بتـــــاريخ : 3/13/2009 3:16:52 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 929 0


    بين معرفة الله ومعرفة وجود الله

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : عبد المنعم الشحات | المصدر : www.salafvoice.com

    كلمات مفتاحية  :
    معرفة الله وجود الله


    بين معرفة الله ومعرفة وجود الله

    كتبه/ عبد المنعم الشحات

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

    فإن المعرفة تمثل القدر الذي اتفقت عليه الطوائف الإسلامية سنيها وبدعيها أنه من الإيمان، ثم إن منهم من قصره عليها، وهم غلاة المرجئة من الجهمية ومن وافقهم.

    وأما الأشاعرة فهم وإن عدلوا عن لفظ المعرفة إلى التصديق وأضافوا إليه الإقرار، فإنه عند سبر كلامهم، وقدح مناظرتهم وجدت أن حقيقة قولهم يؤول إلى قول جهم في الإيمان، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتاب الإيمان.

    وأما أهل السنة فلم يحصروا الإيمان في المعرفة ولا في التصديق والإقرار، وإنما قالوا: إن الإيمان بضع وسبعون شعبة كما في الحديث: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان) رواه مسلم، أو كما عبروا عن ذلك بقولهم: إنه قول وعمل، كما هو معلوم من عقائد أهل السنة.

    بيد أن ذلك لم يكن هو الاختلاف الوحيد بين أهل السنة وخصومهم في قضية المعرفة هل هي الإيمان أم أنها جزء منه؟ بل امتد ذلك ليشمل موضوع المعرفة ذاتها فغاية ما يروم المتكلمون إثباته هو إثبات وجود الرب -جل وعلا- وهم يسلكون في سبيل ذلك طرقا وعرة صعبة، ولذلك كان من أدق ما وصف به شيخ الإسلام -رحمه الله- علم الكلام بأنه: "فيه حق وباطل والحق الذي فيه يستغني عنه الذكي ولا يفهمه الغبي"، وهذا ينطبق على علم الكلام كأداة للفهم والاستنباط، وينطبق أيضاً على النتائج التي أدى إليها تطبيق هذه القواعد في أبواب الاعتقاد.

    ولم يكن المتكلمون في الحلبة وحدهم، فقد خاض تلك المعركة وبشراسة أكبر الصوفية الذين يروجون لأنواع شتى من الانحرافات والشركيات في أبواب العبادة، فأراد هؤلاء أن يسدلوا الستار على أي مناقشة لبيان شرك العبادة بادعاء أن من عرف وجود الله فقد سلم من الشرك.

    وكان هذا من أكبر الدوافع التي دفعت شيخ الإسلام -رحمه الله- إلى وضع الاصطلاح القائل بتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام:

    1- توحيد الربوبية وهو إثبات وجود الرب -جل وعلا-، وتوحيده بأفعاله واعتقاد أن الله وحده الخالق الرازق المدبر.

    2- توحيد الألوهية وهو توحيد الله بأفعالنا، وهو أن لا نتوجه بالعبادة إلا إلى الله.

    3- توحيد الأسماء والصفات وهو أن نصفَ الله -تعالى- بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

    وهذا التقسيم تقسيم اصطلاحي غرضه بيان أن دعوة الرسل قد شملت هذه المعاني، وأن من قـَصَرَ التوحيد الذي جاءت به الرسل على بعض هذه المعاني دون بعض فقد أخلَّ بمقصود دعوة الرسل إخلالاً عظيماً؛ لاسيما إذا قصره على المعنى الذي كان موجوداً عند معظم أعداء الرسل فلم ينفعهم، كما حكى الله -عز وجل- ذلك عنهم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)(لقمان:25)، وأن المشركين لم ينازعوا في أن الله ربهم وخالقهم. وإنما قالوا: (أَجَعَلَ الآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)(ص:5).

    واعتذروا عن عبادتهم لغير الله قائلين: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)(الزمر:3)، وقائلين: (هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)(يونس:18)، مما يدل أنهم كانوا يرون الأمور كلها بيد الله؛ بيد أنهم عبدوا معه غيره.

    ومن أوضح الأدلة على ذلك قوله -تعالى- واصفا حالهم: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(يوسف:106)، بيد أن الصوفية ومن وافقهم شغبوا على ما قرره شيخ الإسلام، بأمور منها:

    1- أن التفريق بين لفظ الرب ولفظ الإله أمر محدث من اختراع شيخ الإسلام ابن تيمية.

    2- أن القرآن جاء ليقرر وجود الله خلافاً لما ادعاه ابن تيمية، واستدلوا على ذلك بمواضع من القرآن منها قوله -تعالى-: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)(الطور:35).

