أولًا: حقيقة محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعناها:
اختلفت عبارات العلماء في بيان حقيقة محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتفسيرها:
فقال بعضهم: محبته -صلى الله عليه وسلم- اتباعه.
وقال بعضهم: محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- اعتقاد نصرته، والذب عن سنته، والانقياد لها، وهيبة مخالفته.
وقال بعضهم: المحبة دوام الذكر للمحبوب.
وقال آخر: المحبة إيثار المحبوب.
وقيل: المحبة الشوق إلى المحبوب.
قال القاضي عياض: «أكثر العبارات المتقدمة إشارة إلى ثمرات المحبة دون حقيقتها، وحقيقة المحبة: الميل إلى ما يوافق الإنسان» [ الشفا (2/29)].
وهذه الموافقة إما أن تكون للاستلذاذ بإداركه، كحب الصور الجميلة، وإما أن تكون للاستلذاذ العقلي، كحب الصالحين والعلماء، وإما أن تكون من جهة الإحسان والإنعام، وقد اجتمعت هذه الأسباب الموجبة للمحبة كلها في حقه -صلى الله عليه وسلم-.
فقد اجتمع فيه -صلى الله عليه وسلم- جمالُ الصورة والظاهر، وكمال الأخلاق والباطن، وتمام الإحسان والإنعام، ما لم يحصل لبشر قبله، ولن يكون لبشر بعده، فاستوجب -صلى الله عليه وسلم- المحبة الحقيقة شرعًا وعادة وجبلة [انظر: الشفا (2/29 ـ 31)].
ثانيًا: فضل محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وثوابها:
1- قال الله –تعالى-: ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ ٱلنَّبِيّينَ وَٱلصّدّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاء وَٱلصَّـٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيق﴾ [النساء: 69].
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إنك لأحبُّ إليَّ من نفسي، وأحبُّ إليَّ من أهلي، وأحبُّ إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرتُ موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلتَ الجنة رُفعت مع النبيين، وإن دخلتُ الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يردَّ عليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حتى نزلت عليه ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ﴾ الآية [عزاه ابن كثير في التفسير (2/310-311) إلى ابن مردويه في تفسيره، والحافظ أبي عبد الله المقدسي في صفة الجنة، ونقل عنه أنه قال: "لا أرى بإسناده بأسًا". وقد أخرج نحوه الطبري في تفسيره (8/534 ـ 535) مرسلاً عن سعيد بن جبير ومسروق وقتادة والسدي والربيع بن أنس، قال ابن كثير (2/310) عن مرسل الربيع: "هو من أحسنها سندًا"].
2- وعن أنس بن مالك أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: (وماذا أعددت لها؟) قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (أنت مع من أحببت)، قال أنس: فما فرحنا بشيء فرَحَنا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أنت مع من أحببت)، قال أنس: فأنا أحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم[أخرجه البخاري في المناقب (3688)، ومسلم في البر والصلة (2639)، والترمذي في الزهد (2385)، وأبو داود في الأدب (5127)].
قوله: (لا شيء)، وفي رواية: (ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة)، قال النووي: «أي غير الفرائض، معناه: ما أعددت لها كثير نافلة من صلاة ولا صيام ولا صدقة» [ شرح صحيح مسلم (16/ 186 ـ 187)].
قال الحافظ ابن حجر: «قوله: (إنك مع من أحببت) أي: ملحق بهم حتى تكون من زمرتهم، وبهذا يندفع إيرادُ أن منازلهم متفاوتة فكيف تصحّ المعيّة؟! فيقال: إن المعية تحصل بمجرد الاجتماع في شيء ما، ولا تلزم في جميع الأشياء، فإذا اتفق أن الجميع دخلوا الجنة صدقت المعية وإن تفاوتت الدرجات» [ فتح الباري (10/555)].
وقال النووي: «فيه فضل حب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- والصالحين وأهل الخير، الأحياء والأموات، ومن فضل محبة الله ورسوله امتثال أمرهما واجتناب نهيهما، والتأدب بالآداب الشرعية، ولا يشترط في الانتفاع بمحبة الصالحين أن يعمل عملهم؛ إذ لو عمله لكان منهم ومثلهم» [ شرح صحيح مسلم (16/186)].
3- وجاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحبّ قومًا ولم يلحق بهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المرء مع من أحب)[ أخرجه البخاري (6169، 6170)، ومسلم (2641) من حديث عبد الله بن مسعود ومن حديث أبي موسى، وأخرجه أحمد (17625)، والترمذي (2387) من حديث صفوان بن عسال، وقال الترمذي: "حسن صحيح"، وصححه ابن خزيمة].
قال المباركفوري: «يعني من أحب قومًا بالإخلاص يكون من زمرتهم وإن لم يعمل عملهم لثبوت التقارب بين قلوبهم، وربما تؤدي تلك المحبة إلى موافقتهم» [ تحفة الأحوذي (7/53)].
4- وعن أبي ذر أنه قال: يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل كعملهم، قال: (أنت -يا أبا ذر- مع من أحببت) قال: فإني أحب الله ورسوله، قال: (فإنك مع من أحبت)، قال: فأعادها أبو ذر فأعادها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[ أخرجه أحمد (20871، 20952)، وأبو داود في الأدب (5126)، والدرامي في الرقاق (2787)].
