بتـــــاريخ : 3/16/2009 10:35:37 AM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1035 0


    برنامج التفسير المباشر الحلقة 50

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | المصدر : www.islamiyyat.com

    كلمات مفتاحية  :
    برنامج التفسير المباشر الحلقة05

    برنامج التفسير المباشر الحلقة 50
     
    ضيف البرنامج: فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالعزيز الخضيري الأستاذ المساعد بكلية المعلمين بالرياض
    موضوع الحلقة: دعوة إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم.
    بُثّت الحلقة يوم الجمعة 2 ربيع الأول 1430هـ
    إعادة الحلقة الإثنين الساعة 8.30 صباحاً
    د. عبد الرحمن الشهري: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة المشاهدون الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ورحباً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم المتجدد التفسير المباشر الذي يأتيكم استوديوهات قناة دليل الفضائية من مدينة الرياض. فحياكم الله وأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم. سوف يكون حديثنا اليوم بإذن الله تعالى في هذه الحلقة حول موضوع قرآني تكرر كثيراً في القرآن الكريم وهو "دعوة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام من خلال القرآن". ويسعدني في بداية هذا اللقاء أيها الإخوة المشاهدون أن أرحب بإسمكم جميعاً بضيفنا في هذا اللقاء فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بكلية المعلمين بالرياض حياكم الله يا أبا عبد الله.
    د. محمد بن عبد العزيز الخضيري: أهلاً وسهلاً بك حياكم الله وحيا الله الإخوة المشاهدين والأخوات المشاهدات.
     
    live@tafsir.net وبالرسائل النصية التي يظهر رقمها على الشاشة تباعاً أثناء الحلقة.د. عبد الرحمن: الله يحييك. وللإخوة المشاهدين الراغبين في المشاركة يمكنهم الإتصال من خلال الأرقام التي تظهر على الشاشة تباعاً من داخل السعودية 920009599 ومن خارج السعودية 00966920009599 ويمكن التواصل أيضاً عبر منتدى البرنامج
    حياكم الله يا أبا عبد الله. دعوة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم. تكرر ورود هذه القصة العظيمة لأبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام فلماذا الحديث عن دعوة إبراهيم ابتداء؟.
    د. الخضيري: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. عندما يدخل الإنسان إلى عالم القرآن ليبحث عن موضوع معين يفاجأ كأنما القرآن يتحدث عن ذلك الموضوع وحده وكأنما أُنزل القرآن لهذه القضية دون غيرها. وهذه من أعاجيب كتاب الله عز وجل ولعلك تلاحظ هذا دكتور عبد الرحمن في عدد من القضايا تدخل إلى عالم القرآن لتبحث عن قضية تظن أن فيها آية أو آيتين ثم تفاجأ أن كمّاً هائلاً من الآيات أمامك أحياناً قد يخرج عن حدّ الإحصاء. دعوة إبراهيم قد يكون كثير من الناس قرأ قصة إبراهيم في عدد من السور لكن عندما تنظر إلى الدعوة الإبراهيمية يعني دعوة إبراهيم كيف قدّم هذه الدعوة وكيف تفانى فيها وا هي الأساليب التي جاء بها تتعجب كأنما سيقت قصة إبراهيم من أجل دعوته لا لشيء آخر. وقد ذُكِر إبراهيم عليه الصلاة والسلام في المرتبة الثانية من جهة عدد المرات بعد موسى عليه الصلاة والسلام، ذُكر في سورة البقرة وذُكر في آل عمران والنساء وذُكر أيضاً في سورة الأنعام في قصة طويلة كما سيأتي ونتحدث عنه إن شاء الله وذكر أيضاً في سورة التوبة وذكر أيضاً في سورة إبراهيم التي هي أيضاً قصته وذكر أيضاً في سورة هود قبل ذلك وذكر أيضاً في سورة النحل وذكر أيضاً في سورة مريم في قصته مع أبيه وفي سورة الأنبياء في قصته مع قومه وفي سورة الشعراء في قصته أيضاً مع قومه وفي سورة العنكبوت في قصته أيضاً مع أبيه وقومه وفي سورة الصافات أيضاً في قصته في هدم الأصنام وفي قصته مع ابنه إسماعيل وفي سورة الذاريات في قصته مع أضيافه وذكر مرات متعددة بشكل مختصر. لماذا الحديث عن دعوة إبراهيم؟ أولاً لأن إبراهيم قد ذُكرت دعوته بشكل مفصّل في القرآن وثانياً لأن إبراهيم أبو الأنبياء وإمام الحنفاء وثالثاً لأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قد أُمر باتباع مِلته (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا (123) النحل) ورابعاً إبراهيم عليه الصلاة والسلام مُدح في القرآن بمدح لم يُمدح أحد غيره به فقال الله عز وجل في أول مرة ذُكر إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (124) البقرة) وفي آخر مرة تقريباً أو قبل الأخير ليست في سورة الأعلى وإنما في سورة النجم قال (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)) أي وفّى مقامات الدين كلها. هذا يدعوني إلى أن أتأمل سيرة هذا الإمام العظيم والنبي الكريم وأستخلص الدروس والعبر وخصوصاً في جانب الدعوة الذي هو من أجلى وأوضح الجوانب المذكورة في القرآن الكريم.
