من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين، وفقني الله وإياهم للتمسك بدينه والثبات عليه آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أما بعد: فقد سألني بعض الإخوان عما يفعله بعض الجهال من دعاء غير الله سبحانه والاستنجاد به في المهمات، كدعاء الجن والاستغاثة بهم والنذر لهم والذبح لهم وشبه ذلك، ومن ذلك قول بعضهم: (يا سبعة خذوه) يعني بذلك سبعة من رؤساء الجن، (يا سبعة افعلوا به كذا)، (اكسروا عظامه اشربوا دمه مثِّلوا به)، ومن ذلك قول بعضهم: (خذوه يا جن الظهيرة يا جن العصر)، وهذا يوجد كثيرا في بعض الجهات الجنوبية، ومما يلتحق بهذا الأمر دعاء الأموات من الأنبياء والصالحين وغيرهم، ودعاء الملائكة والاستغاثة بهم، فهذا كله وأشباهه واقع من كثير ممن ينتسب إلى الإسلام جهلاً منه وتقليدا لمن قبله، وربما سهل بعضهم في ذلك بقوله: هذا شيء يجري على اللسان لا نقصده ولا نعتقده.
وسألني أيضا عن حكم مناكحة من عرف بهذه الأعمال وذبائحهم والصلاة عليهم وخلفهم، وعن تصديق المشعوذين والعرافين، كمن يدعي معرفة المرض وأسبابه بمجرد إشرافه على شيء مما مس جسد المريض كالعمامة والسراويل والخمار وأشباه ذلك.
والجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد خلق الثقلين ليعبدوه دون كل ما سواه وليخصوه بالدعاء والاستغاثة والذبح والنذر وسائر العبادات، وقد بعث الرسل بذلك وأمرهم به، وأنزل الكتب السماوية التي أعظمها القرآن الكريم ببيان ذلك والدعوة إليه، وتحذير الناس من الشرك بالله وعبادة غيره، وهذا هو أصل الأصول وأساس الملة والدين، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن معناها لا معبود بحق إلا الله، فهي تنفي الألوهية- وهي العبادة- عن غير الله، وتثبت العبادة لله وحده دون ما سواه من سائر المخلوقات، والأدلة على هذا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا، منها قوله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، وقوله سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ، وقوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ، وقوله: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ، وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، فبين سبحانه في هذه الآيات أنه خلق الثقلين لعبادته، وأنه قضى أن لا يعبد إلا هو سبحانه وتعالى، ومعنى قضى: أمر وأوصى، فهو سبحانه أمر عباده وأوصاهم في محكم القرآن وعلى لسان الرسول عليه الصلاة والسلام ألا يعبدوا إلا ربهم، وأوضح جل وعلا أن الدعاء عبادة عظيمة من استكبر عنها دخل النار، وأمر عباده أن يدعوه وحده، وأخبر أنه قريب يجيب دعوتهم، فوجب على جميع العباد أن يخصوا ربهم بالدعاء لأنه نوع من العبادة التي خلقوا لها وأمروا بها، وقال عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس أن صلاته ونسكه- وهو الذبح- ومحياه ومماته لله رب العالمين لا شريك له، فمن ذبح لغير الله فقد أشرك بالله كما لو صلى لغير الله؛ لأن الله سبحانه جعل الصلاة والذبح قرينين، وأخبر أنهما لله وحده لا شريك له، فمن ذبح لغير الله من الجن والملائكة والأموات وغيرهم يتقرب إليهم بذلك فهو كمن صلى لغير الله، وفي الحديث الصحيح يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله من ذبح لغير الله)).
وأخرج الإمام أحمد بسند حسن عن طارق بن شهاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب، قال: ليس عندي شيء أقرب، قالوا: قرب ولو ذبابا، فقرب ذبابا، فخلوا سبيله فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب، قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل، فضربوا عنقه فدخل الجنة))، فإذا كان من تقرب إلى الصنم ونحوه بالذباب ونحوه يكون مشركا يستحق دخول النار، فكيف بمن يدعو الجن والملائكة والأولياء ويستغيث بهم، وينذر لهم، ويتقرب إليهم بالذبائح يرجو بذلك حفظ ماله، أو شفاء مريضه، أو سلامة دوابه وزرعه، أو يفعل ذلك خوفاً من شر الجن أو ما أشبه ذلك؟ فهذا وأشباهه أولى بأن يكون مشركا مستحقا لدخول النار من هذا الرجل الذي قرب الذباب للصنم. ومما ورد في ذلك أيضا قوله عز وجل: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ، وقال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ.
