الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن كتابة مناقب عظماء الرجال وحصرها وبثها لهو أمر من أجل الأعمال وأحسنها، خاصة في هذا الزمان الذي قل فيه العظماء، واحتاج الناس إلى سير قدوات يقتدون بهم في أخلاقهم وسلوكهم في خضم بحر هائج متلاطم من السخافات الإعلامية يظهر فيها كل تافه وتافهة اتخذهما الناس قدوة لهم في هذا الزمان الصعب.
ثم إن نشر سير ومناقب العظماء ممن قد تخفى مناقبهم وسر عظمتهم على كثير من الناس لهو أمر محمود مهم، وأزعم أن أستاذنا بديع الزمان النورسي هو من جملة هؤلاء الذين ضحوا وقدموا، وبذلوا وأعطوا، وهان عليهم بذل أرواحهم في سبيل نصرة هذا الدين، ثم لم يكلف أبناء الزمان أنفسهم للوقوف على أعمالهم، واستقصاء سيرهم وأخبارهم ، وهذا هو أقل درجات الوفاء تجاههم لكن لعمر الحق إن أهل هذا الزمان قد قصروا تقصيراً بيناً في تحصيل هذا الأمر، وتراخوا وضعفوا حتى وقع المحذور ألا وهو عدم وقوف أكثر الناس على أخبارهم وتفاصيل حياتهم التي هي في غاية الأهمية لكل من يريد تجديداً للدين، أو يروم رفعة للأمة وسيادة لها وتمكيناً ؛ لأن حياة أولئك تجربة فاخرة، وخبرة ثرية تحتاجها الأجيال في طريقها للنصر والتمكين، وقصة كل واحد من هؤلاء العظماء مشاعل هداية ومعالم على الطريق لا يمكن إغفالها ولا تجاوزها .
أما أستاذنا بديع الزمان النورسي فإن الداعي للكتابة عنه أعظم، والناس إلى سيرته أحوج؛ وذلك لأنه تغمض جوانب كثيرة من سيرته على جل المثقفين من المسلمين، ربما باستثناء تركيا، ولذلك أحمد لإخواننا من جماعة النور إقامة مثل هذه الندوة التي تعرف بجانب من حياة الأستاذ وعمله، فهم بذلك يقضون حق الأستاذ، ويوفون له، ويعرفون سائر المسلمين بسيرته العطرة، وليتهم إذ صنعوا هذا يكملون صنيعهم بإقامة ندوات أخرى تشرح سائر جوانب سيرته الأخرى حتى يجعلوها بارزة ظاهرة، وهذا أقل ما يجب في حق هذا الرجل العظيم .
وأزعم أن إخواننا الأتراك قد فعلوا بندوتهم هذه ما لم يفعله كثير من المسلمين الذين أغفلوا سير عظمائهم وروادهم، فلا أملك إلا أن أدعو الله لهم بالتوفيق والسداد، وأن يثيبهم على صنيعهم خيراً.
وأشكرهم إذ أحسنوا بي الظن، وقدموني لأتحدث في هذا المحفل العطر عن سيرة حياة رجل تتضاءل كثير من القامات وتنحني كثير من الهامات أمامها، لكن هكذا قدر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأسأل الله التوفيق والإعانة، فيما توخيته من الإبانة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وأزكى الصلاة وأسنى التسليم على خير خلق الله أجمعين، وآله وصحبه الغر الميامين.
وكتـبـه
محمد بن موسى الشريف
بين يدي البحث
إن المنشئ للدعوات، والمؤسس للجماعات له الأثر الأكبر على دعوته في كل زمان ومكان، سواء أكانت تلك الدعوات والجماعات إسلامية أم غير إسلامية، والناظر في التاريخ يدرك ذلك ويعرفه، فأسماء مثل حسن البنا، ومحمد الياس الكاندهلوي مؤسس جماعة التبليغ، وأبي الأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية، وأسماء أخرى قديمة وحديثة كان لها أثر كبير جداً في قيام الدعوات والحركات والجماعات التي أسستها وأوقفت عليها جهدها ووقتها وحياتها، فكان ذلك العمل المقدم هو الغيث الذي أنبت الثمار بعد ذلك، ولم يشذ الأستاذ بديع الزمان النورسي عن هذه القاعدة؛ فجهاده في سبيل الله تعالى وتحمله لأشد أنواع الأذى من السجن والنفي والتضييق والحجر، وكتاباته الإيمانية وكلامه المؤثر، وصبره العجيب، وحسن صلته بالله تعالى كل ذلك كان بمنـزلة لبنات الأساس في البناء الإسلامي الذي سمي بالنور بعد ذلك، ولولا الأنوار التي أفاضها الله تعالى على ذلك الأستاذ في زمن الظلام لما أضاءت جماعة النور، ولولا توفيق الله تعالى له لما وفقت جماعة النور في نشر رسائلها وتعاليمها لملايين الناس، ولولا الصفات التي جعلها الله تعالى فيه وثبته عليها لما استطاع ذلك البناء الشامخ أن يقوم ويشتد.
وكلما كانت صلة المؤسس بربه قوية، وإخلاصه عظيماً كان بناؤه الذي بناه أرسخ، وأعظم أثراً وأكمل عطاءاً، وهذه سمة بارزة في كل من أسس عملاً وأقام بناء، وأستاذنا -فيما يظهر واضحاً جلياً في ثنايا سيرة حياته - كان قد اكتمل له من الصفات والسجايا والمزايا ما ساعده على إقامة هذا البناء الراسخ والعلم الشامخ، ومن فضل الله تعالى عليه أنه لم يغادر هذه الدنيا إلا وقد ترك خلفه جيلاً يؤمن بدعوته، وأشخاصاً يثقون بفكرته، فصار بذلك في مصاف المؤسسين العظام الذين غيروا مجرى التاريخ، واستطاعوا أن يجددوا المسيرة ويضيئوا الطريق.
وإن الصحوة الإسلامية اليوم - وهي تتلمس طريقها في الظلمات حولها نحو ضياء النصر والتمكين- لفي أمس الحاجة إلى هذه الصفات الجليلة التي كان يتصف بها الأستاذ بديع الزمان النورسي لتربي عليها النشء الإسلامي الجديد إن شاء الله تعالى، فإنني قد قلت مراراً – وأقولها بدون مواربه ولا تردد- إن الصحوة الإسلامية اليوم لم تؤت أكلها وثمارها المرجوة، ولم تصل بعد إلى ما ينبغي أن تصل إليه إثر تضحيات الرواد الأوائل وبذلهم وعطائهم بسبب ما يعتري كثيراً من أبنائها من الضعف والتراخي، وسقوط الهمة، وقلة البذل، وتدني العطاء، هذا هو السبب الأول في ظني وتقديري لتعثر المشروع الإسلامي العام، ولذلك كنت سعيداً بهذه الندوة وأمثالها لأنها تدعو – بطريق غير مباشرة - العاملين إلى التحلي بهذه الصفات، وإلى التمسك بهذه الخلال، فإنه بدون صبر ويقين، وبذل وعطاء لن يحصل لهذا الدين من التمكين ما يرجوه عباد الله تعالى المؤمنون، وما أشد حاجة تركيا وأهلها اليوم إلى الاستنارة بسيرة هذا الرجل الكبير، والاستفادة من سيرته خاصة وأن إخواننا الأتراك اليوم يتلمسون طريقهم للعودة إلى ما كانوا عليه من مجد وسيادة وعز وتمكين، وأسأل الله أن ييسر لهم أسباب ذلك، وأن يقيهم شر المهالك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الصفات التي ساعدت في إنضاج دعوته وفكره:
إن الصفات التي كان يتحلى بها الأستاذ بديع الزمان النورسي كانت من القوة والثبات إلى الغاية الرفيعة التي مكنته من إحكام دعوته وإنضاج فكره، وهذه الصفات هي:
أولاً: قوة الإيمان وعظم اليقين:
إن لقوة الإيمان وعظم اليقين أثراً رئيساً في حياة كل إنسان يرغب في عمل مؤثر وتجديد قوي في دنيا الناس، والرسل الكرام والأنبياء العظام هم أقوى الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً، وهكذا أصحابهم ومن سار سيرهم ودعا بدعوتهم، والدعوة بدون الإيمان القوي واليقين العظيم مثلها كمثل بستان زاه لكنه بلا ثمار، أو كجدول صغير يسير في وادٍ عظيم.
