حوار مع مثنى أمين الكردستاني مستشار اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل
لا يمكن إصلاح المجتمعات الإسلامية إلا بالإسلام
حبيبة أوغانيم/ نشرت بجريدة التجديد في المغرب
انتهزت "التجديد" فرصة زيارة مستشار اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل الدكتور مثنى أمين الكردستاني للمغرب بداية شتنبر 2005، وأجرت معه الحوار التالي حول جملة من قضايا المرأة، نظرا لاهتمامه بالموضوع، فقد ألف كتاب'' حركات تحرير المرأة من المساواة إلي
الجندر: دراسة نقدية إسلامية'' تضمن دراسة هي الأولى من نوعها في العالم الإسلامي، تناولت بالدراسة والتحليل أهم أفكار الحركة الأنثوية (feminism)، التي باتت تمثل رؤية معرفية وإيديولوجية للعالم، وليست مجرد أفكار حقوقية وسياسية أو اقتصادية عن المرأة. وشارك الدكتور العراقي الأصل في إعداد بحث بمشاركة رئيسة اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل حول ''الجندر: المنشأ، المدلول والأثر''. وله مقالات منشورة في منابر ومواقع إلكترونية مختلفة. وتناول الدكتور أمين مسار حركة تحرير المرأة، كما سلط الضوء على بعض المصطلحات المتداولة من قبيل الجندر وغيره وهذا نص الحوار:
نرحب بالدكتور مثنى أمين الكردستاني في بلده الثاني المغرب، هلا أعطيت للقراء نبذة عن شخصيتك واهتماماتك؟.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على مولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أخوكم مثنى أمين نادر الكردستاني، دكتوراه في العقيدة والفلسفة، وماجستير في العلوم السياسية، وعضو في قيادة حزب الاتحاد الكردستاني في العراق، ومستشار في اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل. واللجنة هي منظمة دولية تابعة للمجلس الإسلامي الأعلى للدعوة والإغاثة، ولها صفة استشارية في الأمم المتحدة، وتحضر بصفة مراقب اجتماعاتها ذات الصلة بالمرأة والطفل.
بصفتكم مهتم بقضايا المرأة والأسرة، نود أن تحدثنا عن المسار الذي اتخذته رحلة حركة تحررها لتصل إلى ما هي عليه الآن؟
إن قضايا المرأة، هي قضايا الإنسان، والمرأة باعتبارها أنثى، واجهت كثيرا من المتاعب والمعاناة، لأن حركة التاريخ البشري، كان يغلب عليها سيطرة الرجل على مجريات الأمور. وكان ينظر إلى المرأة باعتبارها كائنا أدنى من الرجل. وإلى أوقات متأخرة حتى في العالم الغربي (القرن الثاني عشر والثالث عشر) كان النقاش دائرا عما إذا كان للمرأة روح كالإنسان أم لا، وحتى منتصف القرن الماضي لم تكن للمرأة ذمة مالية مستقلة في بلد رأسمالي مثل فرنسا، وكانت تفقد اسمها وديانتها وكل ما لديها عندما تنتقل إلى بيت الزوجية. وكانت المرأة مممنوعة من دخول الجامعات والتصويت، وينظر إليها كأثاث من أثاث البيت من دوابه وأنعامه.
حقيقة، لا يستطيع أحد أن يجادل في أن المرأة كانت مظلومة على مدى التاريخ البشري بأشكال مختلفة، وكانت الأديان تأتي لتصحح البعض من هذه الأوضاع، وتكرس المساواة بين الجنسين على أساس الإنسانية. لكن الانحرافات كانت أوسع أثرا من إصلاحات الأديان، بالإضافة إلى الأعراف التي كانت متحكمة في عقليات هذه الأمم والتي لم تكن تسمح بالتغلغل المفاهيمي للدين في أعماق حركة التاريخ البشري، ودائما كان المصلحون والأنبياء يواجهون مشاكل حتى في قضية ترسيخ الإيمان في كلياته العامة في أذهان البشر، وكان منهم من يقطع بالمناشير في سبيل ذلك، ولم يسمح الظالمون في التاريخ البشري للأديان أن تمارس دورها الأساسي في إقرار العدل.
فاليهودية في فتراتها الأولى كرسالة سماوية كانت لا تفرق بين الذكر والأنثى، ولكنها بعد أن حرفت وتوارثت التقاليد الرومانية في التعامل مع المرأة، أصبح في إطار الأسرة اليهودية سيد اسمه الرجل وهناك ما يشبه العبد اسمه امرأة. وكان اليهودي يشكر الله أنه لم يخلقه امرأة.
