابطة فيما يلوح لكم من الأسماء الآتية .. هو يقيم غيره ، ولا يفتقر إلى غيره في بقائه وحياته الأبدية .

    وأما أهلالجنة فإنما بقاؤهم بإبقاء الله لهم .. فهم مفتقرون إليه كل الافتقار .

    ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم) .. تلاحظون أن حرف العطفمحذوف بين هذه الأسماء .. فما وجه هذا الحذف ؟ ، لماذا لم يقل الله لا إله إلا هوالحيوالقيوموالذي لا تأخذه سنةولا نوم .. إلى آخره . لماذا لم يذكر العطف ؟.

    إذاتأملنا في كتاب الله عز وجل نجد أن ذكر الأسماء الحسنى لا يذكر معه حرف العطف إلافي موضعين اثنين :
    الأول : مع الاسم الموصول( سبح اسم ربك الأعلى، الذي خلق فسوى ، والذي قدر فهدى ، والذي أخرج المرعى .. ) إلى آخره .
    والموضع الثاني : في مقام واحد في كتاب الله عز وجل، وهو قوله تباركتعالى ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) في هذا المقام فقط .

    لاحظالآن.. الأسماء المذكورة هنا ( الأول والآخر والظاهر والباطن ) هل هي أسماءمتقاربة أم متقابلة ؟ .. متقابلة .. الأول والآخر ..
    ( اللهم أنت الأول فليسقبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليسدونك شيء ).

    فهذه الأسماء متقابلة تماما .. بينما المواضع الأخرى التي يحذفمعها حرف العطف تكون متقاربة :
    - تجد العزة مع الحكمة .. العزيز الحكيم .
    - المغفرة يتبادر معها الرحمة .. الغفور الرحيم .
    - والحياة ما الذي يناسبها ؟ .. يناسبها القيومية ، ولهذا قال ( الحي القيوم ) .. له الحياة الكاملة وهو أيضا قيوم .

    قيوم .. صيغة مبالغة .. معناها : أنه قائم بنفسه ،مقيم لغيره سبحانه وتعالى ، قائم على خلقه في كل شيء ، قائم عليهم في حياتهم وفيأرزاقهم ، وقائم عليهم في آجالهم ، وقائم عليهم في كل شأن من شئونهم ، فهو الذييدبرهم التدبير المطلق ، وهو الذي يحكم عليهم ولا معقب لحكمه جل وعلا ، هذا معنىالقيوم. ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت )

    وهذا من كمال حياته، فهو كما أنه قائم بنفسه هو أيضا مقيم لغيره .
    ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) .. وانظر إلى هذا المعنى العجيب الذي نفاه الله عز وجل بعد أن ذكر الحياة والقيومية ،فقد يتوهم المتوهم من ذكر حياته جل وعلا أن حياته كحياة المخلوقين ، يرد عليها مايرد على المخلوقين من حاجة إلى الراحة ، وغياب عن هذا العالم المشاهد بالنوم أو مادونه من مقدماته وهي السِنة ، فنفى الله عز وجل هذا الوهم فقال : ( لا تأخذه سنة ولا نوم) ..

    وحينما ينفي السِنة والنوم لايكون ذلك نفيا لهذه المعاني الناقصة فحسب ، بل إن النفي في كتاب الله عز جل إذا نفىالله عز وجل عن نفسه أو عن كتابه أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم شيئافإن ذلكيتضمن ثبوت كمال ضده، فإذا قال ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) ،فهذا يتضمن ثبوت كمال حياته سبحانه وتعالى .

    أما نحن الضعفاء الفقراء المساكين فحسبنا النفي ، فيقال : فلان ليسضعيفا ، فلان ليس عالما ، فلان ليس جاهلا ، فيكون مبلغ ذلك الكلام هو نفي هذه الصفةفحسب ولا يتضمن ذلك ثبوت كمال الضد .

    أما إذا نفى الله عننفسه شيئا من النقائص أو عن رسوله صلى الله عليه وسلمأو عن كتابه فإن هذا يتضمنثبوت كمال ضده ، فيكون ذلك إثباتا لكمال حياته وقيوميته .