والأستاذ بديع الزمان قد أوتي حظاً من الإيمان واليقين نحسبه كذلك ولا نـزكيه على الله – تعالى – كما يظهر ذلك جلياً في مراحل حياته، وكما يظهر ذلك في أثره على المحيطين به، وعلى ذلك بنى دعوته فقد قال:
\"غايتي إصلاح الأسس التي يبنى عليها الإيمان، فإذا أصبح الأساس صلباً قوياً فلا يؤثر فيه مؤثر بعد حتى الزلازل\"([1]).
وقال:
\"عصرنا عصر حفظ الإيمان\"([2]).
وقال:
\"إن دعوتنا هي الإيمان...وإن زماننا هذا هو زمان خدمة الإيمان، ووظيفتنا هي الإيمان، وخدمتنا تنحصر في الإيمان\"([3])
ومن الأمثلة الدالة على إيمانه ويقينه تأملاته- التي اشتهر بها- في الكون وبدائع صنع الله تعالى فيه، فاستمع إليه حين يقول:
\"بينما كنت على قمة جبل في بارلا أيام منفاي، أسرح النظر في أشجار الصنوبر والقطران والعرعر، التي تغطي الجهات، وأتأمل في هيبة أوضاعها وروعة أشكالها وصورها إذ هب نسيم رقيق حوّل ذلك الوضع المهيب الرائع إلى أوضاع تسبيحات وذكر جذابة واهتزازات نشوة شوق وتهليل، وإذا بذلك المشهد البهيج السار يتقطر عبراً أمام النظر، وينفث الحكمة في السمع، وفجأة خطرت ببالي الفقرة الآتية بالكردية لأحمد الجزري([4]):
\"يارب! إن كل حي يتطلع من كل مكان، فينظرون معاً إلى حصنك، ويتأملون في روائع الأرض التي هي معرض صنعك، فهم كالدعاة الأدلاء، ينادون من كل مكان، من الأرض، ومن السماوات العلى إلى جمالك.
إلى أن يقول:
أما الروح فقد تعلمت من هذه المشاهد:
إن الأشياء تتوجه إلى تجليات أسماء الصانع الجليل بالتسبيح والتهليل فهي أصوات وأصداء تضرعاتها وتوسلاتها.
أما القلب فإنه يقرأ من النظم الرفيع لهذا الإعجاز سر التوحيد في هذه الأشجار كأنها آيات مجسمات.
أي أن في خلق كل منها من خوارق النظام وإبداع الصنعة وإعجاز الحكمة ما لو اتحدت أسباب الكون كلها، وأصبحت فاعلة مختارة لعجزت عن تقليدها.
أما العقل فقد وجد انتظام الخلقة ونقش الحكمة وخزائن أسرار عظيمة في هذه الأصوات اللطيفة منبعثة من الأشجار والحيوانات معاً، ومن أنداء الشجيرات والنسائم، وسيفهم أن كل شيئ يسبح الصانع الجليل بجهات شتى.
وقال أيضاً:
كنت يوماً على ذروة قمة من قمم جبل \"جام\" نظرت إلى وجه السماء في سكون الليل وإذا بالفقرات الآتية تخطر ببالي، فكأنني استمعت خيالاً إلى ما تنطق به النجوم بلسان الحال، كتبتها كما خطرت دون تنسيق على قواعد النظم والشعر لعدم معرفتي بها:
واستمع إلى النجوم أيضاً، إلى حلو خطابها الطيب اللذيذ.
لترى ما قرّره ختم الحكمة النيّر على الوجود.
إنها جميعاً تهتف وتقول معاً بلسان الحق:
نحن براهين ساطعة على هيبة القدير ذي الجلال.
نحن شواهد صدق على وجود الصانع الجليل وعلى وحدانيته وقدرته.
نتفرج كالملائكة على تلك المعجزات اللطيفة التي جمّلت وجه الأرض.
فنحن ألوف العيون الباصرة تطل من السماء إلى الأرض وترنو إلى الجنة.
نحن ألوف الثمرات الجميلة لشجرة الخلقة، علّقتنا يد حكمة الجليل ذي الجلال على شطر السماء وعلى أغصان درب التبانة.
فنحن لأهل السماوات مساجد سيارة، ومساكن دوارة، وأوكار سامية عالية، ومصابيح نوّارة، وسفائن جبارة، وطائرات هائلة!
نحن معجزات قدرة قدير ذي كمال، وخوارق صنعة حكيم ذي جلال ونوادر حكمة، ودواهي خلقة، وعوالم نور.
هكذا نبيّن مائة ألف برهان وبرهان، بمائة ألف لسان ولسان، ونُسمعها إلى من هو إنسان حقاً.
عميت عين الملحد لا يرى وجوهنا النيرة، ولا يسمع أقوالنا البينة، فنحن آيات ناطقة بالحق.
سكتنا واحدة، مسبّحات نحن، عابدات لربنا، مسخرات تحت أمره، نذكره تعالى([5]).
ولقوة إيمانه هذه كان أثره فيمن حوله عظيماً، فتلاميذه أحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم، والقلادة بالعنق فلم يتركوه، بل إن بعضهم آثر السجن مع الشيخ على الحرية بدونه،وهذا دال على أثر كبير ولا شك، وهناك مثالان من غير تلاميذه:
الأول:
كان هناك طبيب في بلدة أميرداغ متحلل من تعاليم الإسلام، بعيد عن الطريق السوية، ولما كان الأستاذ هناك دعي إلى المحاكمة في بلدة سامسون، وكان لا بد من تقديم تقرير طبي عن حالة الأستاذ إلى هيئة المحكمة، فجاؤوا بهذا الطبيب، وكان الأستاذ ممدداً على فراشه يعاني من مرض شديد، ومع ذلك اجتمع بالطبيب ساعات طويلة، وأهداه كتاباً، وأوصاه بالصلاة ودعاه إلى الله تعالى، فما كان من الطبيب بعد أن خرج من عند الأستاذ إلا أن قال :
\"يا خسارتنا: لم نتعرف على هذا العالم من قبل؛ فقد أصبحت مديناً لربي بقضاء الفوائت\"([6])
والمثال الآخر:
كان الأستاذ قد اجتمع في إسطنبول بالمليونير اليهودي عمانويل قراصوا([7]) الذي أراد التأثير فيه \"لكن هذا اليهودي سرعان ما قطع الاجتماع وتركه هرباً من تأثير شخصية بديع الزمان، إذ قال وهو لا يكاد يصدق نفسه:
لقد كاد هذا الرجل العجيب أن يزجني في الإسلام بحديثه\"([8]).
