الودائـــع النّقديـــة المصرفيــــة
مقدمـــة :
للودائع النّقدية المصرفية أهمية خاصة في مجال النّشاط البنكي ذلك أنّها تغذي المصارف بالأموال الضرورية لمباشرة العديد من أعمالها كخصم الأوراق التّجارية ، و منح قروض بفوائد ، و فتح إعتمادات لمن هو بحاجة إليها من أفراد و مشروعات .
و تعدّ الودائع النّقدية المصرفية من حيث الكّم إحدى المؤشرات الرّئيسية لقياس مدى ثقة الجمهور في البنك ، إذ هي الرّكيزة الأساسية لقدرتها على خلق نقود الودائع و توزيع الإئتمان .
و لا تخشى المصاريف من توظيف الأموال ( النّقود ) المودعة لديها إذا كانت هذه الودائع تحت الطلب Dépots à vue و هي صورة من صور الودائع النّقدية ، و ذلك لأنّ هذه المصارف تحتفظ دائما بجزء منها لمواجهة مسحوبات العملاء من و دائعهم ( جزء من السيّولة ).
و نظرا لأهمية الودائع النّقدية بالنّسبة للمصاريف ، تتنافس هذه الأخيرة فيما بينها على جذب الزبّائن إليها و تحفيزهم على إيداع مدّخراتهم لديها . و تلعب الفوائد الممنوحة للمتعاملين معها دورا هاما في عملية كسب هؤولاء و تشجيعهم على إيداع أموالهم لديها ( المادة ¼ من النظام رقم 13/94المؤرّخ في 22 ذي الحجة عام 1414 الموافق 2 يونيو سنة 1994 و للقواعد العامة المتعلقة بشروط البنوك المطبقة على العمليات المصرفية : " تحدّد البنوك و المؤسسات المالية ، بكل حريّة ، معدّلات الفائدة الدّائنة و المدينة و كذا معدّلات و مستوى العمولات المطبقة على العمليات المصرفية ".
و يلاحظ هنا أنّ عملية إيداع النقود ترتبط في أغلب الأحوال بفتح حساب وديعة للعميل لدى المصرف و إستخدام الشيك في سحب أو إستيراد مبالغ نقديّة منه . كما يلاحظ أنّ المصرف يقوم أحيانا بعملية التحويل المصرفي لإجراء القيود داخل هذا الحساب ، و لذا سنقوم بدراسة موضوع
" الودائع النّقدية " وفق الخطة التالية :
* المبحـــث الأول : الوديعــــة النّقديـــة المصرفيـــة .
I ـ تعريـــف الوديعـــة المصرفيـــة .
II ـ مصادر الوديعة المصرفية .
III ـ أنواع الوديعة المصرفية .
IV ـ الطبيعة القانونية للوديعة المصرفية .
* المبحـــث الثانـــي : عقـــد إيـــداع النّقـــود .
I ـ تعريف عقد إيداع النّقود ، تكوينه ، و كيفية إثباته .
II ـ الآثار القانونية المترتبة على عقد إيداع النّقود .
* المبحث الثالث : حساب الوديعة النّقدية ( حساب الشيكات )
* المبحـــث الرّابـــع : إستخـــدام الشيـــك فـــي إستـــرداد الوديعـــة النّقديـــة .
* المبحـــث الخامـــس : التّحـــول المصرفـــي .
المبحـــث الأول : الوديعـــة النّقديــــة
I ـ تعريـــف الوديعـــة النّقديـــة المصرفيـــة :
* يقوم المصرف بإستخدام الودائع النّقدية التي يتلقاها من الجمهور في مباشرة نشاطه ، و تكوّن هذه الودائع أهم مصادر السيّولة بالنّسبة للبنك و التي تمّكنه من تحديد حجم ما تمنحه من قررض و فتح إعتمادات .
* و الوديعة النّقدية المصرفية ، عبارة عن نقود يقوم شخص ما ( طبيعي أو معنوي ) بإيداعها لدى البنوك على أن يلتزم هذا الأخير بردّها إليه لدى الطلب أو وفقا للشروط المتفق عليها.
* و ينظم هذه الوديعة النّقدية عقد يبرم بين الشخص المودع و المصرف المودع لديه بمقتضاه يكون من حق البنك التّصرف في النقود محل الوديعة بما يتفق مع نشاطه ، و يلتزم المصرف مقابل ذلك بردّ مبلغ الوديعة عند الطلب أو بعد أجل معين من الإيداع مضافا إليه الفوائد بحسب الإتفاق القائم بينهما . فالبنك يتملك المبالغ النقديةالمودعة لديه بمجرد تسلمه إيّاها و يصبح العميل مجرّد دائن له بهذه المبالغ ، و يكون للمصرف حريّة التصرف فيها و إستعمالها في أعماله المصرفية الأخرى كالإقتراض ، و خصم الأوراق التجارية ...
