بتـــــاريخ : 2/18/2009 6:18:43 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1334 0


    فقه أولويات المريد

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : الدكتور سلطان الأسود | المصدر : www.yaqin.net

    كلمات مفتاحية  :
    فقه أولويات المريد

    بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.


    إن موضوع الأولويات هو موضوع في غاية الأهمية لأنه يعالج قضية اختلال النِّسب واضطراب الموازين من الوجهة الشرعية في تقدير الأُمور والأفكار والأعمال، وتقديم بعضها على بعض، وأيها يجب أن يُقدّم، وأيها ينبغي أن يُؤخَّر، في سلّم الأوامر الإلَهية والتوجيهات النبوية. ولا سيما مع ظهور الخلل في ميزان الأولويات عند المسلمين في عصرنا الحاضر خصوصاً. من قبل الملتزمين وغير الملتزمين على حد سواء.


    وكما نعلم فإن الأولويات العامة في شرعنا الحنيف متنوعة فمثلاً أولوية النوع على الكم لأن العبرة ليست للكثرة وإنما العبرة للنوعية. وأولوية العلم على العمل لأن العلم هو الذي يدلنا على العمل ويرشدنا ماذا نعمل وكيف نعمل وقبل ذلك يرشدنا العلم إلى تصويب النية لله تعالى.


    كما أن في العمل أولويات فالعمل المتعدي النفع للناس له أولوية على العمل القاصر النفع ودرء المفاسد أولى من جلب المنافع والعمل الدائم له أولوية على العمل المتقطع وعمل القلب مقدم على عمل الجوارح لأن الله لا ينظر إلى قلوبكم وأجسامكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. ولهذا تفصيلات كثيرة تخرجنا عن نطاق البحث هذا.


    كما أن فقه الأولويات يرتبط بفقه المراحل ويرتبط بفقه الموازنات وهذا الأخير هو مبحث كبير يطول شرحه في هذا المقال. أما ارتباطه بفقه المراحل فهو الأساس الذي تقوم عليه طريقتنا الخلوتية الجامعة الرحمانية من التدرج في قضايا السلوك والتزكية والدعوة وتقسيمها إلى عهدين: العهد المكي والعهد المدني ، ولكل عهد مراحله المختلفة ولكل مرحلة سماتها ومفرداتها. فلا يطالب السالك في البداية إلا بقضايا الإيمان وترسيخ قواعده ثم تأتي بعده مرحلة تطبيق الأحكام ومن ثم الخروج للناس ودعوتهم لدين الله. وبهذا المنهج ينجح المشايخ وبغيره يفشل الآخرون.


    واليوم ننتقل إلى الحديث عن أولويات المريد التي تعنينا جميعاً ، وتسهيلاً للموضوع سنقسمها إلى أبواب أربعة. الباب الأول أولويات المريد في العلاقة مع الله ، والباب الثاني في العلاقة مع الشيخ المرشد ، والباب الثالث في الأوراد ، والباب الربع في العلاقة مع الزاوية ، والباب الخامس في العلاقة مع الإخوان ، والباب السادس في العلاقة مع المجتمع ( المسلمين ).


    أولويات المريد في العلاقة مع الله تعالى

    كما نعلم جميعاً أن أول الأولويات في العلاقة مع الله تعالى هي الإخلاص في العمل أي تحديد النية واستحضارها قبل الشروع في أي عمل. فالنية مقدمة على كل عمل ، إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللّه ورسوله فهجرته إلى اللّه ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه.

     

    الأولوية الثانية هي تقديم ما عند الله على ما عند الناس وتقديم حب الآخرة على حب الدنيا وإشغال الفكر في أمر يوم الحساب على إشغاله في أمر المعاش. أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه} الآية. ثم قال: يقول الله: "ابن آدم تفرغ لعبادتي، أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإلا تفعل، ملأت صدرك شغلا، ولم أسد فقرك". وهذا طبعاً لا يتعارض مع مبدأ العمل في الدنيا ولكن من غير أن تكون همك. وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْك } 77 القصص.

     

    الأولوية الثالثة هي الثبات بشقيه شق الإيمان وشق العمل. أما الثبات عل الإيمان فتندرج تحته قضية ارتقاء الإيمان إلى درجة يستقر فيها فلا تزعزعه الحوادث والإبتلاءات. وإن نقص الإيمان فلا يصل نقصانه بأي حال إلى الخط الأحمر أي إلى الشك والعياذ بالله. الشق الثاني الثبات على العمل ولو كان قليلاً قال صلى الله عليه وسلم "أَحَبّ الأَعْمَالِ إِلَىَ الله تَعَالَىَ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلّ" رواه مسلم.