قال ابن تيمية: «هذا الحديث حق، فإن كونَ المحب مع المحبوب أمر فطري، لا يكون غير ذلك، وكونه معه هو على محبته إياه، فإن كانت المحبة متوسطة أو قريبة من ذلك كان معه بحسب ذلك، وإن كانت المحبة كاملة كان معه كذلك، والمحبة الكاملة تجب معها الموافقة للمحبوب في محابه إذا كان المحب قادرًا عليها، فحيث تخلفت الموافقة مع القدرة يكون قد نقص من المحبة بقدر ذلك، وإن كانت موجودة، وحب الشيء وإرادته يستلزم بغض ضده وكراهته مع العلم بالتضاد، ولهذا قال تعالى: ﴿لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، والموادة من أعمال القلوب؛ فإن الإيمان بالله يستلزم مودته ومودة رسوله، وذلك يناقض موادة من حاد الله ورسوله» [ مجموع الفتاوى (10/ 752 ـ 753)].
5- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار)[ أخرجه البخاري في الإيمان (16، 21)، ومسلم في الإيمان (43)، والترمذي في الإيمان (2624)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (4987، 4988، 4989)، وابن ماجه في الفتن (4033)].
قال النووي: «هذا حديث عظيم، أصل من أصول الإسلام، قال العلماء -رحمهم الله-: معنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضا الله عز وجل ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإيثار ذلك على عرض الدنيا، ومحبة العبد ربه تحصل بفعل طاعته، وترك مخالفته، وكذلك محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-» [ شرح صحيح مسلم (1/13)].
وقال ابن تيمية: « (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهم) وهذا من أصول الإيمان المفروضة، التي لا يكون العبد مؤمنًا بدونها» [ مجموع الفتاوى (10/ 751)].
وقال ابن أبي جمرة: «إنما عبّر بالحلاوة لأن الله شبه الإيمان بالشجرة في قوله تعالى: ﴿مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ﴾ [إبراهيم:24]، فالكلمة هي كلمة الإخلاص، والشجرة أصل الإيمان، وأغصانها اتباع الأمر واجتناب النهي، وورقها ما يهتم به المؤمن من الخير، وثمرها عمل الطاعات، وحلاوة الثمر جني الثمرة، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة وبه تظهر حلاوتها» [ انظر: فتح الباري (1/60)].
وقال البيضاوي: «وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانًا لكمال الإيمان؛ لأن المرء إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله تعالى، وأن لا مانح ولا مانع في الحقيقة سواه، وأن ما عداه وسائط، وأن الرسول هو الذي يبين له مراد ربه، اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه، فلا يحب إلا ما يحب، ولا يحب من يحب إلا من أجله، وأن يتيقن أن جملة ما وعد وأوعد حق يقينًا، ويخيل إليه الموعود كالواقع، فيحسب أن مجالس الذكر رياض الجنة، وأن العود إلى الكفر إلقاء في النار» [ انظر: فتح الباري (1/61)].
وقال القاضي عياض: «وهذه المعاني كلها موجودة في النبي -صلى الله عليه وسلم-، لما جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال خلال الجلال، وأنواع الفضائل، وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياهم إلى الصراط المستقيم، ودوام النعم والإبعاد عن الجحيم» [ انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (2/ 14)].
ثالثًا: لزوم محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ووجوبها:
قال ابن قدامة المقدسي: «واعلم أن الأمة مجمعة على أن الحب لله ولرسوله فرض» [ مختصر منهاج القاصدين (ص338)].
وقال ابن تيمية: «محبة الله بل محبة الله ورسوله من أعظم واجبات الإيمان، وأكبر أصوله، وأجل قواعده، بل هي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين» [ التحفة العراقية (ص57)].
1- قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ ءابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوٰنُكُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ﴾ [التوبة: 24].
قال القرطبي: «في الآية دليل على وجوب حب الله ورسوله، ولا خلاف في ذلك بين الأمة، وأن ذلك مقدم على كل محبوب» [ الجامع لأحكام القرآن (8/ 95)].
وقال ابن تيمية: «لم يرض منهم أن يكون حبهم لله ورسوله كحب الأهل والمال، وأن يكون حب الجهاد في سبيله كحب الأهل والمال، بل حتى يكون الجهاد في سبيله الذي هو تمام حبه وحب رسوله أحبَّ إليهم من الأهل والمال، فهذا يقتضي أن يكون حبهم لله ورسوله مقدمًا على كل محبة، ليس عندهم شيء يحبونه كحب الله، بخلاف المشركين، ويقتضي الأصل الثاني وهو أن يكون الجهاد في سبيله أحب إليهم من الأهل والمال، فإن ذلك هو تمام الإيمان الذي ثوابه حب الله ورسوله» [ الاستقامة (1/263 ـ 264)].
وقال أيضا: «فانظر إلى هذا الوعيد الشديد الذي قد توعَّد الله به من كان أهلُه وماله أحبَّ إليه من الله ورسوله وجهاد في سبيله، فعلم أنه يجب أن يكون الله ورسوله والجهاد في سبيله أحبَّ إلى المؤمن من الأهل والمال والمساكن والمتاجر والأصحاب والإخوان، وإلا لم يكن مؤمنًا حقًا» [ مجموع الفتاوى (10/750 ـ 751)].
قال القاضي عياض مفسرًا هذه الآية: «كفى بها حضًا وتنبيهًا ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها -صلى الله عليه وسلم-، إذ قرّع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحبَّ إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله: ﴿فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾، ثم فسَّقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله» [ انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/19)].
2- وقال تعالى: ﴿ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأحزاب: 6].
