بتـــــاريخ : 3/14/2009 9:05:07 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 656 0


    غزوة تبوك

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سامح قنديل | المصدر : www.quranway.net

    كلمات مفتاحية  :
    غزوة تبوك

    أخذ الإسلام يستقر في الجزيرة العربية بعد فتح مكة وإسلام هوزان، وغيرهما من قبائل العرب، واستولى على الأفئدة وملأت هيبته النفوس، وهذا ما جعل الروم وأتباعهم من نصارى العرب يخافونه، ويراقبونه من بعيد في تربص وحذر، ولما أنزل الله على رسوله: { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }(1) عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال الروم، لأنهم أقرب الناس إليه، وأولى الناس بالدعوة إلى الحق، لقربهم إلى الإسلام وأهلة، وقد قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً }(2) ثم إن الأنباء كانت تترامى إلى المدينة بإعداد الرومان لقيام بغزوة حاسمة ضد المسلمين، بعد فشلهم الذريع يوم مؤتة، والذي خرج منه المسلمون بنصر عجيب، وسمعة طيبة، أزعجت النصارى الذين لا يرحبون بديانة التوحيد، وفي شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة، ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب لقتال الروم، وهي آخر غزوة غزاها بنفسه صلى الله عليه وسلم، وقد كان لا يكاد يخرج بغزوة إلا ويخفى مقصده، كيلا تسير الأنباء إلى عدوه لكنه في هذه الغزوة أخبر الناس بوجهته وقصده، لبعد المسافة، وشدة الحر، ونقص النفقة، فقد كان عام جدب، وأيضاً لقوة العدو، فقتال الروم ليس قتال قبيلة مجاورة، وإنما مواجهة مريرة مع دولة تبسط سلطانها على عدة قارات، وتملك أكبر قوة عسكرية في ذلك الوقت، ولهذا نزلت الآيات تستنفر المسلمين، وتستحث هممهم، وتقوى عزائمهم لتحمل مسئولية هذا الدين أمام صلف الصليبيين، وتحذرهم من الركون إلى الدنيا، والخلود إلى الدعة والراحة خصوصاً وقد اشتد حر الصيف، وطاب الثمر.
    قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ {38} إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  }(3)، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعد الجيش الذي عرف بجيش العسرة من أجل الظروف العصبية التي صاحبت تجهيزه، وحث أصحابه على الإنفاق حتى قال: من جهز جيش العسرة فله الجنة ! فقام عثمان بن عفان رضي الله عنه بتجهيزه ـ وهذا من مناقبه العظيمة ـ وصب يومئذ في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ألف دينار، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يردد: ما ضر ابن عفان ما فعل بعد اليوم ! فرحاً بنفقته، وأخذ الصحابة رضي الله عنهم يأتي كل بما يستطيعه، حتى الفقراء، كانوا يجودون ـ على استحياء ـ بما يستطيعونه من النفقة رغبة في ثواب الله، ولم يفلت يومئذ الفقراء ولا الأغنياء من ألسنة المنافقين! فقد جعلوا يسخرون من الفقراء ويتهمون الأغنياء بالرياء، وهذا ديدنهم، الغمز واللمز، والتشهير والإرجاف، فأنزل الله في فضح أساليبهم : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }(4)، ولم يتوقف دور المنافقين في هذه الغزوة عند اللمز والغمز فقط، بل أعلنوا نفاقهم في جرأة خسيسة، وأخذوا يثبطون المسلمين ويقولون: لا تنفروا في الحر، { وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ }(5)، وأخذوا يتوافدون على النبي صلى الله عليه وسلم يعتذرون بأعذار كاذبة، ويستأذنونه في التخلف عن الخروج! { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ }(6)، حتى عاتب الله نبيه على الإذن لهؤلاء { عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ }(7)، ولم يكن النفاق محصوراً في أهل المدينة، بل تعداهم إلى أعراب البوادي، الذين وصفهم الله بأنهم: { الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ }(8)، وذلك لأنهم جمعوا بين قسوة القلب والجهل بالأحكام الشرعية، وهكذا توالت الآيات تكشف سرائر المنافقين، وتحذرهم من كيدهم، حتى عرفت سورة التوبة بالفاضحة! التي فضحت المنافقين.
