إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستهديه
اما بعد
يقول ابن القيم في كتابه [ مدارج السالكين 2/510 ] متحدثا عن فراسة شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ما نصه :
(( ولقد شاهدت من فراسة [شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله ] أموار عجيبة ، وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم ، أخبر{ اى ابن تميه} أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة ، وأن جيوش المسلمين تكسر ، وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام ، وأن كلَبَ الجيش وحدته في الأموال ، وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة ! ثم أخبر[اى ابن تيميه] الناس والأمراء سنة اثنتين وسبعمائة لما تحرك التتار وقصدوا الشام : أن الدائرة والهزيمة عليهم ، وأن الظفر والنصر للمسلمين وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يمينا . فيقال له : قل إن شاء الله . فيقول{ابن تيميه }:- إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا وسمعته يقول ذلك . قال (اي ابن تيميه) : فلما أكثروا علي قلت : لا تكثروا ، كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة وأن النصر لجيوش الإسلام ! قال : وأطعمت بعض الأمراء والعساكر حلاوة النصر قبل خروجهم للقاء العدو. وكانت فراسته الجزئية في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر.
ولما طلب الى الديار المصرية واريد قتله بعدما انضجت له القدور وقلبت له الامور - اجتمع اصحابه لوداعه وقالوا قد تواترت الكتب بأن القوم عاملون على قتلك فقال والله لا يصلون إلى ذلك ابدا , قالوا:أفتحبس قال : نعم ويطول حبسي , ثم أخرج وأتكلم بالسنة على رؤوس الناس سمعته يقول ذلك.
ولما تولى عدوه الملقب بالجاشنكير الملك أخبروه بذلك ، وقالوا : الآن بلغ مراده منك ، فسجد لله شكرا وأطال . فقيل له : ما سبب هذه السجدة ؟ قال : هذا بداية ذله ومفارقة عزه من الآن ، وقرب زوال أمره . فقيل : متى هذا ؟ قال : لا تربط خيول الجند على القرط حتى تغلب دولته ، فوقع الأمر مثلما أخبر به ، سمعت ذلك منه .
وقال مرة : يدخل عليّ أصحابي وغيرهم ، فأرى في وجوههم وأعينهم أمورا لا أذكرها لهم .
فقلت له - أو غيري - : لو أخبرتهم ؟ فقال: أتريدون أن أكون معرفا كمعرف الولاة؟
وقلت له يوما لو عاملتنا بذلك لكان ادعى إلى الاستقامة والصلاح فقال: لا تصبرون معي على ذلك جمعة أو قال : شهر.
وأخبرني {اى ابن تيميه} غير مرة بأمور باطنة تخص بي مما عزمت عليه ، ولم ينطق به لساني !
وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل ، ولم يعين أوقاتها ، وقد رأيت بعضها وأنا أنتظر بقيتها.
وما شاهد كبار اصحابه من ذلك اضعاف اضعاف ما شاهدته والله أعلم " )) اهـ
أما ما قاله ابن تيمية عن الصوفية فإليكم أقواله من كتبه //
فقد تحدث ابن تيمية رحمه الله تعالى عن تمسك السادة الصوفية بالكتاب والسنة في قسم علم السلوك من فتاواه فقال:
(والشيخ عبد القادر [الجيلاني رحمه الله تعالى] ونحوه من أعظم مشائخ زمانهم أمراً بالتزام الشرع والأمر والنهي وتقديمه على الذوق والقدر، ومن أعظم المشائخ أمراً بترك الهوى والإِرادة النفسية، فإِن الخطأ في الإِرادة من حيث هي إِرادة إِنما تقع من هذه الجهة، فهو يأمر السالك أن لا تكون له إِرادة من جهته هو أصلاً ؛ بل يريد ما يريد الربُّ عز وجل ؛ إِما إِرادة شرعية إِن تبين له ذلك، وإِلا جرى مع الإِرادة القدرية، فهو إِما مع أمر الرب وإِما مع خلقه. وهو سبحانه له الخلق والأمر. وهذه طريقة شرعية صحيحة)
[مجموع فتاوى أحمد بن تيمية ج10. ص488ـ489].
وقال أيضاً:
(فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشائخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإِبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، ومثل الشيخ عبد القادر [الجيلاني]، والشيخ حماد، والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين، فهم لا يسوِّغون للسالك ولو طار في الهواء، أو مشى على الماء، أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يفعل المأمور، ويدع المحظور إِلى أن يموت. وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإِجماع السلف وهذا كثير في كلامهم)
["مجموع فتاوى أحمد بن تيمية" ج10. ص516ـ517]." اهـ.
ومن أقوال الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى، في الصوفية أيضا :
" و «أولياء الله» هم المؤمنون المتقون، سواء سمي أحدهم فقيراً أو صوفياً أو فقيهاً أو عالماً أو تاجراً أو جندياً أو صانعاً أو أميراً أو حاكماً أو غير ذلك." اهـ. (مؤلفات ابن تيمية - كتاب التصوف ج5 ص311)
و يقول الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"والحقَّ المبينُ: أن كمالَ الإنسان أن يعبدَ الله علماً، وعملاً، كما أمرهُ ربَّه، وهؤلاَء همْ عباد الله، وهمْ المؤمْنون والمسلمون، وهُم أولياءُ الله المتقون، وحزب الله المفلْحون، وجنْدَّ اللّهُ الغالبون، وهم أهل العلم النافع، والعمل الصَّالح، وهمْ الَّذين زكْوا نفوسهم وكملوها، كملوا القَّوة النظْرية، العلْمية، والقوةُ الإراديةُ، العملية، كما قالَ تعالى:
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَ?هِيمَ وَإِسْحَـ?قَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الاَْيْدِى وَالاَْبْصَـارِ } [ص?: 45]
وقالَ تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَـاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى } [النجم: 1 ـ 4] وقال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّآلِّينَ } [الفاتحة:]
" اهـ. (مجموع فتاوي ابن تيمية - المجلد الثاني ص94)
نواصل في نقل أقوال الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى عن السادة الصوفية الكرام رضي الله عنهم:
"ولهذا كان الجنيد رضي الله عنه سيد الطائفة إمام هدى، فكان قد عرف ما يعرض لبعض السالكين، فلما سئل عن التوحيد قال:0
التوحيد إفراد الحدوث عن القدم." اهـ.