قال سهل: من لم ير ولايةَ الرسول عليه في جميع الأحوال وير نفسَه في ملكه -صلى الله عليه وسلم- لا يذوق حلاوة سنته لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه) الحديث [مجموع الفتاوى (27/104)].
قال ابن تيمية: «والله سبحانه وتعالى أمرنا أن نطيع رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ﴿مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ﴾، وأمرنا أن نتبعه فقال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ﴾، وأمرنا أن نعزِّره ونوقِّره وننصره، وجعل له من الحقوق ما بيَّنه في كتابه وسنة رسوله، حتى أوجب علينا أن يكون أحب الناس إلينا من أنفسنا وأهلينا» [ مجموع الفتاوى (27/104)].
وقال أيضا: «وذلك أنه لا نجاة لأحد من عذاب الله ولا وصول له إلى رحمة الله إلا بواسطة الرسول؛ بالإيمان به ومحبته وموالاته واتباعه، وهو الذي ينجيه الله به من عذاب الدنيا والآخرة، فأعظم النعم وأنفعها نعمة الإيمان، ولا تحصل إلا به، وهو أنصح وأنفع لكل أحد من نفسه وماله؛ فإنه الذي يخرج الله به من الظلمات إلى النور، لا طريق له إلا هو، وأما نفسه وأهله فلا يغنون عنه من الله شيئًا» [ مجموع الفتاوى (27/426)].
وقال ابن القيم: «من آثر محبوبه بنفسه فهو بماله أشد إيثارًا... ولا يتم للمؤمنين مقام الإيمان حتى يكون الرسول أحب إليهم من أنفسهم فضلاً عن أبنائهم وآبائهم» [ روضة المحبين (ص 276)].
3- وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين)[ أخرجه البخاري في الإيمان (15)، ومسلم في الإيمان (44)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (5013، 5014)، وابن ماجه في المقدمة (67)، وأحمد (12403، 13499)،والدارمي في الرقاق (2741)].
قال ابن حجر: «من علامة الحب المذكور أن يعرض على المرء أن لو خُيِّر بين فَقدِ غرض من أغراضه، أو فقدِ رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لو كانت ممكنة، فإن كان فقدها أن لو كانت ممكنةً أشدَّ عليه من فقد شيء من أغراضه فقد اتصف بالأحبية المذكورة، ومن لا فلا، وليس ذلك محصورًا في الوجود والفقد، بل يأتي مثله في نصرة سنته والذب عن شريعته وقمع مخالفيها، ويدخل فيه باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» [ فتح الباري (1/59)].
وقال القرطبي: «كل من آمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إيمانًا صحيحًا لا يخلو عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة، غير أنهم متفاوتون، فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم من أخذ منها بالحظ الأدنى، كمن كان مستغرقًا في الشهوات، محجوبًا في الغفلات في أكثر الأوقات، لكن الكثير منهم إذا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- اشتاق إلى رؤيته، بحيث يؤثرها على أهله وولده وماله ووالده، ويبذل نفسه في الأمور الخطيرة، ويجد مخبر ذلك من نفسه وجدانًا لا تردد فيه، وقد شوهد من هذا الجنس من يؤثر زيارة قبره ورؤية مواضع آثاره على جميع ما ذكر، لما وقر في قلوبهم من محبته، غير أن ذلك سريع الزوال بتوالي الغفلات، والله المستعان» [ انظر: فتح الباري (1/60)].
وقال الحليمي: «أصل هذا الباب أن تقف على مدائح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمحاسن الثابتة له في نفسه، ثم على حسن آثاره في دين الله، وما يجب له من الحق على أمته شرعًا وعادة، فمن أحاط بذلك وسَلِم عقلُه علم أنه أحق بالمحبة من الوالد الفاضل في نفسه البَرّ الشفيق على ولده، ومن المعلم الرضي في نفسه المقبلِ على التعليم المجتهدِ في التخريج» [ انظر: شعب الإيمان للبيهقي (2/133)].
4- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (فوَالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده)[ أخرجه البخاري في الإيمان (14)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (5015)].
قال الحافظ ابن حجر: «والمراد بالمحبة هنا حب الاختيار لا حب الطبع، قاله الخطابي» [ فتح الباري (1/59)].
وقال أيضا: «الأحبية المذكورة تعرف بالتفكر... فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، إما بالمباشرة وإما بالسبب، علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي، وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات، فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره؛ لأن النفع الذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره، ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه، ولا شك أن حظ الصحابة رضي الله عنهم من هذا المعنى أتم؛ لأن هذا ثمرة المعرفة، وهم بها أعلم» [ فتح الباري (1/59 ـ 60)].
قال البيهقي: «ودخل في جملة محبته -صلى الله عليه وسلم- حب آله، وهم أقرباؤه الذين حرمت عليهم الصدقة، وأوجبت لهم الخمس لمكانهم منه... ويدخل في اسم أهل البيت أزواجه، فعلينا من حفظ حقوقهن بعد ذهابهن بالصلاة عليهن والاستغفار لهن وذكر مدائحهن وحسن الثناء عليهن ما على الأولاد في أمهاتهن اللائي ولدنهم وأكثر، لمكانتهن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزهادة معظمهن على غيرهن من نساء هذه الأمة... ويدخل في جملة حب النبي -صلى الله عليه وسلم- حب أصحابه لأن الله تعالى أثنى عليهم ومدحهم» [ شعب الإيمان (2/188 ـ 189)].