    وأما المؤمنون فقد كان لهم شأن آخر، إذ صدقت نيتهم في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسابقوا يعرضون أنفسهم عليه، وبلغ الأمر بالضعفاء المعذورين، الفقراء الذين أعجزتهم النفقة عن الخروج إلى أن بكوا شوقاً للجهاد، وتحرجا أن يكونوا من القاعدين، وفي شأنهم نزل قوله تعالى مسليا ومواسياً : { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {91} وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ }(9).
    لقد كافأ الله تعالى هؤلاء الذين حسنت نواياهم للخير بأن أجرى لهم ثواب نياتهم الصادقة، لقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه وهم في سفرهم البعيد بهؤلاء الصادقين: ( إن بالمدينة أقواماً، ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم! ) قالوا يا رسول الله : وهم بالمدينة؟! قال: ( وهم بالمدينة! حبسهم العذر! ) نعم. إن المرء ليبلغ بنيته مالا يبلغ بعمله، ولهذا قالوا: نية المؤمن أبلغ من عمله، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين ألفا من أصحابه إلى تبوك، وهو أكبر جيش قاده النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وكان الرجلان على بعير واحد، والثلاثة على بعير واحد، والحر شديد، والعطش شديد حتى جعلوا ينحرون إبلهم لينفضوا أكراشها، ويشربوا ماءها، فكان ذلك عسرة في الماء، وعسرة في النفقة، وعسرة في الظهر.
    قال تعالى : { لقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ }(10)، وبلغ المسلمون تبوك فلم يلقوا جموع الروم هناك! ولا وجدوا القبائل العربية المتنصرة، وكأنهم آثروا الاختفاء داخل حدودهم، دون مغامرة قد تكلفهم الكثير! وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من عشرين ليلة في تبوك، هابه خلالها أهل المدن المجاورة من قبائل العرب المتنصرة، فجاءوا يصالحونه على الجزية، ودخل في عهد المسلمين يومئذ أهل أيلة وأذرح وجرْباء، وأهداه يومئذ ملك أيلة بغلة بيضاء وبرداً، ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم منصوراً غانماً، وفي طريق العودة إلى المدينة مر المسلمون بديار ثمود الذين غضب الله عليهم لعصيانهم نبيهم وذبحهم الناقة، ولما سارع الناس إلى دخول بيوتهم ومساكنهم البائدة ـ كما يفعل السائحون في زماننا ـ نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال : لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين، ثم قنع رأسه، وأسرع السير حتى أجاز الوادي، كما نهاهم عن شرب الماء من بئرها أو الوضوء منه، وفي هذا تنبيه للسائحين الذين يذهبون إلى آثار الكفار الذين غضب الله عليهم بقصد النزهة والمشاهدة والاستمتاع والفرح، وربما أكلوا هنالك وشربوا، وضحكوا ولعبوا، وتناولوا صوراً تذكرهم بهذه اللحظات السعيدة في زعمهم، لكن نبينا صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وقال لا تدخلوا إلا أن تكونوا باكين، وعلل ذلك بقوله: أن يصيبكم ما أصابهم، يعنى خشية أن يصيبكم ما أصابهم من العذاب.
    ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقوبل بحفاوة بالغة، وجاءه المنافقون المتخلفون يعتذرون، فقبل منهم ظواهرهم، ووكل إلى الله سرائرهم وبايعهم واستغفر لهم، ثم جاءه ثلاثة من المؤمنين من أصحابه كانوا قد تخلفوا، فلم يعتذروا كالمنافقين بل أقروا بالذنب، فهجرهم النبي صلى الله عليه وسلم خمسين يوماً حتى أنزل الله توبتهم جزاء صدقهم واعترافهم: { وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }(11).


    (1) [التوبة:29].
    (2) [التوبة:123]
    (3) [التوبة:38-39].
    (4) [التوبة:79].
    (5) [التوبة:81].
    (6) [التوبة:49].
    (7) [التوبة:43].
    (8) [التوبة:97].
    (9) [التوبة:91-92].
    (10) [التوبة:117].
    (11) [التوبة:118]

    كلمات مفتاحية  :
    غزوة تبوك

    تعليقات الزوار ()