تلك كانت أمثلة على قوة إيمانه وعظم يقينه مما جعل مَن حوله يتأثرون به، ويرتضون طريقته وسيرته ولو كانوا من جملة أعدائه ومبغضي دعوته.
وإن إيمانه القوي هذا هو الذي أنقذ الله به مئات الآلاف من الناس في زمان سرت به موجة الإلحاد والكفر سريان النار في الهشيم، حيث أثمرت قوة الإيمان – التي كانت تتأجج في صدر بديع الزمان - رسائل نورانية إيمانية عرفت باسم \"رسائل النور\" كان لها بفضل الله – تعالى - الأثر الأعظم في حفظ إيمان مئات الآلاف من الشباب والشابات في تركيا في وقت خطير صعب، وصدق شوقي - رحمه الله تعالى- حين وصف تركيا آنذاك بقوله:
يا أخت أندلـس عليك سـلام هوت الخلافة عنك والإسلام
نـزل الهـلال عن السماء فليتها طويت وعـم العالمين ظلام
وصدقت مريم جميلة – اليهودية الأمريكية التي أسلمت - حين قالت:
\"إنه ليس بمبالغة أن نقول إن ما تبقى من الإيمان الإسلامي في تركيا إنما يرجع إلى الجهود المثابرة لبديع الزمان النورسي\"([9]).
ثانياً: حسن الصلة بالله تعالى:
إن إحسان الصلة بالله تعالى مفتاح مهم أساس لفتح أقفال المشكلات والمعضلات، وهي علامة فلاح العبد، ودلالة على عناية الله تعالى به، وأزعم أن الأستاذ كان حسن الصلة بالله تعالى، وهذا يبدو واضحاً جلياً من ثنايا سيرته العطرة، فمن ذلك:
أ- التعبد:
كان الأستاذ حسن العبادة، من صلاة وصيام وذكر وغير ذلك، وإليكم عدداً من الأمثلة على هذا:
1- كان حال ذكره يجلس على ركبتيه متأدباً كحال الجالس للتشهد، وتدوم هذه الجلسة ساعات وهو على حاله حتى تقرحت أصبع قدمه.([10])
2- كان له أوراد لمدة أربع ساعات كل ليلة لكنه بعد سنة 1374-1954 قصرها إلى ساعتين([11])،وذلك لكبره وتعبه.
3- في النصف الآخر من شهر رمضان كان يحيى الليل كله ولا ينام فيه([12]).
4- كان يدعو كل ليلة قبل الفجر بعد انتهائه من أوراده مدة ساعة كاملة([13]).
5- كان يقيم الصلاة على وقتها لا يمنعه من ذلك الأعذار القوية، فهذا أحد تلاميذه يقول:
\"خرجنا يوماً من إسبرطة إلى أميرداغ، ولم يبق إلا خمس دقائق للوصول إلى أميرداغ، وإذا بوقت الصلاة قد حان، فنظر الأستاذ إلى ساعته فأقام بنا الصلاة، ولم يكن الأستاذ يبالي بالبرد القارس ولا بالمطر إذا ما حان وقت الصلاة، فكنا نؤديها في وقتها في الحل والترحال\"([14]).
ب- خشية الله ومخافته:
كان الأستاذ حال مناجاته وتضرعه يرتعد من خشية الله تعالى ومخافته حتى وصفه أحد تلاميذه بأن مرارته تكاد تنفجر!!([15])
وقد أورثه حسن صلته بالله تعالى عدداً من الأمور منها:
1- عفافه وبعده عن الحرام:
الأستاذ لم يتزوج لأنه كان يرى أن زوجه ستظلم معه لشظف حياته وما فيها من تضييق من سجن ونفي، ولأنه يريد ألا يقيد نفسه بزوج وأولاد قد يكونون حجر عثرة في صدعه بالحق ودعوته إلى الله تعالى بشجاعة وجرأة بلا خوف على زوج أو ولد([16])، لكنه مع عزوبته الطويلة لم يتطلع إلى الحرام ولو في نظرة واحدة في عنفوان شبابه فكيف فيما بعد ذلك، واستمع إليه وهو يحكي حياته في اسطنبول في شبابه:
\" كنت أستبدل كل أسبوع ملابسي وأختار أجملها وأكثرها أناقة أيام كنت في استانبول ذات الحياة البراقة البهيجة ، كنت أذهب إلى أجمل مناطقها حتى أن أصدقائي العلماء التفتوا إلى هذه الظاهرة، فعينوا أحدهم – دون علمي – مراقباً لتصرفاتي، وأوصوه بملاحظة جميع ما أقوم به وأعمل.
وبعد مضي ثلاثة أيام – من المراقبة الخفية - جمعتنا جلسة معهم، فقالوا لي:
يا أخانا سعيد أنت على حق مهما عملت من عمل، فأنت مسدد إلى الحق وسيوفقك الله.
استغربت من هذا الكلام ومن حكمهم هذا عليّ، وعندما استفسرت عن السبب قالوا:
كنا نراقبك منذ ثلاثة أيام ونحصي تصرفاتك في جميع مناطق استانبول، ومن دون علمك، فلم نر ما يخالف الإسلام قط بل رأيناك منهمكاً بنفسك دون الآخرين، ولهذا نسأل الله أن يوفقك في مسعاك.
نعم! يا إخوتي كما أن ناراً صغيرة بل حقيرة –كعود الكبريت- تحرق غابة عظيمة كثيفة تدريجياً وتجعلها أثراً بعد عين، كذلك النظرة إلى النساء تحرق عمل المؤمن اليومي شيئاً فشيئاً، وأخشى أن تكون عاقبته وخيمة، ثم أضاف:
إن سعيداً القديم وهو في عنفوان شبابه وفي قلب اسطنبول وطوال عشر سنوات لم ينظر نظرة حرام ولو مرة واحدة، ولله الحمد.
