بتـــــاريخ : 3/14/2009 8:35:39 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 530 0


    حجة الوداع

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سامح قنديل | المصدر : www.quranway.net

    كلمات مفتاحية  :
    حجة الوداع

    كانت الهزيمة التي منيت بها الروم في شمال جزيرة العرب، حيث فروا أمام جحافل المسلمين يوم تبوك، انكساراً لجدار التحدي الصليبي المعلن لدولة الإسلامية، ولم يستطع الصليبيون ولا حلفاؤهم من نصارى العرب أن يتحركوا، أو يقوموا بعمل عسكري، لاسيما وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمحالفاته ومصالحاته مع القبائل العربية النصرانية في الشمال جداراً يصد العدوان ويكبته . وفي رمضان من السنة التاسعة وبعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك، قدم عليه وفد ثقيف مسلمين، وقد فرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامهم، وكان قد دعا الله أن يهدهم يوم أن فك حصاره عنهم، وهاهم اليوم يأتون مسلمين طائعين، إن وفد ثقيف هم أهل الطائف الذين لقي النبي صلى الله عليه وسلم أشد الإيذاء منهم يوم أن سعى إليهم على قدميه، وعرض عليهم الإسلام ورغب أن يحسنوا استقباله، فما كان منهم إلا أن ردوا عليه أسوأ الرد، وطردوه وأبعدوه، بل أغروا به صبيانهم وسفهاءهم يتبعونه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين، وهو يدعوهم إلى الله وطالما أرادوا به الكيد، وشفوا بإيذائه غليل أحقادهم عليه، ولكنه لم يرد لهم إلا نعمة الإسلام، والهداية إلى الإيمان.
    وبإسلام ثقيف، ومن قبلها قريش، تتابعت وفود العرب في الدخول في دين الله أفواجا، وبادروا إلى الإسلام طائعين، حتى سميت السنة التاسعة بعام الوفود، وقد عد أهل السير ما يزيد على ستين وفداً قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذه السنة ساد الإسلام الجزيرة العربية كلها، وتوحدت تحت رايته لأول مرة في تاريخها، وقد تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحقيق هذه الوحدة في أقل من عشر سنوات، رغم ما واجهه من صعوبات، تمثلت في العصبيات الجاهلية والنزعات القبلية.
    وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث رسله وسفراءه يعلمون الناس أحكام الإسلام ويشرحون لهم حقيقة الإيمان، كما أرسل معاذاً وأبا موسى إلى اليمن، وأرسل خالد بن الوليد ثم علياً إلى اليمن كذلك، وفي وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوية إلى كل من هؤلاء الأخيار ما يؤكد أن مسؤولية الإسلام في أعناق المسلمين في كل عصر وفي كل مكان، حملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأمانة وأمرهم أن يُحمِّلوها مَن بعدهم.
    وفي ذي الحجة من السنة التاسعة أمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحج، فلما خرج الناس من المدينة، نزلت سورة براءة، التي أمر الله فيها بمفاصلة الوثنية وأتباعها، ومنع حج المشركين بعد هذا الموسم، وإعلان الحرب عليهم، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً يبلغ أحكام هذه السورة في الموسم وقال : ( لا يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي ) تمشياً مع عادة العرب في عهود الدماء والأموال، وأمره أن ينبذ إلى كل ذي عهد عهده، ويعهد إليهم ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، نعم لقد آن الأوان لمفاصلة عباد الأصنام، ووضع حد لعنادهم وتجاهلهم لدعوة الحق: { وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ }( 1 )، وكأن هاتفاً خفياً في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشعره أن مقامه في الدنيا يوشك على النهاية، فإنه بعد أن علم معاذا كيف يدعو الناس، وكيف يعرفهم دينهم، خرج يودعه ويوصيه، وذلك في السنة العاشرة ـ ثم قال له: يا معاذ! إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا ! ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري، فبكي معاذ خشية لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم التفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقال: إن أولى الناس بي المتقون، من كانوا وحيث كانوا.
    وفي السنة العاشرة أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم نيته بالحج، وأشعر الناس بذلك حتى يصحبه من شاء من المسلمين، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج من المدينة لخمس ليال بقين من ذي القعدة في السنة العاشرة، قال جابر رضي الله عنه: فلما استوت به ناقته في البيداء، نظرت مد البصر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن، ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تلك الألوف المؤلفة التي صار يصعب تقديرها وهي تلبى وتتسابق إلى طاعة الله، فشرح صدره انقيادها للحق ، واهتداؤها إلى الإسلام، وعزم أن ينتهز هذا التجمع الكريم، وليقول كلمات،: هي آخر ما ألقت الجاهلية من مخلفات في النفوس، وتؤكد ما يحرص الإسلام على غرسه في القلوب من توجهات وآداب وأحكام، فراح يلقى خطبة الوداع، يلمح فيها بالرحيل: ( أيها الناس: اسمعوا لي فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا، أيها الناس: إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية، تحت قدمي هاتين موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وربا الجاهلية موضوع، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا وطئن ليهم لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهون، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وأني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدُ إن اعتصمتم به؛ كتاب الله! وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ ) قالوا نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك وأديت، ونصحت لأمتك وقضيت الذي عليكنبالمعروف، فقال بأصبعة السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس، اللهم اشهد، اللهم اشهد، وقد ألقى في هذه الخطبة خطباً أخرى جاء فيها: ( أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ! ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروا، أيها الناس: إني قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا: كتاب الله وسنة نبيه، إن كل مسلم أخو المسلم، المسلمون أخوة، ولا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه من طيب نفس ) وفي بعض خطبة تلك الحجة أيضاً قال:( ويلكم أو ويحكم انظروا، لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض! ) وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر ويأمر ويوصي ويقرر، ويعظ ويؤصل، وكأنه يريد ـ بعد بلاء طويل في إبلاغ الرسالة، أن يفرغ في آذان الناس وقلوبهم آخر ما لديه من نصح، فقد كان يحس أن هذا الركب سينطلق وحده في بيداء الحياة، فهو يصرخ به كما يصرخ الوالد بابنه الذي انطلق به القطار، يوصيه بالرشد، ويذكره بما ينفعه أبدا.
    لقد أجيبت دعوة أبي الأنبياء إبراهيم حين هتف وهو يبني البيت العتيق: { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }( 2 ) لبقرة:129 فيهم، ولما لم يبق من دعائم الإسلام وقواعده شيء إلا وقد بينه، أنزل الله عليه في يوم عرفة: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً }( 3 )، ولما سمعها عمر رضي الله عنه بكى فقيل له لما بكيت ؟ قال إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان! وكأنه استشعر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، والحق إن مشاعر التوديع للحياة والأحياء كانت تنضح بها عبارات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قوله عند جمرة العقبة : خذوا عني مناسككم فإني لا أدري ! لعلي لا أحج بعد عامي هذا، ولما قضى نسكه عاد إلى المدينة ليستأنف حياة الكفاح ، وأمر بتجهيز جيش إلى الشام لقتال الروم الصليبين، وأمر على هذا الجيش أسامة بن زيد، وكان فتى في الثامنة عشرة من عمره، وفي الجيش أبو بكر وعمر، لكن تأخر خروج أسامة بعد أن عقد له النبي صلى الله عليه وسلم اللواء بيده بسبب مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعلهم يتريثون حتى يروا ما قضى الله به لرسوله صلى الله عليه وسلم

    كلمات مفتاحية  :
    حجة الوداع

    تعليقات الزوار ()