بتـــــاريخ : 3/14/2009 6:52:04 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1123 0


    محبة النبي وتعظيمه

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : الشيخ / عبد اللطيف بن محمد الحسن | المصدر : www.quranway.net

    كلمات مفتاحية  :
    محبة النبي تعظيمه

    لقد حبا الله -تبارك وتعالى- نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- من الخصائص القوية والصفات العلية والأخلاق الرضية ما كان داعياً لكل مسلم أن يُجلَّه ويعظِّمه بقلبه ولسانه وجوارحه.

    وقد كان لأهل السنَّة والجماعة قدم صدق في العناية بجمع خصائصه، وإبراز فضائله، والإشادة بمحاسنه، فلم يخلُ كتاب من كتب السنَّة  كالصحاح والسنن ونحوها.. من كتب مخصصة في ذكر مآثره، كما أُفردت كتب مستقلة للحديث عنه وعن سيرته [1].

    وقد اختار الله -عز وجل- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- اسم « محمد » المشتمل على الحمد والثناء [2]؛ فهو -صلى الله عليه وسلم- محمود عند الله –تعالى-، ومحمود عند ملائكته، ومحمود عند إخوانه المرسلين -عليه الصلاة والسلام- ومحمود عند أهل الأرض كلهم، وإن كفر به بعضهم؛ لأن صفاته محمودة عند كل ذي عقل وإن كابر وجحد؛ فصدق عليه وصفه نفسه -صلى الله عليه وسلم- حين قال: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر، وأول من يشق عنه القبر، وأول شافع ، وأول مشفَّع) [3].

    وقد أغاث الله –تعالى- به البشرية المتخبطة في ظلمات الشرك والجهل والخرافة، فكشف به الظلمة، وأذهب الغمة، وأصلح الأمة، وصار هو الإمام المطلق في الهدى لأول بني آدم وآخرهم [4]، فهدى الله به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وأرشد به من الغواية، وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وكثَّر به بعد القلة، وأعزَّ به بعد الذلة، وأغنى به بعد العيلة.

    عرَّف الناسَ رَبَهم ومعبودهم غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، ولم يدع لأمته حاجة في هذا التعريف، لا إلى من قبله، ولا إلى من بعده، بل كفاهم، وشفاهم، وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب: ﴿ أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿51﴾﴾  [العنكبوت: 51]، وعرفَّهم الطريق الموصلة إلى ربهم ورضوانه ودار كرامته، ولم يَدَع -صلى الله عليه وسلم- حسناً إلا أمر به، ولا قبيحاً إلا نهى عنه.

    وعرَّفهم حالهم بعد القدوم على ربهم أتم تعريف ، فكشف الأمر وأوضحه، ولم يدع باباً من العلم النافع للعباد المقرَّب لهم إلى ربهم إلا فتحه ، ولا مشكلاً إلا بيَّنه وشرحه، حتى هدى به القلوب من ضلالها، وشفاها به من أسقامها، وأغاثها به من جهلها؛ فأي بشر أحق بأن يُحب ؟! جزاه الله عن أمته أفضل الجزاء.

    « ومما يحمد عليه -صلى الله عليه وسلم- ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، إن من نظر في أخلاقه وشيمه -صلى الله عليه وسلم- علم أنها خير أخلاق الخلق، وأكرم شمائل الخلق، فإنه -صلى الله عليه وسلم- كان أعظم الخلق، وأعظمهم أمانة، وأصدقهم حديثاً، وأجودهم وأسخاهم، وأشدهم احتمالاً، وأعظمهم عفواً ومغفرة، وكان لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال في صفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التوراة: ( محمد عبدي ورسولي سميته المتوكل، ليس بفظٍّ ولا غليظ، ولا سخَّاب بالأسواق، ولا يدفع بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله ، وأفتح به أعيناً عمياً، وآذانا صماً، وقلوباً غلفاً ) [5].

    وأرحم الخلق وأرأفهم بهم، وأعظم الخلق نفعاً لهم في دينهم ودنياهم، وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبيراً عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالة على المراد، وأصبرهم في مواطن الصبر، وأصدقهم في مواطن اللقاء، وأوفاهم بالعهد والذمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه، وأشدهم تواضعاً، وأعظمهم إيثاراً على نفسه، وأشد الخلق ذباً عن أصحابه، وحماية لهم، ودفاعاً عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهى عنه، وأوصل الخلق لرحمه، فهو أحق بقول القائل:

    بَرْدٌ على الأدنى ومرحمةٌ   وعلى الأعادي مارنٌ جَلْدُ [6]

    بواعث محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه: يدعو المسلم إلى ذلك أمور عدة، منها:

    1- موافقة مراد الله -عز وجل- في محبته لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه له، فقد أقسم بحياته -صلى الله عليه وسلم- تعظيماً له في قوله: ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿72﴾﴾ [الحجر: 72] [7]، كما أثنى عليه فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴿4﴾﴾ [القلم: 4]، وقال: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴿4﴾﴾ [الشرح: 5]، فلا يُذكر بشر في الدنيا ويثنى عليه كما يُذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ويثنى عليه. وقد اتخذه ربه تعالى خليلاً -صلى الله عليه وسلم- [8].
    قال ابن القيم: « وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعاً لمحبة الله وتعظيمه، كمحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه، فإنها من تمام محبة مُرسله وتعظيمه؛ فإن أمته يحبونه لمحبة الله له، ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله له؛ فهي محبة لله من موجبات محبة الله، وكذلك محبة أهل العلم والإيمان ومحبة الصحابة -رضي الله عنهم- وإجلالهم تابع لمحبة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- » [9].

    2- ولذا فإن محبته وتعظيمه -صلى الله عليه وسلم- من شرط إيمان العبد، بل الأمر كما قال ابن تيمية: « إن قيام المدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله، وسقوط ذلك سقوط الدين كله » [10].

    3- ما ميزه الله –تعالى- به من شرف النسب، وكرم الحسب، وصفاء النشأة، وكمال الصفات والأخلاق والأفعال.

    4- شدة محبته -صلى الله عليه وسلم- لأمته وشفقته عليها ورحمته بها. قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنَفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتِّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿128﴾﴾ [التوبة: 128]، وكم كان يسأل الله –تعالى- الخير لأمته ويفرح بفضل الله عليها؟! وكم تحمل من مشاق نشر الدعوة، وأذى المشركين بالقول والفعل حتى أتم الله به الدين وأكمل به النعمة؟ ! [11].