    (لا تأخذه سنة ولا نوم ) .. وما معنى السنة؟ .. السنة هي : مقدمة النوم وخثورته والضعف الطبيعي الذي يعتري الإنسانقبل أن ينام . هذه هي السنة .
    وبعض العلماء يقولون هي والنعاس بمعنى واحد .
    وبعضهم يفرقون بينهما فيقولون :
    - السنة في الرأس .
    - والنعاس في العين .
    - والنوم في القلب .

    وهنا ذكر الله السنة ولم يذكر النعاس ، فتكونالسِنة والنعاس بمعنى – أي واحد – والله أعلم .

    فنفى الله عز وجل عن نفسهمقدمة النوم وهي السنة أو النعاس ، ونفى النوم وهو غياب الإنسان هذا الغياب الطبيعيعن العالم المشاهد بحيث أن حواس الإنسان وقلبه وعقله يفتر ، فلا يحس بما حوله ، لايشعر بشيء مما حوله .

    قد يقول قائل : نفى الله عز وجلالسنة ونفى النوم ، أما كان يكفي أن ينفي السنة فيكون نفي النوم من باب أولى ؟ ، أوينفي النوم فيكون ذلك أيضا نفيا أيضا لمقدماته ؟ ، فما الجواب ؟ .

    الجواب /
    يقال ( لا تأخذه سنة ولا نوم) أن السنة قد ترد من غير النوم ، فيدافع الإنسان النوم ، فيحصل له نعاسولكن لا يحصل النوم ، قد توجد السنة منفردة عن النوم ، وقد يوجد النوم من غير سنة .. أليس كذلك ؟ .. فنفى الله عز وجل الأمرين .

    ولاحظ هذا النفيأنهأدخل بينهما لا النافية مرة أخرى ، قال (لا تأخذه سنةولانوم) وكان يكفي أن يقال لا تأخذه سنة ونوم ، ولكن مبالغة في التوكيدوأن كل واحد منهما منفيا على سبيل الاستقلال ، قال ( لا تأخذه سنةولا نوم) أي ولا يأخذه نوم .
    ثم قال : ( له ما في السماوات وما فيالأرض) .. هذا الإله العظيم الذي له جميع أوصاف الكمال ، وله القيوميةالكاملة ، والحياة الكاملة ، ولا يعتريه غفلة ولا نقص بوجه من الوجوه .
    ( له ما في السماوات وما في الأرض) بعد أن قرّر أنه تبارك وتعالىلا تعتريه الآفات ، ولا تغيره الليالي والأيام كما تُغير البشر ، فهو الكامل الكمالالمطلق ، الذي لا يرد عليه نقص بوجه من الوجوه " لا تأخذه سنة ولانوم "، قال ( له ما في السماوات وما في الأرض) ..

    ( له) : اللام هنا للمُلك .

    العلماء يذكرون ثلاث ( لامات ) ، ما هي ؟ ..
    - لام الاستحقاق .
    - ولام الاختصاص .
    - ولام الملك .

    نحن نأتي بفوائد علمية ، وأحيانا لغوية ،وأحياناتربوية ، ليكون هذا الدرس فيه أشياء متنوعة من الفوائد ، تقرأون في بعض الكتبفتدركون بعض المعاني ، وتتصورون بعض القضايا التربوية من كلام الله عز وجل –

    ما الفرق بين اللامات الثلاث ؟ ..

    الآن اللام : حينما نقول ( الكأس لزيد ) .. الآن الكأس ذات .. ذات أم معنى؟ .. ذات .

    - أضفناه إلى ذات ، فإضافة "ذات" إلى "ذات من شأنها أن تملك" - الذاتالمضاف إليها - ،تكون : اللام للملك. ( الكأس لزيد، السيارة لمحمد ، البيت لصالح , القلم لسعيد ) .

    -إذاأضفنا "ذات" إلى "ذات ليس من شأنها أن تملك" : صارت اللامللاختصاص ( المفتاح للسيارة ) المفتاح ذات والسيارة ذات ، ولكن السيارة ليسمن شأنها أن تملك ( الباب للمنزل ، السلك للمكبر ، الورق للمسجد ) .. فهذه اللام : لام الاختصاص .

