باسم الله الرحمان الرحيم
و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم
قبل أن نتطرق لتعريف العوامل المؤثرة في الآليات الاقتصادية يجب علينا أولاً تعريف المعايير المستخدمة للحكم على الأداء الإقتصادي لأي دولة. في الغالب يتم الإستعانة بمعياري الناتج المحلي الإجمالي أو الناتج القومي الإجمالي لتقييم الأداء الإقتصادي للدولة. و الناتج المحلي الإجمالي يمثل المجموع الكلي للسلع و الخدمات المصنعة باستخدام عوامل الإنتاج المحلية بما في ذلك تلك السلع و الخدمات التي تم إنتاجها في دول اخري. أما بالنسبة للناتج القومي الإجمالي فهو يمثل المجموع الكلي للسلع و الخدمات التي أنتجت داخل النطاق الجغرافي للدولة سواء باستخدام عوامل الإنتاج المحلية او الأجنبية مستثنياً بذلك السلع و الخدمات المصنعة في الخارج باستخدام عوامل الإنتاج المحلية. و لكن يعتبر الناتج المحلي الإجمالي هو المعيار الأكثر أهمية لأنه يعكس كفاءة الدولة في إستخدام مواردها و طاقاتها بدون الإستعانة بالموارد الخارجية. لذا في محاولتها لتقييم العناصر المؤثرة في الآليات الإقتصادية يجب علينا أولاً أن نقيم العناصر المؤثرة و المتداخلة في تحديد قيمة الناتج المحلي الإجمالي و بالتالي نستطيع أن نستشف منها مدى تأثيرها على الاقتصاد ككل. من الممكن إستنتاج هذه العناصر إذا نظرنا بعين التحليل للمعادلة التالية:-
لناتج المحلي الإجمالي = إجمالي الإنفاق للأفراد + الإنفاق الحكومي + الإستثمارات + ( الصادرات – الواردات )
و في الفقرة التالية سوف نتناول بالنقد و التحليل كل هذه العناصر لتحديد تأثير كل منها على الاقتصاد.
إجمالي الإنفاق للأفراد:
يشمل هذا البند من المعادلة القيمة المالية الكلية لحجم إنفاق الأفراد علي السلع الاستهلاكية و الخدمات خلال فترة زمنية محددة عادة ما تكون ستة أشهر أو سنة.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما أهمية هذه القيمة المالية؟ في الواقع تعد قيمة إجمالي الإنفاق للأفراد مؤشراً ذو دلالات كثيرة. أولاً في حالة زيادة هذه القيمة من عام إلي عام نستطيع أن نستنتج الآتي، إما أن الأحوال الاقتصادية في إزدهار أو أن معدل التضخم في الأسعار ينمو باستمرار. في الحالة الأولى نعتبر إن الإقتصاد في حالة إزدهار في حالة أن هذه الزيادة في الإنفاق تعكس نمو معدل الدخل للفرد و في نفس الوقت تعكس نمو في حجم السلع و الخدمات المقدمة للأفراد و يعد هذا النمو نمو صحي للاقتصاد و لقيمة إجمالي إنفاق الفرد. في الحالة الثانية نستطيع أن نستنتج أن الزيادة في إجمالي الإنفاق للأفراد تعكس فقط الزيادة في معدل التضخم بدون الإسهام بمساهمة حقيقية للإزدهار الاقتصادي بل إن ضررها أكثر من نفعها. لذا نستطيع أن نقول الآتي، قد تعتبر الزيادة في قيمة إجمالي الإنفاق لدى الأفراد زيادة صحية فقط في حالة تخطيها الزيادة في معدل التضخم.
الإنفاق الحكومي:
من المعروف أن حكومة أي دولة تعد أكبر مؤسسة مالية و اقتصادية و من المعروف أيضاً أن الحكومة هي الموظف الأول في أي دولة نتيجة لتوفيرها الكثير من الخدمات العامة. و يجب علينا أولاً تعريف مصطلح الخدمات العامة لنحدد أهمية الإنفاق الحكومي على الآليات الاقتصادية. الخدمات العامة هي تلك الخدمات مثل التعليم، العناية الصحية، المرافق العامة، العناية الأمنية عن طريق الشرطة و الجيش و التي تطلب استثمارات ضخمة و غالباً ما تكون بغير عائد أو ذات عائد بسيط لا يساوي قيمة الاستثمارات و لكنها خدمات لا غنى عنها لإزدهار أي مجتمع. عادةً ما تأخذ الحكومة على عاتقها توفير تلك الخدمات بدلاً من القطاع الخاص لأنه كما ذكرنا سابقا تكون هذه الخدمات ذات عائد محدود. من هذا المنطلق نجد أن معدل الإنفاق الحكومي هو عامل مؤثر جداً في الآليات الأقتصادية لأي دولة نتيجة لكبر حجمه و تأثيره على تحسين مستوي المعيشة للفرد. و لكن ما هي دلالات الإنفاق الحكومي علي الإقتصاد القومي بلغة الأرقام؟ الإنفاق الحكومي هو بند من بنود الحساب الجاري في ميزان المدفوعات للدولة، لذا أي تغيير في قيمة هذا الإنفاق تترجم بالسالب أو بالموجب على ميزان المدفوعات ككل. و دعونا نقيم تأثير الإنفاق الحكومي على إقتصاديات الدول في حالة الزيادة أو الإنخفاض في هذا المعدل.