     

    الأولوية الرابعة هي الأدب و الحياء من الله تعالى في السر والعلن. لأن طاعته سبحانه وتعالى من باب الإمتثال مطلوبة ولكنها من باب الحياء والأدب أولى لأن لها تأثيراً مباشراً في القلب ترفع الهمة وتزيد من الحب. فمثلاً يمكنني أن أغض بصري امتثالاً لأمر الله تعالى ولكن أن أغض بصري وأقول اللهم حياءً منك وتأدباً معك. ومن هذا الأدب تعظيم شعائر الله وتعظيم سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم واحترام أهل العلم والدين وتقديمهم على أهل الدنيا ولو علا شأنهم. ومن باب الأدب مع الله تعالى الأدب في السؤال والطلب ، فلا يكون الطلب للدنيا إلا بمقدار الحاجة أما الطلب للآخرة فيكون بأقصى مدى.

     

    أولويات المريد في العلاقة مع الشيخ المرشد

     

    إن أهم الأولويات في العلاقة مع الشيخ المرشد هي خمس أولويات: حسن الظن والتسليم والإمتثال والأدب والحياء. لأن الأدب بل العلاقة عموماً مع الشيخ المربي هي الإمتداد الطبيعي للأدب والعلاقة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن العلماء هم ورثة الأنبياء.

     

    1. التسليم: هو الأولوية التالية بعد حسن الظن. وهي أول بداية للسالك في طريقه فلا سلوك من غير تسليم ولا علاقة أصلاً من غير تسليم. ونعني هنا التسليم القلبي لا تسليم الجوارح. فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيما} 65 النساء.

     

    2. الإمتثال: وهذا الإمتثال مقدم على العمل نفسه. بل إن عدم الإمتثال فيه التهلكة. قال صلى الله عليه وسلم يوم الصلح لأم سلمة رضي الله عنها: هلك المسلمون أمرتهم فلم يمتثلوا. وذلك عندما أمرهم بالتحلل من الإحرام وذبح الهدي. وقال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُم } 24 الأنفال.


    3. الأدب: وعكسه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } 2 الحجرات. فسوء الأدب محبط للعمل أي أنه يذهب بأجر الطاعة نفسها ، وأمثلة سوء الأدب كثيرة في زماننا حيث ترى المتدين يصلي في المساجد لكنه لا يتأدب مع العلماء والصالحين بل قد يسب أئمة المسلمين وينتقص من قدرهم ويجعل من نفسه نداً لهم إن لم يكن أعلى شأناًً ، ولسانهم يقول هم رجال ونحن رجال.


    4. الحياء: والحياء أعلى مراتب العلاقة مع الشيخ المرشد لأن محله القلب ، فقد تجد المريد المتأدب مع شيخه لكن قلبه لا يستحيي منه. فيفعل بغيابه ما لا يفعله في حضرته وهذا يدعى متأدب لكن لا يوصف بالحياء. أما المريد الحيي فهو الذي يستحيي من شيخه حتى في غيابه لأنه مهما غاب عنه جسده فروحه معه وصورته لا تفارقه ، لأن الشيخ المربي رقيب على طاعات السالك لربه وإخلاصه العمل لرب العالمين دون رياء ولا شبهة كما هي الكعبة التي أمرنا بالتوجه إليها في الصلاة والدعاء رغم أن التوجه الحقيقي لله وحده. وأما كيف نصل إلى مقام الحياء فذلك يحتاج إلى رسوخ مقامي الأدب والمراقبة. لأن من تربى على التأدب في حضرة الشيخ المرشد و تعلم فن المراقبة لقلبه استحيى من شيخه. أخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما يرفع من هذه الأمة الحياء والأمانة فسلوهما الله عز وجل". وقال صلى الله عليه وسلم الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاّ بِخَيْر وقال أيضاً: الاْيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً. وَالْحَيَاءُ شْعْبَةٌ مِنَ الاْيمَانِ. وقال أيضاً: الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلّهُ" . وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: (لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء).