- وحادثة أخرى تدل على عفافه وبعده عن النظر الحرام بينها بقوله:
\"مكثت سنتين في مضيف الوالي المرحوم عمر باشا في بتليس بناء على إصراره الشديد، ولفرط احترامه للعلم والعلماء، وكان له من البنات ست: ثلاث منهن صغيرات، وثلاث بالغات كبيرات، ومع أني كنت أعيش معهم في سكن واحد طوال سنتين إلا أنني لم أكن أميز بين الثلاث الكبيرات؛ إذ لم أكن أسدد النظر إليهن كي أعرفهن وأميز بينهن، حتى نـزل أحد العلماء يوماً ضيفاً علي فعرفهن في يومين فقط وميز بينهن، فأخذت الحيرة الذين من حولي لعدم معرفتي إياهن، وبدأوا بالاستفسار:
- لماذا لا تنظر إليهن؟
- فكنت أجيبهم: صون عزة العلم يمنعني من النظر الحرام\".([17])
2- الكرامات:
قد رويت عن الأستاذ كرامات باهرة، والكرامة مكافأة من الله تعالى للعبد على حسن صلته به سبحانه، وهي لا تطلب غالباً لكنها توهب، ومذهب أهل السنة والجماعة إثباتها بشرائطها الشرعية وعدم إنكارها، ويثبتونها للعبد الصالح الذي استقامت أحواله مع الشريعة المطهرة، وأحسب أن الأستاذ –رحمه الله تعالى- كان كذلك، ومن جملة كراماته ما يلي:
أ- عندما هرب من السجن في روسيا أيام الحرب العالمية الأولى كان الأمر يقتضي منه أن يسافر على قدميه مسافة طويلة جداً تقدر بسنة مشياً على الأقدام لكنه قطعها في زمن يسير، وقد قال عن هذه الحادثة:
\"إنني لا أزال مندهشاً كيف استطعت الفرار بعد أيام قليلة، وأقطع بصورة – غير متوقعة- مسافة لا يمكن قطعها مشياً على الأقدام إلا في عام كامل، ولم أكن ملماً باللغة الروسية، لقد تخلصت من الأسر بصورة عجيبة محيرة بفضل العناية الإلهية التي أدركتني بناء على عجزي وضعفي، ووصلت استنبول ماراً بوارسو وفيينا، وهكذا نجوت من الأسر بسهولة تدعو إلى الدهشة حيث أكملت سياحة الفرار الطويل بسهولة ويسر كبيرين بحيث لم يكن لينجزها أشجع الأشخاص وأذكاهم وأمكرهم، وممن يلمون باللغة الروسية([18]) .
ب- سيق إلى مدينة بتليس مكبلاً بالأغلال من ماردين مصحوباً باثنين من الحرس، فحان وقت الصلاة في الطريق فطلب من حارسيه فك القيود فأبيا، ففكها بسهولة ويسر وألقاها أمامهما ، فبقي الحارسان مبهوتين فقالا للأستاذ :كنا حراسك إلى الآن، أما بعد الآن فنحن خدامك.
وحينما كان يُسأل: كيف انحلت القيود؟
يقول: وأنا كذلك لا أعلم، وإن هو إلا كرامة الصلاة ليس إلا([19]) .
ج- سممه أعداؤه عدة مرات ونجا من الموت، وكان أصعب تلك المرات تسميمه في سجن أفيون([20]) وبهذه الكرامات حفظه الله تعالى، وحببه إلى الناس، وأبقى دعوته.
ثالثاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
كان جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة الشيخ بارزاً في جملة أحداث في مراحل حياته المختلفة، فمن ذلك:
أ- نهيه عن الظلم:
في إحدى الليالي رأى في المنام الشيخ عبدالقادر الكيلاني – قدس الله سره - وهو يخاطبه:
- ملا سعيد! اذهب إلى عشيرة ميران \"مصطفى باشا\"([21])، وادعه إلى الهداية والرشاد والإقلاع عن الظلم، وليقم الصلاة ويأمر بالمعروف، واقتله إن لم يستجب.
بادر الملا سعيد إلى الذهاب إلى عشيرة ميران قاصداً خيمة مصطفى باشا، ولكن لم يجده فجلس ليأخذ قسطاً من الراحة. وما إن دخل مصطفى باشا الخيمة حتى هب الحاضرون قياماً احتراماً له، سوى الملا سعيد لم يحرك ساكناً. لمح الباشا ذلك فسأل أحد أمراء العشيرة \"فتاح آغا\" عن هذا الشاب فأعلمه أنه \"ملا سعيد المشهور\" وحاول الباشا كظم غيظه، وهو الذي ما كان ينشرح للعلماء، وسأل الملا سعيد:
-لم أتيت إلى هنا؟
- جئت لإرشادك إلى الحق فإما أن تتخلى عن الظلم وتقيم الصلاة، أو أقتلك!
لم يتحمل الباشا هذا الكلام فاندفع خارج الخيمة، وتجول قليلاً ثم عاد إليها وكرر السؤال نفسه.
فأجابه الملا سعيد: لقد قلت لك جئت من أجل ما ذكرت!
أشار الباشا إلى السيف المعلق بعماد الخيمة وقال بسخرية :
- أبهذا السيف الصدئ تقتلني!؟
- اليد هي التي تقطع لا السيف!
مرة أخرى ترك الباشا الخيمة وهو يفور غضباً، ثم دخلها مخاطباً الملا سعيد:
- إن لي جمعاً غفيراً من العلماء في منطقة الجزيرة \"جزيرة ابن عمر\" وسأعقد مناظرة علمية فيما بينكم فإن أقمت الحجة عليهم وألزمتهم أنفذ طلبك وإلا فسألقيك في النهر.
قال الملا سعيد:
- كما أنه ليس من شأني إلزام جميع العلماء، فليس باستطاعتك إن تلقيني في النهر، ولكن إن تفوقت عليهم أطلب منك بندقية \"ماوزر\" لأقتلك بها إن لم تحافظ على وعدك.
عقب هذه المشادة العنيفة ذهبا معاً على الخيول إلى الجزيرة، ولم يتكلم الباشا مع ملا سعيد طول الطريق، ولما وصلا إلى أحراش \"باني خاني\" أخلد الملا سعيد إلى النوم بعد أن أصابه الإرهاق، ولما أفاق وجد علماء الجزيرة ومعهم كتبهم ينتظرون ساعة المناظرة.
انعقد المجلس، وبعد تبادل السلام دارت أقداح الشاي على الحاضرين ولكن العلماء كانوا يقلبون صفحات الكتب، مأخوذين بشهرة الملا سعيد ومنتظرين أسئلته، بينما لم يحفل الملا سعيد بالأمر، ولم يكتف بشرب شايه، بل بدأ بارتشاف الشاي الموضوع أمام اثنين أو أكثر ممن حوله من العلماء المشغولين بالنظر في الكتب.
وعندها خاطب مصطفى باشا العلماء وهو يراقب مجرى الأمور:
- على الرغم من أني لست متعلماً فإنني أرى أنكم ستغلبون أمام الملا سعيد في مناظرتكم له، لأني لاحظت أن انكبابكم على الكتب ألهاكم عن شرب الشاي، بينما شرب الملا سعيد الشاي ثم عدداً من أقداح غيره.
بدأ الملا سعيد بالملاطفة وشئ من المزاح مع العلماء ثم قال:
- أيها السادة! لقد عاهدت ألا أسأل أحداً وها أنا منتظر أسئلتكم.
فأطمأن العلماء وبدأوا بطرح ما يقارب الأربعين سؤالاً. وأجاب الملا سعيد عن الأسئلة كلها إجابات صائبة، سوى سؤال واحد أخطأ في جوابه، دون أن ينتبه إليه العلماء، حيث صدرت من الجميع علامات التصديق.
وبعد أن انفض المجلس، تبعهم الملا سعيد قائلاً:
- أرجو المعذرة لقد سهوت في جواب السؤال الفلاني ولم تفطنوا إليه، والجواب الصحيح هو كذا وكذا .
- فقالوا: حقاً إنك قد ألزمتنا الحجة، فإننا معترفون بذلك!
ثم باشر قسم من هؤلاء العلماء يجلسون منه مجلس الطالب لينهلوا من فيض علمه، أما مصطفى باشا فقد وفى بوعده وأهدى إلى الملا سعيد بندقية \"ماوزر\" وبدأ بإقامة الصلاة([22]).