5- وعن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا -والذي نفسي بيده- حتى أكون أحب إليك من نفسك)، فقال له عمر: فإنه الآن –والله- لأنت أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الآن يا عمر) [ أخرجه البخاري في الأيمان والنذور (6632)، وأحمد (17586، 18482، 21997)].
قال الحافظ ابن حجر: «قوله: (لا -والذي نفسي بيده- حتى أكون أحب إليك من نفسك) أي: لا يكفي ذلك لبلوغ الرتبة العليا حتى يضاف إليه ما ذكر، وعن بعض الزهاد: تقدير الكلام: لا تصدُق في حبي حتى تؤثر رضاي على هواك، وإن كان فيه الهلاك» [ فتح الباري (11/528)].
وقال أيضا: «جواب عمر أولاً كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحب إليه من نفسه، لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والآخرة، فأخبر بما اقتضاه الاختيار، ولذلك حصل الجواب بقوله: (الآن يا عمر) أي: الآن عرفت فنطقت بما يجب» [ فتح الباري (11/528)].
وقد حمل القاضي عياض المحبةَ في هذا الحديث على معنى التعظيم والإجلال، وجعلها شرطًا في صحة الإيمان، وتعقبه القرطبي بأن ذلك ليس مرادًا هنا؛ لأن اعتقاد الأعظمية ليس مستلزمًا للمحبة؛ إذ قد يجد الإنسان إعظام شيء مع خلوه من محبته، قال: فعلى هذا من لم يجد من نفسه ذلك الميل لم يكمل إيمانه.
قال ابن حجر: «فهذه المحبة ليست باعتقاد الأعظمية فقط، فإنها حاصلة لعمر قبل ذلك قطعًا» [ فتح الباري (1/59)].
قال الحليمي: «وإذا ظهر أن حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان، وبينَّا ما جمع الله له من المحامد والمحاسن التي هي الدواعي إلى محبته ومحبة اعتقاد مدائحه وفضائله، والاعتراف له بها بالولوع بذكرها وإكثار الصلوات عليه، ولزوم طاعته، والحض على إظهار دعوته، وإقامة شريعته، والتسبب إلى استحقاق شفاعته، وبالفرح بالكون من أمته، ومستجيبي دعوته، وإدمان التلاوة للقرآن الناطق بحجته فمن فعل ما ذكرناه وما يتصل به من أمثاله فقد أحبه» [ انظر: شعب الإيمان (2/187)].
رابعًا: علامات محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومقتضياتها:
1- قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ﴾ [آل عمران:31].
قال جعفر بن محمد: «أي ليس الطريق إلى محبة الله إلا اتباع حبيبه، ولا يتوصل إلى الحبيب بشيء أحسن من متابعة حبيبه، ذلك رضاه» [أخرجه البيهقي في الشعب (2/184)].
قال ابن تيمية: «جعل محبتهم لله موجبة لمتابعة رسوله، وجعل متابعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- موجبة لمحبة الله لهم» [ التحفة العراقية (ص 85)].
وقال: «فاتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشريعته باطنًا وظاهرًا هي موجب محبة الله، كما أن الجهاد في سبيله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه هو حقيقتها... وكثير ممن يدعي المحبة هو أبعد الناس من غيره عن اتباع السنة، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله» [ التحفة العراقية (ص 91)].
وقال القاضي عياض: «فمن اتصف بهذه الصفة ـ يعني: الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ـ فهو كامل المحبة لله ورسوله، ومن خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبة ولا يخرج عن اسمها، ودليله قوله -صلى الله عليه وسلم- للذي حدَّه في الخمر فلعنه بعضهم وقال: ما أكثر ما يؤتى به!! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله)» [ الشفا (2/25)].
2- وقال الله تعالى: ﴿لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلإيمَـٰنَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا رَضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة:22].
قال ابن تيمية: «ما من مؤمن إلا وهو يجد في قلبه للرسول من المحبة ما لا يجد لغيره، حتى إنه إذا سمع محبوبًا له من أقاربه وأصدقائه يسب الرسول هان عليه عداوته ومهاجرته بل وقتله لحب الرسول، وإن لم يفعل ذلك لم يكن مؤمنًا» [ منهاج السنة (5/401)].
وقال القاضي عياض: «وهؤلاء أصحابه -صلى الله عليه وسلم- قد قتلوا أحِباءهم وقاتلوا آباءهم وأبناءهم في مرضاته -صلى الله عليه وسلم-، وقال له عبد الله بن عبد الله بن أُبي: لو شئت لأتيتك برأسه، يعني أباه» [ الشفا (2/27 ـ 28)].
وقال ابن القيم: «فمُحبّ الله ورسوله يغار لله ورسوله على قدر محبته وإجلاله، وإذا خلا قلبه من الغيرة لله ولرسوله فهو من المحبة أخلى وإن زعم أنه من المحبين، فكذب من ادّعى محبة محبوبٍ من الناس وهو يرى غيره ينتهك حُرْمَةَ محبوبه ويسعى في أذاه ومساخطه ويستهين بحقه ويستخف بأمره وهو لا يغار لذلك، بل قلبه بارد، فكيف يصح لعبد أن يَدَّعي محبة الله وهو لا يغار لمحارمه إذا انتُهكت، ولا لحقوقه إذا ضيِّعت. وأقل الأقسام أن يغار له من نفسه وهواه وشيطانه، فيغار لمحبوبه من تفريطه في حقه وارتكابه لمعصيته. وإذا ترحَّلت هذه الغيرة من القلب ترحلت منه المحبة، بل ترحل منه الدين وإن بقيت فيه آثاره، وهذه الغيرة هي أصل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي الحاملة على ذلك، فإنه إنما يأتي بذلك غيرة منه لربه، ولذلك جعل الله سبحانه وتعالى علامة محبته ومحبوبيته الجهاد فقال الله تعالى: ﴿يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ يُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَـٰفُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [المائدة:57]» [ روضة المحبين (ص 281 ـ 282)].
3- وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: (أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي) [ أخرجه الترمذي في المناقب (3789)، والطبراني في الكبير (3/46)، والبيهقي في الشعب (2/130)، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب"، وصححه الحاكم (3/150)، ووافقه الذهبي. وفي إسناده عبد الله بن سليمان النوفلي قال الذهبي في الميزان (4/ 112 ـ 113): "فيه جهالة، ما حدث عنه سوى هشام بن يوسف"، وقال عنه الحافظ في التقريب: "مقبول"، ولذا ضعفه الشيخ الألباني. انظر: تخريج فقه السيرة (ص 23)].
قال ابن تيمية: «ليس للخلق محبة أعظم ولا أكمل ولا أتم من محبة المؤمنين لربهم، وليس في الوجود ما يستحق أن يحَبَّ لذاته من كل وجه إلا الله تعالى، وكل ما يُحَبُّ سواه فمحبته تبع لحبه، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما يحَبُّ لأجل الله ويُطاع لأجل الله ويُتَّبع لأجل الله» [ مجموع الفتاوى (10/ 649)].
وقال المناوي: «(أَحِبو) بفتح الهمزة وكسر المهملة (اللهَ) وجوبًا (لم) أي: لأجل ما (يَغْذُوكم) بفتح المثناة تحت وسكون المعجمة وضم المعجمة (به) من الغِذاء بالكسر ككساء، ما به تمام الجسم وقوامه... (من نعمه) أي: أحبوا الله لأجل إنعامه عليكم بصنوف النعم وضروب الآلاء الحسية... والمعنوية... (وأحبوني لحب الله) أي: إنما تحبوني لأنه سبحانه وتعالى أحبني، فوضع محبتي فيكم... (وأحبوا أهل بيتي لحبي) أي: إنما تحبونهم لأني أحببتهم بحب الله تعالى لهم، وقد يكون أمرًا بحبهم لأن محبتهم لهم تصديق لمحبتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم-» [ فيض القدير (1/177 ـ 178)].
4- وعن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اللهَ اللهَ في أصاحبي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا من بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه)[ أخرجه أحمد (20026، 20055)، والترمذي في المناقب (3862)، والخلال في السنة (3/514)، والبيهقي في الشعب (2/191)، وقال الترمذي: "حديث غريب"، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد، وقيل: عبد الله بن عبد الرحمن، قال البخاري: "فيه نظر"، وقال الذهبي في الميزان (4/135): "لا يعرف له عن عبد الله بن مغفل"، وقال ابن حجر في التقريب: "مقبول"، والحديث في ضعيف سنن الترمذي].
قال المباركفوري: «(اللهَ اللهَ) بالنصب فيهما، أي: اتقوا الله ثم اتقوا الله، (في أصحابي) أي: في حقهم، والمعنى: لا تنقصوا من حقهم ولا تسبوهم، أو التقدير: أذكِّركم الله ثم أنشدكم الله في حق أصحابي وتعظيمهم وتوقيرهم... (لا تتخذوهم غرضً) أي: هدفًا، ترموهم بقبيح الكلام كما يُرمى الهدف بالسهم، (فبحبي أحبهم) أي: بسبب حبه إياي أحبهم، أو بسبب حبي إياهم أحبهم، (ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم) أي: إنما أبغضهم بسبب بغضه إياي» [ تحفة الأحوذي (10/ 247)].
وقال البيهقي: «ويدخل في جملة حب النبي -صلى الله عليه وسلم- حب أصحابه لأن الله عز وجل أثنى عليهم ومدحهم... وإذا ظهر أن حب الصحابة من الإيمان فحبهم أن يعتقد فضائلهم، ويعترف لهم بها، ويعرف لكل ذي حق منهم حقه، ولكل ذي غِنًى في الإسلام منهم غناه، ولكل ذي منزلة عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- منزلته، وينشر محاسنهم، ويدعو بالخير لهم، ويقتدي بما جاء في أبواب الدين عنهم، ولا يتبع زلاتهم وهفواتهم... ويسكت عما لا تقع ضرورة إلى الخوض فيه مما كان بينهم» [ شعب الإيمان (2/189، 192)].
5- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف)[ أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (190)، وابن عدي في الكامل (2/449)، وأبو نعيم في الحلية (7/209)، والبيهقي في الشعب (2/408)، قال ابن عدي: "لم يروه عن شعبة إلا الحر، وهو قليل الحديث، وهذا عن شعبة منكر"، وقال البيهقي: "هذا روي مرفوعًا، وهو منكر، تفرد به أبو سهل الحر بن مالك عن شعبة"، وقال الذهبي في الميزان (1/471): "خبر باطل"، وقال ابن حجـر في اللسان: "الحُر مجهول الحال"، وتعقبه الألباني بأن أبا حاتم قال فيه: "صدوق لا بأس به"، وأيضًا قال فيه البزار في مسنده (9/116): "لم يكن به بأس"، وابن حجر نفسه قال عنه في التقريب: "صدوق"].