    د. عبد الرحمن: اللهم صل وسلم وبارك عليه. لا نغفل حقيقة أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام يستحق أكثر من هذا. دعنا نتوقف يا أبا عبد الله مع صفات إبراهيم عليه الصلاة والسلام الدعوية التي تتعلق بجانب الدعوة عليه الصلاة والسلام.
    د. الخضيري: باستقراء الصفات المذكورة في القرآن حقيقة عن إبراهيم عايه الصلاة والسلام نجد أننا أمام صفات كثيرة جداً أنا أوصلتها إلى أربعين صفة ولكن التي تتعلق بالدعوة بشكل مباشر ومؤثر يمكن أن نختصرها في ثلاث أو أربع صفات أيضاً مراعاة لوقت البرنامج. من الصفات صفة القوة فإبراهيم كان قوياً في علمه وإيمانه وفي أيضاً بدنه، انظر مثلاً عندما جاء بالعجل السمين لأضيافه (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) الذاريات) ولم يُكر أنه جاء به عن طريق خدمه أو حشمه أو نحو ذلك وعندما حطّم الأصنام (فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) الصافات) ومدحه الله في سورة ص فقال (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)) قوة والأبصار أيضاً من البصيرة وهي من القوة أيضاً. والثانية الصبر فإبراهيم عليه الصلاة والسلام إمام في الصبر في مجالاته كلها صبر على طاعة الله، صبر عن معصية الله، صبر على أقدار الله، تأمل عندما أمره الله أن يذهب بهاجر إلى مكة (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ (37) إبراهيم) وأمره أن يجعلهم هناك هذه تحتاج إلى كثير من الصبر حقيقة ويدع معها إبنها إسماعيل، تصور! قضية ليست سهلة، ومع ذلك يخرج إبرهيم عليه الصلاة والسلام ويدع هؤلاء لله عز وجل ولما تقو له هاجر: آلله أمرك بهذا؟ قال نعم وقبل ذلك إلى من تتركنا؟ إلى من تتركنا؟ وهو لا يلتفت تصور لا يلتفت، هذا من الصبر. ومن الصبر أيضاً العظيم على طاعة الله لما أُمر في رؤيا المنام بأن يذبح إبنه (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)) (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) الصافات) انظر هذا الصبر. من الصبر أنه صبر على النار التي أحميت حتى يقولون كانت تُسقِط طير السماء وأوقدها الناس أيقاداً عظيماً من أجل أن تُحرق رجلاً واحداً وألقي فيها عبر المنجنيق ومع ذلك كان صابراً وفي لحظة الإلقاء يأتي جبرائيل عليه السلام ويقول هل من حاجة؟ فيقول أما إليك فلا وأما إلى الله فنعم ويأتي الأمر من الله سبحانه وتعالى (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) الأنبياء) هذا صبر. من صبره أيضاً أن يهاجر عليه الصلاة والسلام من الأرض التي نشأ فيها ويبقى مدة طويلة ويدعو قومه بأساليب متنوعة وفي الوقت ذاته يبقى مدة طويلة في أرض قومه ويدعو قومه ولم يؤمن من قومه إلا نفر قليل قيل أنهم لوط وزوجه (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ (26) العنكبوت) هذا صبر. ومنها أيضاً الحِلم.
    د. عبد الرحمن: إذن القوة والصبر.
    د. الخضيري: الثالثة الحِلم، إمام في الحِلم عليه الصلاة والسلام تأمل القصة التي سنذكرها مع أبيه عندما دعا أباه بأسلوب جميل رقيق لطيف حنون إلى أبعد درجات الرقة (يا أبت) أربع مرات وفي النهاية قال أبوه (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)) قال (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)) أمام هذه الدعوة الطيفة الحنونة يقول الأب هذه الكلمات المتعجرفة الغليظة الجلفة التي لا تراعي حتى مقام الأب مع ابنه في هذا المستوى يقول إبراهيم (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) ولذلك مدحه الله تعالى في القرآن (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (75) هود) فإبراهيم آية في الحِلم عليه الصلاة والسلام. هذه بعض الصفات، ومنها أيضاً أمة ما معنى أمة؟ (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) النحل) أمة يعني جامعاً لخصال الخير قدوة في كل باب
    د. عبد الرحمن: اللهم صل وسلم وبارك عليه
    د. الخضيري: فهو إمام ولذلك أنا أوصي من يقرأ كتاب الله عز وجل أن يجمع صفات إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليرى كيف اجتمعت هذه الصفات في هذا الرجل فهو أمة رجال في رجل.
    د. عبد الرحمن: يستحق أن يُقتدى به في كل هذه الصفات.
    د. الخضيري: يستحق أن يُقتدى به في كل هذه الصفات وتأكيداً على هذا المعنى قال الله عز وجل في سورة الممتحنة - ولم نشر إليها قبل قليل – (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4))  في قضية واحدة استثناها الرب سبحانه وتعالى تدلنا أنه كان في بقية الأمور إلا في قضية واحدة لا تقتدوا بإبراهيم فيها وهي استغفاره لأبيه فإنه وعد أباه موعدة ولم يكن يعلم أن ذلك لا يجوز (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) التوبة).