عادةً نجد أن الزيادة في معدل الإنفاق الحكومي تعكس زيادة في المرتبات و العلاوات للموظفين أو الزيادة في الخدمات العامة (مثل بناء مدارس جديدة أو مستشفيات). هذه الزيادة لها تأثيراتها العديدة و منها زيادة في معدل دخل الأفراد، و زيادة في العجز العام للميزانية. إذا نظرنا إلي الزيادة في الدخل فهذه الزيادة عادةً ما تكون تضخمية لأنها لا تعكس زيادة حقيقية في الناتج المحلي الإجمالي.
أما بالنسبة لزيادة العجز العام في الميزانية، فنجد أن هذه الزيادة تفرض علي الحكومة الإقتراض إما من الخارج أو من القطاع الخاص لتغطية عجزها. و في كلتا الحالتين يجب علي الدولة تحمل عبء تسديد هذه القروض. في المجمل نجد أن الزيادة في الإنفاق الحكومي لها تأثير سيء علي الإقتصاد و عادةً ما تلجأ الحكومة لهذا الحل في أوقات الركود الإقتصادي لتقليل معدل البطالة و حث القطاع الخاص علي الإستثمار.
أما بالنسبة لإنخفاض معدل الإنفاق الحكومي تجد أن التأثير منافي تماماً لما ذكرناه في حالة الزيادة في الإنفاق الحكومي.
الإستثمارات:
الإستثمارات هي إجمالي إنفاق الشركات سواء الحكومية أو الخاصة علي شراء الأصول و المعدات و الأدوات لهدف زيادة الإنتاج. من هذا المنطلق نجد أن الإستثمارات، بعكس الإنفاق الحكومي، تمثل زيادة في النفقات من أجل تحقيق عائد تجاري و إقتصادي. لذا يجوز لنا أن نقول أن الزيادة في الإستثمارات تعد ظاهرة صحية و إيجابية. و السبب في ذلك يكمن في أن زيادة الإستثمارات تؤدي إلي زيادة في الناتج المحلي، و أيضاً تؤدي إلي زيادة في نسبة العمالة و بالتالي إلي زيادة في الدخل للأفراد. لذلك ليس من الصعب أن نستشف أن زيادة الإستثمارات تعد العنصر الأساسي في نمو الإقتصاد القومي في أي دولة. من ناحية آخري نستطيع أن نجزم بأن اإنخفاض في حجم الإستثمارات يؤدي إلي الإنكماش الإقتصادي و تأثيره يعد تأثير سلبي.
صافي الصادرات:
صافي الصادرات هو المصطلح الذي نطلقه لتعريف الفارق ما بين قيمة الصادرات و الواردات. و العلاقة ما بين قيمة صافي الصادرات و الأداء الإقتصادي لأي دولة تعد علاقة واضحة و مباشرة. ببساطة شديدة إذا عرفنا الصادرات بأنها زيادة في الدخل القومي من العملات الأجنبية نتيجة لترويج السلع و الخدمات المحلية في الخارج سنستطيع أن نستنتج بسهولة أنه كلما زادت الصادرات كلما تحسن الأداء الاقتصادي لأي دولة. أما الواردات فهي الإنفاق المباشر للعملات الصعبة الشراء و السلع و الخدمات من الخارج، لذا من الواضح أيضاً أن ارتفاع قيمة الواردات يعد في غير مصلحة الدولة. لذا في حالة ارتفاع قيمة الواردات علي نظيرتها من الصادرات نجد أن هناك عجز في الميزان التجاري مما يترجم فورياً إلي زيادة في عجز ميزان المدفوعات أو علي أحسن تقدير تقليص قيمة الفائض. و النتيجة المترتبة على هذا العجز هي زيادة الطلب على العملات الأجنبية لشراء السلع و الخدمات المستوردة. و نتيجة لهذه الزيادة في الطلب عادةً ما تكون النتيجة هي انخفاض قيمة العملة المحلية مما يعطي مؤشراً سيئاً للأداء الاقتصادي لأي دولة.
منقـــول