أولاً: عدم إحضار شخص للدعوة إلا بإذن من الداعي:
عن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: (جاء رجل من الأنصار، يكنى أبا شُعَيْبٍ، فقال لغلام له قَصَّابٍ: اجعل لي طعاما يكفي خمسة، فإني أريد أن أدعو النبي -صلى الله عليه وسلم-، خامس خمسة، فإني قد عرفت في وجهه الجوع . فدعاهم، فجاء معهم رجل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إن هذا قد تبعنا، فإن شئت أن تأذن له، فأذن له، وإن شئت أن يرجع رجع " فقال: بل قد أذنت له) [1]، وفي الحديث: أنَّ من تطفل في الدعوة كان لصاحب الدعوة اختيار في حرمانه فإن دخل بغير إذنه كان له إخراجه، وأنَّ من قصد التطفل لم يمنع ابتداء، لأن الرجل تبع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يرده لاحتمال أن تطيب نفس صاحب الدعـوة بالإذن، وأنَّ الطفيلي يأكل حرامًا. [2]
ثانياً: الحرص على الاجتماع للطعام وعدم التفرق:
عن وحشي بن حرب -رضي الله عنه- أنَّ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: (يا رسول الله إنَّا نأكل ولا نشبع قال: فلعلكم تفترقون ؟ قالوا: نعـم قال: فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه) [3]. وقال (طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية) [4]
ثالثاً: عدم الأكل من معاقرة الأعراب ومن طعام المتباريين:
عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن معاقرة الأعراب) [5]. وعنه أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل) [6]، "وهي عقرهم الإبل وكان الرجلان يتباريان في الجود والسخاء فيعقر هذا إبلاً ويعقر الآخر حتى يعجز أحدهما رياء وسمعة ولا يقصدون به وجه الله فصار شبيها بما ذبح لغير الله ." [7]
رابعاً: الحرص على أن يأكل طعامك تقي:
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي) [8] .
خامساً: عدم الأكل على الخوان: وهو مرتفع يهيأ ليؤكل الطعام عليه كالطاولة:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (ما أكل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق) [9] السكرجة: إناء صغير يوضع فيه الشيء القليل كالسلطة والمقبلات . ولا يعني هذا أنه يحرم الأكل على الطاولة أو ما ارتفع ولكن الأفضل الأكل على الأرض لأنه هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- .
سادساً: عدم الأكل منبطحاً أو الجلوس على ما حرم:
عن عمر -رضي الله عنه- (أنَّ رسول الله نهى عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه)[10].
سابعاً: عدم الأكل متكئاً:
عن أبي جحيفة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أما أنا فلا آكل متكئ) [11]. وعن ابن عمرو قال: (مارُئي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكل متكئاً قط، ولا يطأ عَقِبَهُ رَجُلان) [12] .
قال شمس الحق العظيم آبادي شارح أبي داود: "ولايطأ عقبه رجلان" أي لايطأ الأرض خلفه رجلان.
والحق أنَّه -صلى الله عليه وسلم- لايمشي قدام القوم بل يمشي في وسط الجمع أو في آخرهم تواضعا.[13]
قال ابن القيم -رحمه الله-: "والاتكاء على ثلاثة أنواع:
أحدها: الاتكاء على الجنب.
والثاني: التربع .
والثالث: الاتكاء على إحدى يديه وأكله بالأخرى.
والثلاث مذمومة" [14].
قال ابن القيم -رحمه الله-: «ويذكر عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يجلس للأكل متوركاً على ركبتيه ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر قدمه اليمنى تواضعاً لربه عز وجل وأدباً بين يديه واحتراماً للطعام وللموآكل فهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها» [15].
وعن أنس قال: (أتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بتمر فرأيته يأكل وهو مقع من الجوع) [16].قال النووي -رحمه الله-: المقعي الذي يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه . اهـ وهو غير الاتكاء المنهي عنه.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: وإذا ثبت كون الاتكاء مكروهاً أو خلاف الأولى فالسنة أن يجلس على اليسرى" [17] .