    - باقي اللام الثالثة وهيلامالاستحقاق ..أن نضيف "معنى" إلى "ذات" مثل ( الحمد لله ) الحمد معنى أم ذات ؟ .. معنى .. ( لله ) اللام للاستحقاق .
    تقول ( الشكر لله ) الشكر معنى ، فاللام للاستحقاق .. وهكذا .

    فهنا يقول ( له ما في السماوات) اللام ما نوعها ؟ .. لام الملك .. (له ما في السماوات) أي ملكا . و ( ما) صيغة عموم تدل على العموم ، أي جميع ما في السماوات السبع كله ملك لله عز وجل لايشاركه فيه أحد .
    ( له ما في السماوات وما في الأرض) أيكل ما في الأرض هو ملك لله عز وجل .

    ولا حظ أن السماوات مجموعة ، والأرضمفردة ، ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن ) فلماذا تذكرالسماوات مجموعة والأرض مفردة ، إذا ذكرت السماء والأرض ؟ ما الجواب؟.
    الجواب /
    يمكن أن يقال - والله أعلم - : الأرض اسم جنس ،يدل على الواحد والجمع فيشمل ذلك الأرضين السبع .

    ( له مافي السماوات وما في الأرض ) أي ملكا ، وهذا يدل على سعة ملك الله عز وجل ،وإذا علم العبد أن الله عز وجل له ما في السماوات وما في الأرض فهل يطلب الغنى منغير الله تبارك وتعالى ؟ .

    كل ما في السماوات وما في الأرض ملك لله عز وجل ،فإذا افتقرت واحتجت ، إلى أين تلجأ ؟ .. إلى الله وحده لا شريك له ، فهو الذي بيدهخزائن السماوات والأرض ، والمخلوق الضعيف لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، ( يا أيهاالناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز ) فنحن وما نملك كلنا ملك لله عز وجل .
    ثم قال مبينا عظمة هذا الملك : ( منذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) .. ( من ذا الذي) : هذا استفهام ، وهذا الاستفهام يتضمن معنى النفي ، وإيراد النفي بصيغة الاستفهامأبلغ وأبلغ .

    المعنى ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) معناه : لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه ، وهذا يدل على كمال ملك الله عز وجل .. ومن أي وجه ؟ .. لأن المخلوق إذا كان موصوفا بالملك فإن الناس قد يتقدمون بينيديه بالشفاعة من غير استئذان ، وقد يشفع هو من غير رغبة .. قد لا يرغب في هذهالشفاعة التي قدمت بين يديه ، لكنه قد يُحرج أو يستحي أو قد يقبل هذه الشفاعة خوفامن غائلة الشافع لأن ملكه لا يقوم إلا به .. قد يكون من أعوانه .. الذين لا يقومملكه إلا بهم فيقبل الشفاعة خوفا من غائلة هذا الشافع ، وقد يقبلها حياء منه وخجلاوإحراجا ، وقد يقبلها ردا لجميله السابق عليه وإفضاله .

    وأما الله عز وجلفهو لا يخاف من أحد ، ولا يقبل الشفاعة إحراجا من أحد ، وليس لأحد فضل على الله عزوجل حتى يكون ذلك القبول على سبيل المقايضة .. من هو الذي يتفضل على الله عز وجلحتى يحتاج رب العالمين جل وعلا وتقدس وتنزه أنيردّ له هذا الجميل ؟.

    والناس كلهم لا يقومون إلا بإقامته جل وعلا ، فهذا هو الفرق بين ملكالمخلوقين وبين ملك رب السماوات والأرض .. فهو لعظمة ملكه وقوته وغناه التام الكامللا يحتاج إلى أحد على سبيل الإطلاق .. فلا أحد يتجرأ أن يشفع عنده إلا بإذنه ..