    د. عبد الرحمن: جميل، فتح الله عليك يا أبا عبد الله. إذن هذه أبرز الصفات التي ظهرت لكم من خلال تتبعكم وخاصة في الجانب الدعوي ولا تنسى أن القوة والصبر والحلم من صفات الداعية
    د. الخضيري: طبعاً بالنسبة للعلم - كما لا يخفى عليك - إبراهيم رسول فعنده أساس العلم، ماذا تقول عندما تصف إبراهيم بالعلم؟ لا تقول شيئاً.
    د. عبد الرحمن: والصحف التي أُوتيها؟ لعلنا ننتقل يا دكتور محمد الآن إلى مراحل دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ونأخذها مرحلة مرحلة ثم نستنبط بعض الفوائد من كل مرحلة. فلنبدأ بدعوته لأبيه.
    د. الخضيري: قبل أن نذكر دعوته لأبيه أحب أن أذكر أن إبراهيم بالفعل مرحلة دعوة، وأن مرحلة الدعوة بمعنى أن تُجعل على مراحل أن هذا أسلوب نبوي لا إشكال فيه النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) الشعراء) الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بأقرب الناس إليه بدأ بجماعته وأقاربه ثم بأهل مكة ثم بعد ذلك انتقل إلى سائر الأرض ثم بدأ يكتب الكتب والبعوث والرسل إلى سائر الأمم. فمرحلة الدعوة هذه خطة من خطط الدعوة المهمة التي لا يُلام الإنسان عليها بل يمتدح فيها. من يتتبع دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام يستطيع أن يستنبط هذه المرحلية استنباطاً لا أقول صراحة ولكنها استنباطاً وكثير من المفرسين يقولون أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما بدأ بدعوته بدأ بأبيه. لماذا بدأ بأبيه؟ أولاً حق الأب فأعظم البِرّ الذي توصله لأبيك أن تنقذه من النار وأن توصل له هذا الخير والإيمان والهدى الذي آتاك الله سبحانه وتعالى إياه هذا واحد، ثانياً أنه لو آمن لكان أعظم نصير له وثالثاً وهذه مهمة وتخفى على بعض الناس أنه لو كان عندك أشياء تُسرّ بها لكان أول من يفضحك عليها ويكشفك فيها هو هذا القريب فإذا دعوت القريب هذه دلالة على أن سِرّك صحيح وأنك لا تريد بدعوتك مال ولا جاه ولا نساء ولا غير ذلك من متع الحياة الدنيا وإنما أنت صادق لأن قريبك يعرف خفاياك ويستطيع أن يفضحك بها إذا كان يخالفك فإذا لم يجد القريب شيئاً يفضحك به كانت شهادة لك. ولذلك تجد المشهورين من الدعاة من دعاة الضلال لا يدعون الأقربين يذهبون إلى الأبعدين في مكان غريب لا يُعرف فيه تاريخهم لأن تاريخهم سيكون مفضوحاً في أقاربهم انتبهوا أيها الناس هذا الرجل جمّاع مال قد سرق وزنى وقتل إلى آخره فليس أهلاً لأن يكون داعية إذن هذا التاريخ المشؤوم سيتجنبه فيذهب إلى قوم لا يعرفون من تاريخه شيئاً ولذلك قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) لماذا؟ لأن أهل مكة ما وجدوا شيئاً كانوا يسمونه في الجاهلية الأمين والصادق ولما جاء بهذه الدعوة ما وجدوا شيئاً يذرون به على محمد صلى الله عليه وسلم إلا أن تقوّلوا والتقوّل من السهل أن يكتشف الواحد أنه كذب، قالوا ساحر وقالوا شاعر وقالوا مجنون وقالوا أساطير الأولين اكتتبها وغير ذلك لكن ما قالوا سارق ما قالوا كذاب لأنه كان معروفاً في أهل مكة فكانت هذه شهادة له من قومه بأنه صادق.
    د. عبد الرحمن: الله أكبر.
    د. الخضيري: إذن المرحلية ضرورية. إذن بدأ بأبيه عليه الصلاة والسلام ويمكن أن نذكر مقطعاً واحداً في دعوته لأبيه علماً بأنه في أربع مواطن تقريباً ذُكرت دعوته لأبيه عليه الصلاة والسلام لكن أفضلها وأكثرها وضوحاً هي ما ورد في سورة مريم (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)) تأمل حتى اختيار العبارة في غاية اللطف والحنان! تأمل معي دكتور عبد الرحمن كيف في مقدمة كل خطاب يقول (يا أبت)
    د. عبد الرحمن: هذا من تمام الأدب.