وتوارثت الأسرة المسيحية للأسف التقاليد نفسها، والمرأة ما تزال إلى الآن تعاني من عدم المساواة في الأجور وتعاني من النظرة الشهوانية، وتعاني من العنف المنزلي بالإضافة إلى معاناة كثيرة ناتجة عن سيئات الحضارة الحديثة.
وعندما جاءت رسالة الإسلام وجدت المرأة تعاني وأدا وهتكا وظلما بغيضا، إذ كانت تدفن تحت الرمال استقباحا لها ولسمعتها ولمنظرها. وكان المولود الأنثى
يستقبل بالوجه الكالح، وهذا ما أشار إليه القرآن، يقول الله عز وجل: ''وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب'' وفي قوله تعالى: (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت).
ونالت المرأة بمجيء الإسلام حظها من التكريم والتحرير، وإن بقيت تعاني في بعض المناطق من التهميش وتعاني من بعض الأعراف الجاهلية، إلا أنها، وبشهادة جميع المستشرقين الذين تناولوا قضايا المرأة مثل غوستاف لوغون، الذي يقر بأن قضايا المرأة المسلمة كانت تعالج بشكل أكثر عدالة وإنصافا لأن القرآن واضح في محاربة التمييز ضد المرأة وفي إدانة كل الممارسات الجاهلية، وواضح في إقرار المساواة بين الجنسين. إلا أن المرأة تعاني من معاملات مسلمين ألبسوا أعرافا وتقاليد لبوس الإسلام وهو منها براء. وقامت المرأة الغربية قبل الشرقية لتصحح وضعها في التاريخ الحديث، فهي لا تزال إلى الآن تعاني من عدم المساواة في
الأجور، وتعاني من النظرة الشهوانية، وتعاني من العنف المنزلي، بالإضافة إلى معاناة كثيرة، لذلك قامت في القرن التاسع عشر وأنشأت حركة نسائية بدأت بتوعية المرأة، ثم شاركت في العمل السياسي بدءا من الانتخاب إلى تقلد مناصب اتخاذ القرار ودعت إلى المساواة في الأجور، ثم بدأت تتكلم عن قضايا أخرى ذات طابع حقوقي اجتماعي سياسي إلى أن وصلت إلى مرحلة متطرفة في نهاية الستينات من القرن الماضي تحولت معها إلى حركة أنثوية و ''راديكال فيمينيزم''، و''جندر فيمينيزم''، وكلها للأسف حركات متطرفة، تعالج قضايا المرأة خارج الإطار الإنساني المطلوب، وتنظر للمرأة كأنثى وكائن مجرد عن السياق الاجتماعي.
هذه الحركة للأسف تقود الآن خطابا دوليا لمعالجة قضايا المرأة، وتضع المرأة في موضع غير طبيعي.
''الجنـــــدر'' و''الفيميـــــــنيزم'' وغيرها مصطلحات تتردد على الألسن في المنتديات، إلا أن القليل من يفهم مراميها، هلا سلطتم الضوء على مغزى هذه المصطلحات، وما المقبول منها وما المردود؟
كلمة ''الجندر'' وغيرها من الكلمات تأتي في سياق مناقشة قضية في غاية الأهمية، فالغربيون في بداية الأمر أرادوا إعادة صياغة اللغة بشكل جذري يعالج قضايا
المرأة بشكل أكثر عدلا ، إلا أنهم لم يوفقوا في هذا الأمر، فأتوا بمصطلحات لا تخدم قضية المرأة بقدر ما تخدم تشويه قضيتها. وكلمة ''الجندر'' هي من ضمن هذه الكلمات إذا أخذناها بتعريفات معينة. أما إذا أخذناها كما يأخذها الباحثون الاجتماعيون الذين لا ينظرون إلى تفاصيل الظلال الفلسفية للكلمة، فكأنه تعبير عن المساواة بين الجنسين، أو تعبير عن الفروقات التي نتجت للمرأة على أساس ثقافي، وينظرون للكلمة ببراءة ويوظفونها توظيفا أكاديميا بحثا فلا بأس. إلا أن كلمة ''الجندر'' لها ظلال أخرى سيئة، فالكلمة تستبطن نوعا من الإنكار للذكورة والأنوثة وتحاول تجاوز الفروقات بين الذكر والأنثى، وهذه النظرية نابعة من الحركة الأنثوية المتطرفة التي لا ترى أية فروق بين الجنسين، سواء منها السيكولوجية أو البيولوجية، وبالتالي لا تبيح وجود أي خصوصيات للجنسين في سن القوانين أو رسم الواجبات. هذه الحركة ترى بأن الفروقات ناتجة عن التنشئة الاجتماعية، وليست لها أية علاقة بالواقع البيولوجي والسيكولوجي للمرأة والرجل. ونحن نعتقد أن هذا تطرف لأنه بدون شك هناك تمايز بين الرجل والمرأة، وهناك مفاضلة متبادلة، إذ أن هناك أشياء تتميز فيها المرأة على الرجل، وهناك أخرى يتميز فيها
الرجل عن المرأة.