قال المناوي: «(من سره أن يحب الله ورسوله) أي: من سره أن يزداد من محبة الله ورسوله (فليقر) القرآن نظرًا (في المصحف)» [ فيض القدير (6/150)].
6- وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، والله إني لأحبك، قال: (انظر ماذا تقول) قال: والله إني لأحبك، قال: (انظر ماذا تقول)، قال: والله إني لأحبك -ثلاث مرات- فقال: (إن كنت تحبني فأعِدَّ للفقر تِجفافًا، فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه)[ أخرجه الترمذي في الزهد (2350)، وقال: "حديث حسن غريب"، وصححه ابن حبان (2922 ) ولفظه عنده: (فإن البلايا أسرع إلى...)، وحسن إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (1586)، وله شاهد في حديث أبي ذر عند الحاكم (4/331) وصححه، ووافقه الذهبي].
قال المباركفوري: «قوله: (انظر ماذا تقول) أي: رمت أمرًا عظيمًا، وخطبًا خطيرًا، فتفكر فيه، فإنك توقع نفسك في خطر، وأي خطر أعظم من أن يستهدفها غرضًا لسهام البلايا والمصائب، فهذا تمهيد لقوله: (فأعد للفقر تجفافً)... (فأعد) أي: فهيِّئ (للفقر) أي: بالصبر عليه، بل بالشكر والميل إليه (تِجْفافً) بكسر الفوقية وسكون الجيم أي: درعًا وجُنة.. فمعنى الحديث: إن كنت صادقًا في الدعوى ومحقًا في المعنى فهيئ آلةً تنفعك حال البلوى، فإن البلاء والولاء متلازمان في الخلا والملا، ومجمله أن تهيأ للصبر خصوصًا على الفقر لتدفع به عن دينك بقوة يقينك ما ينافيه من الجزع والفزع، وقلة القناعة وعدم الرضا بالقسمة... (من السيل) أي: إذا انحدر من علو (إلى منتهاه) أي: مستقره في سرعة وصوله، والمعنى أنه لا بد من وصول الفقر بسرعة إليه، ومن نزول البلايا والرزايا بكثرة عليه، فإن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، خصوصًا سيد الأنبياء، فيكون بلاؤه أشد بلائهم، ويكون لأتباعه نصيب على قدر ولائهم» [ تحفة الأحوذي (7/14 ـ 15)].
وعن سعيد بن أبي سعيد أن أبا سعيد شكا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاجته فقال -صلى الله عليه وسلم-: (اصبر يا أبا سعيد، فإن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل من أعلى الوادي ومن أعلى الجبل إلى أسفله)[ أخرجه أحمد (3/42)، قال البيهقي في الشعب (2/147): "هذا مرسل"، وقال الهيثمي في المجمع (10/274): "رجاله رجال الصحيح إلا أنه شبه المرسل"].
وعن أنس رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رجل فقال: إني أحبك، فقال: (استعدَّ للفاقة)[ أخرجه البزار، وقال الهيثمي في المجمع (10/274): "رجاله رجال الصحيح غير بكر بن سليم وهو ثقة"].
7- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مِن أشد أمتي لي حبًّا ناس يكونون بعدي يودّ أحدهم لو رآني بأهله وماله)[ أخرجه مسلم في كتاب الجنة (2832)].
خامسًا: نماذج من حب السلف للنبي -صلى الله عليه وسلم-:
1- قال ابن القيم: «كان الصحابة يقونَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحرب بنفوسهم حتى يُصرعوا حوله» [روضة المحبين (ص 275)].
2- فهذه امرأة من بني دينار، أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأُحد، فلما نُعوا لها، قالت: فما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا: خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل، تريد: صغيرة [رواه ابن إسحاق كما في السيرة النبوية (2/99)، ومن طريقه الطبري في تاريخه (2/74)].
قال ابن هشام: "الجلل يكون من القليل ومن الكثير، وهو ها هنا القليل"[ السيرة النبوية (2/99)].
3- وهذا زيد بن الدَّثِنَة رضي الله عنه كان أسيرًا في مكة، فبعث به صفوان بن أمية بن خلف مع مولى له يقال له نسطاس إلى التنعيم ليقتله بأبيه، واجتمع رهط من قريش، فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان حين قُدِّم ليُقتل: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدًا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال زيد: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي. قال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمد محمدًا، ثم قتله نسطاس[انظر: السيرة النبوية لابن هشام (2/172)].
4- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إنك لأحب إليّ من نفسي، وأحب إليّ من أهلي، وأحب إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك[عزاه ابن كثير في التفسير (2/ 310 ـ 311) إلى ابن مردويه في تفسيره، والحافظ أبي عبد الله المقدسي في صفة الجنة، ونقل عنه أنه قال: "لا أرى بإسناده بأسًا". وقد أخرج نحوه الطبري في تفسيره (8/534 ـ 535) مرسلاً عن سعيد بن جبير ومسروق وقتادة والسدي والربيع بن أنس، قال ابن كثير (2/310) عن مرسل الربيع: "هو من أحسنها سندًا"].
5- وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحب إليَّ أن أصل من قرابتي[انظر: الشفا (2/49)].
6- وقال عبد الله بن عمر لأبيه: لم فضَّلْت أسامةَ عليَّ؟ فوالله ما سبقني إلى مشهد، قال: لأن زيدًا كان أحبَّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أبيك، وكان أسامة أحبَّ إلى رسول الله منك، فآثرت حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حبي[أخرجه الترمذي في المناقب (2813)، وقال: "حديث حسن غريب"].