    (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) أي : لا أحديشفع عند الله إلا بإذنه .. بإذنٍ لمن ؟! .. بإذن للشافع أصلا أن يشفع .. مايتقدمون بين يديه بالشفاعة ابتداءً .. لا .. لابد :
    - من الاستئذان .
    - ثملا بد من الإذن في الشفاعة .
    - ولا بد من الرضى عن المشفوع له .

    ولهذايقول الله عز وجل ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) ، ولهذا قال الله عن أهل الإشراك ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) فلا يتقدم إذن أحد بين يدي الله بالشفاعة إلا :
    - بعد إذن الله للشافع أن يشفع .
    - وبعد إذنه في الشفاعة .
    - وبعد رضاه عنالمشفوع له .

    وهذا لكمال ملك الله جل وعلا ، بخلاف المخلوق الذي يُتقدم بينيديه بالشفاعة من دون استئذان ، وقد يقبلها على مضض محرجا أو خائفا من هذا الشافع .

    ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) لاحظ .. هناكقرر أنه ذو الألوهية ، وقرر أيضا أنه موصوف بالحياة الكاملة ، وبالقيومية الكاملة ،وأن له ما في السماوات وما في الأرض .. فماذا بقي للأرباب والأنداد ؟ ، هل بقي لهاشيء ؟ ، هل بقي لأحد مع الله عز وجل شرك في هذا الكون يقاسم الرحمن به ؟ .. أبدا .

    فلما قرر هذه المعاني نفى أمرا قد يتوهمه المتوهمون ، فيقولون : نلوذبشفاعة الشافعين ممن يقربون إليه بألوان القربات ، فقال لهم : فكما أن أولئك لايملكون نفعا ولا ضرا ، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ، وليس لهم في هذا الكونقليل ولا كثير .
    قال أيضا : فهؤلاء أيضا لا يملكون الشفاعة ، ولا يتقدمون بينيدي الجبار عز وجل ليشفعوا لأحد إلا بعد إذنه جل وعلا ، فأين المفر إلا إليه ؟.

    فيكون هو ملاذ العبد وملجؤه ، ويكون فقر العبد بكليته إلى ربه وخالقه جلوعلا ..

    لا يكون في القلب أدنى افتقار إلى المخلوقين ..

    هكذا يربيالقرآن أهل الإيمان لتعمر قلوبهم بمعرفة الله عز وجل معرفة صحيحة بأسمائه وصفاته .

    ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) .. إذن ماحاجتكم لهؤلاء الأرباب الذين تتوسلون بهم وتصرفون ألوان القربات إليهم ، وتقولون ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا ) ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) .
    ثم يقول : ( يعلم ما بين أيهم وماخلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) ذكر سبحانه وتعالى علمه الكاملالمحيط بجميع شئون المخلوقين .. ( يعلم ما بين أيهم وما خلفهم) يعلم ما قدموا وما أخروا . ( عالم الغيب والشهادة ) فلا يعزب عنه سبحانهوتعالى مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ) ، فعلمه محيط ، يعلم ما كان وما يكون، وما لا يكون لو كان كيف يكون ، كما قال الله عز وجل ( ولو ردوا لعادوا لما نهوعنه ) ، وقال ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنةوفيكم سماعون لهم ) ، وقال أيضا جل وعلا مخبرا عن هذا العلم المحيط لما قالالمنافقون ليهود بني النضير ( لئن أخرجتم لنخرجن معكم ، ولئن قوتلتم لننصرنكم ) فردالله عليهم قال ( لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهمليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) ، يقول هذا لا يكون ولو كان ليولن الأدبار .. سينهزمون .. فربنا جل وعلا هذا علمه .

    هذا الرب الذي نعبد وله نصلي ونسجد .. هذا هو الإله الذي نتقرب إليه وندعوا إليه ونتوكل عليه ، فنحن نتوكل على جناب عظيم .

    فـ ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيهموما خلفهم) .

    وبالمقابل (ولا يحيطون بشيء من علمه) شيء : نكرة في سياق النفي ، و( لا ) نافية ، ( ولا يحيطونبشيء من علمه)والنكرة في سياق النفي تدل على العموم ، يعني : ولا يحيطونبأي شيء من علم الله عز وجل إلا بما شاء .

