بتـــــاريخ : 3/14/2009 8:31:17 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 840 0


    بيعة العقبة الثانية

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سامح قنديل | المصدر : www.quranway.net

    كلمات مفتاحية  :
    بيعة العقبة الثانية

    لما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى أهل يثرب يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين، انتشر الإسلام في المدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق بيت من الأنصار إلا دخله الإسلام. وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يلاقي عنت المشركين وأذاهم، فتحركت مشاعر الأخوة الإيمانية في قلوب الأنصار وتساءلوا فيما بينهم؛ حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطُوف ويُطردُ في جبال مكة ويخاف ؟!

    فخرج منهم بضع وسبعون نفساً جاءوا ضمن حجاج قومهم من المشركين في موسم حج السنة الثالثة عشر من البعثة، ولما قدموا مكة جرت بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم اتصالات سرية أدت إلى اتفاق الفريقين على أن يجتمعوا ليلاً في أوسط أيام التشريق. وكان هذا الاجتماع الذي تمخضت عنه بيعة العقبة الثانية هو الأساس الذي هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بناء عليه.

    قال كعب بن مالك الأنصاري رضى الله عنه: فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا. حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى إذا اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب ـ وهو يومئذ على دين قومه ـ إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، فلما جلس كان أول متكلم: العباس بن عبد المطلب، قال: إن محمداً منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك ، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن دعوه، فإنه في عز ومنعة من عشيرته وقومه وبلده، قال:

    فقلنا له: قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله: فخذ لنفسك ولربك ما أحببت قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغَّب في الإسلام، فأجبناه بالإيمان والتصديق له. وقلنا له: خذ لربك ولنفسك، فقال أشترط لربي أن تعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئاً، ولنفسي: أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم متى قدمت عليكم. وفي رواية جابر عند الإمام أحمد: قلنا يا رسول الله: علام نبايعك؟

    قال: على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقوموا في الله لا تأخذكم في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، وأزواجكم، وأبناءكم ولكم الجنة ! قال جابر: فقمنا نبايعه رجلا رجلا، فأخذ بيده أسعد بن زرارة فقال: رويداً يا أهل يثرب ! إنا لم نضرب إليه أكباد المطى إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم، مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون على السيوف إذا مستكم، وعلى قتل خياركم، وعلى مفارقة العرب كافة، فخذوه وأجركم على الله عز وجل، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله !

    قالوا يا أسعد بن زرارة: أمط عنا يدك، فو الله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها ولا نسلبها أبداً، ثم قال أبو الهيثم بن التيهان: يارسول الله: إن بيننا وبين الرجال عهوداً ـ يعنى اليهود ـ وإنا لقاطعوها، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟! فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بل الدم الدم، والهدم الهدم. أي إذا طالبتم بدم طالبت به، وإذا أهدرتموه أهدرته، أنا منكم، وأنتم منى، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم، فبايعه الأنصار على ما طلب، ثم قال: أخرجوا إلى منكم اثنى عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم، فأخرجوا منهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، وقبل انصراف الأنصار إلى رحالهم سمعوا الشيطان يصرخ منذرا قريشا بأن القوم اجتمعوا لحربهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أى عدو الله، و الله لأفرغن لك، ثم قال: ارجعوا لرحالكم، فقال له العباس بن عبادة الأنصاري: والذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلن على أهل منى غداً بأسيافنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم.

    فرجعوا وناموا حتى أصبحوا، وفي الصباح جاء وفد من زعماء قريش وصناديد كفرها للاحتجاج على ما سمعوه من المعاهدة، وقالوا يا معشر الخزرج ! بلغنا أنكم جئتم لصاحبنا تخرجونه من أرضنا وتبايعونه على حربنا، ولما كانوا مشركو الخزرج لا يعرفون شيئاً عن هذه البيعة لأنها تمت في سرية تامة وفي ظلام الليل، أخذ هؤلاء المشركون من أهل يثرب يحلفون ب الله ما كان من شيء، وما علمناه، وجعل عبد الله بن أبيّ كبير الخزرج يقول: ما كان هذا، أما المسلمون فنظر بعضهم إلى بعض ولاذوا بالصمت، فلم يتحدث أحد منهم بنفي أو إثبات، وهكذا أتم الله الصفقة للأنصار الذين أووا إلى الله بإيمانهم وثباتهم، وآووا رسوله وأصحابه المهاجرين بتضحياتهم، واستطاعوا بمواقفهم أن يسجلوا على صفحات الدهر عزاً، ومجداً، وشرفاً، وسؤدداً، فرضى الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين.

    وبعد فإن معاني الأخوة والمحبة، والموالاة والنصرة، والبذل والعطاء، وغيرها من مقتضيات الإيمان الصادق، الذي تحلى به هؤلاء الأنصار، هو الذي جعلهم يقفون هذه المواقف التي لم تكتحل عين الزمن بمثلها، لقد كان بوسعهم أن يكتفوا بإيمانهم وتصديقهم، وصلاتهم وزكاتهم، ويبقوا آمنين في ديارهم وأوطانهم، ولا عليهم مما يحدث لغيرهم من المسلمين المستضعفين، وما عساهم أن يفعلوا، والكفر غالب، والباطل ظاهر، والمسلمون مستضعفون، لكن الروح الإيجابية التي اكتسبوها من النصوص القرآنية التي قرأها عليهم مصعب بن عمير خلال هذه الأسابيع القليلة التي مرت على إسلامهم، هذه الروح الإيجابية جعلتهم يتحملون مسئولية نشر الدين، والدفاع عنه، والتضحية في سبيله.

    إن تحملهم للمسؤولية جعلهم لا يبالون بمشركي يثرب وهم أغلبية في ذلك الوقت، ولا يخشون كفار مكة، وهم من قوة وبأس وكثرة وطولا. إن استعلاء الإيمان لدى هذه الفئة المؤمنة القليلة التي لم تتجاوز السبعين إلا قليلا، جعلهم يعلنون منذ اللحظة الأولى استعدادهم للتضحية بأنفسهم، والمغامرة بأرواحهم: إن شئت لنميلن على أهل منى غداً بأسيافنا! غير هيابين ولا مترددين.

    ألا ما أحوجنا أن نسترخص أرواحنا ونفوسنا، وأموالنا وأوقاتنا، ومناصبنا ووجاهتنا في سبيل نصرة هذا الدين الذي يحتاج إلى أمثال هؤلاء الرجال الذين صدقوا الله فصدقهم، ونصروا الله فنصرهم. { وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ }(التوبة: من الآية111).

    كلمات مفتاحية  :
    بيعة العقبة الثانية

    تعليقات الزوار ()