أولاً ترتيب القرآن ترتيب حكيم وعظيم: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، ست سبع أجزاء كله مدني يعني تشريعات وأحكام فكان لا بد من محطة تقوية للعقيدة وخذوها قاعدة في كل سورة مدنية فيها أحكام تجد في قلب السورة محطة تقوية للعقيدة ومحطة تغذية للعقيدة. أيضاً بعد مجموعة من السور طالت ست سبع أجزاء القرآن الكريم في محطة طويلة سورتين مطوليتن الأنعام والأعراف ثم عاد للمدني من جديد الأنفال والتوبة حتى نأخذ فكرة عن ترتيب القرآن العظيم لماذا في وسط الحديث عن القرآن المدني جاءت سورتان مكيّتان الأنعام والأعراف وهما توأمان؟ الأنعام تعرض العقيدة في بنيتها – إن جاز التعبير – والأعراف تعرض العقيدة في سيرورتها التاريخية عبر مسيرتها من خلال النبوات والأنبياء ودعوة المرسلين عليهم الصلوات أجميعن. إذن القرآن أربع أرباع الربع الأول افتتح بالحمد لله رب العالمين (سورة الفاتحة)، الأنعام الجزء السابع بدء الربع الثاني افتتحت بالحمد (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)) والكهف الربع الثالث من القرآن العظيم افتتحت بالحمد (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)) والربع الرابع والأخير سبأ وفاطر افتتحت بالحمد (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) سبأ) (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) (1) فاطر). القرآن أرباعه الأربعة كلها مفتتحة بالحمد فسبحان من رتّب كلامه هذا الترتيب الجميل البديع الحكيم.
سورة الأنعام لو أردنا أن نختار أو ننتخب سورة تكون ممثلة للقرآن المكي الذي يعرض العقيدة فإن أولى سورة وأوفى سورة تفي بهذا الغرض هي سورة الأنعام سورة عظيمة عظمة مطلقة وهي سورة الحُجّة بمعنى أنه كثر فيها إقامة الدليل على الوحدانية لله عز وجل ولذلك لأنه كذلك اعتُبرت سورة الأنعام كما قلت ممثّلة القرآن المكي في العقيدة وهي من نوادر السور الطويلة التي نزلت جملة واحدة.
لفظ الجلالة تكرر فيها نصف مرات عدد الآيات يعني 87 مرة ورد لفظ الجلالة في هذه السورة الكريمة عدد آياتها 165 تقريباً النصف.
كلمة (قُل) تكررت في هذه السورة 44 مرة ولعلها أكثر سورة في القرآن تردد فيها لفظ (قُل) وهذا أمر للرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلّغ ما في هذه السورة العظيمة الجليلة من مواقف ومن حِكَم وأحكام، 44 مرة يعني تقريباً ربع آيات السورة.
فيها أيضاً كلمة الرب تكررت في هذه السورة أكثر من خمسين مرة.
هذه السورة فواصلها خمس حروف. ما معنى فواصلها؟ آخر حرف من آخر كلمة في الآية نسميه فاصلة تمييزاً لهذه الكلمة عن أن نقول القافية في الشعر أو السجعة في النثر ميّزنا القرآن فلا نقول القافية ولا الرويّ ولا الشجعة نقول الفاصلة تمييزاً له عن سائر أنواع الكلام، عدد الفواصل ينحصر في خمس حروف (اللام والميم) (يعدلون) النون فاصلة، وكلمة (نظر)
وإذا تأملنا السورة سنجد الرؤية متكررة معنا حوالي 14 مرة على الأقل غير كلمة الأبصار ومشتقاتها وكلمة انظروا ومشتقاتها مجموع مرات هذه الماة قريب من 30 مرة
(أرأيتكم) لم ترد في القرآن إلا في سورة الأنعام
هذه السورة مليئة بالدعوة إلى النظر (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)) فيها البصر والأبصار والإبصار وفيها النظر وفيها الرؤية وانظروا
كلمة الأرض في هذه السورة تكررت 16 مرة في السورة
(وهو) الضمير المعبِر عن الله تكرر 27 مرة
كلمة الكتاب والرسل تكررت مرات
السورة الكريمة تتكلم عن عِلم الله (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59)) الحديث عن علم الله المطلق الشاكل المحيط (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73))
تكلمت السورة عن مشاهد يوم القيامة (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)) (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (30))
وفي السورة الوصايا العشر في القرآن العظيم كأن أهم ما في التوراة في الوصايا العشر وفي السورة ثلاث آيات فيها زبدة ما في التوراة الوصايا العشر (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)) (تعقلون) كأن الذي لا ينفذ هذه الوصايا خارج دائرة العقل بل خارج دائرة الإنسانية (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)) تسع وصايا والوصية العاشرة (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)). كل آية مختومة بـ (ذلكم وصاكم به) لكن تختلف (لعلكم تعقلون – لعلكم تذكّرون – لعلكم تتقون).
في السورة معاني عظيمة نزلت يحفّها سبعون ألف ملك هذه السورة لهم تسبيح وزجل بالتسبيح والأرض ترتج من هذا العدد الذي نزل من الملائكة يحفّ سورة الأنعام سورة عظيمة جليلة.
أكثر سورة فصّلت موضوع الأنعام ومن هنا كانت تسميتها لأن الأنعام آية تدل على الله عز وجل من خلال بديع الصنعة والخِلقة (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت).
الأنعام من مظاهر شرك المشركين أنهم كانوا يذبحون بإسم آلهتهم فأُمرنا أن لا نقرب ما ذُبح غير ما ذُكر إسم الله عليه.
في الأنعام كانوا ينذروا النذور (وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ (139))
الأنعام كانوا يدّعون تحريمها البحيرة والحام والوصيلة و يزعمونه إلى الله عز وجل افتراء عليه فحصر القرآن التحريم وقال الأنعام ثمانية أزواج (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَـذَا (144)) يعني أعطوني منهجية في التحليل والتحريم عل أي قاعدة على أي أساس إما محرماً (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) قرآن عظيم ومنهجية عالية لمن يسأل عن المنهجية التي احتواها القرآن الكريم.
كثر في السورة موضوع السنن الإجتماعية (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)) (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)) وغيرها مجموعة من السنن المهمة تضمنتها هذه السورة. (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)) (وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)) (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)) (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)) (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)) (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (129)) (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137))