وبعد أن ظل مدة في الجزيرة توجه مع أحد طلابه \"الملا صالح\" إلى بيرو وهي منطقة بدو العرب، ومكث فيها مدة حتى طرق سمعه أن مصطفى باشا قد عاد إلى عادته القديمة في ظلم الناس، فذهب إليه وأبدى له النصائح مدة ثم هدده قائلاً:
- أوَ بدأت الظلم مرة أخرى ؟ سأقتلك باسم الحق.
ولكن كاتب الباشا تدخل في الأمر وهدأ الموقف، بينما الملا سعيد استمر في تعنيفه الباشا وتوبيخه لكثرة مظالمه، فلم يتحمل الباشا هذه الإهانات وهم بقتله فحال شيوخ عشيرة \"ميران\" دون ذلك. ثم تقرب نجل الباشا \"عبدالكريم\" من الملا سعيد ورجاه قائلاً:
- لا تكترث بصنيع أبي إنه لا يسمع كلاماً من أحد، عقيدته فاسدة، أرجوك رجاء خالصاً أن تتشرف إلى مكان آخر، فمال الملا سعيد إلى كلام عبدالكريم ورجائه، وغادر المكان متوغلاً في صحراء \"بيرو\".([23])
أما خاتمة أمره مع مصطفى باشا فقد حكاه هو بقوله:
لما لم يكن في مدينة \"وان\" عالم معروف دعاه الوالي \"حسن باشا\" إليها فذهب إليها واستقر فيها خمس عشرة سنة، قضاها في التجوال بين العشاير لإرشادهم وفي تدريس الطلاب. فضلاً عن تكوين علاقات مع الوالي والموظفين في المدينة. كان جل اهتمامه في هذه الفترة المصالحة بين العشاير. فما كان يطرق سمعه نـزاع بين العشاير إلا ويتوجه إليهم ويرشدهم، حتى أنه استطاع أجراء صلح بين \"شكر آغا\" و \"مصطفى باشا\" رئيس عشيرة ميران بينما أخفقت الإدارة العثمانية في فض النـزاع بينهما.وعندها خاطب الملا سعيد مصطفى باشا:
- ألم تتب إلى الآن؟
- سيدنا إنني طوع كلامك !
وقدم له فرساً مع كمية من النقود، إلا أن الملا سعيد رفض ذلك قائلاً:
- ألم تسمع أنني لم آخذ مالاً من أحد لحد الآن؟ فكيف آخذه من أمثالك من الظالمين! يبدو أنكم قد أفسدتم توبتكم! وعلى هذا لا تصل إلى الجزيرة بسلامة.
- وفعلاً مات مصطفى باشا في الطريق ولم يصل إلى الجزيرة. وكأن دعاءه عليه قد استجيب([24]).
ت- نـهيه عن المنكر:
وكان هذا سمة بارزة في حياة الشيخ رحمه الله تعالى، فمن ذلك أنه قد طرق سمعه يوماً في \"بتليس\" أن الوالي وعدداً من الموظفين يشربون الخمر فثارت ثائرته وقال :
لن يرتكب هذا الفعل شخص يمثل الحكومة في مدينة مسلمة مثل بتليس! فذهب فوراً إلى مجلس الخمر، ووعظهم موعظة بليغة أولاً واستهلها بحديث شريف حول الخمر، ثم أخذ ينهال عليهم بكلام جارح، وكانت يده على مسدسه يتوقع إشارة من الوالي للتعدي عليه، إلا أن الوالي كان حليماً صبوراً لم ينبس ببنت شفة.
وعندما انصرف الملا سعيد من المجلس قال له مرافق الوالي:
- ماذا فعلتم؟ إن كلامكم هذا يوجب الإعدام.
- لم يرد على خاطري الإعدام، بل كنت أحسب العقاب سجناً أو نفياً، وعلى كل حال ما ضر إن مت في سبيل دفع منكر واحد!
وبعد ما يقرب من ساعتين من عودته من المجلس، أرسل إليه الوالي شرطيين لاستدعائه، فدخل عليه واستقبله الوالي بإعظام وإجلال، وهم بتقبيل يده، وقال :
لكل أحد أستاذ قدوة، وأنت أستاذي القدوة\"([25]).
وهكذا برزت عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واضحة في حياة الشيخ – رحمه الله تعالى - وهذه العبادة تلاشت في نفوس أكثر الدعاة اليوم في شطرها الإنكاري، فلم يعودوا ينهون عن المنكر إلا قليلاً، ويرون المنكرات تمتلئ بها الأسواق والشوارع فلا يفكرون في وسيلة ينكرون بها على الناس منكراتهم، بينما طريقة الصالحين في كل زمان ومكان غير ذلك، والله تعالى امتدح المؤمنين فقال: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ)([26])وليلاحظ القارئ كيف قدم الله تعالى ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان لإبراز أهميته واختصاصه بهذه الأمة والتصاقه بها أكثر من غيرها من الأمم.
رابعاً: العفة عن أموال الناس:
لقد أثر عن الأستاذ بديع الزمان تعففه عن أموال الناس، وعدم قبوله الزكاة من أحد، وعدم قبوله الهدايا على فقره الشديد وحاجته، وقد قال رحمه الله تعالى:
\" كنت أرفض قبول أموال الناس وهداياهم منذ نعومة أظفاري، وما كنت أتنازل لإظهار حاجتي للآخرين رغم أنني كنت فقير الحال في حاجة إلى المال، وما كنت زاهداً ولا صوفياً ولا صاحب رياضة روحية فضلاً عن أنني ما كنت من ذوي الحسب والنسب والشهرة.
فإزاء هذه الحالة كنت أحار من أمري كما كان يحار من يعرفني من الأصدقاء.
ولقد فهمت حكمتها قبل بضع سنين، إنها كانت لأجل عدم الرضوخ للطمع والمال، ولأجل الحيلولة دون مجيء اعتراض على رسائل النور في مجاهداتها، فقد أنعم علي الباري -عز وجل- تلك الحالة الروحية وإلا كان أعدائي الرهيبون ينـزلون بي ضربتهم القاضية من تلك الناحية.
ويا إخوتي تعلمون أنني لا أقبل الصدقات والمعونات، كما لا أكون وسيلة لأمثالها من المساعدات، لذا أبيع ملابسي الخاصة وحاجياتي الضرورية، لأبتاع بثمنها – من إخوتي – كتبي التي استنسخوها وذلك لأحول دون دخول منافع دنيوية في إخلاص رسائل النور، لئلا يصيبها ضرر، وليعتبر من ذلك الإخوة الآخرون، فلا يجعلوا الرسائل وسيلة لأي شئ كان.([27])
وقال أيضاً:
إن السبب المهم للاستغناء عن الناس هو ما يقوله ابن حجر([28]) – الموثوق حسب مذهبنا الشافعي-: يحرم قبول ما يوهب لك بنية الصلاح إن لم تكن صالحاً.
نعم إن إنسان هذا العصر يبيع هديته البخسة بثمن باهظ، لحرصه وطمعه، فيتصور شخصاً مذنباً عاجزاً مثلي ولياً صالحاً، ثم يعطيني رغيفاً هديةً، فإذا اعتقدت أنني صالح –حاش لله- فهذا علامة الغرور، ودليل على عدم الصلاح، وإن لم أعتقد بصلاحي فقبول ذلك المال غير جائز لي.