* و إنّ هذا التّعرف للوديعة النّقدية المصرفية يتماشى مع ما ورد في نص المادة 1/111 من قانون رقم 10/90 مؤرخ في 19 رمضان عام عام 1410 الموافق 14 أبريل سنة 1990 و المتعلق بالنّقد و القرض ، التي تقضي بأنّ :" تعتبر أموال متلقاه من الجمهور ، تلك التي يتم تلقيها من الغير ، و لا سيّما بشكل ودائع ، مع إستعمالها لحساب من تلقاها بشرط إعادتها " .
كما يتفق هذا التعريف في مضمونة مع ما كانكما يتفق هذا التعريف في مضمونة مع ما كانت تنص عليه المادة 1/35 من القانون رقم 12/86 المؤرخ في 13 ذي الحجة عام 1406 الموافق 19 غشت سنة 1986 و المتعلق بنظام البنوك و القرض ، و الذي ورد بها ما يأتي : " يشكل أي مبلغ مودع لدى مؤسسة قرض دينا على هذه المؤسسة سواء في ذلك أصل هذا المبلغ أو فوائده المحتملة ".
و من هنا تختلف الوديعة النقدية المصرفية عن الوديعة العادية التي ورد تعريفها في المادة 590 من القانون المدني الجزائري التي تنص على أنّ " الوديعة عقد يسلم بمقتضاه المودع شيئا منقولا إلى المودع لديه على أن يحافظ عليه لمدّة و على أن يرده عينا " .
II ـ مصــادر الوديعـــة النّقديـــة المصرفيـــة :
* للودائع النّقدية المصرفية مصادر متعدّدة ، فهي ليست مقصورة على المبالغ النّقدية التي يقوم العمل بسلميها إلى البنك تنفيذ العقد إيداع أبرمه معه ، بل إنّها تشمل كل ما يكون للعميل من نقود في ذمة المصرف سواء يسلمها هذا الاخير من العميل مباشرة عن طريق عقد إيداع أم تلقاها عن طريق عملية أخرى في حساب العميل كتحصيل القيمة النّقدية لأوراق تجارية ، أو تحويل مصرفي أو إعتماد قيّده في الحساب لفائدة هذا الأخير.
IV ـ أنـــواع الوديعـــة النّقديـــة المصرفيــة :
يمكن تصنيف الودائع النّقدية المصرفية إلى عدّة أنواع تختلف بحسب موعد إستردادها ، و بحسب مدى حريّة البنك في التّصرف فيها .
1 ـ تصنيـف الودائــع النّقديــة بحســب موعــد الإستـــراد :
تصنف لاالودائع النّقدية من هذه الزاوية إلى ثلاثة أصناف هي : الودائع تحت الطلب - الودائع لأجل - الودائع بشرط الإخطار السّابق .
أ ـ الودائــع تحــت الطّلـــب Dépôts à vue :
يعرف هذا النّوع من الودائع أيضا بمصطلح " الودائع الجارية " ، و هي تلك الودائع النّقديية التي يمكن للعميل السحب منها في أي وقت يشاء و بمجرّد إبداء رغبته في ذلك دون إشعار مسبق و دون إنتظار حلول أجل معيّن . و يكون القصد منها ، تمكين الزّبون من الإستفادة من "خدمات الخزينة " Services de caisse
إذ أنّ هذا النوع من الودائع النّقدية يمكن العميل من الوفاء بديونه و ذلك عن طريق سحب شبكات على حساب الوديعة لفائدة دائنية أو عن طريق إصدار أوامر التّحول المصرفي .
و يلاحظ هنا ، أنّ المصارف لا تدفع لأصحاب هذه الودائع فوائد عنها نظرا لأنّ هذه الأخيرة لا تستفيد من إستثمارها الإستفادة المرجوّة في نشاطها . غير أنّ هناك من المصارف - في مختلف الدّول - من يقوم بتقرير نسبة مئوية معيّنة ( بسيطة ) من الفوائد لهذا النوع من الودائع و ذلك بغية جذب العملاء إليها و تشجيعهم على إيداع نقوذهم لديها .
ب ـ الودائــع لأجــل : Dépôts à terme .
الودائع لأجل هي تلك الودائع التي لا يحق للعميل المودع طلب ردّها إلاّ بعد مدّة معينة من الإيداع.و هي بذلك تحقق للمصرف اكبر قدر من الإطمئنان في إستثمارها في عملياته الإئتمانية ، و من ثمّ يمنح عنها المصرف للعميل المودع ، تتناسب و الأجل المحدّد.