ثامناً: التواضع في الجلوس:
عن عبد الله بن بسر قـال: (كـان للنبي -صلى الله عليه وسلم- قصعة يقـال لهـا الغـراء [18] يحملها أربعة رجال فلما أضحوا، وسجدوا الضحى، أتي بتلك القصعة -يعني: وقد ثرد فيها-، فالتفوا عليها فلما كثروا جثا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- [19] فقال أعرابي: ما هذه الجِلْسة ؟ فقـال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الله جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً" ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلوا من حواليها ودعوا ذِرْوَتَها يبارك فيها") [20] .
تاسعاً: غسل اليدين:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وإذا أراد أن يأكل غسل يديه) [21] .
عاشراً: كان لايعيب طعامًا:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (ما عاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه) [22] .
الحادي عشر: وكان -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة
فعن حذيفة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما ولا تلبسوا الحرير ولا الديباج فإنه لهم في الدنيا وهو لكم في الآخرة) [23] .
الثاني عشر: وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول:
(ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه و ثلث لشرابه وثلث لنفسه) [24].
قال ابن القيم -رحمه الله-: «ومراتب الغذاء ثلاثة: أحدها: مرتبه الحاجة والثانية: مرتبة الكفاية، والثالثة: مرتبة الفضلة، فأخبر -صلى الله عليه وسلم-: أنَّه يكفيه لقيمات يقمن صلبه، فلا تسقط قوته ولا تضعف معها، فإن تجاوزها فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس وهذا من أنفع ما للبدن والقلب، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس وعرض له الكرب والتعب بحمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل، هذا إلى ما يلزم من فساد القلب وكسل الجوارح عن الطاعات، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع، فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن . هذا إذا كان دائماً أو أكثرياً، وأما إذا كان في الأحيان، فلا بأس به، فقد شرب أبو هريرة بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى قال: والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً، وأكل الصحابة بحضرته مراراً حتى شبعوا، والشِّبَعُ المفرط يُضْعِفُ القِوى والبدن وإن أخصبه، وإنما يَقْوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء لا بحسب كثرته، ولما كان في الإنسان جزء أرضي، وجزء هوائي، وجزء مائي ؛ قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- طعامه وشرابه ونفسه على الأجزاء الثلاثة» [25] قال الشاعر:
فإنَّ الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أو الشراب
الثالث عشر: التسمية في أول الطعام وعند النسيان
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من نسي أن يذكر الله في أول طعامه، فليقل حين يذكر: بسم الله في أوله وآخره، فإنه يستقبل طعاماً جديداً، ويمنع الخبيث ما كان يصيب منه) [26]. وعن عائشة -رضي الله عنها-: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أكل أحدكم فليقل: بسم الله فإن نسي فليقل بسم الله في أوله وآخره) [27]. وعنها قالت: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأكل الطعام في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين . فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لو سَمَّى لكفاكم) [28].
وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: (كنا إذا حضرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعاماً فجاءت جارية كأنها تدفع، فذهبت تضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدها، ثم جاء أعرابي كأنه يدفع، فأخذ بيده، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله تعالى عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها، فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به، فأخذت بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يديهما، ثم ذكر اسم الله تعالى وأكل) [29] .
الرابع عشر: وكان -صلى الله عليه وسلم- يأكل بيمينه.
فعن حفصة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجعل يمينه لأكله، وشربه، ووضوئه ن وثيابه، وأخذه، وعطـائه، وشمـاله لما سوى ذلك).[30]
وعن جابر -رضي الله عنه-: (أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يأكل الرجل بشماله وأن يمشي في نَعْلٍ واحدة) [31]
وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-: (أنَّ رجلاً أكل عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشماله فقال: (كل بيمينك) قال: لا أستطيع قال: (لا استطعت)، ما منعه إلا الكِبْرُ، فما رفعها إلى فيه [32]. وقال: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) [33] .