    د. الخضيري: ودرس لكل داعية هذه النداءات الجميلة أن تكون حاضرة في لسان الداعية في كل خطاب لا يقول أنتم يا، وأنت يا ولد لا يصلح، يا أخي، يا حبيبي هذه الكلمات مهمة جداً لكي تتسلل الكلمات إلى قلب المدعو، هذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام في كل مرة كان يكتفي بالمرة الأولى، لا، كان يكررها في كل عبارة ثم هذه الدعوة حكيمة ماذا يقول؟ (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42)) دعوة للعقل وتحريك للفكر، لم تعبد شيئاً لا يسمع ولا يبصر أنت تعبد من هو أنقص منك؟! هذا عجيب! وهذه يسلِّم بها أبو إبراهيم ولا يستطيع أن يحاجج لذلك لم يجد أبو إبراهيم كلمة يرد بها على إبراهيم إلا أن سبّه. ثم يقول مرة أخرى (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)) انظر إلى جمال التعبير واختيار الألفاظ ما قال أنت جاهل أرعن أو سفيه لا تفقه، لا، قال (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)) وهو الوحي (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ (44)) الشيطان معروف في كل الأمم واتباعه منبوذ ولا يقره عقل حتى الكفار لا يقرون الشيطان (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا) (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)) لاحظ دكتور عبد الرحمن بعد أن انتهى من الدعوة بالحكمة جاء للدعوة بالموعظة (لا تعبد الشيطان) و (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)). إسمع الردّ! رد أبو إبراهيم (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)) ما في لا عقل ولا حكمة ولا لطف ولا حنان ولا موعظة ولا أي شيء مجرد تترك آلهتي (إنا وجدنا آباءنا على أمة) لا دليل ولا نظر ولا عقل ولا شيء. (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) ما قال سأجادلك أو أناظرك أو أدخل في حوارات مطولة، لا، (لَأَرْجُمَنَّكَ) القرار الآن المباشر (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) ابتعد عني. الرد من إبراهيم عليه الصلاة والسلام (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ (47)) وفوق السلام (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) وفوق سأستغفر لك ربي وعد جميل ورائع (إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) ربي يحتفي بي ويكرمني ويدنيني ويجيب دعوتي فأنا أظن من ربي أنه سيقبل دعائي عندما أستغفر لك. انظر حتى في نوع من الإطماع في إجابة الدعاء. وقال (وَأَعْتَزِلُكُمْ) لما أعياه الحال مع أبيه وقومه أنهم لن يستجيبوا لجأ إلى الأسلوب الذي لم يطبّقه من الأنبياء سوى إبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام لأن محمداً أُمِر باتباعه وهي الهجرة قال (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48)) وقال في سورة العنكبوت (إني مهاجر إلى ربي) وهذه الهجرة طبقها محمد صلى الله عليه وسلم فهاجر من مكة إلى المدينة. وأيضاً تحطيم الأصنام ما حطّم الأصنام إلا إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام. (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49)) أبدله الله عز وجل بخيرٍ من قومه أن جعل الله عز وجل سلالته كلهم أنبياء. جعل كل الأنبياء الذين جاؤوا بعد إبراهيم من سلالة إبراهيم عليه الصلاة والسلام إكراماً له على صبره وعلى دعوته وإمامته وحنيفيته وأنه لم يكن مشركاً ذرّة واحدة من عمره (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) النحل) (وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) البقرة)
    د. عبد الرحمن: اللهم صل وسلم وبارك عليه.
    د. الخضيري: هذه المرحلة الأولى.
    د. عبد الرحمن: دعوته لأبيه وأنت اخترت منها ما ورد في سورة مريم. قبل أن نغادر دعوته لأبيه يحضرني في سورة الأنعام قوله (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً (74)) لو تلقي الضوء على إسم أبيه الصحيح؟
    د. الخضيري: طبعاً إختلف الناس في إسم أبيه فمنهم من يقول أن قوله (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً) أن هذا عمه ولكن الذي يظهر لي والله أعلم يقولون لأنه مخالف لما عند النسّابة والمؤرخين ولكن الذي يظهر والله أعلم وهو ظاهر القرآن أن إسم أبيه آزر اتباعاً لظاهر القرآن ونقول ما عند المؤرخين يجب أن يتبع القرآن لا أن يتبع القرآن ما عند المؤرخين.
    د. عبد الرحمن: وقد ورد هذا النص في صحيح البخاري يقول إبراهيم لأبيه آزر والحجة التي يحتج بها الذين يقولون هو عمّه هو قول الزجّاج فقط قال أجمع المؤرخون أن اسم أبي إبراهيم تارا وهذا الذي أدخل الناس في إشكال ولا شك أن صريح القرآن واضح
    د. الخضيري: واحتجوا أن العم يسمى أباً في قول النبي صلى الله عليه وسلم "أما شعرت أن عمّ الرجل صنو أبيه" هذا ظاهر القرآن وألفاظه أوضح الألفاظ.
    د. عبد الرحمن: فتح الله عليك. عندما ذكرت أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وكل الأنبياء الذين جاؤوا من بعده كلهم من أبنائه فهو ولِد له إسحق وولِد له إسماعيل فمن هم الذين جاؤوا من سلالة إسحق؟ 
    د. الخضيري: هم أنبياء بني إسرائيل كلهم وهم يعقوب ويوسف عليه الصلاة والسلام وعلى القول بأن إخوة يوسف كانوا أنبياء ثم الأسباط المذكورون في القرآن هم أنبياء بني إسرائيل الذين هم من ذرية يعقوب ابن اسحق ابن ابراهيم عليهم الصلاة والسلام. ومنهم موسى عليه السلام وهارون وداوود وسليمان وزكريا ويحيى وأيوب وعيسى كل هؤلاء من ذرية إسحق عليه الصلاة والسلام ومن ذرية إسماعيل لم يأت إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولكم محمداً كما تعلم هو خاتم النبيين والمرسلين وهو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام.
