القرآن والتربية الإيمانية (2) اهدنا الصراط المستقيم
كتبه/ سعيد السواح
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
عندما نتكلم عن التربية فهناك نماذج علمية حية وصلت إلى القمة في التربية والسلوك، وهؤلاء ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بعد اعتمادهم للمنهج التربوي الخالد الذي وضع الأسس والمعايير في هذا المجال. فصحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تربوا على موائد القرآن بإرشادات وتوجهات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا يشتركون في جديتهم في الأخذ بالكتاب والسنة وجديتهم في الالتزام والسلوك.
ولكن نقول ما سبيل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في اعتمادهم القرآن كمنهج تربوي متكامل لا خلل فيه ولا نقصان؟ كان سبيلهم أنهم كانوا يعيشون الآيات ويتدبرون ما دلت عليه من معاني وأحكام وحكم ثم يضعون الخطوات التنفيذية للتطبيق، ومعلوم أنهم ما كانوا ينتقلون من آية إلى أخرى إلا بعد العلم بما دلت عليه الآية التي بين أيديهم والعمل بهذا المدلول، فتعلموا القرآن والعلم والعمل، ولنا أن نقول كيف رسمت الصحابة طريقها في الحياة وطريقها إلى ربها؟ نقول أنها رسمت طريقة وحددت معالمه من خلال توجيهات الآيات وكان من الآيات التي أثرت في تربية الصحابة وأرشدتها إلى الطريق القويم هذه الآيات التي تمثل أول مطلب يطلبه العبد من ربه وذلك بحسب ترتيب المصحف (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة: 6).
أتدري كم مرة نطلب هذا المطلب من ربنا في يومنا وليلتنا؟
لا أقل من سبعة عشر مرة في اليوم والليلة
مرتان صباحاً عند إقبال النهار وإدبار الليل (في صلاة الصبح)
ثلاث مرات عند إدبار النهار وإقبال الليل (في صلاة المغرب)
أربع مرات وقت الظهيرة (في صلاة الظهر)
أربع وقت العصر (في صلاة العصر)
أربع عند ظلمة الليل (في صلاة العشاء)
أما فكرت لماذا يطلب هذا المطلب من الله تعالى؟
لأنه سبحانه هو الذي يملك الهداية والإضلال، فهو الملك لا ملك غيره، وهو سبحانه المتصرف في شئون هذا الكون وهو المدبر لشئون عباده، وهو الملك الذي قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء ويصرفها كيف يشاء، فأيما قلب أراد الله أن يقيمه على طاعة أقامه، وأيما قلب أراد أن يزيغه أزاغه، فهو سبحانه لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وما ربك سبحانه بظلام للعبيد. وربك كما قال (مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الأنعام: 39).
إليك صورة حية من هداية ربك لعباده المخلصين، قال تعالى عن عبده وخليله إبراهيم عليه السلام: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (النحل: 121).
والله تعالى دعانا جميعاً لامتثال صراطه المستقيم وذلك بعد ما بين لنا سبحانه معالم هذا الطريق، (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام: 153).
وسبيل الإنسان لقطع هذا الطريق بأمان وسلام هو أن يتمسك بالمرشد والدليل وقائده في سيره إلى ربه وإلى الدار الآخرة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً) (النساء: 175).
وقال سبحانه: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة: 16).
ولقد حذرنا الله تعالى من الشيطان وبيّن لنا أن هدف الشيطان الاستراتيجي (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر: 6).
وسبيل الشيطان لتحقيق ذلك وتنفيذه لذلك المخطط أن يقف لنا على رأس الصراط المستقيم لكي يتصيدنا وينحرف بنا عن صراط ربنا المستقيم (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) (لأعراف: 17).
فتمسك بكتاب ربك فهو مرشدك ودليلك وقائدك في سيرك إلى ربك وإلى الدار الآخرة (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام: 155).