إنه الإيمان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
التغير:
عشنا وعشتم أيام شهر رمضان المبارك بليله ونهاره، وصيامه وقيامه، وتعرض كثير منا -بفضل الله- لنفحات ربه ومولاه ومنته وعطاياه، وذاق كثير منا طعم الطاعة ولذة القرب، ورأينا كيف يكون الإنسان وهو في أسر الشيطان ثم وهو في عبودية الرحمن.
وَلَكَم رأينا تغيراً في كثيرٍ من عادات الناس وسلوكياتهم تغيراً يشهد بفضل الإيمان.
فلكم ملئت مساجد طالما هجرها أصحابها!!
ولكم رطبت أفواه بذكر الله طال جفافها!!
ولكم تسترت عورات طال كشفها!!
نعم، إنه الإيمان عندما يكون عقيدة تغير في السلوك.
نعم، إنه الإيمان عندما يصبح دماً يجري في العروق.
نعم، إنه الإيمان عندما تخالط بشاشته القلوب.
تغير حال كثير من الناس، وأشرقت قلوبهم، وتحولوا من صفوف العاصين إلى قوافل الطائعين، وكأن قوى خفية يممت وجوههم شطر الطاعة والالتزام.
إنه الإيمان:
إذن ما السر؟ وما المحرك؟ وما هذه القوى الخفية؟!
والإجابة: إنه الإيمان.
والتفسير الشرعي لهذا التحول وهذه الإشراقة؛ -وطبقاً لعقيدة أهل السنة والجماعة- أن الإيمان يزيد وينقص. وما حدث لهؤلاء ما هو إلا نوع من أنواع زيادة الإيمان، وهذه الزيادة لا تحدث إلا عندما تزداد الطاعة وتقل المعصية، وهؤلاء الذين شعروا بهذه اللذة عمروا نهارهم بالصيام وليلهم بالقيام، وارتبطوا بالقرآن، ولجئوا إلى العزيز الوهاب، لذا حدثت لهم هذه الإشراقة.
أعرفت السر البديع؟ أعرفت كيف يمتلك الناس أسباب سعادتهم في الدنيا والآخرة؟ ثم هم يضيعونها من بين أيديهم، ويلهثون وراء السراب.
أرأيت كيف يمكن للإيمان أن يغير مجرى الحياة؟!!
هذا من حيث المستوى الشخصي، فما بالك لو طبقنا هذا المفهوم في جميع مناحي الحياة، ليصبح الإسلام منهجاً ودستوراً يحكم بين العباد؟!!
تخيل معي كم كان يشعر المسلمون بلذة الحياة وطعم الوجود لمجرد تطبيق بعض تعاليم الدين في هذه المدة الوجيزة -في خلال شهر رمضان-، فما بالك لو طبقنا الدين كله، وعلى مدار العام كله؟!
كيف الأمر إذا غض الرجل بصره عن الحرام، وسترت المرأة ما أمرها الله به أن تستره، والتزم الناس بالصلوات في مواقيتها، وبالحلال والحرام في البيع والشراء والمعاملات وغيرها، وأحيوا كثيراً من دواعي الخير فيهم؟!!
إنه الإيمان الذي عندما يتاح له أن يوجد يغير الله به مجرى الحياة.