و تجدر الإشارة هنا إلى أنه إذا كانت القاعدة فيما يخصّ هذا النّوع من الودائع هي عدم أحقيّة العميل في إسترادها قبل حلول الاجل المتفق عليه ، إلاّ أنّ المصاريف تجيز عادة إلغاء الوديعة من طرف العميل و إسترداد مبلغها في أي وقت دون إ نتظار حلول أجلها مقابل إسقاط الفوائد عن المدّة التي تقع ما بين تاريخ إلغاء الوديعة و تاريخ الأجل المحدّد لها .
- كما تجدر الإشارة أيضا إلاّ أنّ البنوك في الجزائر ، لا تدفع أي فائدة للعميل الذي يقوم بطلب إسترداد الوديعة لأجل قبل مرور ثلاثة أشهر من تاريخ الإيداع .
ج ـ الودائـــع بشـــرط الإخطـــار الســّابق : Dépôts à préavis
الودائع بشرط الإخطار السّابق هي ودائع نقدية غير محدّدة المدّة حيث لا يحدّد العميل عند الإيداع ، موعدا لسحبها أو ستراد ها ، و له أن يضيف إليها مبالغ أخرى و قتما شاء ، غير أنّ هذا العميل يلتزم بضرورة إخطار المصرف برغبته في سحبها قبل الموعد الذي يريده بمدة معيّنة ، محددا له المبلغ المراد سحبه و تاريخ السّحب و عند حلول هذا التاريخ يحوّل المبلغ المطلوب سحبه إلى حساب تحت الطلب .
و يتيح هذا النوع من الودائع للبنك حريّة نسبيّة في توظيفها و إستثمارها في نشاطه ، إذا ما قورنت بالودائع تحت الطلب ، و لكنها لا تصل إلى درجة الحرية التي يتمتع به المصرف في توظيف الودائع النّقدية لأجل .
و تمنح المصارف عن هذا النّوع من الودائع فائدة لأصحابها تزيد نسبتها كلما طالت المدّة اللاحقة على تاريخ الإخطار ، و لكنها لا تصل إلى معدّل فائدة الوديعة النّقدية لأجل .
و يلاحظ هنا أنّ القانون رقم 12/86 المؤرخ في 13 ذي الحجّة عام 1406 الموافق 19 غشت
سنة 1986 و المتعلق بنظام البنوك و القرض ، كان ينصّ صراحة - قبل إلغائه سنة 1990 ـ على هذه الأنواع الثلاثة للودائع النّقدية و على إمكانية إستراد الوديعة لأجل قبل حلول ميعادها ، وذلك في مادته
رقم 34 و التي ورد بها ما يأتي : " تترتب الأموال التّي تجمعها مؤسات القرض في شكل ودائع في حسابات فورية ، أو ذات إشعار مسبق أو أجل مسمى يمكن أن يترتب على ذلك تسليم المؤسسة المودع لديها ورقة أو سندا ذا أجل معيّن سواء ا كان مصحوبا بوثيقة تبيّن الفوائد أو غير مصحوب بها .
تسحب الأموال الوعدة حسب الكيفيات المتفق على إقرارها دون المساس بإمكانية تفاوض المودع في سحبها قبل الأجل المحدد ".
2 ـ تصنيــف الودائــع النّقديــة بحســب مــدى حريّـــة البنــك فــي التّصــرف فــي الوديعــة:
يمكن التّمييز ، من هذه الزّاوية ، بين نوعين من الودائع النّقدية المصرفية و هما :
1 ـ الودائع العادية أو الحرّة ،
2 ـ الودائع المخصصة لغرض معيّن أو المقيّدة .
أـ الودائــع النّقديـــة العاديّــة :
يهدف العميل من هذا النوع من الودائع إلى الإطمئنان على أمواله ، و الجمع بين إستثمارها
و حرية السّحب منها حسبما تقتضيه حاجاته و معاملاته ، و يستفيذ المصرف من ناحية أخرى من مبالغ هذه الودائع بحيث يكون من حقه التّصرف فيها وإستغلالها في أوجه نشاطه على أن يلتزم برّد مبالغ مساوية عند طلب العميل إستردادها.
و تعدّ الأنواع الثلاثة السابق شرحها - الودائع تحت الطلب والودائع لأجل ، و الودائع بشرط الإخطار السّابق ، من قبيل الودائع النّقدية العادية .
ب ـ الو دائع المخصّصــة لغــرض معيــّن :
في هذا النوع منا ودائع المصرفية ، يقوم العميل بإيداع مبلغ من النقود لدى البنك بقصد إستخدامه في عملية معينة ، كالوفاء بقيمة أوراق تجارية أو شراء قيم منقولة ، أو بإكتتاب في أسهم شركة معينة إلى أخره...
