ما يحدث اليوم من ازدواجية في المعايير، وسياسة الكيل بمكيالين، وفرض الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية من الدول المتحالفة في الخفاء والعلن بقيادة أمريكا نتيجة طبيعية لتنامي نشاطات الحركات الإسلامية في العالم اجمع، وتوجس من الصراع بين الحضارتين الجارتين، لان القوة العظمى في العالم من حيث الترسانة العسكرية والقوة الاقتصادية قد انحاز إلى الصلف الصهيوني ضد المسلمين في كل من فلسطين وأفغانستان وكشمير ووو ، وهم على يقين بأن الحركات الإسلامية تقف سداً منيعاً وحصناً حصيناً أمام التهام خيرات الشرق والعالم الإسلامي مقابل دراهم بخس معدودات، وهذه تشكل خطرا على مصالح الدول الكبرى والمهيمنة على العالم من حيث القوة الاقتصادية، وتجاهد هذه الحركات من اجل استقلالها في القرار والإرادة، والتخلص من التبعية المذلة للغرب في كل شيء…فهي إذن القطب الثاني المنتظر التي ترجح كفة الميزان، من عالم ذا قطب واحد إلى عالم ذا قطبين، وتوحد الصف الإسلامي في جامعة كبيرة ورصينة، لان الإسلام جاء بكلمة التوحيد لتوحيد الكلمة، والتوَّحد في الفكر والرؤى لابد أن يسبق كل التوحدات الأخرى، لان الفكر يقود ويؤم الإنسان، ففي الماضي القريب قال الفيلسوف الإسلامي \"إقبال\" :
نحن من نعمائه حلف إخاء قلبنا والروح واللفظ سواء
الفكر الإسلامي نقي وصفي، هكذا ينظر إليه المناؤين والمتربصين بالدوائر على الفكر الإسلامي، لانهم قرؤوا أصوله واسسه، وتعالوا عن الفروع والجزئيات التي غالبا ما تؤدي إلى ظهور الخلافات فيها، مما تؤدي إلى القطيعة والتدابر بين أصحاب وأشياع الفكر الواحد، وهم يحَّكمون عقولهم في تقيم الأفكار والمباديء، ونحن ما زلنا يحكمنا عواطفنا، والحق هذا هو الفارق الجوهري بيننا وبينهم، فما اكثر اهتمامنا بالجزئيات والفروع والخلافات في وقت نحن بأمس حاجة إلى ما يجمع الصف ويوحد الكلمة .
والوحدة في الصف والهدف والقيادة مطلب شعبي، لكل الدول الإسلامية لمواجهة المتغيرات السريعة على الساحة السياسية والاقتصادية العالمية، في حين ان السلطات الرسمية في الدول الاسلامية والعربية رغم ادراكها لاهمية الوحدة والتوحد ولكنها تتغاضى عنها بسبب الاجندات الخفية التي تفرض عليها وتشجعها في بقائها على ما هو عليه من التفتت والخلافات الكثيرة بين هذه الدول، لان الوحدة تجعل منهم قوة سياسية واقتصادية كبيرة تقابل القوة المهيمنة على العالم، وينقذ العالم من هذا الاخلال في التوازن السياسي، ويرجع العالم الى قطبين بدل من القطب الواحد، وهذا الامل معقود فقط بالحركات الاسلامية، وهناك عوامل كثيرة للوحدة في العالم الاسلامي منها:
(1) العامل العقدي: وهي الرابطة والوشيجة الايمانية بين كل المسلمين من الشرق الى الغرب، فان المسلم اخو المسلم، والعقيدة هي رابطة الوحيدة المشتركة بين أفراد الدين الواحد، والروح السارية فيهم، ولذلك كانت الأخوة الدينية بين المسلمين هي أصدق تعبير عن هذه الوحدة المشتركة التي قررها القرآن الكريم بقوله (انما المؤمنون اخوة)، وكذلك قررها الرسول الكريم (): (المسلم أخو المسلم).
(2) العامل الجغرافي: دول العالم الإسلامي التي تقع في قارتي آسيا وأفريقيا، والتي تبلغ عددها (56) دولة، أراضيها متراصية ومتصلة بعضها ببعض دون أن يفصل بينها دولة أخرى غير إسلامية، وهناك تواصل رحمي بين سكان الدول المتاخمة والتي فصلتها أيادي الاستعمار والإمبريالية العالمية بالحدود المصطنعة، عليه نقول بأن الشعور الشعبي تجاه الوحدة الإسلامية كبير وغامر رغم المخلفات السلبية التي صنعتها حكومات هذه البلدان الإسلامية مع بعضهما البعض، فالعامل الجغرافي تدعم الوحدة المنشودة بصيغة عملية معاصرة لمواجهات الأتحادات العالمية.
(3) عامل التأريخ والتراث: فالامة الأسلامية لها تأريخ مشترك، وتراث إشترك فيه كل القوميات الموجودة في العالم الإسلامي، فبنوا صرح الحضارة الإسلامية متعاونين ومتكاتفين، ولكل جهد مقدر في بناء هذه الحضارة الكبيرة.
