الرقيب لغةً الحافظ والمنتظر، وراقب الله تعالى أي خافه، والترقب والارتقاب الانتظار مختار الصحاح ، باب الراء . والمراقبة شرعاً هي علم القلب بنظر الله تعالى إليه، فما دام هدا العلم يلازم القلب فهو مراقب فتح القدير شرح الجامع الصغير للإمام المناوي ، الجزء الرابع . حرف العين .
فضل المراقبة :
المراقبة أساس للسلوك الحق، ومدار أمر النجاح في سير طريق القوم، فلا يفلح من لم يراقب تصرفاته وأفعاله، ولا يصل إلا من بدأ بمراقبة قلبه وعاتب نفسه على تقصيرها وكان عليها رقيباً، وكيف يحاسب المرؤ نفسه إن لم يراقب أفعالها، وكيف يعاتب قلبه إن لم يراقب خلجاته، وَيُرْوَى عنْ عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ قَالَ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا تحفة الأحودي للمباركفوري كتاب صفة القيامة والرقائق . فالمراقبة أساس المحاسبة والمحاسبة أساس التزكية، والتزكية أساس السلوك والإحسان.
مراتب المراقبة :
· المرتبة الأولى : مراقبة النفس في الأعمال والأفعال حتى ينهاها صاحبها عن المعاصي ويأمرها بأفعال البر والخير. وهي مرتبة العوام.
· المرتبة الثانية : مراقبة القلب في استحضار النية الصادقة والخالصة لله تعالى في كل فعل وعمل، كي لا يدخل عليه الشرك الخفي من أبواب الرياء والسمعة والشهرة. قال تعالى في محكم كتابه العزيز {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} سورة العلق ، الآية 14 . وهي تدخل في قوله صلى الله عليه وسلم (فإن لم تكن تراه فإنه يراك أي أنك بمرأى من ربك لا يخفاه شيء من أمرك، ومن علم أن معبوده مشاهد لعبادته تعين عليه تزيين ظاهره بالخشوع وباطنه بالإخلاص والحضور فإنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وفيه حث على كمال الإخلاص ولزوم المراقبة) فتح القدير شرح الجامع الصغير الجزء الأول حرف الهمزة . وهي مرتبة الخواص.
· المرتبة الثالثة : مراقبة السر، وهي ألا يلتفت العابد في عبادته بظاهره إلى ما يلهيه عن مقصوده، ولا يشتغل باطنه بما يشغله عن مشاهدة معبوده وهو ما يشار إليه بمقام المراقبة. وهي معنى قوله صلى الله عليه وسلم أن تعبد الله كأنك تراه. وهي مرتبة خواص الخواص.
· المرتبة الرابعة : وهي مراقبة سر السر، ويشار إليها أيضاً بمقام المشاهدة، وتأتي من دوام مراقبة السر ليس في الطاعات فقط وإنما في أغلب الأحوال والأوقات، لأنه محال أن تراه وتشهد معه غيره، وهي مرتبة خاصة جداً.
ثمرات المراقبة :
1. أول ثمرات المراقبة الخوف والحياء من الله تعالى قال عليه أفضل الصلاة والسلام من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى وليدكر الموت والبلى فيض القدير شرح الجامع الصغير ، الجزء الأول حرف الهمزة .
2. ثم محاسبة النفس على تقصيرها، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} سورة الحشر ، الآية 180. ومثاله مثال سيدنا أبو طلحة حين شغله الطائر في صلاته وهو في حائطه، فجعل حائطه صدقة في سبيل الله تعالى ندماً ورجاء للعوض مما فاته.
3. ثم اشتعال جدوة الفكر في القلب، لأن المراقبة باب التفكر وهو تردد القلب بالنظر للإستدلال والإعتبار والإتعاظ تزكية الأنفس لسعيد حوى .
4. وأعلى ثمار المراقبة الوصول إلى مقامي المشاهدة والقرب، جاء في الحكم العطائية قربك منه أن تكون شاهداً لقربه، وإلا فمن أين أنت ووجود قربه. و ما أجمل ما نناجي به خالقنا العظيم صباح مساء في ورد الدرة الشريفة (صف بواطننا من الأغيار وظواهرنا من الأكدار صفاء من صفته يد جدباتك ففاز بمعالي قرباتك حتى نخرج من وبال عضال أطوار البشرية ونراقبك من دون غيرية ونشهد حضرتك من غير معية) أوراد الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية لسيدنا الشيخ عبد الرحمن الشريف قدست أسراره .
كيف نصل إلى مقام المراقبة :
للوصول إلى مقام المراقبة يلزم توفر عاملين أساسيين هما دوام المجاهدة من جهة، والسلوك على يد شيخ مرشد متصل السند بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة أخرى.
لأن النفس بطبيعتها السيئة تعرف كيف تتخلص وتراوغ وتبرر لمن يريد مراقبتها لوحده، فتمر عليها أحوال من المراقبة حيناً، وتهرب من مراقبته أحيان أخرى، إلى أن تتخلص من مراقبته إياها من خلال سياج من المبررات التي تقنع صاحبها بها أو من خلال سور من أعمال البر والإحسان تلهي بها صاحبها عن حقيقة المراقبة، أما مع وجود الشيخ المرشد العارف بأحوال النفس وصفاتها ومداخل الشيطان عليها،متصل السند بالمزكي الأول والمربي الأعظم سيدنا المصطفى عليه صلوات ربي وسلامه، فتحاصر النفس ويتعلم المرء كيف يراقبها بالدقة المطلوبة وترقى نفسه في مراتبها حتى يرضى عنها خالقها العظيم، وهو ما يسميه أهل الطريق بالصحبة التي هي عماد ومحور المراقبة والتزكية والسلوك الحق. ولدلك قالوا ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح.
جاء في كتاب المناهي في قسم أخذ علينا العهد العام من رسـول الله صلى الله عليه وســلم (يحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ ليرقيه إلى درجات المراقبة لله تعالى والخوف من عذابه... وسمعت سيدي علي الخواص رحمه الله يقول: لا يكمل طالب العلم إلا بالاجتماع على أحد من أشياخ الطريق ليخرجه من رعونات النفوس ومن حضرات تلبيس النفس ومن لم يجتمع على أهل الطريق فقد لازمه التلبيس غالبا ودعوى العمل بما علم... فاسلك يا أخي على يد شيخ والزم خدمته واصبر على جفائه لك وتغرباته عليك فإن الذي يريد أن يطلعك عليه أمر نفيس لا يقابل بالأعواض الدنيوية فإن للعلم رياسة عظيمة وللنفس دسائس ربما خفيت على مشايخ العلم فضلا عن الطلبة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).