    وجوب محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-:
    إن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- أصل عظيم من أصول الدين ، فلا إيمان لمن لم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. قال تعالى: ﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿24﴾ ﴾ [التوبة: 24].
    قال القاضي عياض في شرح الآية: « فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها -صلى الله عليه وسلم-، إذ قرَّع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وتوعدهم بقوله تعالى: ﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ﴾ ثم فسقهم بتمام الآية، واعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله » [12].
    وقال الله –تعالى-: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ ...) [13]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) [14]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) [15]. وقال أيضاً: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده) [16].
    وعن عبد الله بن هشام قال: (كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الآن يا عمر) [17]. قال ابن حجر: « أي: الآن عرفت فنطقت بما يجب » [18].
    وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) [19].
    قال الدكتور محمد دراز في شرح هذا الحديث: « ومحبة الله ورسوله هي أرقى أنواع هذه المحبة العقلية وأقواها، فمن كان باعث المحبة عنده معرفة ما في المحبوب من كمال ذاتي فالله تعالى أحق [20] بمحبته؛ إذ الكمال خاصة ذاته، والجمال الأتم ليس إلا لصفاته، والرسول -صلى الله عليه وسلم- أحق من يتلوه في تلك المحبة؛ لأنه أكرم الخلق عند ربه ، وهو ذو الخلق العظيم والهدي القويم، ومن كانت محبته للغير تقاس بمقاس ما يوصله إليه ذلك من الغير من المنافع وما يغدق عليه من الخيرات، فالله تعالى أحق بهذه المحبة أيضاً، وإن نعمه علينا تجري مع الأنفس ودقات القلوب ولا نعمة إلا هو مصدرها، ﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ﴾ [النحل: 53]، ﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18]، وهذا الرسول الكريم الرؤوف الرحيم هو واسطة النعمة العظمى، إذ هو الذي أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهدى، واستنقذنا به من النار بعد أن كنا على شفا حفرة منها؛ فليس بعد الله أحد أمن علينا منه، ومحبته الحقيقية شعبة من محبة الله » [21].

    أقسام محبته -صلى الله عليه وسلم-:
    ذكر ابن رجب الحنبلي أن محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- درجتين: « إحداهما: فرض، وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عند الله، وتلقيه بالمحبة والرضا والتعظيم والتسليم، وعدم طلب الهدى من غير طريقه بالكلية، ثم حسن الاتباع له فيما بلغه عن ربه، من تصديقه في كل ما أخبر به، وطاعته فيما أمر به من الواجبات، والانتهاء عما نهى عنه من المحرمات، ونصرة دينه، والجهاد لمن خالفه بحسب القدرة، فهذا القدر الابد منه، ولا يتم الإيمان بدونه.

    والدرجة الثانية: فضل، وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي به، وتحقيق الاقتداء بسنته، وأخلاقه، وآدابه، ونوافله، وتطوعاته، وأكله وشربه، ولباسه، وحسن معاشرته لأزواجه، وغير ذلك من آدابه الكاملة، وأخلاقه الطاهرة » [22].

    ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن بعض العلماء قوله: « محبة الله على قسمين: فرض وندب، فالفرض: المحبة التي تبعث على امتثال أوامره والانتهاء عن معاصيه والرضا بما يُقدره، فمن وقع في معصية من فعل محرم أو ترك واجب فلتقصيره في محبة الله حيث قدم هوى نفسه. والتقصير تارة يكون مع الاسترسال في المباحات والاستكثار منها؛ فيورث الغفلة المقتضية للتوسع في الرجاء فيقدم على المعصية، أو تستمر الغفلة فيقع.
    وكذلك محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- على قسمين كما تقدم، ويزدا: ألا يتلقى شيئًا من المأمور والمنهيات إلا من مشكاته، ولا يسلك إلا طريقته، ويررضى بما شرعه، حتى لا يجد في نفسه حرجا مما قضاه، ويتخلق بأخلاقه في الجود والإيثار والحلم والتواضع وغيرها » [23].

    المراد بالتعظيم:
    قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴿8﴾ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴿9﴾﴾ [الفتح: 8، 9].
    فذكر تعالى: حقاً مشتركاً بينه وبين رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو الإيمان، وحقاً خاصاً به تعالى وهو التسبيح، وحقاً خاصاً بنبيه -صلى الله عليه وسلم- وهو التعزيز والتوقير.
    وحاصل ما قيل في معناهما أن: « التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه. والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار » [24].

    وهذه المعاني هي المراد بلفظ التعظيم عند إطلاقه؛ فإن معناه في اللغة: التسجيل، يقال: « لفلان عظمة عند الناس: أي حرمة يعظم لها » [25]، ولفظ التعظيم وإن لم يرد في النصوص الشرعية، إلا أنه استعمل لتقريب المعنى إلى ذهن السامع بلفظ يؤدي المعنى المراد من « التعزيز والتوقير » [26].

    والتعظيم أعلى منزلة من المحبة؛ لأن المحبوب لا يلزم أن يكون معظَّماً، كالولد يحبه والده محبة تدعوه إلى تكريمه دون تعظيمه، بخلاف محبة الولد لأبيه ؛ فإنها تدعوه إلى تعظيمه [27].

    كيف نحقق محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه؟
    إن الأمر بمحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه يعني أن ذلك عبادة لله -عز وجل- وقربة إليه سبحانه. والعبادة التي أرادها الله –تعالى- ويرضاها من العبد هي ما ابتُغي به وجهه سبحانه، وكان على الصفة التي شرعها في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم-.

    فأما الإخلاص في الأعمال وابتغاء وجه الله –تعالى- فيها فهو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله ؛ لأن معناها لا معبود بحق إلا الله -سبحانه وتعالى-.

    وأما متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهي مقتضى الشهادة بأن محمداً رسول الله، ولازم من لوازمها؛ إذ معنى الشهادة له بأن رسول الله حقاً: « طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع » [28].

    وهذه تمام المحبة، وكمال التعظيم، وغاية التوقير. وأيُّ تعظيم أو محبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- لدى من شك في خبره، أو استنكف عن طاعته، أو ارتكب مخالفته، أو ابتدع في دينه وعبدَ الله من غير طريقه ؟ !