    ولكن قبل كل هذه الأولويات في العلاقة مع الشيخ هنالك أولوية في العلاقة مع جميع المؤمنين ومن باب أولى في العلاقة مع الشيخ ألا وهي حسن الظن لأن سوء الظن في الشيخ هو القاطع الذي يحرم من المدد والصلة والخير كله ، فكيف تستفيد من شيخ تظن به سوءً أو تتوهم أن له مصلحة مع أحد من الناس أو أنه لا يعدل في حكمه بين الإخوان ، أو أنه يميل لواحد دون الآخر لأمر شخصي. والحقيقة أن الشيخ المرشد لا يكون شيخاً إلا بعد أن يخرج عن حظوظ نفسه وهواه ويكون متبعاً لأمر الله في كل شأن فلا مصلحة شخصية له في أي أمر ونهي إلا مصلحة أتباعه ووفق الشرع الحنيف. ومقدار البعد أو القرب من الشيخ إنما يكون بمقدار القرب والبعد من الله تعالى ، أي أن القريب من الله قريب من الشيخ والبعيد من الله بعيد من الشيخ ، طبعاً نحن نتكلم عن بعد معنوي وليس البعد الحسي أو الجسدي.


    أولويات المريد في الأوراد


    إن أهم الأولويات في حضور الأوراد هي:

    استحضار النية مع كل ورد وحسن التوجه إلى الله تعالى ، حتى لا تتحول قراءة الأوراد إلى عادة فتخرج عن هدفها التعبدي أولاً والتزكوي ثانياً.

    الأولوية الثانية هي التهيء لحضورها وقد رسم ساداتنا لنا منهجاً يؤمن لنا هذه التهيئة وذلك بحضور صلاة المغرب التي تسبق الأوراد ومن ثم صلاة السنة والأوابين وورد السبحة.

    أما الأولوية الثالثة فهي التأدب غاية الأدب في المجلس وأن هذا المجلس تحضره الملائة وأرواح الصالحين وقد يحضره سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم { ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت اللّه تعالى يتلون كتاب اللّه ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم اللّه فيمن عنده}. بل أكثر من هذا فقد جاء في الحديث القدسي أن الله تعالى يقول "إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني عبدي وحده ذكرته وحدي، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ أحسن منهم وأكرم".. فالذاكر مجالس لله تعالى فكيف يجب أن يكون أدب من جالس الله تعالى وهو رب العالمين.


    أما الأولوية الرابعة فهي التفكر في معاني كلمات الأوراد وإعمال القلب للإعتبار والعظة. حتى لا تتحول أذكارنا إلى كلمات فارغة من التأثير كما حصل مع كثير من أتباع الطرق الأخرى. ويساعد رفع الصوت على التركيز بصورة أفضل.


    وهنا يجدر بنا التذكير بملاحظة مهمة ألا وهي الإستئذان في حالة الضرورة للخروج من مجلس الذكر {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوك لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} 62 النور. فكما أن الخروج من مجلس العلم يحتاج إلى إذن من المعلم. فالإذن في حالة الأوراد أولى لأننا نجالس الله تعالى. ومنها أيضاً ضرورة قضاء الأوراد لمن فاتته بعذر وضرورة الإستغفار لمن فاتته من غير عذر. وقد ثبت في صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب Z قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شيءٍ مِنْهُ فقرأهُ ما بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وَصلاة الظُّهْرِ كُتب له كأنما قرأه من اللَّيل).‏


    أولويات المريد في العلاقة مع الإخوان


    إن علاقة الإخوان بين بعضهم البعض في طريقتنا الخلوتية الجامعة الرحمانية هي المحور الذي تقوم عليه أكثر أحداث التزكية ، من ظهور آفات النفس ورعوناتها إلى إكتساب الصفات الحميدة. لذلك ترى المريدين على أصناف ثلاثة الصنف الأول هو الذي يسترسل في صفاته السيئة أمام بعض الإخوان وهو يظن أن علاقته الحسنة مع شيخه تكفي ولا يعنيه أن يكون حسن الأخلاق أمام جميع الإخوان وإن سألته لماذا هو فظ الأخلاق مع فلان مثلاً تراه يستخدم كل ذكاءه لتفنيد شخصية هذا الأخ ليقنعك أن الذي تذكره شخص سيء جداً لا يحتمل وليس على استعداد أن يحسن أخلاقه مع أمثال هذا الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً). وأما الصنف الثاني من المريدن فهو الذي يجتنب الإحتكاك بالكثيرين من الإخوان خوفاً من ظهور المشاكل على حد قوله. وأخرج البخاري في الأدب والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم).