    د. عبد الرحمن: اللهم صل وسلم وبارك عليه. هناك بحث جيد دكتور محمد ننبه الإخوة المشاهدين عليه حول إسم والد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذكره العلامة أحمد شاكر رحمه الله في آخر تحقيقه لكتاب المعرّب للجوانيطي تكلم عن آزر والصحيح أنه هو إسم والد إبراهيم عليه الصلاة والسلام. إذن هذا ما يتعلق بدعوته لأبيه عليه الصلاة والسلام. ننتقل لدعوته لقومه وأريد يا دكتور محمد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أين بُعث؟ في أي منطقة؟
    د. الخضيري: بُعث في منطقة العراق
    د. عبد الرحمن: أين تقع الآن برأيك؟
    د. الخضيري: تحديداً لا أدري
    د. عبد الرحمن: أظن في محافظات جنوب العراق، نينوى أو بابل
    د. الخضيري: ولما هاجر هاجر إلى ديار الشام أرض فلسطين الأرض المباركة ثك ذهب إلى مصر في قصته مع ملكها عندما أعطاه هاجر وكانت معه سارة ثم بعد ذلك أمره الله عز وجل بعد ولادة إسماعيل من هاجر أمره أن يذهب إلى مكة.  
    د. عبد الرحمن: دعوته لقومه عليه الصلاة والسلام والحديث حولها
    د. الخضيري: دعوته لقومه وردت في مواطن متعدة منها في سورة العنكبوت وهي من أطولها وفيها من الإيضاح الشيء الكثير وأيضاً منها في سورة الشعراء. ثم هناك أسلوبان دعويان اتبعهما إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذكر أحدهما في سورة الأنبياء والآخر في سورة الأنعام ولعلنا نعرّج بشكل يسير على هذه المواطن. الموطن الأول في سورة العنكبوت قال الله عز وجل (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)) دعوة بالحكمة دعوة تحرك العقل وتخاطب القلب واضحة جداً (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)) ثم جاء إلى الموعظة (وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18)) يعلمون هذه الأمم عاد وثمود وغيرهم (وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)) إلى أن انتهى من أدلته قال الله عز وجل (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ (24)) وقال أيضاً (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (25)) ليس عندكم دليل على هذه الأوثان إلا أنكن توادتم عليها وورثتم هذا من آبائكم واستسغتكم ما ورثتموه من سالف العهود فقط لا غير (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)) هذا في سورة العنكبوت
    د. عبد الرحمن: بالمناسبة لوط هو ابن أخيه
    د. الخضيري: أيضاً جاءت هذه الدعوة في سورة الشعراء وجاء فيها ذكر أبيه وقومه (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) الشعراء) إسمع كيف يدعوهم (قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82))
    د. عبد الرحمن: صفات فيمن يستحق أن يُعبد
    د. الخضيري: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)) سبحان الله وهو يتكلم لا ينسى الأدب حتى مع الله سبحانه وتعالى علماً أنه لو أخلّ بالعبارات في هذا المقام قد يكون معذوراً ولكنه من كمال احترازه عليه الصلاة والسلام (وَإِذَا مَرِضْتُ) نسب المرض إلى نفسه ولم ينسبه إلى الله بخلاف الخلق والهداية والإطعام مع أنه من الله وهذا له نظائر في القرآن ليس هذا محله. قال (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)) مع الدعوة الحكيمة العاقلة يأتي الترغيب والترهيب والتذكير بالجنة والنار والدار الآخرة (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86)) انظر لهذه الدعوة الحكيمة العظيمة. بعد هذا يا دكتور عبد الرحمن نجد أن القوم أصلاً كانوا صنفين.
    د. عبد الرحمن: لعلنا نكملها بعد الفاصل. لفت نظري يا دكتور وأنت تتحدث عن قوله (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84)) من صفات إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو من مميزاته أنه ممن اجمعت الأمم في حبه اليهود والنصارى والمسلمون.
    --------------فاصل------------------
    د. عبد الرحمن: مرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدون مرة أخرى ولا يزال حديثنا متصلاً عن دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما وردت في القرآن الكريم وضيفنا في هذه الحلقة فضيلة الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري. مرحباً بك يا أبا عبد الله مرة أخرى. كنا نتحدث عن دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه ونريد أن نفصل فيها الآن أكثر.
    د. الخضيري: الحقيقة دعوته لقومه كما أسلفنا كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام دعاهم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ثم بعد ذلك لما رأى أن قومه ينقسمون إلى قسمين قسم يعبدون الأوثان وقسم يعبدون الكواكب وقد يكون منهم – والله أعلم - من يعبد الكواكب والأوثان في نفس القوت يعبدون الكواكب في السماء وأوثاناً في الأرض لأن الذي يعبد غير الله يتيه في واد سحيق من هذه المعبودات التي لا منتهى لها ولعلنا نمثل على أن معبودات الهندوك تبلغ 33 مليون معبود كل ما يُحب وكل ما يُكره وكل ما يُخاف وكل ما يُرجى فهو معبود حتى البيضة والدجاجة والبقرة والثور تُعبد كما لا يخفى على من يتتبع أحوالهم وأخبارهم.