    3- أن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام هو بدعة من اختراع ابن تيمية، حتى وصف ذلك بعضهم بأنه: "تثليث ابن تيمية"(1).

    وهذه شبهات ساقطة لمن تأملها -بفضل الله تعالى- وإليك جوابها:

    1- أما ادعاء أن الفرق بين لفظ الرب والإله هو من اختراع ابن تيمية فهو كلام لا يصدر إلا من جاهل بلغة العرب؛ فإن العرب تقول: رب الإبل، ورب الدار ونحوه.. لكل من كان له نوع تربية أو ملك أو تعاهد، ويطلقون لفظ العبادة على من توجه إلى غيره بالقصد والطلب والحب.

    ثم إننا لو سلمنا لهم جدلا أن لفظ الرب والإله مترادفين؛ فسيبقى أن هناك من المشركين من أقر بوجود الله، وبأنه المتصرف في الكون ومع ذلك جاءتهم رسلهم بقولهم: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)(الأعراف:59).

    2- أما الشبهة الثانية فقائلها قد سلك المسلك المعتاد لكل مخالف للكتاب والسنة حينما يستدل ببعض نصوص الكتاب والسنة معرضاً تمام الإعراض عن البعض الآخر، فالآيات التي تدل على أن المشركين أتوا ببعض معاني توحيد الربوبية فلم ينفعهم في غاية الوضوح، والجمع بينها وبين ما استدلوا به من الآيات سهل ويسير، وهو أنه كان من المشركين من يجحد وجود الله أصلاً، ومنهم من كان يقر بوجوده، ولكنه يشرك معه غيره كحال مشركي العرب، ومنهم من أقر بوجوده وادعى أنه لا يعبد إلا الله ثم جعل الله ثالث ثلاثة فصار يعبد ثلاثة وهو يسميهم واحداً، وكل هؤلاء كفار بالكتاب والسنة والإجماع مع أن الأكثرية منهم يقرون بوجود الله -تعالى-.

    وهذا يدل على أن الكافر المقر بوجود الله وإن كان أقل شراً ممن جحد وجوده إلا أنه ما زال كافراً، ومن هنا بشـَّرَ الله المؤمنين بقرب نصر الروم على الفرس لكونهم نصارى وهم على كفرهم أهون شراً من الفرس المجوس.

    ثم إن المتأمل لمعظم المواطن التي تعرض فيها القرآن لقضية الخلق، وجده يعرض لها عرض المقرر للخصم بما هو متفق عليه قبل الانتقال إلى غيره، بل إن أول أمر في سياق المصحف قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(البقرة:21).

    ولتوضيح هذه الشبهة والتي قبلها نقول:

    الرب بمعنى المصلح لشأن غيره والسيد والمالك، وورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- رباً: أي سيداً وإلها، فالإله أحد معاني الرب، وبينهما تلازم عقلي، وهو أن من أقر بأن الله هو الخالق الرازق المدبر فيلزمه عقلا أن يقر بأنه وحده المستحق للعبادة.

    وأن القرآن في خطابه مع من أقر بالأول دون الثاني -وهم معظم المشركين كما بينا- قد نعى عليهم تناقضهم واضطرابهم، وإقرارهم بالشيء مع جحودهم للازمه.

    وبعبارة أخرى، فإن القرآن قد قرر قاعدة: "من خَلَق يُعبَد"، وإن المشركين أصروا على عبادة غير الخالق لكي يقربهم إلى الخالق.

    3- وإذا تبين هذا تبين أن تقسيم التوحيد إلى الأقسام الثلاثة تقسيم اصطلاحي لم يزد على الحقائق الشرعية أو ينقص منها شيئا، وإنما كشف عوار من أرادوا النقص عن المعاني الشرعية للتوحيد الذي هو أصل دعوة جميع الرسل، ومثل هذا مما يقال فيه: "لا مشاح في الاصطلاح".

    وفرق بين المصطلح الذي يخفي تحته معنى من اختراع صاحبه، وبين المصطلح الذي يمثل نوعا من اختصار الكلام والإيجاز فيه على النحو الذي عهدته العرب من الفصاحة والاختصار في كلامها، وما عهده أصحاب كل العلوم من وضع المصطلحات التي تغنيهم عن إعادة الكلام.

    وإذا أردت أن تعرف الفرق بين الحالين فقم باستبدال مصطلحات: "توحيد الربوبية" و"توحيد الألوهية" في سياق الكلام السابق، وضع مكان كل منهما جملة أو جملتين تشرح معـناهما؛ فإذا وجدت أن المعنى ما زال مستقيما موافقا للكتاب والسنة -وهو كذلك بإذن الله- فاعلم أن هذا من المصطلحات التي يقال فيها: "لا مشاح في الاصطلاح".

