بتـــــاريخ : 3/16/2009 9:00:25 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1711 0


    علم السياق القرآني - 5

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : د.محمد بن عبد الله الربيعة | المصدر : www.islamiyyat.com

    كلمات مفتاحية  :
    علم السياق القرآني
    السياق القرآني يختلف عن أي سياق آخر، وذلك أنه مكون من أربعة دوائر من السياق بعضها داخل في بعض ومبني عليه. وهذا من أعظم ما يتميز به القرآن العظيم، بل هو من مظاهر إعجازه وبلاغته. وذلك أنه ينقسم إلى أربعة أنواع:

    النوع الأول: سياق القرآن.

    النوع الثاني: سياق السورة.

    النوع الثالث: سياق النص أو المقطع أو الآيات.

    النوع الرابع: سياق الآية.

    وهذه الأنواع الأربعة مؤتلفة ائتلافاً عجيباً فلا تجد بينها تعارضاً، بل إنها متكاملة تكاملاً، ينتج عنه معاني متعددة وأغراض متنوعة، وهذا والله أعلم سر كون القرآن محتملا للوجوه الكثيرة والمعاني المتعددة، كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (إنك لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً كثيرة) ([1]).

    وقد حقق هذا التنوع في سياق القرآن صاحب كتاب (دلالة السياق منهج مأمون لتفسير القرآن الكريم) فقال" :السياق قد يضاف إلى مجموعة من الآيات التي تدور حول غرض أساسي واحد، كما أنه قد يقتصر على آية واحدة، ويضاف إليها، وقد يكون له امتداد في السورة كلها، بعد أن يمتد إلى ما يسبقه ويلحقه، وقد يطلق على القرآن بأجمعه،ويضاف إليه، بمعنى أن هناك: سياق آية، وسياق النص، وسياق السورة، والسياق القرآني، فهذه دوائر متداخلة متكافلة حول إيضاح المعنى"([2]).

    وسنقف مع كل نوع لتحرير المراد منه بإجمال :

    أولاَ : سياق القرآن
    المراد بهذا النوع من السياق القرآني، مقاصد القرآن الأساسية، والمعاني الكلية التي تسمى بالكليات في القرآن، والأساليب المطردة في القرآن التي تسمى بعادة القرآن. وعلى هذا فيمكن تقسيم هذا النوع إلى وجوه:

    الوجه الأول: مقاصد القرآن العظمى.
    القرآن مبني على أغراض ومقاصد أساسية، وهذه الأغراض والمقاصد معتبرة في تفسير كلام الله تعالى كله، بل يجب الاعتماد عليها في كل سورة وآية منه حسب ما يقتضي المقام فيها.

    ومقاصد القرآن ظاهرة فيه، وقد أجمل ابن عاشور مقاصد القرآن كلها في ثمانية مقاصد: الأول: إصلاح الاعتقاد، الثاني: تهذيب الأخلاق، الثالث: بيان التشريع، الرابع: سياسة الأمة وصلاحها وحفظ نظامها، الخامس: القصص وأخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم، السادس: التعليم بما يناسب حاله عصر المخاطبين، وما يؤهلهم إلى تلقي الشريعة ونشرها، السابع: المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير، الثامن: الإعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول([3]).

    ودليل اعتبار مقاصد القرآن كله ما جاء في السنة من اعتبار سورة الفاتحة أعظم سورة في كتاب الله، واعتبار سورة البقرة سنام القرآن، وسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، وهذا إنما يكون بالنظر لمعاني هذه السور بالنسبة لمعاني القرآن كله.

    الوجه الثاني: المعاني الكلية.

    والمقصود بالمعاني الكلية هو ما يرد في القرآن من الألفاظ التي يطرد أو يغلب معناها في جميع القرآن، فيستعملها القرآن بمعنى واحد غالباً، وهذا ما يسمى بكليات القرآن.

    قال شيخ الإسلام: "إذا كان في وجوب شيء نزاع بين العلماء، ولفظ الشارع قد اطرد في معنى، لم يجز أن ينقض الأصل المعروف من كلام الله تعالى ورسوله بقول فيه نزاع"([4]).