    د. عبد الرحمن: الحمد لله
    د. الخضيري: نحمد الله على ما نحن فيهr. فإبراهيم عليه السلام أمام فريقين أو أمام أمة تعبد شيئين فهو بحاجة إلى أن يثبت بالدليل القاطع بطلان هذه المعبودات وبطلان هذه المعبودات. أما الفريق الأول وهم الذين يعبدون الأوثان فقد جاءت قصتهم في موطنين في القرآن في سورة الأنبياء وفي سورة الصافات. ذكر الله عز وجل في سورة الأنبياء مفصلّة ماذا فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع هؤلاء حتى يقنعهم أن ما يعبدونه ما هي إلا حجارة لا تُغني ولا تُسمن ولا تدفع ولا تصنع شيئاً لنفسها فضلاً عن عابدها. قال الله عز وجل (وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)) هذه المصارحة وهذه القوة تُشعر الخصم بالضعف لما يجزم أنهم في ضلال يقولون ما جزم أننا في ضلال إلا وعنده دليل والدليل أنهم لم يردوا عليه
    د. عبد الرحمن: وهذا دليل على أن العلم من أقوى ما يُتسلح به الداعية. أستأذنك دكتور محمد في اتصال من ليبيا. تفضل يا أخ عادل
    إتصال من الأخ عادل من ليبيا: أتساءل زراعة الخلايا الجذعية في النخاع الشوكي؟
    د. عبد الرحمن: بارك الله فيك أخ عادل، لعلك تسمع الجواب في برنامج فتوى بعد هذا البرنامج
    د. الخضيري: فقال الله عز وجل (قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)) لما هزهم هذه الهزة العنيفة (قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)) ما تقوله صدق أم أنت هازل لاعب قال (قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)) لم يقل بل ربكم الله حتى يأتي بالدليل في الجواب فيقول (قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)) ثم قال كلمة أسمَعها بعض القوم ولم يسمعها الجميع فقال (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)) لكن الناس لا يصدقون مثل هذا فالأصنام في مكانة وفي منعة وفي قوة وأيضاً هي لا تُمكن أحداً من أن يصل إليها أو يعتدي عليها. لكن إبراهيم أوصل هذه الكلمة أسمعها البعض ليحقق مقصداً وهو أن يُكتشف الفاعل حتى لا يُنسب الفعل إلى غريه والمهم في القضية أن يُنسب القضية إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولكن من المهم ألا يُعلم أن إبراهيم سينفذ هذا حتى لا يُمنع فإبراهيم عليه الصلاة والسلام قاسها من الجهتين قال (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58))
    د. عبد الرحمن: استغل هو فترة خروج الناس.
    د. الخضيري: طبعاً نعم في عيد من أعيادهم فعل هذه الفعلة. أنا لو كنت مكان إبراهيم لبدأت بالكبير والله أعلم لكن إبراهيم عليه الصلاة والسلام بدأ بهؤلاء الصغار المحيطة بالكبير وترك الكبير لماذا ترك الكبير؟ أنا لو بدأت لبدأت بالكبير لأن مقصودي هو تحطيم هذه الأصنام والانتهاء منها في الظاهر. إبراهيم لا يريد أن ينتهي منها في مشاهدها ومناظرها وإنما يريد أن يقنع هؤلاء القوم بأنها لا تستحق أن تُعبد وأنها ليست آلهة، بقي الكبير أو لم يبق هذه ليست مشكلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فأراد أن يقنعهم وأن يحيرهم في نفس الوقت لماذا؟ لأنهم لو جاؤوا ورأوا أن هذه الأصنان قد حُطمت إلا الكبير ويقال أنه علّق الفأس على كتفه فأخذوا يتساءلون فيقول بعضهم من الذي صنع هذا بآلهتنا؟ يقول بعضهم الذي صنعه هو هذا الكبير ويقوا آخرون لا، إنه لا يتحرك إنه لا يعلم إنه لا يصنع شيئاً
    د. عبد الرحمن: إذن لماذا نعبده؟!
    د. الخضيري: وقد يقول آخر إن الكبير هو الذي حطّم هؤلاء الصغار لأنه غار منها ولا يريد أن تُعبد بعده، فيقول آخرون إنه لا يصنع شيئاً إنه لا يفهم إنه لا يتحرك إنه لا يعقل، حوارات كثيرة، حوارات تدور وفي نهاية المطاف تصب في الهدف الذي يريده إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنها لا تُغني وأنها لا تستحق أن تُعبد ولذلك قال الله عز وجل (قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61))
    إتصال من الأخ عمر من العراق: تفضل يا أخ عمر، السلام عليكم
    د. عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    الأخ عمر: أحبكم في الله
    د. عبد الرحمن: أحبك الله أخي الكريم تفضل سؤالك الله يخفظك
    الأخ عمر: في البداية أرجو أن تدعو لي بالتقوى والعلم النافع
    د. عبد الرحمن: أسأل الله أن يرزقك التقوى والعلم النافع وأن يرزقنا جميعاً ذلك. هل عندك سؤال يا أخ عمر؟
    الأخ عمر: في بعض آيات القرآن بعد أن يذكر الله سبحانه وتعالى (؟؟؟؟) يأتي إسم الله الرحمن بعد هذه المواطن فما الحكمة من ذكر إسم الله الرحمن بعد هذه المواقف مثل (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ (33) ق) وفي سورة الفرقان (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)) فما الحكمة في ذكر إسم الرحمن بعد هذه المواقف العظيمة؟
    د. عبد الرحمن: هل لديك سؤالاً آخر أخ عمر؟
    الأخ عمر: جزاكم الله خيراً.
