إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
تهدد المجتمعات الأوروبية واليابان هذه الأيام أمراض الانقراض الاجتماعي وزيادة عدد المسنين, وقلة عدد الأطفال والشباب , والسبب الرئيس لهذه الأمراض العزوف عن الزواج والانجاب وتكوين الأسرة مع وجود البدائل الاجتماعية من الأخدان ومثلية الزواج والمصارف غير الأسرية للشهوة الجنسية , وقد انتقلت هذه الأمراض إلى المجتمعات المسلمة فعزف الشباب عن الزواج , وانتشرت العنوسة وتأخر سن الزواج , وحددت الأسر النسل, وأصبحت في بعض المجتمعات الإسلامية بدائل غير شرعية لقضاء الشهوة الجنسية , وقد عالج المصطفى صلى الله عليه وسلم هذا الداء، ودلنا على الوقاية والحماية منه في الحديث النبوي التالي:
الحديث والتربية الأسرية:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ). صحيح الجامع الصغير ـ رواه الجماعة.
ـ في هذا الحديث العديد من الفوائد للتربية الأسرية منها:
1ـ الدعوة للزواج خاصة بين الشباب:
فعلى كل مستطيع أن يتزوج، والدعوة هنا موجهة إلى الشباب، فالزواج في المجتمع المسلم عبادة ومعين على الطاعة، وللزواج في الإسلام العديد من الفوائد منها : تكوين الأسرة، وإنجاب الذرية، وتحصين الفرج والمجتمع، وتضييق مداخل الزنا , وتوسيع مداخل الخلال، والزواج من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم , والإنجاب من دعوته, وقد ثبت بالدليل القاطع أن الدول الكبرى مهددة بالعزوف عن الزواج والإنجاب . وفترة الشباب هي فترة القوة والصحة وعلى المسلم أن يوظف هذه النعمة في بناء المجتمع القوي والأسرة القوية من هنا قال صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ) وتكاليف الزواج فليتزوج. من هنا وجب أن تتضمن مناهج التربية الأسرية أهمية الزواج المبكر، وخطورة العزوف عن الزواج، وبيان الأمراض الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والسياسية المترتبة على العزوف عن الزواج.
2ـ تنقية المجتمع المسلم:
ففي الزواج وقاية المجتمع المسلم من مسببات تسعير الشهوات , وفي الزواج غض للبصر عن المحرمات وتحصين للفروج , وحماية المجتمع من اختلاط الأنساب والتفكك الأسري، وانتشار الأمراض الجنسية، وأمراض الشواذ، وحماية للمجتمع من الانقراض بقلة عدد السكان , وحماية للمجتمعات من انتشار أمراض الشيخوخة المترتبة على زيادة نسبة كبار السن والعجائز وحماية للمجتمع من العنوسة وأمراضها الكثيرة.
3ـ تقوية المجتمع المسلم:
ـ ففي الزواج إنجاب وتكثير للأطفال وزيادة عدد الشباب والأقوياء , وبذلك تظل المجتمعات الإسلامية قوية فتية منتجة مجاهدة متحررة مستقلة، وبالزواج يتماسك النسيج الاجتماعي في المجتمع المسلم , وتتواصل الأجيال , وتنتقل الخبرات من الكبار للصغار ويحمي الكبير الصغير في صغره ليحمي الصغير الكبير عندما يكبر، وبذلك تتوزع الطاقة الاجتماعية عبر الأجيال وتخزن في الصغار من الكبار وتعطي للكبار بعد ذلك من الصغار )وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ([الإسراء: 24].( الرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ) رواه البخاري ومسلم.
4ـ وضع الحلول البديلة:
ـ دأبنا على بيان الأمر الشرعي مثل تحريم الربا، والزنا، والسرقة، ولم نعمل على إيجاد الحلول البديلة، فإذا كان الربا محرماً فما البديل للمحتاج؟.
وإذا كان الزنا محرم فما البديل لغير القادر على الزواج؟ وإذا كان اختلاط النساء بالرجال محرماً وكشف عورات النساء على البحار محرماً فما البديل للأسرة المسلمة من ذلك.
ـ في هذا الحديث يدلنا المصطفى صلى الله عليه وسلم لأهمية وضع الحلول الشرعية البديلة فقال: ( ومن لم يتسطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ). وهذه كما قلنا دعوة نبوية للحلول الشرعية البديلة.
5ـ الاستثمار الأمثل للإنسان:
في الحديث حث على استثمار فترة الشباب في تكوين الأسرة، والطاعات، وحفظ للقوى من الهدر ( أغض للبصر ـ أحصن للفرج ـ له وجاء ) وفي الحديث دعوة للجد والعمل فعندما يعلم الشاب أنه مطالب بتكوين الأسرة عمل واجتهد من أجل ذلك , وبذلك يستثمر العبد شبابه وقوته ( اغتنم خمساً قبل خمس منها: .... صحتك قبل مرضك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك ).
قال صلى الله عليه وسلم: ( نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ ) رواه البخاري.
قالت حفصة بنت سيرين: ( ما العمل إلا في الشباب ).
فالشباب ميدان العمل، والتحصيل، وميدان الإنتاج والإعطاء فالقوة وافية، والهمة عالية، والأمراض والعلل والعوائق ـ لقلة العلائق نائية.
وفي الحديث استثمار أمثل لقوة الإنسان وهمته وصحته وعمره وهذا ما يجب أن نضمنه مناهجنا الدراسية وتربيتنا الأسرية.