    ولذا اشتد نكير الله –تعالى- على من سلكوا في العبادة سبيلاً لم يشرعها، فقال: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ ﴾ [الشوى: 21] وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) [29]، أي مردود عليه.
    فإذا كانت المحبة والتعظيم عبادة؛ فإن العبادة محلها القلب واللسان والجوارح.

    ويتحقق تعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقلب بتقديم محبته على النفس والوالد والولد والناس أجمعين؛ إذ لا يتم الإيمان إلا بذلك، ثم إنه لا توقير ولا تعظيم بلا محبة.
    وإنما يزرع هذه المحبة معرفته لقدره ومحاسنه -صلى الله عليه وسلم- [30].
    وإذا استقرت تلك المحبة الصادقة في القلب كان لها لوازم هي في حقيقتها مظاهر للتعظيم ودلائل عليه، تظهر على اللسان والجوارح.
    وسنرى منزلة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند المصطفين من هذه الأمة -رضي الله عنهم- من خلال أمثلة تنطق بالتعظيم وتشهد بالمحبة.

    حال الصحابة في محبتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمهم له في حياته:
    نال الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- شرف لقاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان لهم النصيب الأوفى من محبته وتعظيمه مما سبقوا به غيرهم، ولم ولن يدركهم مَن بعدهم [31].
    فقد سئل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- : « كيف كان حبكم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ » [32].
    وسأل أبو سفيان بن حرب وهو على الشرك حينذاك زيد بن الدَّثِنة -رضي الله عنه- حينما أخرجه أهل مكة من الحرم ليقتلوه وقد كان أسيراً عندهم: «أنشدك بالله يا زيد: أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وإنك في أهلك؟ قال: والله ماأحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي»!
    فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً [33].
    وقال سعد بن معاذ -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر: ( يا نبي الله، ألا نبني لك عريشًا تكون فيه، ونعد ركائبك، ثم نلقي عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حباً لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربًا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك، فأثنى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيراً، ودعا له بخير ) [34].
    وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حَيْصة، قالوا: قُتل محمد، حتى كثرت الصوارخ في ناحية المدينة، فخرجت امرأة من الأنصار متَحزِّمة ، فاستُقبلت بابنها وأبيها وزوجها وأخيها [35]، لا أدري أيهم استقبلت به أولاً، فلمَّا مرت على أحدهم قالت: من هذا؟ قالوا: أبوك، أخوك، زوجك، ابنك! تقول: ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ! يقولون: أمامك، حتى دفعت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخذَتْ بناحية ثوبه، ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أُبالي إذ سلمتَ من عطب) [36]. وفي رواية قالت: كل مصيبة بعدك جلل [37] [أي: يسيرة وهينة].

    ولقد « حكَّم الصحابة -رضوان الله عليهم- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أنفسهم وأموالهم فقالوا: هذه أموالنا بين يديك؛ فاحكم فيها بما شئت، وهذه نفوسنا بين يديك؛ لو استعرضت بنا البحر لخضناه، نقاتل بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك، وعن شمالك » [38] . وهذا أصدق تعبير عن المحبة.

    كما كان شأنهم في تعظيمه وتوقيره أوضح وأظهر من أن يستدل عليه، وأجمل من وصف شأنهم في ذلك عروةُ بن مسعود الثقفي -رضي الله عنه- حين فاوض النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلح الحديبية، فلمَّا رجع إلى قريش قال: (أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إنْ [39] رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً ، والله إن تنخَّم نخامةً إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدُّون النظر إليه تعظيماً له) [40].

    وقد وُصف الصحابة حال جلوسهم واستماعهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- بوصف عجيب جاء في أحاديث عدة، منها قول أبي سعيد الخدري: (وسكت الناس كأن على رؤوسهم الطير) [41].
    وقال عمرو بن العاص -رضي الله عنه- : ( وما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له ،ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عينيَّ منه ) [42].

    ولما زار أبو سفيان ابنته أم حبيبة -رضي الله عنهما- في المدينة، ودخل عليها بيتها، ذهب ليجلس على فراش رسول الله؛ فطوته، فقال: يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أو رغبت به عني؟ فقالت: « هو فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنت مشرك نجس؛ فلم أحب أن تجلس على فراشه » [43].

    ومن شدة حرص الصحابة على إكرامه وتجنب إيذائه قول أنس بن مالك: (إن أبواب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تقرع بالأظافير) [44].
    ولما نزل قول الله –تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ﴿2﴾﴾ [الحجرات: 2]، قال ابن الزبير: « فما كان عمر يُسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد هذه الآية حتى يستفهمه » [45]، وكان ثابت بن قيس جَهْوَري الصوت يرفع صوته عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجلس في بيته منكساً رأسه يرى أنه من أهل النار بسبب ذلك، حتى بشَّره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة [46].

    دلائل محبته -صلى الله عليه وسلم- ومظاهر تعظيمه:
    أولاً: تقديم النبي -صلى الله عليه وسلم- وتفضيله على كل أحد:
    فضَّل الله –تعالى- نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- على جميع الخلق أولهم وآخرهم، فهو خاتم الأنبياء وإمامهم وسيدهم. قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم) [47] وقال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مُشفَّع) [48].
    ومما ينتج عن اعتقاد تفضيله: استشعار هيبته -صلى الله عليه وسلم- وجلالة قدره وعظيم شأنه، واستحضار محاسنه ومكانته ومنزلته، « والمعاني الجالبة لحبه وإجلاله، وكل ما من شأنه أن يجعل القلب ذاكراً لحقه من التوقير والتعزيز، ومعترفاً به ومذعناً له؛ فالقلب ملك الأعضاء ، وهي جند له وتبع، فمتى ما كان تعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم- مستقراً في القلب مسطوراً فيه على تعاقب الأحوال فإن آثار ذلك ستظهر على الجوارح حتمًا لا محالة. وحينئذ سترى اللسان يجري بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وترى باقي الجوارح ممتثلة لما جاء به، ومتبعة لشرعه وأوامره، ومؤيده لما له من الحق والتكريم » [49].

    وقد ضلَّ في هذا الباب أصناف من الناس، منهم:
    أ- الرافضة الغلاة الذين فضَّلوا أئمتهم -المعصومين بزعمهم!- على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    ب- الصوفية الباطنية الذين فضَّلوا الأولياء والأقطاب على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    وكلا الفعلين -والعياذ بالله- زندقة وكفر وإلحاد، ومخالفة للنصوص المتواترة وإجماع المسلمين.