أخبر الله سبحانه في هاتين الآيتين أن المشركين اتخذوا من دونه أولياء من المخلوقات يعبدونهم معه بالدعاء والخوف والرجاء والذبح والنذر ونحو ذلك، زاعمين أن أولئك الأولياء يقربون من عبدهم إلى الله، ويشفعون لهم عنده، فأكذبهم الله سبحانه وأوضح باطلهم وسماهم كذبة وكفارا ومشركين، ونزه نفسه عن شركهم فقال جل وعلا: سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ، فعلم بذلك أن من اتخذ ملكا أو نبيا أو جنيا أو شجرا أو حجرا يدعوه مع الله، ويستغيث به، ويتقرب إليه بالنذر والذبح رجاء شفاعته عند الله وتقريبه لديه، أو رجاء شفاء المريض أو حفظ المال، أو سلامة الغائب، أو ما شابه ذلك، فقد وقع في هذا الشرك العظيم والبلاء الوخيم، الذي قال الله فيه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا، وقال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ، والشفاعة إنما تحصل يوم القيامة لأهل التوحيد والإخلاص لا لأهل الشرك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: ((من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وأنا اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا)).
وكان المشركون الأولون يؤمنون بأن الله ربهم وخالقهم ورازقهم، وإنما تعلقوا على الأنبياء والأولياء والملائكة والأشجار والأحجار وأشباه ذلك يرجون شفاعتهم عند الله، وتقريبهم لديه كما سبق في الآيات، فلم يعذرهم الله بذلك، ولم يعذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أنكر الله عليهم في كتابه العظيم وسماهم كفارا ومشركين، وأكذبهم في زعمهم أن هذه الآلهة تشفع لهم وتقربهم إلى الله زلفى، وقاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الشرك حتى يخلصوا العبادة لله وحده، عملا بقوله سبحانه: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله))، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)) أي: حتى يخصوا لله بالعبادة دون كل ما سواه، وكان المشركون يخافون من الجن ويعوذون بهم فأنزل الله في ذلك قوله: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا، قال أهل التفسير في الآية الكريمة.
معنى قوله: فَزَادُوهُمْ رَهَقًا أي ذعرا وخوفا؛ لأن الجن تتعاظم في نفسها وتتكبر إذا رأت الإنس يستعيذون بها، وعند ذلك يزدادون لهم إخافة وإذعارا حتى يكثروا من عبادتهم واللجوء إليهم، وقد عوض الله المسلمين عن ذلك: الاستعاذة به سبحانه وبكلماته التامة، وأنزل في ذلك قوله عز وجل: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، وقوله جل وعلا: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك))، ومما تقدم من الآيات والأحاديث يعلم طالب النجاة والراغب في الحفاظ على دينه والسلامة من الشرك دقيقه وجليله: أن التعلق بالأموات والملائكة والجن وغيرهم من المخلوقات، ودعاءهم والاستعاذة بهم ونحو ذلك من عمل أهل الجاهلية المشركين، ومن أقبح الشرك بالله سبحانه، فالواجب تركه والحذر من ذلك والتواصي بتركه والإنكار على من فعله، ومن عرف من الناس بهذه الأعمال الشركية لم تجز مناكحته ولا أكل ذبيحته ولا الصلاة عليه ولا الصلاة خلفه حتى يعلن التوبة إلى الله سبحانه من ذلك، ويخلص الدعاء والعبادة لله وحده.
والدعاء: هو العبادة بل مُخُّها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة))، وفي اللفظ الآخر: ((الدعاء مخ العبادة)) وقال سبحانه: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، ونهى الله سبحانه المسلمين عن التزوج بالمشركات من عُبَّاد الأوثان والجن والملائكة وغير ذلك حتى يؤمنَّ بإخلاص العبادة لله وحده وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به واتباع سبيله، ونهى عن تزويج المشركين بالنساء المسلمات حتى يؤمنوا بإخلاص العبادة لله وحده، وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه، وأخبر سبحانه أن الأمة المؤمنة خير من الحرة المشركة ولو أعجبتْ من ينظر إليها ويسمع كلامها بجمالها وحسن كلامها، وأن العبد المؤمن خير من الحر المشرك ولو أعجب سامعه والناظر إليه بجماله وفصاحته وشجاعته وغير ذلك، ثم أوضح أسباب هذا التفضيل بقوله سبحانه: أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ، يعني بذلك المشركين والمشركات؛ لأنهم من دعاة النار بأقوالهم وأعمالهم وسيرتهم وأخلاقهم، أما المؤمنون والمؤمنات فهم من دعاة الجنة بأخلاقهم وأعمالهم وسيرتهم، فكيف يستوي هؤلاء وهؤلاء؟