    وإنه في مقام المناظرة بوسعنا أن نتجنب هذه المصطلحات، والاستعاضة عنها بتلك الجمل الطويلة قطعاً لسبل الحيدة والعلل التي يتعلل بها المتعللون(2).

    وللتأكيد على أن الاصطلاح لا يكون مقصودا لذاته عند السلفيين، وفي هذه القضية بالذات، نقول: إن من علماء المنهج السلفي ممن تربى على تراث شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من وجد أن ضم توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات في قسم واحد سوف يعين على وضوح الفكرة لما بينهما من المشاكلة في أنهما يدوران حول المعرفة الصحيحة بالله -تعالى-، وسماه "توحيد المعرف والإثبات" في مقابلة توحيد الألوهية الذي سماه بتوحيد "القصد والطلب"، وسار هذا التقسيم في كتب من أكثر الكتب تداولا وتدارساً بين أتباع المنهج السلفي وهو أرجوزة "سلم الوصول" وشرحها "معارج القبول" للشيخ حافظ حكمي -رحمه الله-.

    بيد أن هذا التقسيم لا يعني أن توحيد الألوهية خارج عن "معرفة الله"، فإن معرفة الله تكون بمعرفته بربوبيته، وتكون بأسمائه وصفاته، وتكون بمعرفة حقه علينا، وهو أن نعبده ولا نشرك به شيئاً، وهو توحيد الألوهية كما في حديث معاذ -رضي الله عنه- قال: (كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير فقال: يا معاذ هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا. فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر به الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا) متفق عليه.

    وتكون بمعرفة شرعه وأحكامه، وتكون بمعرفة مآل أهل طاعته، ومآل أهل معصيته كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله -تعالى-: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ)(النساء:17)، قال: "كل من عصى الله فقد عصاه بجهالة".

    وعلى هذا فمصطلح "معرفة الله" عند السلفيين أعم بكثير من معناه عند المتكلمين والصوفية، رغم أن الصوفية قد يستخدمونه في حق من يصل عندهم إلى الكشف -في زعمهم- فيسمونه "عارفاً بالله"، وإن كان هذا خارجا عن موضوع بحثنا الآن.

    وإن كان أهم جوانب معرفة الله -عز وجل- هو التوحيد بجميع أقسامه كما قال الشيخ حافظ حكمي -رحمه الله- في أرجوزته:

    أول واجـــب عــلى العــبـيد               معرفة الرحمن بالتوحـيد

    إذ هو من كل الأوامر أعظم              وهو نوعان أيا من يفهم

    ولعله انتزع هذه الأبيات من حديث معاذ لما أرسله النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل اليمن فقال: (إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم فترد على فقرائهم فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس) متفق عليه(3).

    قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في مسائله على هذا الباب: "وفيه أن من لم يوحد الله لم يعرفه"، مع أن الكلام على أهل الكتاب الذين معهم قدر من المعرفة، ولكنها معرفة لا تنجيهم طالما لم يعرفوا الله بالتوحيد.

    وبهذا يتضح -بحمد الله تبارك وتعالى- سلامة منهج شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله-، وعامة السلفيين في مسألة التوحيد والمعرفة.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) وفي دراسة لجريدة الأهرام بعنوان: "السلفية بين الماضي والحاضر"، نـُشر منها حلقتان في عددي الجمعة 24/10/2008، والجمعة 31/10/2008، وهي أشبه بتحقيق صحفي حول السلفية، استطلعت فيه آراء بعض العلماء والمفكرين فمن مؤيد ومن معارض، ومن هو بين بين، ومن جملة ما أوردته على لسان أحد المعترضين الاعتراض على هذه الجزئية بالاعتراض الأول والثاني. ونسأل الله أن ييسر تناول كل ما تناولته هذه الدراسة من اعتراضات.

    (2) وطالما أن الكلام يتعلق بالسلفية، فمن المناسب أن نذكر أن الشيخ الألباني -رحمه الله- قد استخدم تلك الحجة في مواجهة من أنكر عليه التسمي باسم "السلفية"، فقرره بلزوم الرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وإنه بدون هذا القيد الأخير فسوف لا يتميز منهجنا عن كل المذاهب البدعية أو جلها على الأقل.

