المقدمة
الزواج هو الرابطة المقدسة التي تنادي بها الفطرة والشريعة معا، لحفظ النوع البشري وتكاثره، وعمارة الأرض، وازدهار الحياة. وهو في الحقيقة يجسد أنبل صور التواصل والترابط والاندماج الروحي والنفسي، وأجلي مظاهر الشراكة والتعاون لمواجهة مصاعب الحياة، وتفادي الأمراض النفسية التي تعيق الفرد من التكامل والعطاء. وأول آثار الزواج (الأنس) الذي يمكن أن يلازم الزوجين مدي الحياة، وذلك عند التزامهما بإنسانية العلاقة والمعاملة، وإلا فارقهما بعد الاقتران بفترة وجيزة وتركهما كئيبين على أطلال ما يسمى (بشهر العسل)، كذكرى وحسرة. كما أن ثمار الزواج (الولد) الذي يعد أول مداميك الأسرة، والخازن -ولو بشكل جزئي- لسلوكيات والديه بسلبياتها وإيجابيتها.
والمترجم لها على أرض الواقع بشكل قد يتعدى حدود أسرته وبيئته ليصل أحيانا إلي حدود بعيدة جدا في مجتمعه بل وفي المجتمعات الأخرى، ويطبع آثار تلك السلوكيات الحميدة منها أو الخبيثة.
ومن هنا فليس الزواج مجرد متعة نبيلة ترضي الرغبات الجنسية الكامنة في كل إنسان، بل هو مجموعة من الممارسات الجدية الجديرة بالعناية والاهتمام، فالزواج:
أولا: هو (اختيار للشريك الملائم للروح والنفس) تمهيدا للاندماج وصيرورة الروحين روحا واحدة، والنفسين نفس واحدة، فما أكثر من يقع في مرحلة الاختيار في فخ المظاهر والأشكال المغرية ويتغافل عن المضامين، ثم لا يلبث أن يتحول أن تتحول حياته إلي جحيم لا يطاق لفقدان عنصر الملائمة.
ثانيا: هو (عبادة) لما يلازمه من عفة، وضبط للشهوة الجامحة، وقد ورد في الحديث:من تزوج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر، وورد أيضا:ركعتان يصليها متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب.
ثالثا: هو (مشاركة في الحياة) تصل إلي أعماق كيان الزوجين مغمورة بالحب والإخلاص والتفاني عناوين الإرادة والأداء.
رابعا: هو (مسؤولية متبادلة بين الزوجين) يتم التوقع على الالتزام بها لحظة عقد القرآن، لتصبح بعد ذلك جملة من شؤون الزوج مطلوبة من زوجته، وكذا العكس، وما أقبح التقصير من أحد الطرفين عند التزام الطرف الآخر بمسؤولية.
خامسا: هو (قيادة) منزل وأسرة وأولاد في رحلة الحياة الطويلة التي تمتد بامتداد عمر الزوجين، وهي رحلة محفوفة بالمخاطر قابلة لأن تتعثر مسيرتها أو تتوقف في أي لحظة يتخلي فيها أحد الزوجين أو كلاهما عن مسؤولياته، أو يبغي أحدهما فيها على الآخر، وتكون الضحية هي تلك الأسرة بما تحويه من أولاد أو أطفال لا حول لهم ولا قوة.
فهل من المنطقي أن لا يسمح لشخص بقيادة سيارة إلا بعد اختيار معلوماته عن قوانين السير ومنحه إجازة قيادة، ويسمح له بقيادة منزل وأسرة وأطفال في مسيرة الحياة وهو لا يملك أدني فكرة عن قوانين السير في تلك المسيرة الطويلة؟!
ومن هذا كله تولد الدافع للتركيز على أهم السلوكيات التي ينبغي أن يتحلي بها الزوجان في مسيرة حياتهما الزوجية، فكان هذا الكراس المختصر (الحياة الزوجية حقوق وواجبات) والذي آثرنا أن يكون مبسطا خاليا من التعقيد لتعميم الفائدة ووصولها إلي كافة مستويات الأزواج.