وأيضاً أن أخذ الصدقة والهدية مقابل الأعمال المتوجهة للآخرة يعني قطف ثمرات خالدة للآخرة بصورة فانية في الدنيا.
هذا وإن أسباباً كثيراً تمنعني عن قبول الهدايا، أذكر أهمها وهو: الإخلال بالعلاقة الخالصة الحميمة بيني وبين طلاب النور، علاوة على أنني لست محتاجاً حاجة ماسة، وذلك بفضل الالتزام بالاقتصاد والقناعة والبركة ، بل لا أستطيع أن أمد يدي إلى أموال الدنيا؛ فذلك خارج طوقي وإرادتي .
وسأبين سبباً دقيقاً واحداً من بين الأسباب الكثيرة:
أتى صديق حميم تاجر بمقدار من الشاي يبلغ ثمنه ثلاثين قرشاً فلم أقبله.
فقال: لا تردني خائباً يا أستاذي، لقد جلبته لك من استانبول! فقبلته ولكن دفعت له ضعف ثمنه.
فقال: لم تتعامل هكذا يا أستاذي، ما الحكمة فيه؟
قلت: لئلا أنـزل قيمة الدرس الذي تتلقاه - وهو بقيمة الألماس - إلى قيمة قطع زجاجية تافهة. فإنني أدع نفعي الخاص لأجل نفعك أنت!
نعم! إن درس الحقيقة الذي تأخذه من أستاذ لا يتنازل إلى حطام الدنيا ولا تزل قدمه إلى الطمع والذل، ولا يطلب عوضاً عن أدائه الحق والحقيقة، ولا يضطر إلى التصنع، هذا الدرس هو بقيمة الألماس.
بينما الدرس الذي يتلقى من أستاذ اضطر إلى أخذ الصدقات، وإلى التصنع للأغنياء، وإلى التضحية حتى بعزته العلمية في سبيل جلب أنظار الناس إليه، فمال إلى الرياء أمام الذين يتصدقون عليه، وبهذا جوّز أخذ ثمرات الآخرة في الدنيا، أقول : إن هذا الدرس نفسه يهون في هذه الحالة إلى مستوى قطع زجاجية.([29])
وقال أيضاً:
\"إني على قناعة تامة الآن من أن حكمة هذا الأمر هي: عدم جعل رسائل النور – التي هي خدمة سامية خالصة للإيمان والآخرة - في آخر أيامي وسيلة لمغانم الدنيا، وعدم جعلها ذريعة لجر المنافع الشخصية.
فلأجل هذه الحكمة أعطيت لي هذه الحالة، حالة النفور من تلك العادة المقبولة، وتلك السجية غير المضرة، والهروب منها، وعدم فتح يد المسألة من الناس.
فرضيت بالعيش الكفاف وشدة الفقر والضنك وذلك لئلا يفسد الإخلاص الحقيقي الذي هو القوة الحقيقية لرسائل النور. واشعر كذلك أن في هذا الأمر إشارة فيها مغزى، بأن هذه الحاجة هي التي تدفع أهل العلم إلى الانهماك في هموم العيش حتى يغلبوا على أمرهم في الزمان القابل\"([30])
وأرى والله أعلم أن السبب الأساس الذي منعه عن سؤال الناس أو قبول ما يعطونه هو الرؤيا التي رأى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام حيث رأى \"أن القيامة قد قامت والكائنات بعثت من جديد، ففكر كيف يتمكن من زيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ثم تذكر أن عليه الانتظار في بداية الصراط الذي يمر عليه كل فرد، فأسرع إليه، وهكذا مر به جميع الأنبياء والرسل الكرام فزارهم واحداً واحداً وقبل أيديهم، وعندما حظي بزيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم هوى على يديه فقبلها، ثم طلب منه العلم، فبشره الرسول صلى الله عليه وسلم : سيوهب لك علم القرآن ما لم تسأل أحداً\"([31])
ولقد صدق الأستاذ رحمه الله تعالى فيما قاله عن علة امتناعه تماماً عن قبول أموال الناس، فلطالما رأينا هامات متطاولة في دنيا الناس لكنها إذا لوّح لها بالدرهم والدينار تهاوت وتهافتت وطمعت، وظهر سوء معدنها، وضعف تربيتها، وما أحسن قول القاضي علي الجرجاني([32]):
ولـو أن أهـل العلـم صـانوه صانهم
ولـو عظمـوه فـي النفـوس لعظمـا
ولكــن أهــانوه فهـان ، ودنسـوا
محيــاه بالأطمــاع حتى تجهما
خامساً: الحافظة العجيبة والذكاء:
كان الأستاذ – رحمه الله تعالى - يتمتع بحافظة واعية عجيبة بحيث إنه يحفظ المقادير العظيمة في أيسر وقت وأسرعه، ويدوم هذا الحفظ في ذاكرته سنين طويلة بحيث يسترجع محفوظه متى شاء، وقد ذهب - رحمه الله - إلى أخيه الملا عبدالله الذي كان يسكن في مدينة مجاورة - وذلك زمان الصبا - فسأله أخوه عما قرأه، فقال الأستاذ بديع الزمان:
لقد قرأت ثمانين كتاباً.
الملا عبدالله: ماذا تعني؟
بديع الزمان لقد أنهيت الكتب المقررة كلها، بل قرأت كتباً أخرى علاوة عليها.
الملا عبدالله: إذن سأمتحنك.
بديع الزمان: أنا مستعد، سل ما بدا لك!
ثم امتحنه الملا عبدالله بتوجيه الأسئلة إليه، ولما أصغى إلى أجوبته السديدة قدر فيه كفاءته العلمية حتى اتخذه أستاذاً له مع أنه كان قبل ثمانية أشهر تلميذاً لديه\"([33]).
وقد \" انكب على حفظ المتون من كل علم فحفظ عن ظهر قلب خلال سنتين من متون الكتب كـ\"المطالع\"([34]) و\"المواقف\" وأمثالهما من الكتب التي ترد الشبهات وتدفع الشكوك الواردة على الدين فضلاً عن حفظه متون كتب العلوم الآلية كالنحو والصرف والمنطق وغيرها، ومتون كتب العلوم العالية كالتفسير وعلم الكلام والحديث والفقه فبدأ بحفظ متن كتاب المرقاة ([35]) دون حواشيه وشروحه، ثم قارن بين وجهة نظره ومبلغ فهمه، وما ورد في حواشي الكتاب وشروحه فرأى أن جميع مسائله متطابقة لما في ذهنه إلا في ثلاث كلمات لم تتطابق مع الشرح. واستحسن العلماء عمله هذا وأعجبوا به.
ولهذا اهتم بحفظ تلك المتون من أمهات الكتب الإسلامية في مختلف العلوم والفلسفة، لتصبح مفاتيح للحقائق القرآنية، ورداً للشبهات الواردة على الدين.
