بتـــــاريخ : 3/14/2009 8:51:30 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 685 0


    غزوة الأحزاب

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سامح قنديل | المصدر : www.quranway.net

    كلمات مفتاحية  :
    غزوة الأحزاب

    لم يفق اليهود من غيهم، ولم يتعظوا بما أصابهم من إجلاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم نتيجة غدرهم وتآمرهم، وآلمهم استقرار أمر المسلمين وبسط نفوذ وتوطد سلطانهم، فشرعوا يخططون للتآمر على المسلمين، وأجمعوا على تأليب قبائل العرب ضد المسلمين كى يرموهم عن قوس واحدة، وقد خرج وفد من قادة بني النضير إلى قريش يحرضونهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أحبارهم إن قتال محمد حق ! واسئتصاله أرضى لله، لأن دين قريش أفضل من دينه، وتقاليد الجاهلية أفضل من تعاليم القرآن ! مما أسعد قريشاً وزادهم إصراراً على العدوان، وفي هذا أنزل الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً *‏ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلن تَجِدَ لَهُ نَصِيراًَ }[النساء:51-52] ثم ارتحل هؤلاء اليهود إلى غطفان فعقدوا معهم حلفاً مشابها ضد المسلمين، وهكذا استطاع أولئك النفر من اليهود أن يجمعوا الأحزاب المختلفة من قريش، وغطفان، وفزارة، وأشجع، وبنى مرة، وبنى أسد، وبني سليم، وتحرك هؤلاء جميعاً بعد أن تواعدوا على الزمان والمكان وبلغ عدد جيوشهم عشرة آلاف مقاتل وقائدهم العام أبو سفيان بن حرب القرشي.
    وسارع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عقد مجلس الشورى مع أصحابه كعادته في مهمات الأمور فأشار عليه سليمان الفارسي بحفر الخندق، وهي وسيلة حربية لم تكن العرب تعرفها قبل ذلك، وتم الاتفاق على هذه الخطة بالإجماع، حيث سيشكل الخندق حاجزاً يمنع الالتحام المباشر مع الغزاة ويمنع اقتحام المدينة، ويوفر للمسلمين الذين لا يزيد عددهم عن ثلاثة آلاف موقعاً دفاعياً جديداً، يمكنهم من رش الغزاة بالسهام من وراء الخندق.
    وبدأ المسلمون يحفرون الخندق في جد بالغ، وتلاحم بديع، رغم برودة الجو والمجاعة التي أصابت المدينة في ذلك الوقت، لكن حرارة الإيمان طغت على آثار البرد، ولذة اليقين أنستهم ألم الجوع، واستمر المسلمون يحفرون الخندق ويحملون الأتربة، وهم يرددون الأهازيج في غاية الحماس، ويردد معهم النبي صلى الله عليه وسلم شعر ابن رواحة:

    اللهم لولا أنت ما اهتدينا         ولا تصدقنا ولا صلينـا
    فأنزلـن سـكينة علينـا         وثبت الأقدام إن لاقينـا
    إن الأُلى قد بغوا علينـا         إذا أرادوا فتنه أبينــا

    ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحفر معهم كأحدهم وينقل التراب حتى اغبر بطنه ووارى التراب جلده، وشد على بطنه حجراً لفرط الجوع، ولم يكن حفره معهم تمثيلاً ولا موقفاً إعلاميا كما يفعله كثير من القادة الآن، وإنما كان يتحمل كأحدهم، بل كان يتحمل أكثر مما يتحملون، فقد كانوا إذا أعجزتهم صخرة لجئوا إليه فيأخد المعْول فيفتتها بعد ثلاث ضربات، يضرب الأولى ويقول: الله أكبر ! أعطيت مفاتيح الشام، والله إنى لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم يضرب الثانية ويقول الله أكبر ! أعطيت مفاتيح فارس ! والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض، ثم يضرب الثالثة ويقول الله أكبر ! أعطيت مفاتيح اليمن ! والله إني لأبصر بوابة صنعاء من مكاني هذه الساعة ! وهكذا يبشرهم بما سيكون من فتوح لهذه البلدان مما أخبره الله بالوحي تسلية لهم وحفزاً لهمهم، رغم ما هم فيه من الخوف والبرد والجوع.
    أما المؤمنون فلا ينتابهم شك في وعد الله ورسوله: { قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً }[الأحزاب:22]، وأما المنافقون فقد سخروا من هذه البشارة وقالوا:{ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً }[الأحزاب:12] وقالوا أيضاً: { يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً }[الأحزاب:13] فما أجبن المنافقين، وما أقل ثقتهم بربهم وما أضعف إيمانهم، وأما المؤمنون فما أوفر إيمانهم وما أوثقهم بما عند ربهم وتصديقهم به.
    فحسبكم هذا التفاوت بينكم وكل إناء بما فيه ينضح
    ورغم تخذيل المنافقين وإرجافهم وظروف المجاعة وشدة البرد، مضى المسلمون في تنفيذ مهامهم، وإكمال خطة الدفاع عن المدينة، وقد أراهم الله عدة آيات من أعلام النبوة تثبيتاً لهم وتأنيساً لقلبهم وتسلية لنفوسهم، فمن ذلك أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه رأى ما بالنبي صلى الله عليه وسلم من شدة الجوع فلم يتحمل ذلك، فاستأذن وذهب إلى أهله وذبح شاة صغيرة وطحنت امرأته صاعاً من الشعير ثم عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له سراً: طعيَمّ لى فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان، قال النبي صلى الله عليه وسلم كم هو ؟ فذكرت له، قال: كثير طيب ! فصاح النبي صلى الله عليه وسلم يا أهل الخندق ! ـ وكانوا ألفا ـ إن جابر صنع سوارا ـ يعنى مائدة أو وليمة ـ فحيهلا ! فلما دخل جابر على امرأته قال: ويحك ! جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم ! قالت: هل سألك كم طعامك ؟ قال نعم قالت: الله ورسوله أعلم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدخل أصحابه فوجاً فوجاً ويبرك على الطعام، يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويغرف لهم، حتى أكلوا جميعاً وبقيت بقية ! فقال: كلى هذا وأهدى، فإن الناس أصابتهم مجاعة، قال جابر: فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوا، وانصرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو! " أخرجه البخارى".
    وأتم الله للمسلمين حفر الخندق ووضعوا نسائهم وأطفالهم في حصن فارس وهو أقوى حصون المدينة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف من أصحابه وجعلوا ظهورهم إلى سلع فتحصنوا به.
    وجعلوا الخندق بينهم وبين الكفار، الذين أقبلوا في كتائب منظمة، عشرة آلاف بخيلهم ومقاتلهم ودروعهم على أكمل ما يكونون إستعداداً، لكنهم فوجئوا برؤية الخندق ! واحتاروا في كيفية اقتحامه، وكلما حاولوا أمطرهم المسلمون بالسهام، وقد تغيظ بعض فرسان قريش أن يقفوا مكتوفى الأيدى أمام الخندق، فاختاروا مكاناً ضيقاً من الخندق وتمكنوا من اقتحامه، وكان فيهم عمرو بن عبد ود، وهو فارس شجاع معلم، فأسرع بعض فرسان المسلمين لسد هذه الثغرة وإنقاذ الموقف، ودعا على بن أبي طالب عمرو للمبارزة فقال عمرو: ولم يا ابن أخى؟ فوالله ما أحب أن أقتلك ـ استصغاراً لشأنه ـ قال على: لكنى والله أحب أن أقتلك، فحمى عمرو وأقبل على علىّ فتنازلا وتجاولا، فقتله على رضى الله عنه.
     خرجت خيل المشركين من الخندق منهزمة حتى اقتحمته هاربة، وبقى المشركون يحاصرون الخندق  قريباً من الشهر.
    وقد اشتد الخطب على المسلمين عندما بلغهم أن حلفائهم الذين يساكنونهم المدينة، يهود بنى قريظة، قد نكثوا العهد وغدروا بهم، فخافوا على نسائهم وأطفالهم أن ينالهم اليهود بسوء، وبلغ بهم البلاء منتهاه كما قال تعالى: { إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً }[الأحزاب:10-11] لكن الإيمان العميق والتربية الجادة التي رباهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلتهم ينزلون حاجتهم بالله ويلجئون إليه، مع حرصهم على الأخذ بالأسباب الشرعية المستطاعة، فكان من شأن الله معهم أن أجرى عادته مع المؤمنين في مثل هذه المواطن: { حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا }[يوسف:110].
    لقد أحدث الله لهم من الأقدار ما نصرهم به، وخلق لهم من جنوده ماهزم به أعدائهم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا }[الأحزاب:9].
    لقد نصر الله المسلمين بريح الصبا، التي جعلت تقتلع خيام المشركين، وتكفئ قدورهم، وتطفىء نيرانهم وتدفن رحالهم، ونصر الله جنده بالملائكة تقاتل عن المسلمين، وزرع الشك في نفوس المشركين واليهود بعضهم من بعض، فنادى فيهم أبو سفيان بالرحيل، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه يأتيه بخبر القوم واشترط له الجنة ! فذهب ورجع وبشر النبي صلى الله عليه وسلم بما أصاب المشركين من الكرب و التفريق والهزيمة، وهكذا انفك الحصار عن المدينة، وعاد الأمن، وصدق الله وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده !

    كلمات مفتاحية  :
    غزوة الأحزاب

    تعليقات الزوار ()