(4) عامل العصر: منطق العصر الحاضر هو الوحدة والتوحد، وغض الطرف عن الماضي الذي فيه الجراحات والآلام التي من الصعب أن تنسى، ولكن منطق المصلحة المشتركة تفرض عليهم هذه الوحدة دون الإلتفات الى الماضي لأجل مواكبة متغيرات العصر في كل نواحي الحياة (الاقتصادية والسياسية والاجتماعية و)، فعلى سبيل المثال الدول الاوروبية قبل عقود كانو في حرب ضروس مع بعض ولكن اليوم يتوحدون في إتحادات في النواحي (السياسية والاقتصادية و)، وحدوا العملة، ورفعوا الحدود بين بلدانهم، وكونوا قوة عسكرية موحدة لحفظ أمنهم، هؤلاء رغم الجراحات الدامية الى الآن تعالوا عليها وبنوا وحدتهم لاجل مصلحتهم، ولكن العالم الاسلامي مع أنه لم يحصل فيه مثل ما حصل في أوروبا، ولهم عوامل كثيرة للوحدة الإ أنهم متفرقين ومتناحرين، ولا يجمع بينهم في يومنا الإ الرسم والإسم، مع أن منطق العصر يتطلب الوحدة على الأقل مثل أوروبا، فان مواجهة هذه العاصفة الآتية من الغرب في الثقافة والأخلاق والنظم السياسية لا تتم الإ بالوحدة والتوحد.
(5) عامل المصالح المشتركة: أعتقد بأن المصلحة العليا للدول الإسلامية قاطبة مشتركة، وهي إنتشار الثقافة الإسلامية، وأسلمة المؤسسات والدوائر الرسمية، وهذا واجب رباني على عاتقهم لابد من تجسيدها على أرض الواقع، وماضي العالم الإسلامي خير شاهد على ما نقول اذ الهم واحد شرقا وغربا كان تحكيم شرع الله لاجل اسعاد البشرية، وإنقاذها من براثن الشرك والفساد، وأزعم بأن دولنا في العالم الإسلامي تحتاج الى هذه الحملة التي تصلح كل ما أفسده الزمن، وتنور المسلمين بدينه الصحيح، والذي أصابهم الجهل المركب حول دينهم.
(6) عامل العدو المشترك: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم)، هذا كلام خالق الخلق والخليقة، العارف بمكنونات النفس البشرية، والعالم بسبب الصراع بين الخير والشر والحق والباطل، فاليهود والنصارى رغم صراعهم الدموي الطويل، وأتهام النصارى اليهود بقتل عيسى \"عليه السلام\"، لكنهم في العصر الحاضر أدركوا المهددات الحقيقية لوجودهم، كما أدركها سلفهم مع نبينا فجمع ألاحزاب لاستئصال شأفة المسلمين ولكن خاب ظنهم وفألهم، وأيد الله جنده بنصر من عنده والله قوي عزيز، فتوحدوا وتسامحوا، فغفر البابا رسميا في مجمع فاتيكان الثاني سنة 1966م لليهود وبرأهم من دم سيد المسيح \"عليه السلام\"، وما فعلوا هذا الإ من أجل مصلحة أعلى من هذا بكثير، وفي يومنا سيطرت اليهودية الصهيونية، أو الحركة الأنجيلية على وسائل الإعلام، ومواقع إتخاذ القرار في أكبر دولة في العالم، فهم الآن يحكمون العالم، ولهم في كل حدث وحادث مصلحة يريدون تحقيقها، ومصلحة الدين عندهم فوق كل المصالح، فهل العدو المشترك تدعم خطة التوحيد العالم الإسلامي؟
بعد ذكر عوامل الوحدة الإسلامية، وأفضل أن تكون في صيغة عصرية مثل دول أوروبا بل وأكثر تطوراً، كي يصبح القطب الثاني الذي ينافس القطب الواحد الذي يسيطر على العالم ألان بكل خيله ورجله، وينحاز علنا الى الصلف الصهيوني في فلسطين، ويعيث في الأرض فساداً، وجدير بالملاحظة بأنهم يتكهنون عن هذه الوحدة ففي كتاب (TOTAL WAR 2006) حرب شاملة عام 2006م من تأليف سيمون بيرسون الذي يعمل حالياً مستشاراً عسكرياً للحكومة البريطانية، ولخصه الأستاذ محمود الخطيب في مجلة المجتمع العدد \"1537\" يتحدث عن تحالف بين جمهوريات ودول الشرق الأوسط ويقود هذا التحالف أصوليون مسلمون بقيادة كردي مسلم يعود من أوروبا ليوحد القوى الإسلامية (صلاح الدين جديد)، وأختم المقال بطرح هذا السؤال، هل العالم الإسلامي المتمثلة في مؤتمر العالم الإسلامي بدأ بوضع خطة لتوحيد العالم الاسلامي في الرؤى للاحداث كمقدمة للوحدة الأقتصادية، ورفع الحدود المصطنعة بينها، أو تسهيل إجراءات السفر بين هذه الدول في المؤتمر؟