واستمر على ذلك حتى نهاية عمره فيقول عن نفسه:
إن ومضة نور معنوي في دماغ إنسان يملك قوة حافظة لا تتجاوز حجم ظفر، هذا الشخص أدرج في دماغه كلمات تسعين كتاباً، ويتم قراءة هذا الجزء فقط من حافظته في ثلاثة أشهر بمعدل ثلاث ساعات يومياً، ويمكنه أن يراجع ويخرج من تلك الحافظة ما يشاء، ومتى يشاء مما شاهده وسمعه وما تراءت أمامه من صور ومعان وكلمات أعجب بها أو تحير منها، أو رغب فيها من جميع الصور والأصوات طول عمره الذي ناهز الثمانين، كل ذلك في مجموعة في صحيفة تلك الحافظة. لذا يرى أن تلك الحافظة كأنها مكتبة ضخمة نسقت فيها محفوظات منتظمة مرصوفة فكانت تلك الملكة نعمة عظمى؛ إذ لو كنت أجيد الكتابة لما كانت المسائل تقر في القلب، فما من علم بدأت به سابقاً إلا وكنت أكتبه في روحي لحرماني من الكتابة الجيدة\"([36])
ولقوة حفظه، وذكائه ، ومواهبه لقب ببديع الزمان.
سادساً: زهده في التنعم والأخذ من الطيبات:
كان الأستاذ – رحمه الله تعالى - زاهداً في متاع الدنيا، مقبلاً على الآخرة، جاعلاً ذلك همه وهدفه، متجافياً عن دار الغرور، وهذا متمثل في الآتي:
- كان نومه قليلاً، وكان يرى أن حاجة الإنسان الطبيعي منه لا تتجاوز الساعات الخمس في اليوم والليلة([37]).
- كان أكله قليلاً جداً ولا يكفي حاجة الإنسان الطبيعي([38]).
- ونفقته كانت محدودة جدًا تبعاً لذلك، بحيث يكفيه المال القليل شهوراً وسنوات، وساعده عدم زواجه على قلة نفقته.
- ولم يتزوج قط، وبرر هذا بإرادته أن يكون حرّ التصرف، ليس مرتبطاً بزوج ولا أولاد قد يؤثرون على قوله كلمة الحق، ولأنه يرى أن زوجه بوضعه ذلك وسجنه ونفيه الدائم ستتعب وتتضرر.([39])
سابعاً: عزته:
صفة العزة في الأستاذ بديع الزمان النورسي واضحة، لكنها عزة ممزوجة بالتواضع الحميد؛ فلم تخرجه إلى غرور أو ترفع عن الناس، وأسمي عزته هذه الاستعلاء الإيماني، أي أن الإنسان يرى نفسه بإيمانه أعلى من الكفرة والظلمة والفساق، وهذا الاستعلاء وتلك العزة مكنته من مواجهة أعدائه بقوة، وصدعهم بالحق، وتثبيت دعوته في القلوب والعقول، وإليكم بعض المواقف بإيجاز:
1- محاكماته الكثيرة التي حوكم فيها، فأظهر دروباً من العزة عجيبة، وأفحم القضاة والمدعين، وبين رسالته ودعوته في زمن صعب، ولم يأبه بالتهديد بالإعدام والسجن الطويل والنفي([40]) .
2- وقوفه بقوة أمام مصطفى كمال وأعضاء البرلمان في أنقرة لما رآهم يتهاونون في الصلاة، ورأى الإلحاد فيهم فاشياً، حتى أنه واجه مصطفى كمال مواجهة عزيزة قوية تتجلى في الحديث التالي، وذلك عقب أن ألقى أحد النواب في برلمان أنقرة بياناً إيمانياً قوياً نيابة عن الأستاذ بديع الزمان، فقال له مصطفى كمال:
\"إننا لا شك بحاجة إلى عالم قدير مثلك، فقد دعوناك هنا للاستفادة من آرائك السديدة فاستجبتم الدعوة إلا أن أول عمل قمتم به هو كتابة أمور حول الصلاة فبذرتم الخلاف فيما بيننا.
فأجابه أجوبة شافية، ثم قال له محتداً مشيراً بإصبعه إليه:
باشا، باشا: إن أعظم حقيقة في الإسلام – بعد الإيمان - هي الصلاة، والذي لا يصلي خائن، وحكم الخائن مردود.
فاضطر مصطفى كمال إلى كظم غيظه وترضيته.([41])
3- موقفه من الأسئلة الإنجليكانية:
احتل الإنكليز اسطنبول أيام الحرب العالمية الأولى، ودخل مع الإنكليز القساوسة والرهبان كالعادة من أجل بث باطلهم وزعزعة عقائد المسلمين، فسأل رئيس أساقفة الكنيسة الإنجليكانية ستة أسئلة، سألها دار الحكمة الإسلامية في اسطنبول، لكنه سألها بغرور وتعال، فطلب مسؤلو دار الحكمة من الأستاذ بديع الزمان الإجابة عليها – وكان عضواً فيها- في حدود ستمائة كلمة فقط كما طلب الأساقفة، فقال الأستاذ:
إن جواب هذه الأسئلة ليس ستمائة كلمة ولا ست كلمات ولا كلمة واحدة بل بصقة واحدة؛ لأنه عندما داست تلك الدول بأقدامها مضايقنا، وأخذت بخناقنا – كما ترون - ينبغي البصاق في وجه رئيس أساقفتهم إزاء أسئلته التي سألها بكل غرور، ولهذا قلت ابصقوا في وجوه الظلمة التافهة([42]).
4- موقفه من القائد الروسي:
عندما أسر الأستاذ بديع الزمان في روسيا أيام الحرب العالمية الأولى أرسل إلى معسكر للأسرى في سيبريا، وحدث أن خال القيصر الروسي والقائد العام لجبهة القفقاس زار المعسكر للتفتيش فقام له الأسرى احتراماً إلا بديع الزمان لم يقم فاستاء القائد وسأل الأستاذ بوساطة مترجم:
-أما عرفتني.
- نعم أعرفه، إنه نيقولا فيج، خال القيصر والقائد العام لجبهة القفقاس.
- فلم إذاً قصد الإهانة؟
- كلا معذرة إنني لم أستهن به، وإنما فعلت ما تأمرني به عقيدتي.
- وماذا تأمر العقيدة؟
- إنني عالم مسلم، أحمل في قلبي الإيمان، فالذي يحمل الإيمان في قلبه أفضل ممن لا يحمله، فلو أنني قد قمت له احتراماً لكنت إذاً قليل الاحترام لعقيدتي، ولهذا لم أقم له.
- إذاً فهو بإطلاقه صفة عدم الإيمان علي يكون قد أهانني، وأهان جيشي، وأهان أمتي والقيصر، فليشكل حالاً محكمة عسكرية للنظر في استجوابه.
ثم عقدت المحكمة، وأظهر فيها العزة الإيمانية، ولم يبال بآسريه، ثم نجاه الله تعالى قبل إعدامه بدقائق، واعتذر له القائد العام!!([43])
ثامناً: صبره:
الصبر مفتاح الفرج، وهو عدة الداعية، وطريقه للتمكين، وقد صبر الشيخ كثيراً على أذى أعدائه من سجن، ونفي، وتضييق، وعزلة جبرية عن الناس، ومحاولة تشويه سمعته وعرضه، وهذا ظاهر مبثوث في سيرته، لكنه لم يقابل ذلك كله إلا بالصبر الجميل، وحفظ دعوته من استئصالها لو أنه قاوم أو فقد صبره، وهكذا عوضه الله تعالى وكافأه على صبره بأن أظهر دعوته، ونشر رسائله، وكثر أتباعه، ومكن لهم في الأرض، وصدق الله العظيم حين يقول:
\" إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ \"(الزمر:10).