    (ولا يحيطونبشيء من علمه) الضمير الهاء .. إلى أي شيء يرجع ؟ ..
    يمكن أن يكون يرجعإلى الله ( ولا يحيطون بشيء من علمه) يعني : من علم اللهعز وجل .

    وهل تحتمل الآية معنى آخر ؟ .
    نعم .. يحتمل أن يكون عائد إلى : علم ما بين أيديهم وما خلفهم ، فيكون المعنى ( يعلم ما بين أيديهموما خلفهم ) ما قدموا وما أخروا ، ولا يحيطون بشيء من علم ما بين أيديهم وماخلفهم إلا بما شاء أن يطلعهم عليه . يكون المعنى هكذا .

    وأيهما الراجح ؟ ..
    لا نحتاج أن نقول أيهما الراجح ؛ لأن القرآن يُعبر به في الألفاظ القليلةالدالة على المعاني الكثيرة ، فالخلق لا يحيطون بشيء من علم الله عز وجل إلا بماشاء ، ولا يحيطون أيضا بشيء من علم ما بين أيديهم وما خلفهم إلا بما أطلعهم اللهعليه .

    والمعنى الثاني مستلزم للمعنى الأول ، يعني :
    إذا كانوا لايحيطون بعلم شيء مما بين أيديهم وما خلفهم ، فمن باب أولى أنهم لا يحيطون بشيء منعلم الله عز وجل ، لأن علم ما بين أيديهم وما خلفهم هو بعض من علم الله عز وجل .

    ولهذا يقال إذا دلت الآية على معنيين بينهما تلازم فإن الآية تحمل عليهما، وإذا دل القرآن على معنى واحتمل غيره من غير مانع يمنع من حمله عليه حُمل علىالمعنيين ، لأن القرآن يُعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة .

    مثلا : الله عز وجل يقول ( ومن شر غاسق إذا وقب ) مامعنى الغاسق ؟..
    بعض العلماء يقولون : الليل ، وبعضهم يقولون : القمر ، فيحاول بعض العلماء أنيرجح ، وفي الواقع لا حاجة للترجيح ، لأن القمر يخرج في الليل ، فالمعنيان بينهماملازمة ، فالقولان حق .

    ( ولا يحيطون بشيء من علمه) أي : من علم الله ، ومن علم مابين أيديهم وما خلفهم لأنه بعض علم الله عز وجل ، ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) أن يطلعهم عليه ،كما قال ( إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ) .
    ثم قال (وسع كرسيه السماوات والأرض) فيه بيان كمال عظمة الله جل وعلا .

    الكرسي: موضع القدمينالذي يوضع بين يدي العرش كالمرقاة له .
    والعرش:هو سرير الملك في اللغة .

    فالعرش سرير الملك ، والكرسي موضع القدمين في لغة العرب .

    ( وسع كرسيه السماوات والأرض) فما معنى الكرسي في الآية ؟.
    هو : ذلك المخلوق الهائل العظيم الذي يكون بين يدي عرش الرحمن جل وعلا ..

    ماصفته ؟ ، كيف هو ؟.
    لا نعلم ، لأن هذه أمور غيبية ، نثبتها لله عز وجل كما أخبر، ولا نخوض فيها متأولين بأفهامنا وآرائنا .

    لكن تصور هذا المخلوق الذي بينيدي العرش ، وسع السماوات والأرض ، يعني أضخم من السماوات والأرض ، إذا ما ضخامةالعرش ؟!.

    إذا كان الكرسي وهو صغير بالنسبة للعرش أضخم من السماوات والأرض ،أتعلمون ما معنى السماوات ؟ ..
    العلماء يتحيرون في السماء الدنيا بأفلاكهاومجراتها وشموسها ومجموعاتها الشمسية ..
    يتحيرون في ضخامتها وسعتها ، فكيفالسماء الثانية التي هي أوسع منها ، والسماء الثالثة التي هي أوسع من الثانية ،وهكذا حتى تصل إلى السماء السابعة .