    ثانيًا: سلوك الأدب معه -صلى الله عليه وسلم-:
    ويتحقق بالأمور التالية:
    أ- الثناء عليه -صلى الله عليه وسلم- بما هو أهله ، وأبلغ ذلك ما أثنى عليه ربه -عز وجل- به، وما أثنى هو على نفسه به، وأفضل ذلك:
    الصلاة والسلام عليه؛ لأمر الله -عز وجل- وتوكيده: ﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿56﴾﴾ [الأحزاب: 56]، قال ابن عباس: يُصلُّون: يُبرّكون [50].
    وهذا إخبار من الله –تعالى-: « بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً » [51]، وصلاة المؤمنين عليه هي الدعاء طلباً للمزيد من الثناء عليه [52].
    وفي الآية أمر بالصلاة عليه, والأمر يقتضي الوجوب؛ لهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ( البخيل من ذُكرتُ عنده فلم يصلّ عليَّ) [53]. وقال: (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليَّ) [54].

    والصلاة عليه مشروعة في عبادات كثيرة كالتشهد، والخطبة، وصلاة الجنازة، وبعد الأذان، وعند الدعاء... وغيرها من المواطن [55].
    وأفضل صيغها: ما علَّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه حين قالوا: (أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) [56].
    وغير خافٍ ما في الصلاة عليه من الفوائد والثمرات من كونها سبباً لحصول الحسنات، ومحو السيئات، وإجابة الدعوات، وحصول الشفاعة، وصلاة الله على العبد، ودوام محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وزيادتها، والنجاة من البخل... [57].

    ب- الإكثار من ذكره، والتشوق لرؤيته، و « تعداد فضائله وخصائصه ومعجزاته ودلائل نبوته، وتعريف الناس بسنته وتعليمهم إياها، وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه، وذكر صفاته وأخلاقه وخلاله، وما كان من أمور دعوته وسيرته وغزواته، والتمدح بذلك شعراً ونثراً » [58]. فإن العبد -كما قال ابن القيم-: « كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه؛ تضاعف حبه له، وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه، وإذا أعرض عن ذكره وإحضاره وإحضار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه، ولا شيء أقر لعين العبد المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره وإحضار محاسنه، فإذا قوي هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه » [59].

    ج- التأدب عند ذكره -صلى الله عليه وسلم- بأن لا يُذكر باسمه مجرداً، بل يوصف بالنبوة أو الرسالة ، وهذا كما كان أدباً للصحابة -رضي الله عنهم- في ندائه فهو أدب لهم ولغيرهم عند ذكره، فلا يقال: محمد ، ولكن: نبي الله، أو الرسول، ونحو ذلك.
    تلك خصيصة للنبي -صلى الله عليه وسلم- في خطاب الله –تعالى- له في كتابه الكريم دون إخوانه من الأنبياء -عليه الصلاة والسلام- فلم يخاطبه تعالى قط باسمه مجرداً، وحين قال: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رَّجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب: 40] قال بعدها: ﴿ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ .
    يجيء التوجيه إلى هذا الأدب في قوله تعالى: ﴿ لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ﴾ [النور: 63] [60].

    د- الأدب في مسجده ،وكذا عند قبره، وترك اللغط ورفع الصوت، ولذا أنكر عمر -رضي الله عنه- على من رفع صوته فيه.
    عن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد ، فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال: « اذهب فائتني بهذين »، فجئته بهما، قال: من أنتما؟ قالا: من أهل الطائف. قال: « لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ! » [61].

    هـ-حفظ حرمة بلده المدينة النبوية؛ فإنها مهاجره، ودار نصرته، وبلد أنصاره ، ومحل إقامة دينه، ومدفنه، وفيها مسجده خير المساجد بعد المسجد الحرام.
    والمقصود  من تعظيم المدينة هو تعظيم حَرَمها، وهذا أمر واجب في حق من سكن بها أو دخل فيها، مع ما يجب على ساكنيها من مراعاة حق المجاورة وحسن التأدب فيها؛ وذلك لما لها من المنزلة والمكانة عند الله وعند رسوله -صلى الله عليه وسلم- [62]. فيتأكد فيها العمل الصالح، وتزداد فيها السيئة قبحاً؛ لشرف المكان.

    و- توقير حديثه، والتأدب عند سماعه، والوقار عند دراسته، وقد كان لسلف الأمة وعلمائها عموماً والمحدثين خصوصاً منهج رصين ورصيد ثريٌّ وإسهام قوي في إحلال حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتوقير مجلس الحديث، والتحفُّز لاستباق العمل به؛ تعظيماً له.
    وهذه بعض الشواهد:
    حدَّث عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فكان مما قال: وما سمعته قط يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا مرة، فنظرت إليه وقد حل إزاره وانتفخت أوداجه، واغرورقت عيناه، فقال: « أو نحو ذلك أو دون ، أو قريباً من ذلك، أو شبه ذلك » [63].
    وجاء عن عِدَّة من الأئمة أنهم كان لا يُحدثون بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا على وضوء ، منهم: قتادة ، وجعفر بن محمد، ومالك بن أنس، والأعمش؛ بل قد صار ذلك مستحباً عندهم، وكرهوا خلافه، قال ضرار بن مرة: « كانوا يكرهون أن يُحدثوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم على غير وضوء ». قال إسحاق: « فرأيت الأعمش إذا أراد أن يتحدث وهو على غير وضوء تيمم » [64].
    وقال أبو سلمة الخزاعي: « كان مالك بن أنس إذا أراد أن يخرج يُحدِّث؛ توضأ وضوءه للصلاة، ولبس أحسن ثيابه، ولبس قلنسوة، ومشط لحيته! فقيل له في ذلك، فقال: أوقِّر به حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- » [65].
    وقال ابن أبي الزناد: كان سعيد بن المسيب -وهو مريض- يقول: « أقعدوني؛ فإني أعظم أن أُحدث حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا مضطجع » [66].
    ومر مالك بن أنس على أبي حازم -وهو يُحدث- فجازه، وقال: « إني لم أجد موضعاً أجلس فيه، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا قائم » [67].
    و « كان محمد بن سيرين يتحدث فيضحك، فإذا جاء الحديث خشع » [68].
    وقال أحمد بن سليمان القطان: و « كان عبد الرحمن بن مهدي لا يُتحدث في مجلسه، ولا يُبرى فيه قلم، ولا يبتسم أحد؛ فإن تُحدث أو بُري قلم... صاح ولبس نعليه ودخل! وكذا كان يفعل ابن نمير، وكان من أشد الناس في هذا، وكان وكيع أيضاً في مجلسه كأنهم في صلاة، فإن أنكر من أمرهم شيئًا انتعل ودخل ، وكان ابن نمير يغضب ويصيح، وكان إذا رأى من يبري قلماً تغير وجهه ». وقال حماد بن سلمة: « كنا عند أبواب نسمع لغطاً ! فقال: ما هذا اللغط؟ ! أما بلغهم أن رفع الصوت عند الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كرفع الصوت عليه في حياته ؟! » [69].