"والجنيد وأمثاله أئمة هدى، ومن خالفه في ذلك فهو ضال. وكذلك غير الجنيد من الشيوخ تكلموا فيما يعرض للسالكين وفيما يرونه في قلوبهم من الأنوار وغير ذلك؛ وحذروهم أن يظنوا أن ذلك هو ذات الله تعالى." اهـ. (مجموع فتاوي ابن تيمية – ج5 ص321)
"إلى أمثال هذه الأشْعار، وفي النثْر ما لا يحصى، ويوّهْمون الجهالُ أنهمْ مشائخ الإسلام وأئمة الهدى الَّذيْن جعلَ اللّهُ تعالَى لهم لسْان صدق في الأمةِ، مثْلَ سعْيد بنُ المسيبِ، والحسْن البصريِّ، وعمرْ بنُ عبد العزيز، ومالْك بنُ أنسْ، والأوزاعي، وإبراهيْم بنْ أدهم، وسفْيان الثوري، والفضيّل بنُ عياض، ومعروف الكرّخْي، والشافعي، وأبي سليْمان، وأحمد بنَ حنبل، وبشرُ الحافي، وعبد اللّهِ بنُ المبارك، وشقيّق البلّخِي، ومن لا يحصَّى كثرة.
إلى مثْلَ المتأخرينَ: مثْلَ الجنيد بن محمد القواريري، وسهَلْ بنُ عبد اللّهِ التسْتري، وعمرُ بنُ عثمان المكي، ومن بعدهم ـ إلى أبي طالبَ المكي إلى مثْل الشيْخ عبد القادرِ الكيلاني، والشّيْخ عدّي، والشيْخ أبي البيْان، والشيخ أبي مدين، والشيخ عقيل، والشيخ أبي الوفاء، والشيخ رسلان، والشيخ عبد الرحيم، والشيخ عبد الله اليونيني، والشيخ القرشي، وأمثال هؤلاء المشايخ الذين كانوا بالحجْازِ والشّام والعرْاق، ومصْر والمغرْب وخرّاسْان، من الأوليْنِ والآخريْنِ." اهـ. (مجموع فتاوي ابن تيمية – ج2 ص452)
"وكذلك ما ذكره معلقا قال: قال الشبلي بين يدي الجنيد: لا حول ولا قوةً إلا بالله. فقال الجنيد: قولك ذا ضيق صدر، وضيق الصدر لترك الرضا بالقضاء. فإن هذا من أحسن الكلام، وكان الجنيد ـ رضي الله عنه ـ سيد الطائفة، ومن أحسنهم تعلميا وتأديبا وتقويما ـ وذلك أن هذه الكلمة كلمة استعانة؛ لا كلمة استرجاع، وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع، ويقولها جزعا لا صبرا. فالجنيد أنكر على الشبلي حاله في سبب قوله لها، إذ كانت حالاً ينافي الرضا، ولو قالها على الوجه المشروع لم ينكر عليه." اهـ. (مجموع فتاوى ابن تيمية – كتاب السلوك – فصل في تزكية النفس...)
ولابن القيم //
[ قال أبو بكر الكتاني : " التصوف خُـلـق فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في التصوف ". مدارج السالكين 1/ 499 ] ،
أقوال الشيخ ابن تيمية رحمه الله في الصوفية، وهو يشرح بعين الإنصاف الأحوال والمقامات التي تمرّ بهم :
"وفي هذا الفناء قد يقول: أنا الحق، أو سبحاني، أو ما في الجبة إلا الله، إذا فني بمشهوده عن شهوده، وبموجوده عن وجوده، وبمذكور عن ذكره، وبمعروفه عن عرفانه. كما يحكون أن رجلاً كان مستغرقا في محبة آخر، فوقع المحبوب في اليم فألقى الآخر نفسه خلفه، فقال ما الذي أوقعك خلفي؟
فقال: غبت بك عني فظننت إنك أني.
وفي مثل هذا المقام يقع السكر الذي يسقط التمييز مع وجود حلاوة الإيمان، كما يحصل بسكر الخمر، وسكر عشيق الصور. وكذلك قد يحصل الفناء بحال خوف أو رجاء، كما يحصل بحاله حب فيغيب القلب عن شهود بعض الحقائق ويصدر منه قول أو عمل من جنس أمور السكارى وهي شطحات بعض المشائخ:
كقول بعضهم: انصب خيمتي على جهنم، ونحو ذلك من الأقوال والأعمال المخالفة للشرع؛ وقد يكون صاحبها غير مأثوم، وأن لم يكن فيشبه هذا الباب أمر خفراء العدو من يعين كافرا أو ظالما بحاله ويعلم أنه مغلوب عليه. ويحكم [على] هؤلاء أن أحدهم إذا زال عقله بسبب غير محرم فلا جناح عليهم فيما يصدر عنهم من الأقوال والأفعال المحرمة بخلاف ما إذا كان سبب زوال العقل والغلبة أمرا محرما." اهـ.
(مؤلفات ابن تيمية - فصل "الفناء" ج16 ص402)