- هذه الصفات الثمان – في ظني وتقديري - هي التي حفظ الله تعالى بها دعوة الأستاذ بديع الزمان النورسي، وجمع القلوب حولها، وعظم شأنها، ورفع قدرها، ولا غرو في هذا فبالقدر الذي يصب المؤسس فيه من صفاته على شجرته التي غرسها تنمو هذه الشجرة وتترعرع، ويشتد عودها، وما دعوته اليوم وحضورها القوي في تركيا إلا شاهد على عظمة المؤسس، ورفعة قدره وصفاته، وتأثر أتباعه بها، ولله الحمد والمنة.
وأنا أدعو جماعة النور اليوم للسير في ركاب دعوة أستاذهم، والتحلي بصفاته التي كان عليها، ومجاهداته التي جاهدها، وأن يجددوا مقاصد دعوتهم، وأن يستجيبوا لمطالب زمانهم، وأن يسايروا العصر بما يحقق مصلحة الإسلام والمسلمين في هذا البلد الحبيب القريب إلى النفوس الذي ظل عاصمة الخلافة خمسة قرون، فهذا هو الذي يرضي روح الأستاذ، ويقر عينه.
وليتعاونوا مع إخوانهم المسلمين العاملين من جميع الفئات في تركيا، فالبلاد اليوم تمر بمرحلة مهمة وحساسة وخطيرة في طريقها للعودة إلى الإسلام من جديد، وأسأل الله للجميع التوفيق.
هذا والله أعلم وأحكم، وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
-----------------
([1]) \"ذكريات\" : 1/155.
([2]) \"سيرة ذاتية ص524.
([3]) \"ذكريات\": 4/441 نقلاً عن \"سيرة ذاتية\" ص542.
([4]) قال الأستاذ إحسان الصالحي:هو الملا الجزري، أصله من جزيرة بوتان (جزيرة ابن عمر) واسمه الشيخ أحمد، ولد عام (540هـ) حيث كان يحكم الجزيرة الأمير عماد الدين وهو صاحب إمارة فيها، له غزليات غزيرة مدونة في ديوانه المسمى ديوان الملا الجزري:\"سيرة ذاتية\".
([5]) \"سيرة ذاتية\" ص 228-231 بتصرف.
([6]) ذكريات:2/172 نقلاً عن \"سيرة ذاتية\" ص526.
([7]) وهو أحد الثلاثة الوفد الذين أبلغوا السلطان عبدالحميد رحمه الله تعالى بقرار العزل، وقال الأستاذ إحسان الصالحي\"العضو البارز في المحفل الماسوني، ورئيس الحاخامين في اسطنبول، والنائب عن سلانيك، أدى دوراً كبيراً في خلع السلطان عبدالحميد الثاني\": سيرة ذاتية ص87.
([8]) \"سيرة ذاتية\" ص87.
([9]) \"سيرة ذاتية\" ص87.
([10]) \"ذكريات\": 1/124 نقلاً من سيرة ذاتية ص521.
([11]) \"سيرة ذاتية\" ص520.
([12]) المصدر السابق ص519.
([13]) المصدر السابق.
([14]) المصدر السابق ص517 نقلاً عن \"ذكريات\":3/64.
([15]) المصدر السابق:521 نقلاً عن \"ذكريات\":1/124.
([16]) \"سيرة ذاتية\" ص493 نقلاً عن أميرداغ :2/401.
([17]) \"سيرة ذاتية\" ص 60 نقلاً عن أميرداغ:1/312.
([18]) \"اللمعات\" ص359 نقلاً عن سيرة ذاتية ص133.
([19]) \"سيرة ذاتية\" ص385.
([20]) \"سيرة ذاتية\" ص385.
([21]) قال الأستاذ إحسان الصالحي: كان السلطان عبدالحميد الثاني قد منح رتبة الباشوية له ولبعض رؤساء العشائر الكردية في شرقي البلاد حيث كان هؤلاء يؤلفون بأتباعهم المسلحين ميليشيات تقوم بمهمة الحراسة على الحدود مع روسيا وتعاون الجيش النظامي ، وتحفظ الأهالي من هجمات العصابات الأرمنية المسلحة، ويضمن السلطان بهذه الطريقة ولاء رؤساء العشائر للدولة ويحول دون قيامهم بحركات عصيان ضدها.
([22]) \"سيرة ذاتية\" ص 55-56.
([23]) المصدر السابق ص 57.
([24]) \"سيرة ذاتية\" ص 62.
([25]) \"سيرة ذاتية\" ص59.
([26]) سورة آل عمران: آية110.
([27]) \"أميرداغ\" : 1/318.
([28]) قال الأستاذ إحسان الصالحي: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي (909-974هـ) شيخ الإسلام أبو العباس: فقيه باحث مصري له تصانيف كثيرة منها \"الفتاوي الهيتمية\" وشرح الأربعين النووية\" وتحفة المحتاج لشرح المنهاج في فقه الشافعية وشرح مشكاة المصابيح للتبريزي\" عن الأعلام للزركلي: 1/231.
([29]) \"سيرة ذاتية\" ص491-493 نقلاً عن عدة مصادر.
([30]) \"سيرة ذاتية\" ص44 نقلاً عن أميرداغ:2/361.
([31]) \"سيرة ذاتية\" ص45.
([32]) هو على بن عبد العزيز بن الحسن الجرجاني. أبو الحسن. ولد في جرجان وإليها نسبته. من العلماء الأعلام، رحل في طلب العلم على العراق والشام واقتبس من أنواع العلوم والآداب حتى أصبح من أعلام عصره في الأدب والعلم والشعر. وفد على الصاحب بن عباد فقربه واختص به وحظي عنده وقلده قضاء (جرجان) ثم ولاه قضاء (الري) ومنحه رتبة قاضي القضاة. كان إلى جانب علمه الوفير في الفقه شاعرا وناثرا ومتكلما، ولكنه اشتهر بالشعر والتأليف. كان شعره جزلا، نقي الألفاظ متين السبك مع سهولة وعذوبة، وأحسن فنونه الحكمة والغزل. أما نثره فسهل ممتنع، توفي في الري سنة 392هـ ودفن في جرجان .
([33]) \"سيرة ذاتية\" ص 48
([34]) قال الأستاذ إحسان الصالحي: مطالع الأنوار في المنطق للقاضي الأرموي. اعتنى بشأنه الفضلاء شرحاً وتعليقاً.
([35]) قال الأستاذ إحسان الصالحي: مرقاة الوصول إلى علم الأصول : كتاب في المذهب الحنفي لمحمد بن فرا مروز الخسروي (ت:885هـ).
([36]) \"سيرة ذاتية\" ص 60-61 نقلاً عن عدة مصادر.
([37]) \"سيرة ذاتية \" ص 518 نقلاً عن ذكريات :3/51.
([38]) المصدر السابق.
([39]) انظر \"سيرة ذاتية\" ص 494 وما بعدها.
([40]) انظر مثالاً: \"سيرة ذاتية\" ص252،390.
([41]) المصدر السابق ص 187 ونقل عن \"الشعاعات\" ص487،505.
([42]) \"سيرة ذاتية\" ص145.
([43]) \"سيرة ذاتية\" ص130-131