زواج "الوناسة"! مصطلح جديد يُضاف إلى المصطلحات الكثيرة التي درجت في السنوات الأخيرة في قاموس الزواج.. وما أكثرها! المسيار والفراند والمصياف والمسفار والمحارم والإنجاب! حتى أن البعض توقّع "أصنافاً" أُخرى جديدة كزواج المطيار والمصياع والمحجاج والمسياق والمهراب والمقراض.. ولا أدري إن كانت توقعاتهم هي على سبيل السخرية أم هي فعلاً ما سنجده في قابل الأيام تلبية لحاجات الناس ولمتطلبات العصر!
أما عن ماهية هذا الصنف الجديد من الزواج فيشرح المأذون السعودي أحمد العبّي أنه "ارتباط رجل كبير في السنّ بامرأة في كامل صحتها ونشاطها لتعتني به، بشرط تنازلها عن حقها في المعاشرة الزوجية، غير أنها تتمتع بكامل حقوقها الأخرى، مثل المهر والإنفاق والسكن، إضافة إلى المعاملة الحسنة التي يستوجبها أي عقد نكاح"..
حقيقة يقف المرء مشدوهاً أمام هذه المسمّيات والأسماء.. فلِمَ هذا التصنيف؟ ولِم كل هذه الأسماء؟ ولِم هذه التعقيدات والخوض كل مرة في مشروعية هذا النوع من العقود أو ذاك؟ ولِم كلما اختلفت الظروف أطلقنا على الزواج اسماً يناسب الظرف المستحدّث؟! وهل انتهينا من كل مشاكل ومصائب الأُمّة ولم يبقَ إلا أمور الزواج لنستنبط أسماءاً وظروفاً وأحكاماً لها؟
ما يعرفه الجميع أن الزواج هو عقد فيه إيجاب وقبول وشهود ومهر ووليّ.. وأيّ زواج مستكمِل لهذه الشروط والأركان يُعتَبَر زواجاً شرعياً.. فالعبرة بالمضمون وليس بالإسم! ولكن يبقى السؤال المهم: هل هذا الزواج مقبول في مجتمعاتنا أم لا؟ وهل تتحقّق منه مقاصد الشريعة؟ هنا بيت القصيد..
ولنعُد مرة أُخرى إلى ما يسمّى بزواج الوناسة.. فهو زواج شرعي ولا يمكن أن نحرّم ما أحلّ الله جلّ وعلا..
ولكن.. لنتوقف عند أسئلة قد تفضي بنا إلى مدى جدوى هذا الزواج.. فما هو الزواج أصلاً؟ ولِم شرّعه الله جل وعلا؟ وما هي مقاصده؟
يقول العلامة القرضاوي حفظه الله تعالى: "الزواج في الإسلام عقد متين وميثاق غليظ، يقوم على نيّة العشرة المؤبّدة من الطرفين لتتحقّق ثمرته النفسية التي ذكرها القرآن -من السكن النفسي والمودة والرحمة- وغايته النوعية العمرانية من استمرار التناسل وامتداد بقاء النوع الإنساني " والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة "..
ويضيف الدكتور وهبة الزحيلي أستاذ الشريعة بالجامعات السورية: "شرّع الله الزواج لأهداف متعددة، منها تكاثر النسل والحفاظ على النوع الإنساني وإنجاب الذرية، ومنها تحقيق العفاف وصون الإنسان عن التورط في الفواحش والمحرّمات، ومنها التعاون بين الرجل والمرأة على شؤون العيش وظروف الحياة والمؤانسة، ومنها إيجاد الود والسكينة والطمأنينة بين الزوجين، ومنها تربية الأولاد تربية قويمة في مظلة من الحنان والعطف ."
فتُرى.. هل تتحقّق في هذا الزواج معاني الإعفاف والتحصين والسكن وإعمار الأرض والاستخلاف؟
وهل ستشعر المرأة بأنوثتها وتحقِّق مفردات الأمومة التي زرعها الله جل وعلا فيها؟
ولئن استطاعت طمس فطرتها الجسدية - التي فطرها الله جل وعلا عليها لهدف سامٍ - فكم من الوقت ستبقى مُطمسة؟
وإن قبلت المرأة بهذا الزواج نتيجة لأسباب قاهرة وظروف صعبة خاصة المادية منها وانتقلت من مستوى مادي إلى أفضل منه أفلن ينتج عن هكذا زواج مشاكل نفسية عندها وتعقيدات قد تؤثّر عليها من جهة حرمانها من حقوقها كزوجة؟
إن المرأة في هذا الزواج هي أشبه بخادمة أو ممرّضة باعت مشاعرها وأحاسيسها وحقوقها ودفعت ثمن "حياتها" باهظاً وتحمّلت هي وحدها نتائج الانهيار الاقتصادي والتفكك الأسري والضعف الذي تعاني منه النساء في مجتمعاتنا العربية..