7- وقال عمر بن الخطاب للعباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم-: أسلم، فوالله لأن تسلم أحب إليّ من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إلا لأنه كان أحبَّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[ أخرجه ابن مردويه في تفسيره ـ كما في تفسير ابن كثير (2/326 ـ 327) ـ من طريق عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر. وأخرجه البزار من رواية ابن عباس، قال الهيثمي في المجمع (9/ 268): "فيه عبد العزيز بن أبان وهو متروك"].
8- وقال عمرو بن العاص: (وما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالًا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه) [أخرجه مسلم في الإيمان (121)].
9- وقال إسحاق التجيبي: كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بعده لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرت جلودهم وبكوا.
قال القاضي عياض: «وكذلك كثير من التابعين، منهم من يفعل ذلك محبة له وشوقًا إليه، ومنهم من يفعله تهيبًا وتوقيرًا» [ الشفا (2/26)].
10- وقال مصعب بن عبد الله: «كان مالك إذا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يومًا في ذلك، فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم عليَّ ما ترون، ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر، وكان سيد القراء، لا نكاد نسأله عن حديث أبدًا إلا يبكي حتى نرحمه، ولقد كنت أرى جعفر بن محمد، وكان كثير الدعابة والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي -صلى الله عليه وسلم- اصفرَّ، وما رأيته يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا على طهارة، ولقد اختلفت إليه زمانًا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصليًا وإما صامتًا وإما يقرأ القرآن، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء والعباد الذين يخشون الله عز وجل، ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيُنظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم، وقد جف لسانه في فمه هيبة منه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير فإذا ذكر عنده النبي -صلى الله عليه وسلم- بكى حتى لا يبقى في عينية دموع، ولقد رأيت الزهري وكان من أهنأ الناس وأقربهم فإذا ذكر عنده النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأنه ما عرفك ولا عرفته، ولقد كنت آتي صفوان بن سليم وكان من المتعبدين المجتهدين فإذا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه» [ انظر: الشفا (2/42 ـ 43)].
11- وقال القاضي عياض: «فبالحقيقة من أحب شيئًا أحب كل شيء يحبه، وهذه سيرة السلف حتى في المباحات وشهوات النفس، وقد قال أنس حين رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يتتبع الدباء من حوالي القصعة: فما زلت أحب الدباء من يومئذ، وهذا الحسن بن علي وعبد الله بن عباس وابن جعفر أتوا سلمى وسألوها أن تصنع لهم طعامًا مما كان يعجب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان ابن عمر يلبس النعال السبتية ويصبغ بالصفرة إذ رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل نحو ذلك» [ الشفا (2/27)].
سادسًا: ملحقات البحث: من أقوال السلف:
. قال علي رضي الله عنه: «من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه»[ انظر: الشفا (2/31)] • .
.- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «لا يسأل أحد عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله» [انظر: الشفا (2/28)] .
. قال سفيان: «المحبة اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم-»[ انظر: الشفا (2/29)].-
• قال سهل بن عبد الله التستري: «لم يؤمن بالرسول -صلى الله عليه وسلم- من لم يوقر أصحابه، ولم يعزَّ أوامره»[ انظر: الشفا (2/56)].
• وقال: «من لم ير ولاية الرسول عليه في جميع الأحوال، وير نفسه في ملكه -صلى الله عليه وسلم- لا يذوق حلاوة سنته؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه) الحديث»[ انظر: الشفا (2/19)].
• وقال: «علامة حب الله حب القرآن، وعلامة حب القرآن حب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلامة حب النبي -صلى الله عليه وسلم- حب سنته، وعلامة حب السنة حب الآخرة، وعلامة حب الآخرة بغض الدنيا، وعلامة بغض الدنيا أن لا يدخر منها إلا زادا وبُلْغة إلى الآخرة»[ انظر: الشفا (2/28)].
• قال حاتم: «من ادعى ثلاثًا بغير ثلاث فهو كاذب: من ادعى حب الله بغير ورع عن محارمه فهو كذاب، ومن ادعى حب الجنة بغير إنفاق ماله فهو كذاب، ومن ادعى حب النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير حب الفقراء فهو كذاب»[ أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/75)].
• قال عبد الله بن المبارك: «خصلتان من كانتا فيه نجا: الصدق وحب أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-»[ انظر: الشفا (2/54)].
• قالت عابدة من عابدات مكة: «إخوتي وقرةَ عيني، إنما صلاح الأبدان وفسادها في حسن النية وسوئها، إخواني وقرةَ عيني، إنما نال المتقون المحبة لمحبتهم له، وانقطاعهم إليه، ولولا الله ورسوله ما نالوا ذلك، ولكنهم أحبوا الله ورسوله فأحبهم عبادُ الله لحبهم الله ورسوله»[ انظر: صفة الصفوة (2/ 279)].