الخامس عشر: عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- قال: (كان -صلى الله عليه وسلم- يأكل بثلاث أصابع، ويَلْعَقُ يده قبل أن يمسحه)[34]. قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: " بأصابعه الثلاث الإبهام والسبابة والوسطى"[35]
قال ابن القيم -رحمه الله-: «وكان يأكل بأصابعه الثلاث، وهذا أنفع ما يكون من الأكلات، فإن الأكل بأصبع أو أصبعين لا يسلتذ به الآكل، ولا يمريه ولا يشبعه إلا بعد طول ... والأكل بالخمسة والراحة يوجب ازدحام الطعام ...ولا يجد له لذة ولا استمراء، فأنفع الأكل أكله -صلى الله عليه وسلم-، وأكل من اقتدى به بالأصابع الثلاث» [36] .
السادس عشر: عن سلمى -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكره أن يؤخذ من رأس الطعام) [37] . وعن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كنت غلاماً في حَجْرِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- و كانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا غلام، سمِ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك، فما زالت تلك طعمتي بَعْدُ) [38].
وعن ابن عباس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (البركة تنـزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه ولاتأكلوا من وسطه) [39]. وعن أنس قال: (أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نسلت الصحفة، وقال: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركةُ) [40] .
السابع عشر: عن جابر -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا وقعت لقمة أحدكم، فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان) [41] .
الثامن عشر: عدم التجشؤ:
عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: تجشأ رجل عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (كف عنا جشاءك، فإن أكثرهم شعباً في الدنيا، أطولهم جوعاً يوم القيامة) [42] .
التاسع عشر: وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- أن ينتظر الطعام الساخن حتى يبرد، فعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أنَّها كانت إذا ثردت غطته شيئاً حتى يذهب نوره ودخانه، ثم تقول: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنَّه أعظم للبركة) [43] .
العشرون: قال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم ؛ فليغمسه، ثم لينزعه؛ فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء)[44] .
الواحد والعشرون: قال -صلى الله عليه وسلم-: (كلوا واشربوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة) [45].
الثاني والعشرون: قال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه قد كفاه علاجه ودخانه، فليجلسه معه، فإن لم يجلسه معه ؛ فليناوله أكلة أو أكلتين) [46].
الثالث و العشرون: قال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا طبخ أحدكم قِدراً فليكثر مرقها ثم ليناول جاره منه) [47]
الرابع والعشرون: وعن أنس -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (كان يعجبه الثُّفْل) [48]. قال عبد الله: يعني ما بقي من الطعام.
الخامس والعشرون: وعن جبلةَ بن سُحَيْمٍ قال: أصابنا عامُ سَنَةٍ قَحْطٍ مع ابن الزبير فرُزِقْنا تمراً، وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- يمر ونحن نأكل فيقول: (لا تقارنوا، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن القران ثم يقول: إلا أن يستأذن الرجل أخاه) [49]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من أكل مع قوم تمراً فلا يقرن، إلا أن يأذنوا له) [50]. القران: أن يأكل تمرتين معاً فأكثر. قال البيهقي -رحمه الله-: «قال شعبه: الإذن من قول ابن عمر» [51] .
السادس والعشرون: قال -صلى الله عليه وسلم-: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا، وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته) [52] . وقال: (من أكل من هذه البقلة: الثوم والبصل والكرات، فلا يقربنا في مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) [53]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من أكلهما فليتمهما طبخ) [54]. "وقد ألحق العلماء بالمساجد، المجامعَ العامةَ، كمصلى العيد، والجنازة، ومكان الوليمة، وألحقوا بالثوم والبصل كل ماله رائحة كريهة مما يتأذى بها الناس" [55].
قال ابن القيم -رحمه الله-: «ويذهب رائحته -البصل والثوم- مضغ ورق السذاب عليه» [56] .
السابع والعشرون: عن أنس -رضي الله عنه- قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أكل طعاماً لَعَقَ أصابعه الثلاث ) [57]
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه، فإنه لا يدري في أيتهن البركة) [58]. قال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-: (أي لا تُعْلَمُ البركة في أية واحدة منهن ... وعليه فالذي يظهر أن الأكمل أن يلعق كل أصبع متوالية ... وأن اللعق ثلاث لكل من تلك الثلاث ... يبدأ بالوسطى لأنها أكثر تلويثاً إذا هي أطول، فيبقى فيها من الطعام أكثر من غيرها ولأنها لطولها أول ما تنـزل الطعام ثم بالسبابة ثم بالإبهام) [59] .