    أما المريد الفطن فهو الذي يتنبه إلى أن العلاقة بالإخوان هي محور عملية التزكية والسلوك ، وهي النار التي يحترق فيها الذهب ليخرج خبث نفسه. فتراه يقم علاقاته مع جميع الإخوان من توافق مع عقله وفكره ومع من لم يتوافق. مع الأكبر سنا ومع الأصغر. ويحاول أن تكون علاقته بالجميع على درجة عالية من حسن الخلق. وإن حدثت مشكلة بينه وبين أحد الإخوان بادر إلى إعتبار أن نفسه ملامة إما من باب أن الإساءة بدرت منه أولاً وإما من باب أن نفسه لم تصبر على إساءة غيره له ولم تسامح من أساء إليه ، فهي أيضاً ملامة في نظره وعليها أن تعتذر. وعلى هذا الأساس من العلاقة نستطيع ترتيب الأولويات في العلاقة مع الإخوان كما يلي:


    حسن الخلق: أخرج البيهقي عن كعب بن مالك "أن رجلا من بني سلمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال: حسن الخلق. ثم راجعه الرجل فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حسن الخلق. حتى بلغ خمس مرات". وقال صلى الله عليه وسلم: يا أم سلمة: ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة" وعَنِ النّوّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأَنْصَارِيّ. قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِرّ وَالإِثْمِ؟ فَقَالَ: "الْبِرّ حُسْنُ الْخُلْقِ. وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطّلِعَ عَلَيْهِ النّاسُ". فإذا كان حسن الخلق مطلوباً مع الناس صالحهم وفاجرهم فهو واجب في التعامل مع الإخوان من باب أولى. ولا تستقيم أخوة بين اثنين إن لم تكن قائمة على حسن الخلق. وحسن الخلق مرتكز على احترام الآخرين ابتداءاً.

    الحب في الله: وهو الأولوية التي تلي حسن الخلق في التعامل بين الإخوان. أخرج الطبراني عن أبي الدرداء قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليبعثن الله أقواما يوم القيامة في وجوهم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء. فقال أعرابي: يا رسول الله صفهم لنا نعرفهم؟ قال: هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى، يجتمعون على ذكر الله يذكرونه". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن أبي مسلم رضي الله عنه قال: لقيت معاذ بن جبل رضي الله عنه بحمص فقلت: والله إني لأحبك لله. قال: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله يغبطهم لمكانهم النبيون والشهداء، ثم خرجت فلقيت عبادة بن الصامت رضي الله عنه فحدثته بالذي قال معاذ، فقال عبادة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي عن ربه عز وجل أنه قال: حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في، على منابر من نور يغبطهم النبيون والصديقون". فحبك لأخيك يقودك إلى أعلى المراتب والدرجات.


    الإيثار: والإيثار أعلى رتبة من الحب لأن الحب يجعلك تحب لأخيك ما تحب لنفسك. أما الإيثار فيقودك لأن تحب لأخيك أكثر مما تحب لنفسك. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } 9 الحشر. والإيثار المحمود ما كان في حظوظ النفس دون الطاعات.


    التلاحم: ومع استمرار الحب والتعود على الإيثار تتولد لحمة بين الإخوان يمتزج معها الإخوان جسداً وروحاً. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ. وهي المرحلة التي يتهيأ فيها مجتمع المدينة للجهاد الذي يستحق النصر. فلا أغراض دنيوية ولا حظوظ للنفس ولا أنانية ، وإنما جهاد خالصٌ لله تعالى أساسه الحب والإيثار النلاحم. وروى البخاري في صحيحه أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُم.


    أولويات المريد في العلاقة بالزاوية


    لا يخفى على أحد أن الزاوية هي الوعاء الذي يحتضن المريدين صباح مساء لقراءة الأوراد وهي التي يجتمع الإخوان في كنفاتها على طاعة الله ، وبها تحابوا وفي جنباتها تأدبوا وأطاعوا فهي أمهم الحانية:


    إحياء الزاوية: وهو أول أولويات المريد تجاه أمه الحانية أو الواقية. وذلك بحضور الصلوات والأوراد وجالسة الإخوان والقيام والإفطار بعد الصيام. أخرج الخرائطي في الشكر عن خليد العقري قال: إن لكل بيت زينة، وزينة المساجد الرجال على ذكر الله.


    الإلتجاء للزاوية: عند البلاء والشدائد بل وعند الذنوب والمعاصي أيضاً. لا كما يفعل البعض من الهرب منها والبعد عنها. لأنها مجمع الرحمات وهي باب مفتوح إلى السماء قريب من الملأ الأعلى. وتحفها الملائكة وأرواح الصالحين. فاللوذ بها يعين على الصبر على الشداد. ويعين القلب على نفسه وشيطانه عند اقتراف الذنوب والمعاصي.