    ومن أمثلة ذلك ماذكره الشنقيطي في معنى الغلبة قال: "والغالب في القرآن هو استعمال الغلبة بالسيف والسنان"([5]).

    الوجه الثالث: الأساليب المطردة:
    والمقصود بالأساليب المطرده هو مايستعمله القرآن من الأساليب، ويطرد في القرآن كله، وهذا مايسمى بعادة القرآن.

    ومن أمثلة ذلك: ماذكره الشنقيطي قال : "كل الأسئلة المتعلقة بتوحيد الربوبية استفهامات تقرير، يراد منها أنهم إذا أقروا رتب لهم التوبيخ والإنكار على ذلك الإقرار؛ لأن المقر بالربوبية يلزمه الإقرار بالألوهية ضرورة، نحو قوله تعالى: +أفي اللهِ شكٌ"[إبراهيم 10]، وقوله تعالى: +قُل أَغيِرِ اللهَ أبغي رَباً"[الأنعام 164] "([6]).

    ثانياَ : سياق السورة:

    من أعظم دلائل الإعجاز في هذا القرآن العظيم، أنه بني على سور متفرقة لكنها منتظمة في بناء واحد محكم، وكل سورة منها وحدة متكاملة متناسقة، يجمعها غرض واحد يسمى بوحدة السورة أو سياقها.

    ووحدة السورة أو سياقها العام هو الذي يطلع القارئ على مضمون السورة كلها، ولو تدبر القارئ وتفحص وتبصر في سورة واحدة لرأى قرآنا عجباً ذلك بما سيتجلى له من ترابط السورة وقوة بنائها وانتظامها في خيط واحد، وكيف لايكون ذلك وهو كلام رب العالمين الذي أتقن كل شيء .

    قال البقاعي: "إن معرفة مناسبات الآيات في جميع القرآن، مترتبة على معرفة الغرض أو الأغراض التي سيقت لها السورة" ([7]).

    وحين نرى العناية بهذا العلم العظيم نرى أن كثيراً من المفسرين أغفلوه ولم يلقوا له بالاً مع أنه من أعظم مايعين على فهم كتاب الله تعالى.

    وممن عَنى بهذا المجال شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم اللذان أبدعا في تفسير كتاب الله تعالى واستخراج دقائقه.

    فنرى مثلاً شيخ الإسلام يبرز وحدة سورة البقرة ويحدد سياقها وغرضها العام فيقول: "وقد ذكرت في مواضع ما اشتملت عليه سورة البقرة من تقرير أصول العلم و قواعد الدين"([8]).

    ويبين سياق سورة الأحزاب وغرضها العام، فيرى أنها تتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم في نصرة الله له وهزيمة الأحزاب الذين تحزبوا عليه، وذكر خصائصه وحقوقه؛ ولهذا افتتحت بندائه بقوله تعالى: {ياأيها النبي}([9]).

    ونرى أيضاً ابن القيم الذي كان بارعاً في استخراج دقائق القرآن وأسراره، يبين سياق سورة التحريم وأنها في بيان مقام النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وتحذيرهن من التظاهر عليه ولهذا افتتحت بندائها بقوله تعالى: +يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ"، قال: "في هذه الأمثال من الأسرار البديعة ما يناسب سياق السورة، فإنها سيقت في ذكر أزواج النبي × والتحذير من تظاهرهن عليه، وأنهن إن لم يطعن الله ورسوله ويردن الدار الآخرة لم ينفعهن اتصالهن برسول الله × كما لم ينفع امرأة نوح ولوط اتصالها بهما"([10]).

    ومن أشهر من تناول هذا العلم من السياق وبرع فيه محمد دراز صاحب كتاب (النبأ العظيم) ، وصاحب الظلال سيد قطب، فهما ممن حملا رايته،وأبدعا فيه.