وقال: «تنبيه: في الأحاديث المذكورة الرد على من كره لعق الأصابع استقذاراً، ومن ثم قال الخطابي: عاب قوم أفسدَ عقولَهم التَّرَفُّهُ لَعْقَ الأصابع وزعموا أنه مستقبح، كأنهم لم يعلموا أن الطعام الذي علق بالأصابع والصحفة جزءاً مما أكلوه، فإذا لم يستقذر كله، فلا يستقذر بعضه، وليس فيه أكثر من مصها ببطن الشفة، ولا يشك عاقل أنه لا بأس بذلك، وقد يُدْخِلُ الإنسان أصابعه في فيه فيدلكه ولم يستقذر من ذلك أحد، انتهى ملخصاً . -يعني كلام الخطابي- ويؤيده أن الاستقذار إنما يتوهم في اللعق أثناء الأكل، لأنه يعيدها في الطعام وعليها آثار ريقه، وهذا غير سنة كما مر . واعلم أن الكلام فيمن استقذر ذلك من حيث هو لا مع نسبته للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وإلا خشي عليه الكفر، إذ مَن استقذر شيئاً من أحواله -صلى الله عليه وسلم- مع علمه بنسبته إليه -صلى الله عليه وسلم- كفر» [60].
قال ابن القيم -رحمه الله-: «وكان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه، ولم يكن لهم مناديل يمسحون بها أيديهم، ولم يكن عادتهم غسل أيديهم كلما أكلوا» [61] .
الثامن والعشرون:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتنفس في الشراب ثلاثاً ويقول: (إنه أروى وأمرأ وأبر) [62] . قال ابن القيم -رحمه الله-: «الشراب في لسان الشارع وحملة الشرع: هو الماء ومعنى تنفسه في الشراب إبانته القدح عن فيه وتنفسه خارجه ثم يعود إلى الشراب كما جاء مصرحاً به في الحديث الآخر: " إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في القدح ولكن ليبن الإناء عن فيه» [63]. وعن أبي المثنى الجهني أنه قال: كنت عند مروان بن الحكم فدخل عليه أبو سعيد الخدري فقال له مروان: أسمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن النفخ في الشراب، قال: فقال أبو سعيد: نعم، قال: فقال له رجل: يا رسول الله إني لا أروى من نفس واحد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فأبن القدح عن فيك ثم تنفس) قال: فإني أرى القذاة فيه قال: (فأهرقه) [64]. وعن ابن عباس -رضي الله عنه-: (أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه) [65]. وعنه (أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن ينفخ في الطعام والشراب) .[66] إلا لحاجة فيجوز والله أعلم.
التاسع والعشرون: في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- (زجر -وفي لفظ نهى- عن الشرب قائم) [67]، قيل لأنس: فالأكل ؟ قال: ذاك أشر وأخبث، ولمسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: (فمن نسي فليستقيء) [68]. وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: (مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بزمزم فأتيته بدلو من ماء زمزم فشرب وهو قائم) [69]. قال ابن القيم -رحمه الله-: «وكان من هديه الشرب قاعداً، هذا كان هديه المعتاد، وصحَّ عنه أنَّه نهى عن الشرب قائماً، وصح عنه أنَّه أمر الذي شرب قائماً أن يستقيء، وصحَّ عنه أنه شرب قائماً» [70]. وقال: «والصحيح في هذه المسألة: النهي عن الشرب قائماً وجوازه لعذر يمنع من القعود» [71].
قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله:
إذا رُمْتَ تَشْرَبْ فاقْعُدْ تَفُزْ بِسُنَّةِ صَفْوَةِ أهلِ الحِجازْ
وقد صَحَّحُوا شُرْبَهُ قائِماً ولكنه لبيانِ الجوازْ [72]
قال الحافظ في الفتح [73]: «وسلك العلماء في ذلك مسالك ... وقد أشار الأثرم إلى ذلك أخيراً فقال: إن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم وبذلك جزم الطبري، وأيده بأنه لو كان جائزاً ثم حرمه، أو كان حراماً ثم جوزه، لبين النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بياناً واضحاً، فلما تعارضت الأخبار بذلك، جمعنا بينها بهذا».
