التغريب فى نظم التعليم
كتبه/ علاء بكر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد،
سعى الغرب إلى تغريب نظم التعليم فى بلادنا فى شتى صوره وأشكاله وبث أفكاره الغربية وقيمه فى مناهجنا التعليمية بعد إضفاء ثوب التجرد العلمى عليها زوراً وبهتاناً، لتتربى عليها الأجيال من أبناء المسلمين، ولقد نجح الغرب فى تحقيق أهدافه بدرجة كبيرة.
فمع الاحتلال العسكرى سارع الغرب إلى وضع مناهج جديدة للتعليم عن طريق رجاله، وساهم عملاؤه فى تنفيذها لخدمة أغراضه القريبة والبعيدة، ولتحقيق ذلك عيّن اللورد كرومر- المندوب السامى البريطانى فى مصر أثناء الإحتلال - القسيس دنلوب المتخرج من كلية اللاهوت البريطانية مستشاراً لوزارة المعارف، وجعل فى يده السلطة الفعلية فيها، ليرسم سياسة التعليم فى مصر وفق ما يريده الغرب، فوضع مناهج كفيلة بقطع صلة الأجيال المسلمة بإسلامها، فأهمل تدريس الدين إلا من نتف يسيرة، وشوّه التاريخ الإسلامى بعرضه لصور منفرة، مع إخفاء بطولاته وأمجاده، حتى صارت الصفة الغالبة على التلاميذ هى جهلهم بهذا التاريخ وأمجاده واستخفافهم به.
فى الوقت الذى يُدرّس فيه تاريخ أوروبا بصورة لامعة جذابة، تتضمن الإشادة بعلمائها وأبطالها وتنصيبهم مُثُل عليا أمام أجيال المتعلمين، مع عرض ما عليه الحضارة الأوروبية الحديثة ومذاهبها الفلسفية إلى جانب إحياء النعرات الإقليمية الجاهلية، والتعريف بها فى مناهج الدراسة بصورة برّاقة مغرية للاعتزاز بها. كما جعل تدريس اللغة الأجنبية للمحتل فى التعليم. وما زالت آثار هذا التوجه باقية فى مناهجنا التعليمية إلى الآن، وما زال هناك من يُنفذ للغرب سياساته.
وفى عهد الاحتلال أعطى الاهتمام لمن درس هذه المناهج فى المدارس العلمية الجديدة، وقُصرت الوظائف والأعمال المرموقة على طلابها، لتحظى هذه المدارس ـ وتدريس تلك المناهج - باهتمام من الآباء، لضمان المستقبل الكريم لأبنائهم. وعلى النقيض من ذلك تقلص الاهتمام بالتعليم فى الأزهر وبطلابه، فانصرفت الهمم عن الإقبال على التعليم الدينى، والعمل بوظائفه، لينحصر عمل خريجى التعليم الدينى فى دائرة ضيقة من العمل ليست لها المكانة المرموقة والمرتبات المجزية، فبعد أن كان لعلماء الأزهر وشيوخه وخريجيه المنزلة العالية عند الحكام والمحكومين، ويُتخذ منهم الأعوان والمستشارون، ويتصدرون المكانة العالية بين الناس، صاروا فى دائرة محددة لا تتعدى الوعظ وإمامة المساجد. ثم نقلت الأوقاف التى كانت مخصصة لطلاب الأزهر وحفظة القرآن فيه إلى وزارة الخزانة، وأنُشئت وزارة للأوقاف بميزانية مستقلة، ليتحول رجال الأزهر إلى موظفين بالدولة يأتمرون بأمرها ويعملون وفق سياستها إلا من رحم ربك.
ثم نودى بالإصلاح والتطوير فى نظام الأزهر التعليمى، وحُول الأزهر إلى جامعة، وأدُخلت فيه العلوم الدنيوية لتزاحم العلوم الإسلامية، حتى صارت القوانين الوضعية تُدرّس إلى جانب الشريعة الإسلامية، وآل الأمر بخريجى الأزهر أن صاروا أقل كفاءة من غيرهم، ولا يقومون بالأعباء المطلوبة منهم كما كان عليه علماء الأزهر ورجاله عبر تاريخه. فأثمر التطوير فى الأزهر قبول أكثر أبنائه للأوضاع الوافدة ودعاوى الوطنية والقومية، ولم يعد هناك الرفض لكل ما هو غير لإسلامى، بل كان التعايش مع العلمانية والتغريب بدلاً من المواجهة والتصدى لها. فقلّ الوازع الدينى فى الأمة، وتفشت الأمية الدينية، وظهر الاستخفاف بأداء العبادات المفروضة، وابتعدت الأمة ـ ومازالت تبتعد ـ عن إسلامها علماً وعملاً شيئاً فشيئاً. ولاحول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.