    أما محمد دراز فقد أبدع في دراسته لسورة البقرة واستكشف غرضها. ويقول في مقدمته : "إنك لتقرأ السورة الطويلة المنجمة يحسبها الجاهل أضغاثاً من المعاني حُشيت حشواً، وأوزاعاً من المباني جمعت عفواً، فإذا هي لو تدبرت بنية متماسكة قد بنيت من المقاصد الكلية على أسس وأصول، وأقيم على كل أصل منها شعب وفصول، وامتد من كل شعبة منها فروع تقصر أو تطول، فلا تزال تنتقل بين أجزائها كما تنتقل بين حجرات وأفنية في بناء واحد قد وضع رسمه مرة واحدة.. ولماذا نقول إن هذه المعاني تتسق في السورة كما تنتسق الحجرات في البنيان؟ لا بل إنها لتلتحم فيها كما تلتحم الأعضاء في جسم الإنسان.. ومن وراء ذلك كله يسري في جملة السورة اتجاه معين، وتؤدي بمجموعها غرضاً خاصاً، كما يأخذ الجسم قواماً واحداً، ويتعاون بجملته على أداء غرض واحد، مع اختلاف وظائفه العضوية"([11]).

    أما سيد قطب فقد سلك هذا المسلك في تفسيره الظلال، وجعل من منهجه أن يقدم بين يدي كل سورة بوحدتها الموضوعية وسياقها العام. ولعلنا نعرض لمثال واحد من ذلك، يقول في أول كلامه عن سورة البقرة: "يلحظ من يعيش في ظلال القرآن أن لكل سورة من سوره شخصية متميزة، شخصية لها روح يعيش معها القلب كما لو كان يعيش مع روح حي مميز الملامح والسمات والأنفاس، ولها موضوع رئيسي أو عدة موضوعات رئيسية مشدودة إلى محور خاص.. وهذا طابع عام في سور القرآن جميعاً، ولا يشذ عن هذه القاعدة طوال السور كهذه السورة"([12]).

    ويدخل في سياق السورة الاستدلال بما غلب وروده في السورة كلها. ومن أمثلة ذلك:

    ماذكره ابن جرير في ترجيح ماورد من القراءات في قوله تعالى: +سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ" [الصافات 130]، ووردت قراءة بلفظ +آل ياسين"([13]) فرجح الأولى بدلالة سياق السورة فقال: "والصواب من القراءة في ذلك عندنا: قراءة من قرأ +سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ" بكسر ألفها، على مثال إدراسين؛ لأن الله تعالى ذكره إنما أخبر عند كل موضع ذكر فيه نبياً من أنبيائه - صلوات الله عليهم - في هذه السورة بأن عليه سلاماً لا على آله، فكذلك السلام في هذا الموضع، ينبغي أن يكون على إلياس، كسلامه على غيره من أنبيائه، لا على آله"([14]).

    ثالثاَ : سياق النص أو القصة
    سياق النص يأتي كجزء ووحدة من جملة السورة، يكون موضوعه واحداً وغرضه واحداً لكنه يتناسق ويتناسب مع وحدة السورة العام. ويظهر النص غالباً في سياق القصص، وبعض التشريعات، والموضوعات. كقصة آدم، وآيات بني إسرائيل، وآيات القبلة، وآيات الحج في سورة البقرة.

    ولو تدبرت كل سورة لوجدتها تتجزأ إلى عدة مقاطع كل مقطع يتضمن غرضاً مستقلاً. وقد تجلى ذلك في دراستي لسورة البقرة.

    فمن أمثلة ذلك آيات النفقة والربا والمداينات في سورة البقرة كل موضوع جاء لغرض، وقد اجتمعت كلها في غرض واحد وسياق واحد هو حفظ الأموال وبناء النظام الاقتصادي للأمة.

    قال ابن عاشور: "نظم القرآن أهم أصول حفظ مال الأمة في سلك هاته الآيات، فابتدأ بأعظم تلك الأصول، وهو تأسيس مال للأمة به قوام أمرها.. "([15]).

    وقال صاحب الظلال: "منذ الآن إلى قرب نهاية السورة يتعرض السياق لإقامة قواعد النظام الاقتصادي الاجتماعي الذي يريد أن يقوم عليها المجتمع المسلم، وأن تنظم بها حياة الجماعة المسلمة" ([16]).

    رابعاَ : سياق الآية.
    كل آية في كتاب الله تعالى تحمل غرضاً مستقلاً، وإلا فما سر هذه الفواصل بين الآيات، وقد تجلى ذلك في دراستي لسورة البقرة، فرأيت أن كل آية لها غرض قد تشترك فيه مع سابقتها أو لا حقتها لكنها تختص بجانب منه.