    د. عبد الرحمن: شكراً لاتصالك أخ عمر. في الحقيقة سؤال الأخ عمر كنت سأسأله لك وأنت تتحدث عن قصة إبراهيم مع أبيه في سورة مريم (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)) كثير من الناس يسأل هذا لماذا لم يقل أن يمسك عذاب من الجبار أو من الله؟
    د. الخضيري: في الحقيقة هذا فيه إطماع برحمة الله عز وجل ولذلك أنا أقول ما ذكره الأخ عمر هي لفتة فتُذكر في هذه المواقف التي ليس للعبد فيها إلا الله ويذكر في الوقت ذاته أن الله رحيم حتى يطمئن العبد إلى ربه ويحسن الظن بالله عز وجل ولا يلجأ لأحد إلا إليه جل وعلا وهو مع أنه جبار وأنه منتقم وأنه عظيم وأنه سبحانه وتعالى وأنه.. ومع ذلك هو الرحمن الرحيم ولذلك افتتحت صفات الربّ سبحانه وتعالى في القرآن ليس بإسم واحد يدل على الرحمة بل بإسمين كريمين (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم) ولم يكتف بواحد ليدلنا على هذا المعنى.
    د. عبد الرحمن: إلى جانب الإطماع برحمة الله سبحانه وتعالى
    إتصال من الأخ أحمد من العراق: تفضل يا أستاذ أحمد حياكم الله، نحن نسمعك تفضل،
    الأخ أحمد: السلام عليكم، أنا أسلم على جميع شيوخ السعودية والعلماء وأنا عندي دعوة في العراق طابع صوفي فلا يروا إلا آراءهم ويجعلون البدعة هي سُنة وكلما أرشدناهم إلى اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام يدّعون أنهم على السُنة
    د. عبد الرحمن: ما هو السؤال بالضبط؟ جزاك الله خيراً
    د. الخضيري: نحن نقول لك يا أحمد أولاً يجب أن تتسلحوا أنتم بالعلم حتى تحسنوا الحُجة على أمثال هؤلاء والثاني أن ترفقوا بهم وتصبروا عليهم وأن لا يكون هناك نوع من الصدام بينكم من أجل أن تكسبوهم فتحسنوا إليهم ترفقوا بهم تحلموا عليهم وتقدموا لهم هذه السُنّة بثوب رفيق رقيق واعلموا أن العاقبة للتقوى والعاقبة للمتقين فأبشروا بإذن الله عز وجل إذا صبرتهم وأحسنتم في التعامل ورفقتم بهم مع قوتكم من الناحية العلمية كما أكدنا قبل قليل في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن الله سبحانه وتعالى سيجعل العاقبة لأهل التقوى.
    د. عبد الرحمن: ولعل دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأسلوبه محل قدوة لهم وهم أهل العراق.
    قبل أن نكمل معنا الأخ نايف من السعودية: تفضل يا أخ نايف
    الأخ نايف: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    د. عبد الرحمن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
    د. الخضيري: أهلاً حياكم الله
    الأخ نايف: أهنئكم على الديكور الجديد. لدي ثلاثة أسئلة: السؤال الأول المتأمل لدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام السلام يجد أنه تارة يدعو أباه وقومه ومرة يدعو أباه ومرة يدعو قومه فهل يُحمل هذا على تعدد الأحوال؟ فإن المتأمل لدعوة إبراهيم لقومه في جميع المواطن تقرن بالدعوة لأبيه إلا في سورة العنكبوت فكانت الدعوة لقومه خاصة من غير ذكر أبيه فهل هناك لمسة بيانية في هذا؟ أو عدم ذكر أبيه في الدعوة في سورة العنكبوت؟ والسؤال الثاني يتضح أنه في قصة إبراهيم عليه الصلاة السلام في ضيافته للملائكة أنه يأتي في كل المواطن قبل ذكر لوط عليه السلام يأتي ذكر إبراهيم لكن الذي لم أفهمه أنه يقرن بين نبي الله نوح عليه السلام ونبي الله إبراهيم كما في النساء وكما في سورة العنكبوت لما ذكرت قصة نوح ذكرت قصة إبراهيم فهل هناك وجه مناسبة بين ذكر إبراهيم عليه السلام بعد ذكر نبي الله نوح؟ والسؤال الثالث في سورة الأنعام في ذكر الكواكب ظهر بعض الأفلام الوثائقية المتأخرة يقسمون دعوة نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام على ثلاثة مراحل دعوته لأهل العراق لعبدة الأصنام ثم الدعوة الثانية لما هاجر إلى الشام ويزعمون أنه في تركيا كان هناك أنصار لعباد الكواكب ثم المرحلة الثالثة هجرته إلى فلسطين فهل هناك إشارة إلى هذا في القرآن الكريم أنها ثلاثة هِجَر؟
    د. عبد الرحمن: جزاك اللخ خيراً أخ نايف بارك الله فيك. هل تجيب على أسلئة الأخ نايف؟
    د. الخضيري: والله لا مانع، لكن الذي يظهر لي والله أعلم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام بدأ بدعوته لأبيه ولما ردّه أبوه هذا الرد صار يقرن دعوة أبيه مع قومه لأجل ألا يصطدم مع أبيه مباشرة ولأجل أن الدعوة أصلاً الموجهة إلى الأب هي موجهة إلى القوم وهذا هو سر إفراد الأب في بعض المواطن وذكره مع قومه في مواطن أكثر والله تعالى أعلم. في سؤاله عن ثلاث هجر لا أعلم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام هاجر ثلاث هجر وإنما الواقع الذي يذكره المؤرخون وهو الذي يظهر من سياق الآيات لمن أراد أن يتتبع هذا الأمر أن إبراهيم دعا قومه وقومه أصناف كما بينا منهم من يعبد الكواكب ومنهم من يعبد الأوثان فلما أبوا دعوته وأحرقوه بالنار فيما يزعمون أو يظنون ثم حصل دعوته الثالثة للملك ورأى أنه لا مجال لدعوة هؤلاء القوم هاجر إلى أرض الشام الأرض المباركة التي وعده الله سبحانه وتعالى أن يكون فيها بقية الأنبياء إلا نسل إسماعيل فقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يذهب بهم إلى أرض الحجاز.