الحياة الزوجية حقوق وواجبات
قال تعال:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم:21).
(السكون * المودة * الرحمة)، ثلاثة أسس متينة لحياة زوجية كريمة، فلا صخب، ولا عنف، ولا قسوة.
هذه هي نظرية القرآن الكريم، مودة جاذبة، ورحمة تعدل النسبة عند التقصير، وسكون يبعث بالطمأنينة، فينشر الهدوء. وحيث أن الأمور تجري بأسبابها فإن زرع أسباب المودة والرحمة مسؤولية الزوجين معا، فلا ينتظرا أن تنزل عليهما المحبة من السماء إذا تنكرا للأسباب. وقبل الشروع في ذكر أهم المزايا التي ينبغي يتحلى بها الزوجان نشير إلى ما ورد في رسالة الحقوق لإمامنا زين العابدين عليه السلام حيث يقول: (وأما حق الزوجة، فأن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكنا وأنسا، فتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقا عليها أوجب، فإن لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرتك، وتطعمها وتكسوها، وإذا جهلت عفوت عنها).
وعند الكشف عن حقيقة العلاقة بين الزوجين يتبين أن المسألة تقوم على قاعدة الحق والواجب، حيث أن جملة من واجبات الزوج هي حقوق للزوجة. كما أن جملة من واجبات الزوج هي حقوق للزوجة.
واجبات الزوج
إن قانون الحياة قائم على أساس العطاء والجناء، فعندما تعطي الأرض بذرا تجني ثمرا، وعندما تزرع المودة تجني الحب، وعندما تغرس السكون تقطف الطمأنينة، ويحكم هذا القانون التجانس بين البذر والثمر، فمحال على من يزرع الشوك أن يجني العنب، وعلى من يزرع القلق أن يجني غير التعب، فعليك أيها الزوج العزيز أن تنظر فيما تزرع كي تهنأ فيما تجني واعلم أن سعادتك التي تنشدها من حياتك الزوجية ما هي إلا ثمرة طيبة ترجوها من بذور طيبة، يأتي في طليعتها:
1- احترام الزوجة: فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من اتخذ زوجة فليكرمها، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: أخبرني أخي جبرائيل صلى الله عليه وسلم ولم يزل يوصيني بالنساء حتى ظننت أن لا يحل لزوجها أن يقول لها (أف) يا محمد: اتقوا الله عز وجل في النساء فإنهن عوان (أي أسيرات) بين أيديكم أخذتموهن على أمانات الله عز وجل.
2- منحها الإحساس بوجودها: حيث أن المرأة تمتلك كل مقومات الإنسانية، فهي إنسان كما الرجل، ولها مشاعرها الخاصة، وبالتالي فإن تهميشها في شؤون الحياة الزوجية يعد قتلا لمشاعرها وأحاسيسها، ولذا فعليك أيها الزوج الكريم أن تستشيرها فيما تراه هي من شؤونها حتى ولو لم يكن من نيتك أن تعمل برأيها، فهذا أحد بعدي الحديث الذي يقول: (شاوروهن وخالفوهن).
كما أن عليك أن تمنحها وقتا كافيا للحديث فيما يصلح شؤون الأسرة، فإنها تعتبر نفسها شريكا في صنعها. وتجنب ما يولد في نفسها الإحساس بالتهميش، كتركها وحيدة أثناء قيامك بسهرات طويلة، أو رحلات ترفيهية مثلا.
3- منحها الإحساس بالأمان: فإن لديها شعورا وإحساسا قويا بضرورة كونها محمية من قبل زوجها، فإذا صار الزوج جلاد، صارت الأسرة ضحية. وأعلم أن القسوة في التعاطي هي بذرة الشقاء والشقاق، كما أن اللين هو طريق الأماني والأمان، فلا تكن أيها الزوج العزيز جلادا يرفع سياط التقريع فوق رؤوس من يعول ويحمي، وخذ عبرة من أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام حيث جاء فيها:(..ولا يكونن أهلك أشقي الخلق بك). وأمنحها الإحساس بوجودك إلي جنبه، فغنها ترى فيك الكهف الذي تلجأ إليه في الشدة.