    خدمة الزاوية: بكل أشكال الخدمة من المحافظة على نظافتها وصيانتها حتى تكون في أبهى حلة. أليست المكان الذي نجالس به ربنا. والوعاء الذي تتزكى به نفوسنا. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمّ الْمَسْجِدَ فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلَ عَنْهَا فَقَالُوا: مَاتَ. قَالَ: "أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي". قَالَ: فَكَأَنّهُمْ صَغّرُوا أَمْرَهَا فَقَالَ: "دُلّونِي عَلَىَ قَبْرِهِ" فَدَلّوهُ. فَصَلّىَ عَلَيْهَا. هذا الباب أي خدمة الزاوية ليس مطلوباً من الجميع ولكن يمكن للجميع أن يشاركوا به من زاوية أخرى وهي المحافظة على نظافتها بعد قيام بعض الإخوان بتنظيفها. والباب الثاني الذي يمكن للجميع أن يشارك فيه هو المحافظة على طهارتها من فضل الكلام والصوت المرتفع والجدال والكلام يما لا يعني. ومن باب أول طهارتها من الغيبة والنميمة والسباب.


    السعي إلى رضاها: وهل ترضى الزاوية أو تسخط. نعم فهي كما قال حضرة سيدنا نفعنا الله به: الزاوية هي أمّ المريد. قال صلى الله عليه وسلم عن الوالدة: (الزم رجلها، فإن الجنة تحت أقدامها). فبالنسبة للمريد الجنة تحت أقدام أمه الزاوية. وعليه أن يسعى لرضاها بكل الوسائل. وكل ما تطلبه منا هو أن نمسك بقلوبنا ونراقبها فلا نقترف فيها ذنباً ، ولا نحدث أنفسنا بمعصية بين جنباتها. وإن خرجنا من عندها تكون في خاطرنا حتى نعود إليها. وأن نعطي الصورة النقية عنها بحسن خلقنا وتعاملنا مع الناس. حتى لا نجلب لها سوء الكلام فيقولوا هذه تربية الزاوية التي يقضي بها جل وقته.


    أولويات المريد في العلاقة بالمجتمع


    إن أولويات المريد تجاه مجتمعه بكلمة واحدة هي حسن الخلق بكل ما في الكلمة من معاني شاملة وواسعة أما تحديد أولويات هذه الكلمة وخاصة في زماننا هذا فيمكن أن تكون في النقاط التالية:


    الأولوية الأولى: الرفق بالمسلمين وإظهارجانب اللين بدل الشدة والتيسيربدل التعسير والبشر وطلاقة الوجه بدل العبوسة ، قال عليه الصلاة والسلام (أتدرون على من حرمت النار؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: على الهين اللين السهل القريب) وقال أيضاً (يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا).

    الأولوية الثانية: حسن الظن بالمسمين وأنهم عدة الإسلام والنصر القادم بعون الله وذلك على إعتبار أن جميع المسلمين على خير حتى العاصي منهم. ومن ذلك بالطبع عدم تكفيرمن خالفه بالرأي وعدم تفسيقه ولو شاهد مخالفة لأن الله وحده هو العالم بخواتم الأمور ولعل عاصي اليوم يكون تائب الغد ولعل الله يختم على البعيد بالقرب في آخر أيامه ورب غافل اليوم يذكر ما فطر الله قلبه عليه من الإيمان فيضحي على خير. روا الحاكم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "حسن الظن من حسن العبادة" وقال الإمام المناوي في شرح الجامع الصغير في شرح هذا الحديث أن ( حسن الظنّ) أي بصلحاء المسلمين (من) جملة (حسن العبادة) يعني اعتقاد الخير والصلاح في حق المسلمين عبادة. وكثيراً ما يردد شيخنا العبارة المشهورة " سوء الظن من سوء النفس".


    الأولوية الثالثة: الدعوة بالقدوة الحسنة ومن ذلك الدعوة بالعمل قبل القول. فالمجتمع بحاجة إلى القدوة الحسنة التي تمثل الإسلام على حقيقته بعد أن ظهرت نماذج لبست لباس الإسلام ولم تفهم حقيقته فأساءت للإسلام والمسلمين.


    الأولوية الرابعة: مشاركة المسلمين همومهم ومشاكلهم قال عليه الصلاة والسلام من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ومن ذلك إعانة المحتاج والأرملة والمسكين والطاعن بالسن واليتيم وعابر السبيل وذلك ببذل المستطاع من الجهد أو المال أو الدعاء أو حتى مجرد الشعور بالشفقة والرحمة " الرحماء يرحمهم الرحمن " فالرحمة بين المسلمين سبب لنزول رحمة الله علينا ، وما أحوجنا إلى رحمة الله تعالى ولطفه في هذا الزمان.

    كلمات مفتاحية  :
    فقه أولويات المريد

    تعليقات الزوار ()