وقال جل وعلا في شأن المنافقين: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ، فأوضح جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن المنافق والكافر لا يصلى عليهما لكفرهما بالله ورسوله وهكذا لا يصلى خلفهما ولا يجعلان أئمة للمسلمين لكفرهما وعدم أمانتهما، وللعداوة العظيمة التي بينهما وبين المسلمين، ولأنهما ليسا من أهل الصلاة والعبادة؛ لأن الكفر والشرك لا يبقى معهما عمل، نسأل الله العافية من ذلك. وقال عز وجل في تحريم الميتة وذبائح المشركين: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ، نهى عز وجل المسلمين عن أكل الميتة وذبيحة المشرك؛ لأنه نجس فذبيحته في حكم الميتة ولو ذكر اسم الله عليها؛ لأن التسمية منه باطلة لا أثر لها؛ لأنها عبادة، والشرك يحبط العبادة ويبطلها حتى يتوب المشرك إلى الله سبحانه، وإنما أباح عز وجل طعام أهل الكتاب في قوله سبحانه: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ؛ لأنهم ينتسبون إلى دين سماوي ويزعمون أنهم من أتباع موسى وعيسى وإن كانوا في ذلك كاذبين، وقد نسخ الله دينهم وأبطله ببعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس عامة، ولكن الله جل وعلا أحل لنا طعام أهل الكتاب ونساءهم لحكمة بالغة وأسرار مرعية قد أوضحها أهل العلم، بخلاف المشركين من عُبّاد الأوثان والأموات من الأنبياء والأولياء وغيرهم؛ لأن دينهم لا أصل له ولا شبهة فيه، بل هو باطل من أساسه، فكانت ذبيحة أهله ميتة ولا يباح أكلها، وأما قول الشخص لمن يخاطبه: (جن أصابك) (جن أخذك) (شيطان طار بك) وما أشبه ذلك.
فهذا من باب السب والشتم وذلك لا يجوز بين المسلمين كسائر أنواع السب والشتم وليس ذلك من باب الشرك، إلا أن يكون قائل ذلك يعتقد أن الجن يتصرفون في الناس بغير إذن الله ومشيئته، فمن اعتقد ذلك في الجن أو غيرهم من المخلوقات فهو كافر بهذا الاعتقاد؛ لأن الله سبحانه هو المالك لكل شيء، والقادر على كل شيء، وهو النافع الضار، ولا يوجد شيء إلا بإذنه ومشيئته وقدره السابق، كما قال عز وجل آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس بهذا الأصل العظيم: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، فإذا كان سيد الخلق وأفضلهم عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، فكيف بغيره من الخلق؟ والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وأما سؤال العرافين والمشعوذين والمنجمين وأشباههم ممن يتعاطى الأخبار عن المغيبات فهو منكر لا يجوز، وتصديقهم أشد وأنكر بل هو من شعب الكفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما)) رواه مسلم في صحيحه، وفي صحيحه أيضا عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إتيان الكهان وسؤالهم.
وأخرج أهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فالواجب على المسلمين الحذر من سؤال الكهنة والعرافين وسائر المشعوذين المشتغلين بالأخبار عن المغيبات والتلبيس على المسلمين، سواء كان باسم الطب أو غيره لما تقدم من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وتحذيره منه.
ويدخل في ذلك ما يدعيه بعض الناس باسم الطب من الأمور الغيبية إذا شم عمامة المريض أو خمار المريضة أو نحو ذلك قال : (هذا المريض أو هذه المريضة فعل كذا وصنع كذا) من أمور الغيب التي ليس في شم عمامة المريض ونحوها دلالة عليها، وإنما القصد من ذلك التلبيس على العامة حتى يقولوا إنه عارف بالطب، وعارف بأنواع المرض وأسبابه، وربما أعطاهم شيئا من الأدوية فصادف الشفاء بقدر الله، فظنوا أنه بأسباب دوائه، وربما كان المرض بأسباب بعض الجن والشياطين الذين يخدمون ذلك المدعي للطب ويخبرونه عن بعض المغيبات التي يطلعون عليها، فيعتمد على ذلك ويرضي الجن والشياطين بما يناسبهم من العبادة، فيرتفعون عن ذلك المريض ويتركون ما قد تلبسوا به معه من الأذى، وهذا شيء معروف عن الجن والشياطين ومن يستخدمهم.
فالواجب على المسلمين الحذر من ذلك، والتواصي بتركه، والاعتماد على الله سبحانه والتوكل عليه في كل الأمور، ولا بأس بتعاطي الرقى الشرعية والأدوية المباحة والعلاج عند الأطباء الذين يستعملون الكشف على المريض، والتأكد من مرضه بالأسباب الحسية والمعقولة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام))، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فنسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين جميعا وأن يشفي قلوبهم وأبدانهم من كل سوء، وأن يجمعهم على الهدى وأن يعيذنا وإياهم من مضلات الفتن ومن طاعة الشيطان وأوليائه إنه على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.