والدفاع عن قضايا المرأة لا يجب أن ينسينا أنها كائن بشري له خصوصيات معينة وكذلك الرجل. وليس بالضرورة أن يكون فضل للواحد على الآخر بل هو تفاضل متبادل بين الطرفين يوجب التكامل.إن كلمة ''جندر'' تأتي في سياق عدة كلمات تريد أن تعطي للمسميات أسماء أخرى. ومن أمثلة الأسماء التي تغيرت لتتواءم مع المفاهيم المتطرفة قضية طفل الزنا، كانوا يسمونه مولودا غير شرعي ثم سموه مولودا طبيعيا ليسموه في الأخير المولود الحر، مما يجعل منه طفلا مثاليا. فهذا التغير في اللغة تغير خطير. الحركة النسائية كانت تسمى ''تحرير المرأة'' والآن تسمى ''فيمينيزم'' وهذه الكلمة مأخوذة من الأنوثة، إذ تنظر إلى المرأة كأنثى مجردة عن السياق الاجتماعي كأخت أو أم أو جدة أو زوجة. وهنا المسألة تختلف إذ يبرز هنا طابع الصراع بين الذكورة والأنوثة مع التجريد من العلاقات الإنسانية. إن كلمة ''الجندر'' تأتي في سياق المواكبة للتغيرات التي حصلت للفكر الأنثوي الغربي في اتجاه التطرف. وكلمة ''الجندر'' تستبطن تعريفات كثيرة لا نستطيع تحديد تعريف واحد لها. وكل مدرسة تعطي مضامين معينة، ولكن هذه الكلمة لها بعض التفسيرات التي تتجاوز الذكورة والأنوثة بشكل واضح وتريد أن تكرس حالة من الإنكار لهذه الحقائق.
ما موقع اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل من التعامل مع مثل هذه المصطلحات السابقة الذكر؟
بخصوص كلمة ''الجندر'' نفضل رفضها، على اعتبار أن الكلمات غير محددة المعاني تسبب إرباكا حقيقيا في أي صياغات تتعلق بالقوانين، ونفضل الابتعاد عن استعمالها، وهذه مشكلة لا تزال متداولة حتى في أوساط الذين يصوغون القرار في دوائر الأمم المتحدة، لأن الشعوب تريد لهذه الكلمات تعريفات محددة. وقد تتم معالجة المشكل بوضع كلمة جندر مرفقة بذكر أنثى. وهذا التعريف ليس كافيا. ونحن نطلب من اللجان الدولية أن تقول لنا بالتحديد الواضح وبلغتنا الترجمة الحقيقية للجندر، فمرة يفسرونها بالنوع ومرة يفسرونها بالهوية الجنسية، ومرة أخرى يسمونه بالنوع الاجتماعي، وأخرى بالجنوسة.. وهكذا هذه المصطلحات الهلامية التي تحتمل مضامين مختلفة لا نوافق على بعضها، فالمفروض أن نضغط جميعا حتى لا يتم إقرار هذه الكلمات في صياغة القوانين. فاللغات الشرقية والغربية غنية بكلمات لا تحتمل كل هذا الجدل.
إذن ما هي البدائل المقترحة؟
نفضل في الحالة التي تحتمل الكلمة معنى المرأة والرجل، نذكر المرأة والرجل، أو نقول ''الجنسين'' بدل الجندر وذلك لتجنب التمويه. فالجندر كلمة غراماتيكية ولا تعني الجنسين. وإن استخدام الكلمة دون مراعاة معانيها الفلسفية ليس مشروعا.