    وقد تناول المفسرون هذا النوع كثيراً في بيانهم لتفسير كلام الله والترجيح بين المعاني فيه، ومن على الأمثلة في ذلك:

    ماذكره بعض المفسرين في المراد بالإحصان في قوله تعالى: +فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ" [النساء 25].

    فقد رجح ابن كثير والشنقيطي أن المراد بالإحصان في الآية التزويج لدلالة السياق.

    قال ابن كثير: "والأظهر - والله أعلم - أن المراد بالإحصان ها هنا التزوج؛ لأن سياق الآية يدل عليه، حيث يقول الله تعالى +وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ" [النساء25] والآية الكريمة سياقها في الفتيات المؤمنات، فتعين أن المراد بقوله تعالى: +فَإِذَا أُحْصِنَّ" أي تزوجن كما فسره ابن عباس ومن تبعه"([17]).

    وقال الشنقيطي: "قوله تعالى: +فَإِذَا أُحْصِنَّ" أي: فإذا تزوجن، وقول من قال من العلماء: إن المراد بالإحصان في قوله تعالى: +فَإِذَا أُحْصِنَّ" الإسلام خلاف الظاهر من سياق الآية؛ لأن سياق الآية في الفتيات المؤمنات حيث قال +وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً" الآية" ([18]).

    ومن الأمثلة في تعيين غرض الآية:

    1- قوله تعالى: +مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" [البقرة 261]

    غرض هذه الآية هو بيان شرف النفقة ومضاعفة أجرها، تحريضاً على الإنفاق في سبيل الله تعالى.

    قال ابن عطية: "هذه الآية لفظها بيان مثل بشرف النفقة في سبيل الله وبحسنها، وضمنها التحريض على ذلك"([19]).

    هذه هي أنواع السياق القرآني، وهي بمجموعها تنبئك عن عظمة القرآن في ترابطه وبنائه وإحكامه، وتطلعك على منهج عظيم لدراسة القرآن العظيم وتفسيره، وقد سلكت هذا المنهج- بحمد الله وتوفيقه - في دراستي لسورة البقرة كلها. فلله الحمد أولاً و آخراً.
     
     

    د.محمد بن عبد الله الربيعة
    جامعة القصيم - قسم القرآن وعلومه


    --------------------------------------------------------------------------------

    ([1]) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (11/255) رقم (20473) ، وانظر: ((البرهان في علوم القرآن)) (1/193).

    ([2]) ((دلالة السياق منهج مأمول لتفسير القرآن الكريم)) (ص88).

    ([3]) انظر: ((التحرير والتنوير)) (1/8).

    ([4]) ((مجموع الفتاوى)) (7/35).

    ([5]) ((أضواء البيان)) (3/376).

    ([6]) ((أضواء البيان)) (3/376).

    ([7]) ((نظم الدرر)) (1/17).

    ([8]) ((مجموع الفتاوى)) (14/41).

    ([9]) ((مجموع الفتاوى)) (28/433).

    ([10]) ((الأمثال في القرآن)) (ص57).

    ([11]) ((النبأ العظيم)) (ص154-155).

    ([12]) ((في ظلال القرآن)) (1/27).

    ([13]) انظر: ((التيسير)) (ص187) ، ((السبعة)) (594).

    ([14]) ((جامع البيان)) (10/523).

    ([15]) ((التحرير والتنوير)) (3/78) باختصار.

    ([16]) ((في ظلال القرآن)) (1/304).

    ([17]) ((تفسير ابن كثير)) (1/631).

    ([18]) ((أضواء البيان)) (1/ 280).

    ([19]) ((المحرر الوجيز)) (1/355).
     

    تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور
    http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=6&book=636
    المحرر الوجيز لابن عطية
    http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=6&book=1514
    أضواء البيان للشنقيطي
    http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=6&book=467
    جامع البيان للطبري
    http://www.4shared.com/file/41115413..._____.html?s=1

    كلمات مفتاحية  :
    علم السياق القرآني

    تعليقات الزوار ()