وفي المقابل.. ما الذي يجعل الرجل يلجأ إلى نساء صغيرات ليقمن بدور "الممرضات"؟ ألا يوجد بين محارمه من يقوم بهذه الرعاية له؟ ألا يوجد خادمين ذكور ليهتموا به؟
وقد يفكر البعض أن الاستعانة بامراة مطلّقة أو أرملة هو حل.. ولعل لي رأياً مغايراً في هذا الموضوع.. فالمطلقة عادة ما تكون قد عانت من زواجها الأمرَّين وليس من العدل أن نرمي بها في جبّ التمريض فقط لأنها لم تفلح في زواجها الأول! انها ليست كما يعتبرها بعض الشرقيين "دون" وبذلك يُعتَمَد عليها لإغلاق الثقوب في الحياة الاجتماعية!
أما الأرملة فإن كانت كبيرة في السن فيمكنها مراعاة هذا الرجل كما تراعي أولادها.. ولكنها إن كانت شابة ولها متطلبات فما الذي يختلف في وضعها عن النساء الأُخريات؟!
ومن ناحية أُخرى قد يجد البعض بعض الايجابيات في هذا النوع من الزواج فيقول:
- الحياة ابتلاءات وتحتاج من البعض نوعاً من التنازلات وهذا الزواج قد يكون أملاً لمن لا تجد قوتها
- يمكن اعتباره زواج المصلحة المتبادلة فهو يقدّم المال وهي الخدمة
- يمكن للمرأة الاستفادة من ميراث الزوج فيكون كتعويض لها ولربما تتزوج بعد موته بمن تريد
- قد يكون حلاً لمشكلة العنوسة والمطلقات والأرامل أو للواتي يشكين من برود جنسي
ولكل نقطة ردّ مناسب لها ولكني أختصر القول بأن الحياة الزوجية ليست مسرحاً لترفنا الفكري واسداء النصائح العبثية.. بل انّ أي قرار يُتَّخَذ في الزواج قد يترتّب عليه شقاء يلاصق المرء حتى يضمّه قبره ولا ينسلخ عنه مهما حاول ذلك.. والخاسر الأكبر هو العائلة المسلمة التي يجب ان تكون محضناً لرواحل الأمّة!
ولعلّ أخطر ما في الموضوع أن المرأة قد تلجأ إلى الحرام لإشباع غريزتها فهي بالمعيار الحقيقي ليست متزوجة بمعنى الزواج الكامل المحصِن وليست حرّة لتختار زوجاً يعينها على العفاف..
ومن بين الحلول المطروحة لهذا المسِن ولهذه المرأة حتى لا تُضطَر إلى القبول مرغمة بهذا الزواج..
- تحسين الوضع الاقتصادي والقضاء على الفقر ومحاربة الغلاء
- تقليل المهور وتسهيل عملية الزواج للشباب والقضاء على مشكلة العنوسة
- تأمين فرص العمل للمطلقة والأرملة ليصلن إلى الاكتفاء الذاتي
- اللجوء إلى المرأة العِنِّينَة للزواج بها
- اعتماد الممرضين الرجال للرعاية
وأنهي كلامي في هذا الموضوع بتساؤل: ألم يكن في زمن الحبيب عليه الصلاة والسلام هذه الظروف التي تجعلنا نخترع كل يوم مسمّى جديداً لقضايانا؟ ما الذي جعلهم يجدون الحلول المنطقية دون اللجوء إلى التعقيد في كل مسألة؟ بل كان مجتمعهم من أرقى المجتمعات وقرونهم خير القرون؟!
ونردّد ما بتنا نستحي من تكراره! أين هبّة العلماء ليضعوا حداً لهذه الصرعات؟!
وأخشى ما أخشاه أن نصل لليوم الذي يأتي الرجل فيه للمأذون فيسأله: أي نوع من الزواج تريد.. هذا "بروشور" جاهز.. فانتقِ