    د. عبد الرحمن: أيضاً هو ذكر قضية إقتران إسم نوح بإسم إبراهيم في مواطن.
    د. الخضيري: يظهر لي أن الاقتران يكون لحكمة وهي أنه مثلاً إذا ذكر الصبر على البلاء والفتنة يذكر إبراهيم ونوح ففي سورة العنكبوت (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) فذكر الله ممن قبلهم فقال (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (15)) لاحظ ألف سنة، هذا من الفتنة العظيمة ثم قال (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)) أيضاً إبراهيم لقي من قومه شدة حتى قالوا (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24)) فهذا يدل على أن هناك اقتران من هذا الوجه والله أعلم.
    د. عبد الرحمن: وربما لو تتبعها متتبع لوجد إضافات أخرى.
    د. الخضيري: في سورة هود أيضاً عجائب القدرة الإلهية حتى لا ييأس النبي صلى الله عليه وسلم من نزول العذاب أو من إيمان قومه أو غير ذلك.
    د. عبد الرحمن: لم يبق معنا إلا دقيقتين ونريد أن نتحدث عن دعوته للملك.
    د. الخضيري: دقيقتان من باقي البرنامج أو قبل الفاصل الثاني؟
    د. عبد الرحمن: من البرنامج.
    د. الخضيري: هو لما دعا قومه وحطم الأصمام عرف القوم في داخلهم أن هذه الأصنام بالفعل لا تنفع ولا تدفع بدليل قوله (قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)). أما دعوته لأهل الكواكب فذكرت في سورة الأنعام وهذه الدعوة الحقيقة من أعجب ما فيها استمرت 24 ساعة، مناظرة بينه وبين عبدة الكواكب استمرت 24 ساعة في الفضاء لما غربت النجوم قال هذا ربي هذا أكبر كان ذلك على سبيل التنزل ثم القمر قال هذا أكبر في نظر العين ثم الشمس لما من طلعت حتى غربت فلما غربت بيّن لهم أن هذه لا يمكن أن تكون آلهة لأن الإله لا يمكن أن يغيب عن مخلوقاته ولا يمكن أن يترك مخلوقاته بلا توجيه فجلست هذه المناظرة 24 ساعة وهو يتنزل معهم حتى يقرب لهم الحق وقال الله عز وجل مدحاً لهذا الأمر (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) الأنعام) فمدحه الله عز وجل بذلك وجعلها حجة من عنده سبحانه وتعالى. أما دعوته للملك فالله أعلم كما يذكر الؤمرخون أن إبراهيم لما ألقي في النار ونجا من النار تحدث الناس كلهم وصارت قضيته قضية الشارع العراقي بمعنى الناس يقولون هذا ألقي في النار ولم تضره النار فالملك خاف على مكانه.
    د. عبد الرحمن: الحقيقة أن الوقت أدركنا يا ابا عبد الله والحديث عن قصة إبراهيم حديث طويل ولكن بحسبنا في هذه الحلقة أننا اشرنا إلى بعض صور دعوته لأبيه ولقومه ولعلنا إن شاء الله في حلقة قادمة ربما نتعرض إلى جوانب أخرى من جوانب شخصية إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما وردت في القرآن الكريم. أيها الإخوة المشاهدون الكرام أشكركم على متابعتكم لهذه الحلقة وأرجو أن تكونوا قد انتفعتم بما تفضل به ضيفنا العزيز الدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري أستاذ الدراسات القرآنية المساعد بجامعة الملك سعود شكر الله لك يا دكتور محمد.
    د. الخضيري: شكر الله لك
    د. عبد الرحمن: وشكراً لكم أنتم أيضاً وألقاكم بإذن الله يوم الجمعة القادم حتى ذلك الحين نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

     

    كلمات مفتاحية  :
    برنامج التفسير المباشر الحلقة05

    تعليقات الزوار ()