بتـــــاريخ : 3/14/2009 8:24:11 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1068 0


    الجهر بالدعوة وإيذاء المشركين

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سامح قنديل | المصدر : www.quranway.net

    كلمات مفتاحية  :
    الجهر الدعوة إيذاء المشركين

    لما فشا الإسلام بمكة، وأصبح الناس يتحدثون به، وقد مرت أعوام ثلاثة من عمر هذه الدعوة المباركة، وتكونت نواة لهذا الدين ممثلة في السابقين الأولين الذين لم تخل عشيرة من أحدهم، أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} {الشعراء:214}، فكان هذا إيذانا بالجهر بالدعوة، وتأكيداً على أن البدء بالأقربين عنوان صدق الداعية، وقد بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد على الصفا وهتف: يا صباحاه،فجعل ينادى بطون قريش، يا بني فهر يا بني عدى، يا بني فلان حتى اجتمعوا، فجعل الذى لم يستطيع أن يخرج يرسل رسولاً لينظر ما هو؟ فجاء أبو لهب وقريش، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرايتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادى تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقى ؟ قالوا ما جربنا عليك كذبا! قال: فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد! فقال ابو لهب: تباً لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا ؟ فنزل قوله تعالى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} {المسد:1} وهذا يدل على أن زعيم المعارضة لتلك الدعوة المباركة هو أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم فضلاً عن بقية زعماء قريش الذين عادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاطعوا دعوته. وفي هذا رد واقعى على دعاة القومية الذين زعموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يمثل برسالته آمال العرب في ذلك الحين، فما أتعس دعاة القومية! في كل موقف لا يعقلون، ومن كل جحر يلدغون! متى نفعت القومية أصحابها في حاضر أو ماض ؟ لقد فاصل رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه على دعوته، وأوضح لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلة بينه وبينهم، وأن عصبية القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار الآتي من عند الله " يا معشر قريش إشتروا أنفسكم لا أغنى عنكم من الله شيئا، يا بني عبد المطلب! لا أغنى عنكم من الله شيئا، لا عباس يا عم رسول الله ،لا أغنى عنكم من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله،لا أغنى عنكم من الله شيئا، يا فاطمة بنت رسول الله، سلينى من مالى ما شئت فإنى لا أغنى عنكم من الله شيئا، لكن قريش عاندت أبت الدخول في الإسلام بحجة سخيفة، قالوا : {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ} {صّ:5-7} فأصروا على ما ألفوه من عاداتهم. وما درجوا عليه من تقاليدهم، فصدتهم العادات والتقاليد عن ذكر الله وغرهم في دينهم ما كانوا به يفترون، وليتهم إذ جهلوا ما جاءهم به النبي صلى الله عليه وسلم توقفوا وانتظروا، ولكن سارعوا إلى إيذائه صلى الله عليه وسلم والنيل منه بشتى الصور من السب العلني، والضرر المادى، فكانوا يدعونه مزمما على عكس أسمه محمداً، ويسبون مزمما وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: " ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم! يشتمون مزمما ويلعنون مزمما وأنا محمداً " ولا يخفى ندائهم للنبي صلى الله عليه وسلم بالجنون ووصفهم له بالسحر والكذب.
    ويروى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه صورة من أبشع صور إيذائهم للنبي صلى الله عليه وسلم فيقول بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلى عند الكعبة، وجمع من قريش في مجالسهم إذ قال قائل منهم ألا تنظرون إلى هذا المرائى ؟ آيكم يقوم إلى جذور آل فلان، فيعمد فرثها ودمها، وسلاها فيجئ به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه فانبعث أشقاهم فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه وثبت النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك فأنطلق منطلق إلى فاطمة رضي الله عنها وهي جويرية فأقبلت تسعى وثبت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ألقته عنه وأقبلت عليهم تسبهم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال : اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، ثم تسمى اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد، قال عبدالله بن مسعود: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب - قليب بدر - ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأتبع أصحاب القليب لعنة" وقد صح أن أبا جهل كان المحرض على هذا، وعقبة بن أبي معيط هو المنفذ وقد سأل عروة بن الزبير عبدالله عمرو بن العاص، أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بفناء الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟
    هذا ولم يقتصر أذى قريش على الاتهام الباطل، والتكذيب السافر، والسخرية المرة، والأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل تصاعد إلى ذروة العنف وخاصة في معاملة المستضعفين من المسلمين، فنكات بهم لتفتنهم عن دينهم، ولتجعلهم عبرة لسواهم، ولتنفس عن غضبها بما تصبه عليهم من العذاب، فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما ارادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان، وأخذوا يطوفن به شعاب مكة وهو يقول: أحدُ أحد، حتى أبو بكر فأعتقه.
    وتترادف أنواع التعذيب من المشركين للمؤمنين حتى يذهب خباب بن الأرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، وقد لقى المسلمون من المشركين شدة، قال فقلت يا رسول الله ألا تدعوا لنا! ألا تستنصر لنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد قعد وأحمر وجهه! لقد كان مَنْ قَبلَكْم يؤخذ الرجل فيُحفر في الأرض فيُجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليمن الله هذا الأمر حتى يسير الركب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله ولكنكم تستعجلون! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين لأصحابه أن الصبر على الفتن والابتلاء هو الميزان الذى يميز الصادق من الكاذب {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}
    {العنكبوت:2-3}.
    أنه لا مجال لليأس إذاً، بل أن وقوع الفتن والابتلاء والصبر عليها في ذات الله هو طريق النصر وعامل الفرج " {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}
    {البقرة:214}
    لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بضبط النفس والتحلى بالصبر وعدم مواجهة العدوان بمثله في مرحلة أٌمر فيها المسلمون مع الجهر بالدعوة بالإعراض عن المشركين! حرصاً على مستقبل الدعوة، وإبقاء على الدعاة بعيداً عن المواجهة التي ليست الآن في صالحهم، وكان هذا مقتضى الحكمة ولتفويت الفرصة على المشركين الذين يحرصون على مواجهة حاسمة تئد الدعوة في مهدها، ولما كان الإعراض عن المشركين مع استمرار أذاهم إلى قوة تلبية، وتربية عملية، كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجه أصحابه نحو توثيق صلتهم بالله، والتقرب إليه بالعبادة فهو وحده نعم المولى ونعم النصير، ولهذا أنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً}
    {المزمل:1-6}
    فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قريباً من عام حتى ورمت أقدامهم، ثم أنزل الله التخفيف عنهم بعد أن علم اجتهادهم في طلب مرضاته فانزل:
    { فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ }{المزمل: من الآية:20} لقد امتحنهم الله بقيا الليل ليربيهم على المجاهدة ويحررهم من الخضوع لأهواء النفس تمهيداً لقيادة البشرية، وقد خاض الصحابة رضى الله عنهم هذه الاختبارات بنجاح باهر ظهر أثره في تحملهم أعباء الجهاد وإنشاء الدولة بالمدينة، وفي إخلاصهم العميق للإسلام، وتضحيتهم من أجل تطبيقه في واقع الحياة، ونشره بين العالمين.
    أعلى الصفحة

    كلمات مفتاحية  :
    الجهر الدعوة إيذاء المشركين

    تعليقات الزوار ()