لماذا في نظركم اهتمت الحركات النسوية الغربية بالمرأة عوض الأسرة في كليتها؟
الفلسفة الغربية قائمة على أسس ليست كالتي نفكر بها نحن في المنظمات الإسلامية، فالفلسفة الغربية في مجال القضايا الاجتماعية والحقوقية قائمة على الفردية، ولذلك عندها الأصل هو الفرد، ذكرا كان أو أنثى، وليست الأسرة هي الأصل، ونحن نعتبر أن الخلية الأساس لتأسيس المجتمع واستمراره، واستمرار الحياة البشرية هي الأسرة. وهذا لا يعني أننا نكبت التطلعات الفردية في الإسلام، إلا أنها في إطار أن لا تتناقض مع حقوق الأسرة وحقوق المجتمع، فالمرأة والرجل لابد أن ينضبطا بإطار يخدم استقرار الأسرة وسعادتها دون أن نضع الأسرة فوق الفرد، كما لا يمكن للأسرة أن تستقر إذا وضع كل فرد مصلحته وأهواءه فوق كل اعتبار. فالأسرة تعطي السعادة للأطفال الأبرياء الذين ليس لهم ذنب في أن يقاسوا معاناة ليس لهم دخل في إيجادها. الأسرة هي التي توفر المحضن للأبناء، وهي التي تضمن للمجتمعات البشرية توارث القيم، فالأسرة بهذا هي مصدر سعادة البشرية. والعالم يتفق معنا في هذا التوجه، إلا أن الذين يفكرون تفكيرا موغلا في الفردية،- وهذا من عيوب الفلسفة والحضارة الغربية- لما ينظرون إلى المرأة، يتناسون أنها قد تكون أما أو أختا أو زوجة أو بنتا مسؤولة. فحينما نتناسى الوضع
الاجتماعي للمرأة داخل الأسرة ندمر المجتمعات البشرية وسعادتها واستقرارها، والذين يكونون الضحية ليس هم الكبار الذين يمارسون هواهم وإنما الصغار الذين يمثلون مستقبل الأجيال اللاحقة.
تناولتم في كتابكم حركات تحرير المرأة من المساواة إلى الجندر: ''دراسة نقدية إسلامية'' مصطلح العولمة، كيف يجب التعامل معه هو الآخر؟
الأطراف الأخرى التي تختلف معنا نحن كتوجه إسلامي، ترى أن الأساس أن تكون هوية وقوانين واحدة للعالم، إذ ينادون مثلا أن تكون اتفاقية ''سيداو'' مرجعية متفق عليها للجميع في ما يخص قضايا المرأة. ونحن نعتقد أن العولمة لا يجب عليها أن تتغول على هويات الشعوب، بل يجب اعتبارها تطورا طبيعيا للحضارة الإنسانية، في اتجاه التواصل والتبادل والتلاقح والتزاور، وهذا كله أمر إيجابي ويخدم مصالح الجميع.
فالعولمة يجب أن تبقى آلية لخدمة المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية للجميع، بحيث يتحرك الإنسان والمعلومات باتجاهات متباينة دون حواجز تمنع تلاقي الأفكار وتلاقحها، لكن حين يأتي طرف مهيمن على ساحة العولمة ويريد مثلا أن يؤمرك العولمة أو يغربها ويعطيها صبغة معينة، في هذه الحالة نعتبر أن العولمة، التي تسحق الهوية مرفوضة بكل المعايير، لأنها لا تخدم النمو الحضاري، بل تقضي على جمال الحياة الإنسانية، ما دام جمالها في تنوعها وغناها الحضاري.
ونحن المسلمون نعتبر هذا التنوع قدرا إلهيا أراد به للناس أن يتعارفوا، إذن هذه الميزة التي أغنت الحضارة الإنسانية لابد أن نعض عليها بالنواجذ، وأية عولمة تريد أن تزيل خصوصيات هويات الشعوب وتمسخها هي عولمة متغولة ومتوحشة مرفوضة، وخصوصا منها ما تعلق بقضايا المرأة، والتي تعالج في إطار الثقافة الاجتماعية الموجودة.
لابد من مراعاة السياق الاجتماعي، وكل المفاهيم تطبق من خلال الإطار المحلي، أما القفز على الثقافة ومحاولة التنكر وحرق المراحل عبر فرض المفاهيم بواسطة الضغوطات والإجراءات الدولية والاتفاقيات، التي تلزم بها الدول إلزاما رغم عدم اتفاقها مع مفاهيمها، بل حتى الذين يوقعون عليها نيابة عن شعوب معينة لا يحكمون في أسرتهم بهذه المفاهيم.
ولابد أن تبقى الشعوب محتفظة بهوياتها دون أن نقر الظلم على المرأة تحت تبرير ثقافي معين.
ففي ثقافتنا الإسلامية مثلا لنا طريقة خاصة لتوزيع الميراث، ولم يقصد بها أبدا التمييز ضد المرأة والوثيقة الدولية ''سيداو'' يجب أن يكون همها أن تبحث هل هذا القانون معمول لأجل التمييز ضد المرأة، وليس المهم كيف هو شكل القانون.
ومن جهة أخرى كل محاكم العالم لها طريقة خاصة في إثبات الشهادة بالتفريق بين الذكور والإناث، لكن طريقة الإثبات هذه لم تقصد التمييز بين المرأة والرجل، بل هناك قضايا تخص الرجال وأخرى تخص النساء.