    ثالثًا: تصديقه فيما أخبر:
    من أصول الإيمان وركائزه الرئيسية، الإيمان بعصمة النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكذب أو البهتان، وتصديقه في كل ما أخبر من أمر الماضي أو الحاضر أو المستقبل، قال الله تعالى: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴿1﴾ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴿2﴾ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴿3﴾ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴿4﴾﴾ [النجم: 1- 4].
    والجفاء كل الجفاء، بل الكفر كل الكفر اتهامه وتكذيبه فيما أخبر، ولهذا ذم الله المشركين بقوله: ﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُّفْتَرَى مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴿37﴾ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿38﴾ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴿39﴾﴾ [يونس: 37- 39].

    قال الإمام ابن القيم: « فرأس الأدب مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-: كمال التسليم له، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يُحمله معارضة بخيال باطل يسميه معقولاً، أو يُحمله شبهة أو شكاً، أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم، والانقياد والإذعان، كما وحَّد المرسِلَ -سبحانه وتعالى- بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل » [70].

    وانظر إلى المنزلة العالية الرفيعة التي حازها أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- الذي آمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حقَّ الإيمان، فصدقه حق التصديق؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: « لما أسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكر -رضي الله عنه- فقال: هل لك إلى صاحبك، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال: أو قال ذلك؟ قال: نعم! قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق ، قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ ! قال: نعم! إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمي أبو بكر الصديق » [71].

    ومن لطائف هذا الباب التي تدل على منزلة الشيخين الجليلة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: « بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبها حتى استنقذها، فالتفت إليه الذئب، فقال له: من لها يوم السبع ليس لها راع غيري؟! وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه، فكلمته فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكني خُلقت للحرث، فقال الناس: سبحان الله! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب ) [72].

    رابعًا: اتباعه وطاعته، والاهتداء بهديه:
    الأصل في أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقواله أنها للاتباع والتأسي، قال الله –تعالى-: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ﴿21﴾﴾ [الأحزاب: 21].
    قال ابن كثير: « هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله، وأحواله، ولهذا أمر الله -تبارك وتعالى- الناس بالتأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظار الفرج من ربه -عز وجل- » [73].
    وجاء أمر الله -سبحانه وتعالى- في وجوب طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أبيات كثيرة، منها قوله تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴿80﴾﴾ [النساء: 80].
    وأمر بالرد عند التنازع إلى الله والرسول، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴿59﴾﴾ [النساء: 59].
    وتواترت النصوص النبوية في الحث على اتباعه وطاعته، والاهتداء بهديه والاستنان بسنته، وتعظيم أمره ونهيه، ومن ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: « صلوا كما رأيتموني أصلي » [74]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: « لتأخذوا عني مناسككم » [75]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: « فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة » [76]، قال الإمام الخطابي: « إنما أراد بذلك الجد في لزوم السنَّة ، فِعل من أمسك الشيء بين أضراسه، وعض عليه منعاً له أن ينتزع، وذلك أشد ما يكون من التمسك بالشيء، إذ كان ما يمسكه بمقاديم فمه أقرب تناولاً وأسهل انتزاعاً » [77].

    فطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي المثال الحي الصادق لمحبته -عليه الصلاة والسلام-، فكلما ازداد الحب، زادت الطاعات، ولهذا قال الله -عز وجل-: ﴿ قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿31﴾﴾ [آل عمران: 31].
    فالطاعة ثمرة المحبة، وفي هذا يقول أحد الشعراء:

    تعصي الإله وأنت تزعم حبه    ذاك لعمري في القياس بديع
    لو كان حبك صادقاً لأطعتَـه    إن المحبَّ لمن أحب مطيـع

    إن التحاكم إلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أصل من أصول المحبة والاتباع؛ فلا إيمان لمن لم يحتكم إلى شريعته، ويُسلِّم تسليمًا، قال الله –تعالى-: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿65﴾﴾ [النساء: 65].
    وقال الله –تعالى-: ﴿ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴿26﴾﴾ [الأحزاب: 26].
    وقد بين الله -سبحانه وتعالى- أن من علامات الزيغ والنفاق: الإعراض عن سنته، وترك التحاكم إليها، قال الله –تعالى-: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا ﴿60﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴿61﴾﴾ [النساء: 60، 61].
    قال ابن تيمية: « فكل من خرج عن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشريعته؛ فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنه لا يؤمن، حتى يرضى بحكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيجميع ما شجر بينهم من أمور الدين أو الدنيا، وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه » [78].
    وقال ابن القيم: « فجعل الإعراض عما جاء به الرسول ، والالتفاف إلى غيره هو حقيقة النفاق، كما أن حقيقة الإيمان هو تحكيمه وارتفاع الحرج عن الصدور بحكمه، والتسليم لما حكم رضى واختياراً ومحبة، فهذا حقيقة الإيمان، وذلك الإعراض حقيقة النفاق » [79].

    سادسًا: الذبُّ عنه:
    إن الدفاع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونصرته، آية عظيمة من آيات المحبة والإجلال، قال الله –تعالى-: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴿8﴾﴾ [الحشر: 8].
    ولقد سطر الصحابة -رضي الله عنهم- أروع الأمثلة وأصدق الأعمال في الذبُّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفدائه بالأموال والأولاد والأنفس، في المنشط والمكره ،في العسر واليسر، وكُتب السير عامرة بقصصهم وأخبارهم التي تدل على غاية المحبة والإيثار والتعظيم.
    ومن ذلك أن أبا طلحة الأنصاري -رضي الله عنه- كان يحمي الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غزوة أحد، ويرمي بين يديه، ويقول: « بأبي أنت وأمي، لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك » [80].
    وعن قيش بن أبي حازم قال: « رأيت يد طلحة الشرك لاء، وقى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد » [81].
    وما أجمل ما قاله أنس بن النضر يوم أحد لما انكشف المسلمون: « اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه-، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين-، ثم تقدم فاستقبله سعد، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس بن مالك: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ، ووجدناه قد قتل، وقد مثَّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته بيانه » [82].

    والذبُّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقتضي أموراً، منها:
    1- الذبُّ عن أصحابه -رضي الله عنهم-:
    أجمعت الأمة على أن جميع الصحابة -رضي الله عنهم- ثقات عدول، وأنهم أفضل هذه الأمة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد تواترت النصوص من الكتاب والسنَّة  في بيان ذلك، ومنها:
    قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴿18﴾﴾ [الفتح: 18].
    وقال الله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿29﴾﴾ [الفتح: 29].
    وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسبوا أحداً من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مدّ أحدهم ولا نَصيفه) [83].
    وحقوق الصحابة -رضي الله عنهم- كثيرة جداً، ومنها:
    أ- محبتهم والترضي عنهم:
    قال الله –تعالى-: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿10﴾﴾ [الحشر: 10].

    ب- الاهتداء بهديهم والاقتداء بسنتهم:
    قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ) [84].

    ولكن المبتدعة انحرفوا في حق الصحابة -رضي الله عنهم- ولم يعرفوا لهم فضلهم وسابقتهم، بل قدحوا فيهم، وقالت عائشة -رضي الله عنها-: (أُمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسبُّوهم) [85].

    والقدح في الصحابة -رضي الله عنهم- قدح في النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فهم خاصته وبطانته، ولهذا قال الإمام مالك وغيره: « إنما أراد هؤلاء الرافضة الطعن في الرسول ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحاب صالحين » [86].
    وقال ابن تيمية: « وأما الرافضة فيطعنون في الصحابة، وباطن أمرهم الطعن في الرسالة » [87].

    2- الذبُّ عن زوجاته أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن-:
    من الذبُّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: الذبُّ عن عِرضه وعِرض زوجاته الطاهرات المطهرات -رضي الله عنهن-، وخاصة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- التي برأها الله -عز وجل- من فوق سبع سماوات فيآيات تتلى إلى قيام الساعة. قال الله –تعالى- : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿11﴾ لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ﴿12﴾﴾ إلى أن قال تعالى: ﴿ وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴿16﴾ يَعِظُكُمُ اللهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿17﴾﴾ [النور: 11- 17].
    قال الإمام مالك « من سبَّ أبا بكر جلد ، ومن نسبَّ عائشة قتل »، قيل له لم؟ قال: « من رماها فقد خالف القرآن » [88].
    وقال ابن كثير: « وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا الذي ذكره في هذه الآية فإنه كافر لأنه معاند للقرآن » [89].
    والوقيعة في زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- واتهامهن بالباطل من أعظم الإيذاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولهذا قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَعِظُكُمُ اللهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا ﴾ : « يعني في عائشة لأنَّ مثله لا يكون إلا نظير القول في المقول عنه بعينه ،أو فيمن كان في مرتبته من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ، لما في ذلك من أذية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عرضه وأهله، وذلك كفر من فاعله » [90].

    سابعًا: الذبُّ عن سنته:
    ومن الذبِّ عن سنته -صلى الله عليه وسلم- حفظها وتنقيحها ، وحمايتها من انتحال المبطلين وتحريف الغالين وتأويل الجاهلين، ورد شبهات الزنادقة والطاعتين في سنته، وبيان أكاذيبهم ودسائسهم، وقد دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنضارة لمن حمل هذا اللواء بقوله: « نضَّر الله امرءاً سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه، فرب مُبلَّغ أوعى من سامع » [91].

    ومن الذبِّ عن سنته أيضاً : الرد على شبهات المستهزئين بما ثبت من هديه في القول أو الفعل أو الاعتقاد، كاستهزاء بعضهم بالحجاب، أو باللحية، أو بوفع الإزار فوق الكعبين، أو بالسواك، ونحوها. والاستهزاء بالسنَّة  الصحيحة الثابتة كفر يخرج من الملة، قال الله –تعالى-: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴿65﴾ لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴿66﴾﴾ [التوبة: 65، 66].

    والتهاون في الذبِّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشريعته من الخذلان الذي يدل على ضعف الإيمان، أو زواله بالكلية، فمن ادعى الحب ولم تظهر عليه آثار الغيرة على حرمته وعرضه وسنته، فهو كاذب في دعواه، وقد كان لأئمة الحديث القدح المعلى في تنقيح السنَّة ، وتمييز الطيب من الخبيث، وفحص الرواة ومعرفة أحوالهم ، وما أحسن ما قاله أبو بكر بن خلاد في بيان حرص السلف الصالح على الذبُّ عن السنَّة النبوية ، حيث قال: « دخلت على يحيى بن سعيد في مرضه، فقال لي: يا أبا بكر، ما تركت أهل البصرة يتكلمون؟ قلت: يذكرون خيراً، إلا أنهم يخافون عليك من كلامك في الناس! فقال: احفظ عني، لأن يكون خصمي في الآخرة رجل من عرض الناس أحب إلي من أن يكون خصمي في الآخرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقول: بلغك عني حديث وقع في وهمك أنه عني غير صحيح -يعني فلم تنكر- » [92].
    قال محمد بن المرتضي اليماني: « المحامي عن السنة الذابُّ عن حماها كالمجاهد في سبيل الله تعالى، يعد للهجهاد ما استطاع من الآلات والعدة والقوة، كما قال الله سبحانه: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60]، وقد ثبت في الصحيح أن جبريل -عليه السلام- كان مع حسان بن ثابت يؤيده ما نافح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أشعاره، فكذلك من ذبَّ عن دينه وسنته ومن بعده إيماناً به، وحباً ونصحاً له » [93].

    من تمام محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه: الحرص على نشر السنَّة وتبليغها، وقد ثبت عنه أنه قال في أحاديث كثيرة: (فليبلغ الشاهد الغائب) [94]، وقال: (بلغوا عني ولو آية) [95]، وعن أبي موسى الأشعري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الأرض فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فَعلِم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) [96].