وفي هذا الصدد نجد المادة 117 من القانون 10-90 المؤرخ في 14 أبريل سنة 1990 والمتعلق بالنقد والقرض، تنص على أنه:"خلافا للأحكام القانونية المتعلقة بالإكتتابات ، يمكن البنوك والمؤسسات المالية أن تتلقى من الجمهور اموالا معدّة لكي توظف في مساهمات لدى مؤسسات وفقا للنظر القانونية كما في الأسهم وحصص الشركات والمصاصات وحصص الشركات والموصين في شركات التوصية وسواها،تخضع هذه الأموال للأحكام التالية ":
1- لاتعتبر ودائع بمعنى المادة 111 أعلاه ، بل تبقى ملكا لأصحابها .
2- لاتنتج فوائد.
3- يجب أن تبقى مودعة لدى البنك المركزي في حساب خاص بكل مشاركة حتى يتم توظيفها ....
...7- يحدد المجلس بنظام يصدره ، سائر الشروط ولاسيما تلك التى تتعلق بعدم إمكانية أحد المكتتبين القيام بواجباته .
8- تسنذتحق عمولة البنوك والمؤسسات المالية على توظيفات حتى إذا طبقت أحكام الفقرة السابقة، كما تستحق لها عمولة سنوية عن إدارة التوظيفات .
9- فضلا عما تنص عليه المادة ، تخضع هذه العمليات لقاعدة الوكالة ces operations sont souvises ".aux règles du mandat
-وفي حالة الودائع المخصصة لغرض معين ، يمتنع على البنك التصرف فيها ، بل عليه أن يحتفظ بها
لإستخدامها في الغرض الذي خصصت له ؛ فإن أخل بإلتزامه هذا، عدّ مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة
( الرجوع إلى نص المادة 376 من القانون العقوبات الجزائري ).
- ويلاحظ هنا أن مبلغ الوديعة قد يخصص لضمان إئتمان أو قرض قدمه المصرف إلى العميل ، أو قد
يخصص بوصفه كفالة لضمان دين على المودع لفائدة شخص من الغير ...وفي هذا الغرض يمتنع عن العميل التصرف في هذا المبلغ بل عليه الإحتفاظ به طوال مدة الضمان المتفق عليه ، كما يمتنع هذا أيضا على المصرف الذي يجب عليه الإحتفاظ به لخدمة الغرض المخصص له .
IV ـ الطبيعـــة القانونيــة للوديعــة النّقديــة المصرفيــة:
* نصــوص قانونيـــة :
المادة 590 من القانون المدني الجزائري : " الوديعة عقد يسلّم بمقتضاه المودع شيئا منقولا إلى المودع لديه على أن يحافظ عليه لمدّة و على أن يردّه عينا ".
المادة 591 ق م ج :" على المودع لديه أن يتسلم الوديعة . و ليس له أن يستعملها دون أن يأذن له المودع في ذلك صراحة أو ضمنيا ".
المادة 571 ق م ج : " الوكالة أو الإنابة هو عقد بمقتضاه يفوّض شخص شخصا آخر للقيام بعمل شيء لحساب الموكل و بإسمه ".
المادة 578 ق م ج : " لا يجوز للوكيل أن يساتعمل مال الموكل لصالح نفسه ".
المادة 1/111 من القانون رقم 10-90 ، لسنة 1990 و المتعلق بالنّقد و القرض : " تعتبر أموال متلقاة من
الجمهور ، تلك التي يتم تلقيها من الغير ، و لا سيّما بشكل ودائع ، مع حق إستعمالها ( حق التصرف فيها)
لحساب من تلقاها بشرط إعادتها ".
المادة 598 ق م ج : " إذا كانت الوديعة مبلغا من النّقود أو أي شيء آخر مما يستهلك و كان المودع لديه مأذونا له في إستعماله أعتبر العقد قرضا ".
المادة 1/35 من القانون رقم 12-86 لسنة 1986 ( الملغى ) و المتعلق بنظام البنوك و القرض : " يشكل أي مبلغ مودع لدى مؤسسة قرض ، دينا على هذه المؤسسة سواء في ذلك أصل هذا المبلغ أو فوائده المحتملة".
المادة 117 من القانون 10-90 المتعلق بالنّقد و القرض : الرجوع إلى مضمون هذه المادة المذكورة أعلاه فيما يخص التكييف القانوني للوديعة النّقدية المخصصة لغرض معيّن affectation spéciale .
*موقف الفقه و القضاء فيما يخصّ تحديد الطبيعة القانونية للوديعة المصرفية :
سبقت الإشارة إلى أنّ الودائع النّقدية التي يتلقاها البنك من الجمهور تعدّ أهم مصدر من مصادر السيولة التي تمكنه من قيّامه بعملية الإقراض و تمويل المشروعات .
و إنّ الفقه و القضاء المقارن قد إختلف فيما يتعلق بالتكييف القانوني لهذه الودائع ( أو لعقد إيداع النقود )، فذهب في هذا الخصوص مذاهب شتّى1 ـ