وفي ما يخص قضية شهادة المرأة في الإسلام فهذا الأخير ركز على إثبات الجريمة ولا يهمه أن الذي قدم الشهادة رجل أو امرأة، بل إن الإثبات يتأثر بالذكورة والأنوثة أحيانا، هذا بالإضافة إلى أن هناك قضايا تكفي فيها شهادة المرأة الواحدة وتتعلق بتخصصها ومجالها.
ألا ترون أن انسياق بعض نساء العالم الإسلامي وراء الدعاوى الغربية في قضية المرأة نابع من عدم تطبيق المسلمين لما كرم به الإسلام المرأة، أو نتيجة لتفشي عادات وتقاليد مسيئة للمرأة ويتم إلباسها لبوس الدين؟
أجل تتفشى في المجتمعات الإسلامية أعراف جاهلية، وهي ممارسات ظالمة ضد المرأة، وأحيانا تلبس لباس الدين وهو منها براء، وهذا ما يدعم الاتجاه القائل بأن هناك تمييزا ضد المرأة. في حين أن الدين جاء ليقوم الناس جميعا بالقسط. قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )، الناس جميعهم مسلمون وغير مسلمين ذكورا وإناثا يجب أن يقوموا بالقسط.
وهناك أناس يلصقون بعض العادات بالدين وهم يعلمون أنه منها براء، كما أن هناك من يقدم تفسيرات للدين ليست عادلة.وينبغي التذكير بأن المقدسات الثابتة متفق عليها بينما تبقى المساحات الشاسعة للاجتهاد البشري المتواكب مع مقاصد الشرع مطلوبة على الدوام.
وهناك بعض التقاليد يريد أصحابها التستر بالدين بشأنها بينما فيها نوع من التسلط الذكوري والأمراض الاجتماعية. ويبقى ذلك كله أثرا من آثار التخلف، الذي هو داءنا الأساسي في فهم الدين والحضارة.
ويتحتم على الذين يريدون أن يعالجوا قضايا المرأة من خارج إطار الدين الإسلامي أن يعلموا أنه لا يمكن إصلاح المجتمعات الإسلامية إلا بالإسلام، فالمجتمعات الإسلامية مجتمعات يتغلغل الدين في أعماقها، ومعظم الشعوب لا يزال الدين هو المنظر الأساس لمفاهيمها وتقاليدها.
كيف يمكن في نظركم لجمعيات ذات توجهات إسلامية أن تستفيد من تمويلات هيئات أممية مع الحفاظ على أصالتها ومفاهيمها في معالجة قضايا المرأة والأسرة؟
من وجهة نظري الشخصية أدعو المنظمات النسائية الإسلامية إلى السعي للتوافق مع المنظمات الدولية وأخذ التمويل منها، شريطة أن لا تفرض عليها أجندة أجنبية لا تخص مجتمعاتها. ولابد أن نكون واضحين مع هذه المنظمات أن هناك مساحات كثيرة متفق عليها يجب الاستفادة منها والتحرك من خلالها وترك مساحات الاختلاف حفاظا على قضايا المرأة وحفاظا على تنمية مجتمعاتنا.
يجب استثمار الجوانب الإيجابية في هذه الوكالات الأممية فهذا أسلوب تعامل المسلمين مع الآخرين: (قل تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم )، هذه الكلمة في ما يخص قضايا المرأة تعني أولا أن قضايا المرأة في الغرب ليست كلها مثل قضية المرأة في الشرق، فهذه الأخيرة تعاني من الفقر والأمية والتخلف تحتاج إلى أموال الأمم، فهي ليست أموال جهة بعينها، لوضعها في الإطار الصحيح من أجل التنمية البشرية الحقيقية.
وبالمناسبة فالذين يأتون إلى البلاد الإسلامية ليدافعوا عن الشذوذ الجنسي مثلا يجب أن يعلموا أن هذه ليست القضية الرئيسية للمجتمعات الإسلامية، بل هي جزئية بسيطة إذا ما قورنت بالقضايا الحقيقية المذكورة آنفا.
ومع ذلك ينبغي الوقوف أمام أي خطر مهما كان حجمه دون أن تضخم القضايا وتعطى أكبر من حجمها الحقيقي. ولما تأتي منظمات وتركز على ''الجنس الآمن'' فنحن في مجتمعاتنا الإسلامية لا نؤمن بشيء اسمه الجنس الآمن للمراهقين، بل على المراهق أن ينمي ذاته بما في ذلك تنمية العفة.