    0فامتدح -صلى الله عليه وسلم- من كان له قلب حافظ للعلم فنشره بين الناس فانتفعوا به، وهذه هي المرتبة الثانية -المشار إليها في الحديث، فأما من أوتي فهماً ثاقباً مع حفظه للعلم فانتفع أولاً ونفع ثانيًا فهو لا شك أكمل وأفضل، وهذه هي المرتبة الأولى.

    والحرص على نشر السنة وتبليغها وتعليمها للناس باب عظيم من أبواب محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه؛ لأن في ذلك سعي لإعلاء سنته، ونشر هديه بين الناس، ومن مقتضيات ذلك: الحرص على إماتة البدع والضلالات للمخالفة لأمره وهديه، ولا شك بأن الابتداع في دينه من خوارم المحبة الصادقة؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد) [97].
    ومن تلبيس الشيطان على بعض الجهلة وأهل الأهواء أنهم يزعمون أن الابتداع في دين النبي -صلى الله عليه وسلم- من تمام المحبة له، وهذا جهل عظيم، فالمحبة تقتضي التسليم للمحبوب، وتتبع آثاره، والوقوف عند أمره ونهيه، والحرص على عدم النقص أو الزيادة في دينه.
    ولهذا تجد أن المبتدع لا يحب نشر السنَّة النبوية: ويسعى لكتمانها، قال ابن تيمية: « من المعلوم أنه لا تجد أحداً ممن يرد نصوص الكتاب والسنَّة يقول إلا وهو يبغض ما خالف قوله، ويَودُّ أن تلك الآية لم تكن نزلت، وأن ذلك الحديث لم يَرِد، ولو أمكنه كشط الحديث من قلبه. قيل عن بعض رؤوس الجهمية إما بشر المريسي أو غيره : أنه قال: ليس شيء أنقص لقولنا من القرآن، فأقروا به في الظاهر، ثم حرفوه بالتأويل. ويقال إنه قال: إذا احتجوا عليكم بالحديث فغالوطهم بالتكذيب، وإذا احتجوا بالآيات فغالطوهم بالتأويل.

     ولهذا تجد الواحد من هؤلاء لا يحب تبليغ النصوص النبوية، بل قد يختار كتمان ذلك والنهي عن إشاعته وتبليه، خلافاً لما أمر الله به ورسوله من التبليغ عنه » [98].

    تلك أمارات حب النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه، تُقاس بها درجة التعظيم، وتُفحص بها حرارة المحبة، نسأل الله أن يعيننا وإخواننا المسلمين أجمعين على التزامها ما حيينا.