الثلاثون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يشرب من في السقاء) [74] . قال ابن الأثير: السقاء: ظرف الماء من الجلد ويجمع على أسقية [75] .
الواحد والثلاثون: عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أُتِيَ بشراب فشرب منه وعن يمينه غلامٌ، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: (أتأذن لي أن أعطي هـؤلاء ؟ فقال الغلام: لا والله يا رسول الله، لا أوثر بنصيبي منك أحداً، قال: فتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يده) [76].
الثاني والثلاثون: عن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: (كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأصابهم عطش فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسقيهم، فقيل: ألا تشرب يا رسول الله ؟ قال: ساقي القوم آخرهم) [77]
الثالث والثلاثون: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أكل طعاماً، فما تخلل[78] فليلفظ، ومالاك بلسانه فليبلع، من فعل ذلك فقد أحسن، ومن لا فلا حرج ) [79].
الرابع والثلاثون: عن معاذ بن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه) [80]
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الله ليرضى من العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليه) [81]. وعنه -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وأطعمنا خيراً منه، وإذا سقي لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه، فإنه ليس شيء يجزي من الطعام والشراب؛ إلا اللبن) [82].وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع العشاء من بين يديه قال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربن) [83].
وعن أنس: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أوى إلى فراشة قال: (الحمد لله أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم من لا كافي له ولا مؤوي) [84] . وقال: (الحمد لله الذي يطعِم ولا يطعَم، مَنَّ علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكل بلاءٍ حسن أبلانا، الحمد لله الذي أطعَمَ الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العُري، وهدى من الضلالة، وبَصَّرَ من العمى، وفَضَّلَ على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، الحمد لله رب العالمين) [85] .
الخامس والثلاثون: عن أنس قال: (كان إذا أفطر عند قوم قال: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وتنزلت عليكم الملائكة) [86] . يقصد النبي -صلى الله عليه وسلم- .
وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أكل طعامكم الأبرار، وأفطر عندكم الصائمون، وصلت عليكم الملائكة) [87].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) [88]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم) [89] .
السادس والثلاثون: عن سويد بن النعمان -رضي الله عنه- قال: (خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، فلما كنا بالصهباء دعا بطعام، فما أتي إلا بسويق، فأكلنا فقام إلى الصلاة فتمضمض ومضمضن) [90]. وعن -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: (من بات وفي يده غمر[91] فأصابه شيء، فلا يلومن إلا نفسه) [92] .
السابع والثلاثون: التسوك بعد الطعام: قال -صلى الله عليه وسلم-: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) [93]
الثامن والثلاثون: الوضوء من لحم الإبل: عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (توضؤوا من لحـوم الإبل، ولا تتوضؤوا من لحوم الغنم، وصلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في مبارك الإبل) [94]. قال النووي - رحمه الله -: «وهذا المذهب أقوى دليلاً، وإن كان الجمهور على خلافه، وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار. ولكن هذا الحديث عام، وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص، والخاص مقدم على العام والله أعلم» [95] . وحديث ابن عباس –رضي الله عنه-: (الوضوء ممَّا يخرج وليس مما يدخل) ضعيف [96].
------------------------------
[1] البخاري في كتاب البيوع باب ما قيل في اللحام والجزار ..
[2] اللؤلؤ والمرجان 2/608 باب ما بفعل بالضيف إذا تبعه غير من دعاه صاحب الطعام .
[3] أبو داود وابن ماجه وحسنه الألباني .
[4] مسلم.
[5] أبو داود وقال الألباني: حسن صحيح .
[6] أبو داود والحاكم وصححه الألباني .
[7] الأكمل من هدي النبي المرسل ص 293 .
[8] أبو داود والترمذي بإسناد لا بأس به.
[9] البخاري والترمذي .
[10] أبو داود وابن ماجة والحاكم وحسنه الألباني.
[11] البخاري والترمذي .
[12] أبو داود.
[13] عون المعبود 10/246 .
[14] زاد المعاد 1/148 .
[15] زاد المعاد 4/221 .
[16] مسلم .
[17] أشرف الوسائل ص 207.
[18] لبياضها .
[19] أي قعد على ركبتيه جالساً على ظهر قدميه.