    ثم بعد هذا التقرير سأله: هل يوجد مانع شرعي من اختصار هذه الجملة الطويلة: "أنا مسلم أتبع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة" بكلمة واحدة هي: "أنا سلفي"؟؟

    (3) ومن عجائب هذا الزمان أن تجد من ينتسب إلى السنة ولا هَمَّ له إلا انتقاد أهلها تحت مسمى النصيحة، والناصح هو الذي تسوؤه أخطاء المسلمين لاسيما دعاة السنة منهم، فيسعى إلى إزالتها وتخليصها، وأما من يفرح بالسقطات فهو من أبعد من يكون عن النصيحة، ولكن الفرح بالسقطات وإن بدا في لحن قول صاحبه، فحسبك أن هيأ الله لك من أهدى إليك سقطاتك!

    وأما من يتعسف في اختلاق سقطات لا وجود لها إلا في ذهنه، وربما لا وجود لها إلا في مداد قلمه! فهذا من جملة البلاء الذي علاجه الصبر على الأذى (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)(يوسف:18).

    ومن ذلك كتاب ألفه "أحدهم" في نقد كتاب "شرح منة الرحمن" لشيخنا "ياسر برهامي" -حفظه الله-، نظرنا فيه لعلنا نجد فيه ما يستحق الإجابة، فإذا به "يظهر من عنوانه" -كما يقولون- حيث افتتح تصويباته وانتقاداته بنقد قول الشيخ: "ومعرفة الله أول الواجبات"، فأخذها وطار بها زاعماً أن هذا هو قول الأشاعرة، وأخذ ينعي على من درس هذا الكتاب، وكيف تربوا على منهج الأشاعرة دون أن يدروا!!

    ولم يشر أو لم ينتبه أن الشيخ ذكر ذلك في معرض بيان أهمية التوحيد لاسيما توحيد الأسماء والصفات، وأن الشيخ قد استدل على ذلك بحديث معاذ -رضي الله عنه-، وهو نص في المسألة ولكنه لم ينتبه!

    وإن هذه الغفلة المفرطة من رجل زعم أنه رصد هذه الأخطاء منذ سنوات، ولكنه انتظر لعل أحد من أهل العلم يرد هذه الأخطاء فلم يفعل ذلك أحد -طبعا لأنه لم يؤت أحد مثل حاسته الثاقبة في استخلاص آثار الأشعرية وإن كانت بين آيات وأحاديث نبوية وآثار سلفية-، إذن فالأمر لا يحتمل غفلة طارئة وإن احتمل غيرها!!

    فقلنا: لعل الرجل لديه نفور خاص من كلمة المعرفة ظنا منه أنها كلمة لم تعرف في تاريخ العرب إلا على يد الأشاعرة مثلا، وأنه لا يرى الرجل سلفياً -وإن كان شعاره: "التوحيد أولاً لو كانوا يعلمون"- إلا إذا حذف كلمة المعرفة من كلامه؛ بيد أن هذا الاحتمال سرعان ما يتبدد عندما أخذ صاحبنا يحشد النقول السلفية التي فيها أن السلف قالوا: بأن أول واجب هو التوحيد لا المعرفة. فذكر منها أبيات الشيخ حافظ حكمي:

    أول واجب على العبيد          معرفة الرحمن بالتوحيد

    فأخذت أقلب الكلام ظهرا لبطن، وبطنا لظهر، علـَّني أجد فرقا بين ما انتقده من نثر كلام شيخنا الذي فيه عنوان جانبي يوضح الكلام على أهمية توحيد المعرفة والإثبات وفيه حديث نبوي يبين المعرفة التي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذا -رضي الله عنه- أن يبدأ بها، وبين أبيات الشعر التي استشهد بها على نقض الكلام السابق.

    فأردت أن أتسلى بما أصاب أئمة السلف من جراء هذه النوعية من النقاد، فحضرني محنة البخاري عندما تكلم بمحضر بعض هؤلاء النقاد عن خلق أفعال العباد، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأما قراءة القارئ للقرآن فهي من عمله الذي يدخل في عموم قوله -تعالى-: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)(الصافات:96).

    فوجدت أن المحنة في كتاب صاحبنا أشد حيث ذكر من الأخطاء الفادحة التي لم ينتبه إليها غيره عده أن أعمال العباد مخلوقة، وصاحبنا يريده أن يستثني من ذلك الإيمان، فهو على حد زعم ذلك الزاعم غير مخلوق، مع أنه في نفس الوقت يرى أن الإيمان قول وعمل.

    وفي نهاية المطاف أجد نفسي مضطراً إلى الاعتذار للقارئ الكريم على أن شغبت عليه بذكر مثل ذلك الكلام، وإنما اضطرني إلى ذلك أن هناك بعض المحبين يرغبون في الرد، ونحن نقول لهم: لو وجدنا كلاما -حقا كان أو باطلا- له خطام وزمام لقبلنا الحق ولفندنا الباطل، وأما والأمر على ما ترون (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).


    كلمات مفتاحية  :
    معرفة الله وجود الله

    تعليقات الزوار ()