4- منحها التقدير المخلص: فإنها هي الصديق الأقرب، وليست مجرد وسيلة للمتعة فقط، كما أنها ليست مجرد خادمة تطبخ وتغسل وتكنس وتنظف وغير ذلك، وكأنها آلة لا تمل ولا تكل.
فلا تكن الزوج الذي يبخل بكلمة تقدير أو تشجيع على ما تقوم به زوجته من إنجازات تقع تحت مسؤولياتها، وكأنك تنتظر أن يأتي أحد من خارج المنزل ليقيم جهودها الخفية التي لا يطلع عليها احد غير ذلك. كما لا تبخل بكلمات الشكر على ما تقدمه لك، ولو كان ذلك من مستوى تقديم القهوة أو الماء، فإن ذلك لو فعل أحد أصدقائك لشكرته وأثنيت، فكيف بزوجتك وهي أقرب أصدقائك إليك.
للعبرة: يحكى أن امرأة قروية كانت تصنع الطعام لرجال عشيرتها مدة عشرين عاما دون أن تسمع منهم كلمة تقدير واحدة، وذات يوم أبدلت الطعام بعلف للماشية، وإذا بصرخات الغضب ترتفع في وجهه، فقابلت تلك الصرخات بقولها: ما أحسب أنكم تميزون بين الطعام والعلف، فغني طوال عشرين عاما لم اسمع منكم كلمة شكر تدل على إنسانيتكم. فاعتبر أيها الزوج الكريم، ولا تكن من أولئك الأزواج الذين يغضون الطرف عن الجهود العظيمة، وينتقدون أدنى خطأ أو تقصير.
5- تجنب الانتقادات اللاذعة: أن كثيرا من الأزواج يظنون أن رجولتهم إنما تتجلى في اتخاذ المواقف القاسية مع زوجاتهم، وهذا اشتباه بل وخطأ كبير، فالمرأة كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:ضلع مكسور فأجبروه.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كل حال، وأحسن الصحبة لها ليصفو عيشك. وقال الإمام الصادق عليه السلام نقلا عن جدة رسول صلي الله عليه وسلم: إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج، إن أقمته كسرته، وإن تركته انتفعت به. وأعلم أيها الزوج العزيز أن نسبة كبيرة جدا من حالات الطلاق وتدمير الأسر سببه النقد اللاذع الموجه من أحد الزوجين إلي الطرف الآخر. فإذا ابتليت بما يستوجب الإصلاح فلا تنس أن تستخدم في علاجك الأدوات القرآنية:(المودة والرحمة).
6- الاهتمام باللفتات الصغيرة: فإن الكلمة الطيبة كالتحية الصباحية أو المسائية مثلها كمثل الشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربه، كما أن الهدية المتواضعة حتى ولو كانت من مستوى الوردة الواحدة، وكذا عبارات الود والمحبة هي مفتاح القلب، وبذرة السعادة،فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدا). فليس من الحكمة أيها الزوج العزيز أن تغفل مثل هذه الأمور البسيطة، فإن أغفلها يحول العلاقة الزوجية إلي علاقة ميكانيكية جوفاء تهتز عند أبسط الأمور.
7- حفظ أسرار الزوجة: فإن إفشاء الزوج لأسرار زوجته يولد لديها الإحساس بالحذر وفقدان الثقة والطمأنينة، مما ينعكس سلبا على أجواء الحياة الزوجية، هذا فضلا عن كونه محرما شرعيا في كثير من الأحيان لما يستنبطه من خيانة أمانة، وغيبة أو انتقاص.
نموذج طيب: ينقا عن بعض الصالحين حين أراد أن يطلق زوجته أنه سئل: أي عيب رأيت منها تريد طلاقها من اجله؟
فقال أن العاقل- في أي وقت – لا يهتك زوجته. ولما طلقه، وانتهت عدته، وتزوجت آخر سئل: الآن وهي ليست زوجتك، أي عيب كان فيها حتى طلقتها؟
فقال: ما أنا وزوجة الناس؟