    يا أخي ؛ النبي صلى الله عليه وسلم صحعنه في الحديث أنه قال : ( أُذن لي أن أحدّث عن أحد حملة العرش ، ما بين شحمة أذنهإلى عاتقه سبعمائة سنة تخفق الطير ) يعني تصور سرعة الطير سبعمائة سنة يمشي يخفق .. يطير .. حتى يقطع هذه المسافة في مَلك من الملائكة .

    إذا كانت هذه عظمةمخلوق فما عظمة الخالق ؟!..

    عظمة الله أعظم مما نتصور ، ومما يخطر فيأذهاننا ..

    الله جل جلاله له العظمة الكاملة التي لا تخطر على بال ..

    والله جل وعلا صاحب هذه العظمة ، يقول عن الملائكة : ( الذين يحملون العرشومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمةوعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ) ، ( وقهم السيئات ومن تقالسيئات يومئذ فقد رحمته ) .

    ويقول أيضا عن الملائكة : ( يخافون ربهم منفوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) بهذه الضخامة .

    النبي صلى الله عليه وسلم رأىجبريل صلى الله عليه وسلم في صورته الحقيقية مرتين ، رآه له ستمائة جناح قد سدمابين الأفق .

    ويُذكر في الأخبار والتواريخ أن قرى قوم لوط ( والمؤتفكةأهوى ) قرى ليست قرية واحدة ..
    المؤتفكات .. جمع .. جاء في التاريخ والأخبار أنجبريل صلى الله عليه وسلم رفعها بطرف جناحه - جناح من الستمائة جناح - ، رفعها حتىصعد بها إلى السماء ؛ الأرض ، القرى بأهلها .. بدوابها ..، فلما وصل بها إلى السماءقلبها ..
    المؤتفكة : أفكها أي قلبها ، .. المؤتفكات : المنقلبات .. أهوى أي : أسقطها ، رفعها بطرف جناحه ثم صعد بها إلى السماء ثم قلبها وألقاها ، هذا مَلك ،فما هي إذن عظمة الرحمن ؟ ..

    ثم نحن هذه الهباءة الصغيرة في هذا الكون .. الضعفاء المساكين نتمرد على الله عز وجل ، ونعصيه ونشمخ بأنوفنا عاليا إذا ذُكّرنابالله جل وعلا ، وأمرنا بتقواه أو أُنكر علينا منكر من المنكرات .. نتكبر ونتعاظم .. ولربما يبدر من هذا الإنسان الضعيف بعض التصرفات التي تنبئ عن استخفافه بالله عزوجل .. فأين نحن من هؤلاء الملائكة الذين هم بهذه العظمة ، والله يقول : ( يخافونربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) .
    ( ولا يؤوده حفظهما) أي : لا يعجزه ولا يثقله حفظ السماواتوالأرض .. هذه المخلوقات الهائلة يحفظها .. وهذا من قيوميته سبحانه وتعالى ، ومعذلك لا يثقله هذا الحفظ ، ولا يعجزه ..

    ومعنى ( يؤوده) أي : يثقله ويعجزه ؛ مأخوذ من قول العرب "آده يؤوده" وهو أن الشيء إذا وضععليه شيء ثقيل فإنه ينثني من هذا الثقل ، ويعوج ، ويميل ، وينحني ، فالله عز وجليحفظ السماوات والأرض ومن فيهن ، وهن خاضعات لعظمته ( تسبح له السماوات السبعوالأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) ، فهو له مافي السماوات وما في الأرض ، وهو يحفظها ، وأيضا لا يعجزه ولا يثقله حفظ السماواتوالأرض .

    (وهو العلي العظيم) الذي له العلو المطلق :
    - علو الذات ، فهو فوق العرش سبحانه وتعالى ( الرحمن على العرش استوى ) .
    - وعلو القدر والمنزلة .
    - وعلو القهر .

    فله جميع معاني العلو ، ( وهو العلي العظيم) ذو العظمة الكاملة .
    كلمات مفتاحية  :
    تفسير آية الكرسي

    تعليقات الزوار ()