بالطبع كل الآباء والأمهات يرغبون في تعليم أولادهم، لكن من النادر أن تجد من يؤكد بوضوح لماذا يكون التعليم على هذا القدر من الأهمية، فعلى سبيل المثال كان هناك مديرا لإحدى الهيئات الصحية الكبيرة وقد طلب من السكرتير الخاص به أن يؤجل كل المكالمات الهاتفية أثناء لقاء أحد الباحثين معه بخصوص التعليم، وعندما دخل عليه هذا الباحث وجد أنه كان واضحا أن هذا الرجل قد تدرج في مواقع العمل بالهيئة حتى وصل إلى قمتها، ومن خلال الحديث معه ومع زوجته أدرك الباحث أن تحديد الأهداف ومتابعتها بالتصميم والمثابرة هو السر وراء نجاحهما، وكان هذا رأيه في التعليم:
عندما كان ابني صغيرا في الثالثة من عمره تقريبا كنا نسأله، ماذا يريد أن يكون؟، وكان أول رد له هو أن يكون طبيبا؛ لذا فقد أخبرته: لكي تصبح طبيبا عليك أن تدرس الكيمياء وعلم الأحياء والفيزياء والرياضيات واللغة اللاتينية، ثم بعد أن كبر قليلا أراد أن يصبح طيارا، وعندما سألته لماذا غير رأيه؟، قال: الأطباء يعملون يوم الجمعة وأنا لا أريد أن يفوتني حلقات الرسوم المتحركة التي تعرض يوم الجمعة، لذا وجدنا أنه يفكر وينشط عقله؛ لذا كان ردي عليه أنه لا بد من إعداد نفسه بمجرد أن يقرر هدفه وغايته.
وفي موقف آخر مع سيدة أخرى قالت:
طلبت من ابنتي أن تستذكر بجد لأنني لا أريدها أن تنتهي لمثل ما أنا فيه؛ فتعمل كموظفة في محل بيع بالتجزئة مقابل مبالغ بسيطة تتقاضاها؛ لذا كانت الابنة تستذكر دروسها بجد، وحين كنت أريدها أن تبذل أقصى جهد لديها كنت آخذها أحيانا إلى محل عملي وأتركها ترى كيف يكون الحال عندما يكون علي أن أتلقى تعليمات من الرؤساء وأن أخدم الزبائن طوال اليوم، أردتها أن تعرف أنها لن تصبح كذلك إذا حصلت على قدر جيد من التعليم، فهذا هو الشيء الوحيد الذي يضمن لها مستقبلا جيدا.
أثر التحفيز والتشجيع على فعالية الأداء
ويظهر ذلك جلياً من خلال هذين الموقفين:
الموقف الأول:
يُروى أنه في فتح حصن ناعم (أحد حصون خيبر) أن أبا بكر أخذ راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً, ثم رجع فأخذها عمر, فقاتل قتالا أشد من القتال الأول, ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لأعطينها غداً رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله".
فتطاولت لها قريش ورجى كل منهم أن يكون صاحب ذلك .. فأصبحوا وجاء علي بن أبي طالب ثم أعطاه الراية ونهض بها فأتى خيبر وتمَّ على يديه فتح الحصن.
الموقف الثاني :
تشجيعه صلى الله عليه وسلم لصحابته يوم بدر
- أخرج الإمام أحمد عن أنس، رضي الله عنه: "ثم خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس فحرضهم، وقال: "والذي نفس محمد بيده, لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً, غير مدبرٍ إلا أدخله الله الجنة".
وفي رواية: "قوموا إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض" قال: يقول عمير بن الحمام – رضي الله عنه: يا رسول الله جنةٍ عرضها السماوات والأرض؟! قال: "نعم", قال: بخٍ.. بخٍ!! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "ما يحملك على قول بخٍ.. بخٍ؟ "قال" لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها, قال: فإنك من أهلها...".
فأخرج عمير تمرات من قرنه (جعبة السهم) فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة ثم رمى ما كان معه من التمر وقاتلهم حتى قتل -رحمه الله- وقد ذكر ابن جرير أن عميراً قام وهو يقول:
ركضاً إلى الله بغير زاد *** إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد *** وكل زاد عرضة النفاد
غير التقى والبر والرشاد
فالتحفيز أيها الأب يخلق في نفوس أبنائك حب النجاح والبحث عن أسبابه، وهو من الأساليب التربوية الناجحة في تصريف الطاقات والمواهب، كما أنه يربي في النفس الثقة التي هي أساس أي عملٍ ناجحٍ. فابحث أيها الوالد في أبنائك مَن كانت الإيجابية والتلقائية طابعاً فيه، وشجعه على ما يقوم به.
آداب قاعات الدرس والعلم:
- لا تزاحم الآخرين واجلس حيث انتهى بك المجلس.
- أنصت إلى حديث المتحدث ولا تتكلم إلا بعد أن يأذن لك.
- تذكر أن غيرك من المشاركين والحاضرين يودون التعبير عن وجهات نظرهم فلا تكثر في الكلام .
- لا تكثر من الحركة والصوت فتشتت انتباه المتحدث والحاضرين.
- لا تسأل من يتحدث إلا عن ما تجهله وتريد أن تتعلمه ولا يكون سؤالك اختباراً له أو بما فيه إحراج.
- إذا كان لك مداخلة في موضوع الحوار فعبر عنها، فربما أضاءت للمتحدث والحاضرين نقاطاً جديدة للنقاش.
- تذكر أن الخلاف في وجهات النظر أمر طبيعي، فلا تغضب إذا تحدث المتحدث بوجهة نظر تختلف معه فيها.
- لا تجادل المتحدث وتذكر أن الجدال ينزع البركة من مجلس العلم.
التربية الذاتية رافد أساسي للإبداع والابتكار:
الذاتية هي الحافز الذي يدفع بطاقات الإنسان لأداء عمل معين للوصول إلى غاية محددة متحملاً كافة الصعاب لتحقيق الهدف.. فهي اندفاع من الإنسان بمجرد إحساسه أن هذا النمط من الأعمال يحقق نمو شخصيته في شتى الجوانب.. ويقوم بعمله هذا دونما تكاليف أو متابعة بل هو السعي لتحقيق الأجر والمثوبة من الله.
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسابق أبا بكر رضي الله عنه فلم يظفر بسبقه أبداً فلما علم أنه قد استولى على الإمامة قال: والله لا أسابقك إلى شيء أبداً.
وأخرج الطبراني في الأوسط , عن عليِّ قال: (والذي نفسي بيده ما استبقنا إلى خير قط إلا سبقنا أبو بكر).
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم قال حدثنا مسْعر عن زياد قال: سمعت المغيرة رضي الله عنه يقول "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ليقوم -أو ليصلي- حتى تتورم قدماه -أو ساقاه- فيقال له, فيقول "أفلا أكون عبداً شكوراً؟!".
ونظرة متفحصة متأملة ترى الكوكبة الثرية التي التف بها عنق الرسالة لتوحي لنا بأننا أمام أفراد متميزين أُحسن انتقاؤهم وأُحسن توظيفهم وأُحسن إعدادهم.. وأُحسن إدارتهم وإدارة إبداعهم والحفاظ على تميزهم, وإذا تناولت أي شخصية وجدت فيها ثراءاً متكاملاً وفذاً, أَهَّلهم لحمل الرسالة وتسويقها بعد موت صاحبها، صلى الله عليه وسلم.