• عن شقيق بن إبراهيم قال: مرَّ إبراهيم بن أدهم في أسواق البصرة فاجتمع الناس إليه، فقالوا له: يا أبا إسحاق، إن الله تعالى يقول في كتابه: ﴿ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر:61] ونحن ندعوه منذ دهر فلا يستجيب لنا؟! قال: فقال إبراهيم: (يا أهل البصرة ماتت قلوبكم في عشرة أشياء: أولها عرفتم الله ولم تؤدوا حقه، والثاني قرأتم كتاب الله ولم تعملوا به، والثالث ادعيتم حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتركتم سنته، والرابع ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه، والخامس قلتم: نحب الجنة ولم تعملوا لها، والسادس قلتم: نخاف النار ورهنتم أنفسكم بها، والسابع قلتم: إن الموت حق ولم تستعدوا له، والثامن اشتغلتم بعيوب إخوانكم ونبذتم عيوبكم، والتاسع أكلتم نعمة ربكم ولم تشكروها، والعاشر دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم)[ أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 15 ـ 16)].
أحاديث ضعيفة أو موضوعة:
1- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيد حسن وحسين فقال: (من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة).[أخرجه الترمذي في المناقب (3733)، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (1/77)، والدولابي في الذرية الطاهرة (ص 120)، والمقدسي في المختارة (2/44)، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث جعفر بن محمد إلا من هذا الوجه"].
قال الذهبي: «هذا حديث منكر جدًا» [ سير أعلام النبلاء (12/135)]، ثم نقل عن عبد الله بن الإمام أحمد أنه قال: "لما حدث نصر بهذا أمر المتوكل بضربه ألف سوط، فكلمه جعفر بن عبد الواحد، وجعل يقول له: الرجل من أهل السنة، ولم يزل به حتى تركه".
قال الخطيب البغدادي: «إنما أمر المتوكل بضربه لأنه ظنه رافضيًا، فلما علم أنه من أهل السنة تركه» [تاريخ بغداد (13/287)]. وقد أنكر الذهبي أن يكون الترمذي حسنه أو صححه [انظر: ميزان الاعتدال (5/144)].
2- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة).
هو جزء من حديث طويل أخرجه الترمذي مختصرًا في كتاب العلم (2678)، والطبراني بطوله في الكبير (6/125)، والصغير (2/ 100 ـ 102)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/661) من طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عنه، إلا أن سند المروزي ليس فيه ذكر سعيد بن المسيب.
وهذا سند ضعيف، علي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف، كما في التقريب.
وأخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 349) من طريق بقية، عن عاصم بن سعيد، عن خالد بن أنس، عن أنس. وقال: «عاصم مجهول بالنقل"، وقال الذهبي: "خالد بن أنس عن أنس لا يعرف وحديثه منكر جدًا» [ ميزان الاعتدال (1/627)].
وضعف الألباني هذا الحديث وأورده في ضعيف الجامع (5366).
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اتخذ الله إبراهيم خليلاً، وموسى نجيًا، واتخذني حبيبًا، ثم قال: وعزتي وجلالي لأوثرن حبيبي على خليلي ونجيي).
أخرجه البيهقي في الشعب (2/185) وقال: "مسلمة بن علي الخشني ضعيف عند أهل الحديث".
4- وعن عبد الرحمن بن أبي قراد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ يومًا، فجعل أصحابه يتمسحون بوضوئه، فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما حملكم على هذا؟) قالوا: حب الله ورسوله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من سره أن يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدث، وليؤد أمانته إذا اؤتمن، وليحسن جوار من جاوره).
أخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (ص88)، والبيهقي في الشعب (2/201)، قال الحافظ ابن حجر: "في سنده الحسن بن أبي جعفر وهو ضعيف» [ الإصابة (4/353)].
5- (لكل شيء أساس، وأساس الإسلام حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحب أهل بيته).
عزاه السيوطي في الدر المنثور (6/7) لابن النجار في تاريخه من حديث أنس -رضي الله عنه-.
وعن جابر -رضي الله عنهما- مرفوعًا: (لكل شيء أساس وأساس الدين حبنا أهل البيت).
قال الذهبي: «قال ابن عساكر: الحمل فيه على محمد بن مسعر، قلت: في السند أبو بكر النقاش فكأنه واضعه» [ ميزان الاعتدال (6/331)].
6- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به) [أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (15)، والخطيب في تاريخه (4/ 369)، والبغوي في شرح السنة (104)، وصححه النووي في الأربعين].
قال ابن رجب: «تصحيح هذا الحديث بعيد جدًا»، ثم ذكر من أوجه ضعفه: تفرد نعيم بن حماد به وهو ضعيف، والاختلاف عليه فيه، والانقطاع في سنده.
ثم قال: «وأما معنى الحديث، فهو أن الإنسان لا يكون مؤمنًا كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته تابعة لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الأوامر والنواهي وغيرها، فيحب ما أمر به، ويكره ما نهى عنه» [ جامع العلوم والحكم (2/393 ـ 395)].
7- (أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله، مع أنبيائه وأصفيائه).
عزاه السيوطي في الجامع إلى الشيرازي في فوائده والديلمي في مسند الفردوس وابن النجار في تاريخه من حديث علي.
وضعفه المناوي في فيض القدير (1/226)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (251): "ضعيف جدًا".
مراجع للتوسع في الموضوع:
1. الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض (ت 544ه).
2. شرح الشفا لملا علي القاري.
3. شرح الطيببي على مشكاة المصابيح (1/118 ـ 121).
4. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لملاّ علي القاري (1/144 ـ 149).
5. روضة المحبين ونزهة المشتاقين لابن القيم.
6. جلاء الأفهام له أيضًا.
7. جامع العلوم والحكم لابن رجب، الحديث الواحد والأربعون.
8. ثلاث رسائل في المحبة لعبد الله الجار الله.
9. حب النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلاماته للدكتور فضل إلهي