[20] أبو داود بإسناد جيد كما قال النووي، وصححه الألباني .
[21] النسائي وأحمد وابن حبان.
[22] البخاري والترمذي.
[23] رواه أحمد والستة.
[24] الترمذي وصححه الألباني .
[25] زاد المعاد 4/ 18-19.
[26] ابن حبان وابن السني وصححه الألباني .
[27] الترمذي وصححه الألباني .
[28] أبو داود والترمذي.
[29] مسلم.
[30] أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
[31] مالك ومسلم.
[32] مسلم الحديث رقم 5236 .
[33] صحيح الجامع 383.
[34] أحمد ومسلم الحدي رقم 5265 .
[35] أشرف الوسائل 204 .
[36] زاد المعاد 4/322.
[37] البيهقي في الشعب وحسنه الألباني
[38] متفق عليه .
[39] أبو داود والترمذي واللفظ له وصححه الألباني .
[40] مسلم والترمذي.
[41] مسلم.
[42] الترمذي وصححه الألباني.
[43] السلسلة الصحيحة 659 .
[44] البخاري.
[45] أحمد والنسائي وابن ماجه.
[46] البخاري ومسلم.
[47] صحيح البخاري 676.
[48] أحمد والحاكم .
[49] متفق عليه .
[50] صحيح الجامع 6088 .
[51] الآداب الشرعية 177.
[52] البخاري ومسلم .
[53] مسلم .
[54] مسلم .
[55] زاد المعاد 4/294 الهامش.
[56] زاد المعاد4/290، و السذاب: هو الفيجن، منه بري، ومنه بستاني، انظر تذكرة داود 1/171، ومعجم الصيدلة ص 364، وتاج العروس مادة ( سذب )، وقال منير بعلبكي في المورد: السذاب: نبتة طبية، ذات مذاق مُرٍّ اهـ وهي بالإنجليزية: -صلى الله عليه وسلم-UE، وانظر الجامع لمفردات الأدوية لابن البيطار 3/5 .
[57] الترمذي ومسلم وهو صحيح مختصر الشمائل 120 واللعق: اللحس.
[58] مسلم واللفظ له والبخاري 2035.
[59] أشرف الوسائل 203-304.
[60] أشرف الوسائل 205.
[61] زاد المعاد 1/149.
[62] مسلم .
[63] رواه ابن ماجة بلفظ " إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء " زاد المعاد 4/230.
[64] البيهقي في الآداب حديث 540 ورواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح .
[65] الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
[66] أحمد والطبراني.
[67] مسلم 3773 .
[68] مسلم 2026.
[69] البيهقي في الآداب حديث 533 .
[70] زاد المعاد / 229.
[71] زاد المعاد 1/149.
[72] نصائح للشباب 150.
[73] 10/86-87 .
[74] أحمد والبخاري.
[75] النهاية لابن الأثير 1/788.
[76] متفق عليه، واللفظ لمسلم، حديث رقم: 526، فتله: أي وضعه في يده.
[77] صحيح الجامع 3588 والبيهقي في الآداب حديث 554.
[78] والتخلل: هو استعمال الخِلال ( العود ) لإخراج ما بين الأسنان من الطعام، النهاية لابن الأثير 1/528 ومختار الصحاح96.
[79] الآداب للبيهقي حديث 557 وأبو داود بلفظ: من أكل فما تخلل.
[80] أبو داود وحسنه الألباني .
[81] مسلم.
[82] الترمذي وقال: هذا حديث حسن .
[83] البيهقي في الآداب حديث 555 والبخاري أبو داود.
[84] البيهقي في الآداب حديث 556 ومسلم وأبو داود.
[85] ابن حبان وسنده قوي، رقم: 5219 .
[86] صحيح الجامع 4677 .
[87] البيهقي في الآداب 571.
[88] صحيح الجامع 6541 .
[89] البيهقي في الآداب حديث 570.
[90] البخاري.
[91] دسم و زهومة .
[92] صحيح الجامع 6115 .
[93] أحمد والنسائي والبيهقي وصححه الألباني .
[94] مسلم 360.
[95] شرح مسلم 4/49.
[96] الصلاة للطيار 48.