على هذا الأساس نتخير الأصحاب، ونرغب في الصداقات أو نزهدها، وأول شرائط الصحبة الكريمة أن تبرأ من الأغراض وأن تُخلِص لوجه الحق وأن تولد وتكبر في طريق الإيمان والإحساس؛ وهذا هو معنى الحب لله.
إن الإنسان إذا رسخ في فؤاده اليقين، وخالطت بشاشة الإيمان قلبه، وأحس بحلاوته في مذاقه، أصبح ينظر للأحياء قاطبة على ضوء العقيدة التي باع نفسه لها، فهو يحب لمبدأ لا لشهوة، ويكره لمبدأ لا لحرمان.
وقد تتجمع القطعان على مورد عذب أو كدر، وقد يلتقي الناس على دنيا عارضة أو دائمة، وربما تأسست بينهم علاقات متينة بيد أن هذا الضرب من التعارف والتواد لا يقاس بما ينشأ بين أصحاب المثل العليا من محبة وصفاء وتعاون وتفان. ولذلك احتفى الإسلام بمشاعر الصداقة النقية، ورغب المؤمنين في إخلاصها لله وإبقائها لوجهه وجعل لها من جميل المثوبة ما هي له أهل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قال الله عز وجل: المتحابون بجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي"– أخرجه أحمد.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله ناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله".
قالوا: يا رسول الله فخبرنا من هم؟
قال: هم قوم تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها: فو الله إن وجههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس: وقرأ [أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ](يونس : 62 )- أخرجه أبو داود.
والحب في الله لا يدعيه كل أحد، ولا يُصدَّقُ من كل دَعْي، فلا بد أن يعرف الإنسان ربه أولا معرفة صحيحة، ثم يُغالي بهذه المعرفة حتى ترجح في نفسه ما عداها، ثم ترقى هذه المعرفة إلى حب الله ذاته، وإيثار العمل له، وعندئذ يصدق على المرء، إذا أحب أو كره، أنه أحب لله وكره لله.
أما أن يعجب المرء بموهبة عظيم، أو يستلطف سيرة آخر فيحبه فذلك لون آخر من الصداقة غير ما نحن بإزائه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كُن فيه وجد حلاوة الإيمان وطعمه: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب في الله ويبغض في الله، وأن تُوقد نار عظيمة فيقع فيها أحب إليه من أن يُشرك بالله شيئا" – متفق عليه.
ولما كان الحب في الله خاتمة مراحل تسبقه في مراقي الإيمان، وكانت ثمرته لا تبدو إلا عند من أنضجتهم حرارة الإخلاص، كان فيض هذا الحب دليل كمال ونقاء، يستحقان أجلَّ الجزاء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجلين تحابا في الله بظهر الغيب إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حبا لصاحبه" – أخرجه الطبراني.
كلا الأخوين المُتاحبين في حماية الله وكنفه:
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الله عز وجل قال: "لقد حقت محبتي للذين يتحابون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي، وقد حقت تحيتي للذين يتباذلون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتصادقون من أجلي" – أخرجه أحمد والطبراني