    [1] من ذلك مثلاً: « شمائل النبي -صلى الله عليه وسلم- »، للترمذي، واختصره الألباني، و « سبل الهدى والرشاد » للصالحي، و « غاية السول وخصائص الرسول »، لابن الملقن، و « بداية السول في تفضيل الرسول »، للعز بن عبد السلام، وهي رسالة لطيفة حققها الألباني وذكر أن جيع أحاديثها ثابتة، و « الخصائص الكبرى للسيوطي ».
    [2] انظر: جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام، لابن القيم الجوزية، ت: مشهور حسن سلمان: 277.
    [3] أخرجه مسلم: 2/ 1782، ورقم 2278.
    [4] مجموع الفتاوى لابن تيمية: 10/ 727.
    [5] البخاري بنحوه: 3/ 21، رقم 2125، فتح: 4/ 402.
    [6] جلاء الأفهام، لابن القيم، ت: مشهور سلمان، ص 284- 291.
    [7] انظر: شرح الشفاء للقاضي عياض، لملا علي القاري، 1/ 72، وليس لأحد غير الله -عز وجل- أن يُقسم بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ولا بحياته، إذ كيفية التعظيم الشرعية واضحة في القرآن الكريم وعلى لسان الني -صلى الله عليه وسلم- الذي أوضح أن الحلف بغير الله شرك -كما سيأتي في أثناء هذا الكتاب-.
    [8] كما في حديث مسلم: 2/ 1855، رقم 2383.
    [9] جلاء الأفهام ، ص 297.
    [10] الصارم المسلول، ص 211.
    [11] انظر: التأديب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ضوء الكتاب والسنَّة ، حسن نور حسن، ص 27- 123.
    [12] الشفا بتعريف أحوال المصطفى: 2/ 18.
    [13] البخاري: 6/ 22، رقم 4781، فتح: 8/ 376.
    [14] أخرجه مسلم: 1/ 592، رقم 867.
    [15] أخرجه البخاري، رقم 15، فتح: 1/ 58، ومسلم: 1/ 67، رقم 45.
    [16] أخرجه البخاري، رقم 14، فتح: 1/ 58.
    [17] أخرجه البخاري: 7/ 218، رقم 6632، فتح: 11/ 532.,
    [18] الفتح: 11/ 536.
    [19] أخرجه البخاري، رقم 16، 21، فتح : 1/ 77، 85، ومسلم: 1/ 66، رقم 43.
    [20] في الأصل أحب، ولعل الصواب ما أثبتناه.
    [21] المختار من كنوز السنَّة ، ص 344، 345.
    [22] استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس، ص 34، 35.
    [23] فتح الباري: 1/ 61.
    [24] الصارم المسلول لابن تيمية، ص 422.
    [25] لسان العرب، لابن منظور: 4/ 3005.
    [26] انظر: حقوق النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته، د. محمد التميمي: / 422.
    [27] انظر: شعب الإيمان للبيهقي: 2/ 193.
    [28] مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب: 1/ 190.
    [29] رواه مسلم : 2/ 1242، رقم 1718.
    [30] انظر: شعب الإيمان للبيهقي: 2/ 133.
    [31] انظر مبحثا جامعاً في: حقوق النبي على أمته، د. محمد التميمي: 2/ 447- 461.
    [32] شرح الشفا: 2/ 40.
    [33] البداية والنهاية لابن كثير: 4/ 65.
    [34] أورده ابن كثير في البداية: 3/ 268.
    [35] أي أُخبرَتْ بمقتل أبيها، وابنها، وزوجها، وأخيها.
    [36] رواه الطبراني في الأوسط: 8/ 244، وهو في مجمع الزوائد ، للهيثمي: 6/ 115، وذكر أن رجاله ثقات إلا واحداً لم يعرفه. وانظر البداية والنهاية: 4/ 47.
    [37] رواه ابن هشام في السيرة: 3/ 43، وعنهن أورده ابن كثير في البداية والنهاية: 4/ 280.
    [38] روضة المحبين، ص 277، وهو قول سعد بن معاذ في غزوة بدر، كما ذكره أهل السير، انظر: سيرة ابن هشام: 2/ 188، وأصله في مسلم: 2/ 1403، رقم 1779.
    [39] قوله: « إنّ » معناها: « ما » الناف ية، أي: ما أريت.
    [40] أخرجه البخاري: 3/ 178، رقم 2731، 2732، فتح: 5/ 388.
    [41] أخرجه البخاري: 3/ 213- 214، رقم 2841، فتح: 6/ 57.
    [42] أخرجه مسلم: 1/ 112، رقم 121.
    [43] أورده ابن كثير في البداية والنهاية: 4/ 280، وابن حجر في الإصابة: 4/ 299، 300.
    [44] أخرجه البيهقي في الشعب: 2/ 201، رقم 1531، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 1/ 95.
    [45] أخرجه البخاري: 6/ 45، رقم 4845، فتح: 8/ 454.
    [46] انظر : البخاري: 6/ 45، رقم 4846، فتح: 8/ 455.
    [47] أخرجه مسلم: 2/ 1782، رقم 2276.
    [48] أخرجه مسلم: 2/ 1782، رقم 2278.
    [49] حقوق النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته، للتميمي: 2/ 470.
    [50] أخرجه البخاري تعليقاً مجزوماً به في كتاب التفسير: 6/ 27، قال الخليل: « البركة من الزيادة والنماء » معجم مقاييس اللغة: 1/ 23.
    [51] تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 3/ 507، وانظر في تفسير الآية فصلاً مطولاً في جلاء الأفهاء، 253- 276.
    [52] انظر: التأدب مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، حسن نور حسن: 197.
    [53] أخرجه الترمذي: 5/ 551، رقم 3546، وأحمد: 1/ 301.
    [54] أخرجه أحمد: 2/ 254، والبخاري في الأدب المفرد، ص 22، رقم 21، والترمذي: 5/ 550، رقم 3545.
    [55] وقد أوصلها ابن القيم إلى واحد وأربعين موطناً، انظر جلاء الأفهام: 463- 611.
    [56] أخرجه البخاري: 6/ 27، رقم 4797، الفتح: 8/ 392.
    [57] ذكر ابن القيم لها ثلاثاً وثلاثين فائدة، انظر جلاء الأفهام: 612- 627.
    [58] حقوق النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته، للتميمي: 2/ 472.
    [59] جلاء الأفهام: ص 265.
    [60] انظر: تفسير ابن كثير: 3/ 306، وجلاء الأفهام ، ص 641، والصارم المسلول، ص 422.
    [61] رواه البخاري: 1/ 120، رقم 470، فتح: 1/ 667.
    [62] حقوق النبي -صلى الله عليه وسلم-: 2/ 493.
    [63] أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/ 66، 67، وانظر شرشح الشفا: 2/ 74.
    [64] انظر جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر: 1217، شرح الشفا: 2/ 77.
    [65] الجامع للخطيب البغدادي: 2/ 34، وانظر شرح الشفا: 2/ 77.
    [66] الجامع للخطيب: 2/ 45، وجامع بيان العلم: 2/ 1220.
    [67] الجامع للخطيب: 2/53.
    [68] الجامع للخطيب: 2/ 57.
    [69] الجامع للخطيب : 1/ 128، 130.
    [70] مدارج السالكين: 2/ 387.
    [71] أخرجه الحاكم: 3/ 63، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني لشواهده في السلسلة الصحيحة، رقم 306.
    [72] أخرجه البخاري في عدة مواضع منها: 4/ 200، 192، 149، رقم 3690، 3663، 3471، فتح: 6/ 592.
    [73] تفسير القرآن العظيم: 3/ 475.
    [74] أخرجه البخاري: 1/ 155، رقم 631، فتح: 2/ 132.
    [75] أخرجه مسلم: 1/ 943، رقم 1297.
    [76] أخرجه أحمد: 4/ 126، 127، وأبو داود: 13- 15، والترمذي، وابن ماجه: 1/ 16.
    [77] معالم السنن، بحاشية مختصر سنن أبي داود: 7/ 12.
    [78] مجموع الفتاوى: 58/ 471.
    [79] مختصر الصواعق المرسلة: 2/ 353.
    [80] أخرجه البخاري: 5/ 33، رقم 4064، فتح: 7/ 418.
    [81] أخرجه البخاري: 5/ 33، رقم 4063، فتح: 7/ 416.
    [82] أخرجه البخاري: 3/ 305، 5/ 31، رقم 3805، 4048، الفتح: 6/ 26، 7/ 411.
    [83] رواه مسلم: 2/ 1968، رقم 2541.
    [84] أخرجه أحمد: 4/ 126، 127، وأبو داود، رقم 7046، والترمذي، رقم 2676، وابن ماجه، رقم 43، وإسناده صحيح.
    [85] رواه مسلم في التفسير: 3/ 2317، رقم 3022.
    [86] منهاج السنَّة : 7/ 459.
    [87] المرجع السباق: 3/ 463.
    [88] الصارم المسلول، ص 571.
    [89] تقسير القرآن العظيم: 3/ 276.
    [90] تفسير القرطبي: 12/ 52.
    [91] أخرجه أحمد: 1/ 473، والترمذي: 5/ 34، وابن ماجه: 4/ 85.
    [92] انظر: منهج النقد عند المحدثين، ص 7.
    [93] إيثار الحق على الخلق، ص 20.
    [94] أخرجه البخاري: 2/ 191، رقم 1739، الفتح: 3/ 670، ومسلم: 2/ 1303، رقم 1679.
    [95] أخرجه البخاري: 3/ 145، رقم 3461، الفتح: 6/ 572.
    [96] أخرجه البخاري: 1/ 28، رقم 79، فتح: 1/ 211، ومسلم: 2/ 1787، رقم 2282.
    [97] أخرجه البخاري: 3/ 167، رقم 2697، الفتح: 5/ 355.
    [98] منهاج السنَّة النبوية: 5/ 217، 218.

    كلمات مفتاحية  :
    محبة النبي تعظيمه

    تعليقات الزوار ()