المقدمة
تحتوي عنوان هذه المادة على كلمتين : الإقتصاد ، و السياسة ، فكلمة " الإقتصاد" أتا بها أريسطوط aristote (1) كان يقصد بهذه المفردة " علم قوانين الإقتصاد المنزلي " أمّا مفهوم " الإقتصاد السياسي " بدأ إستعماله في القرن السابع عشر بفرنسا ، و منذ ذلك العصر إنتشر إستعمال الإصطلاح " الإقتصاد السياسي " الذي يعبر عن أحد فروع المعرفة النظرية و المسمى عند les anglosaxones " الإقتصاد " " economics " إذا فماذا نقصد بالإصطلاح " الإقتصاد السياسي "؟.
عرف محمد دويدار الإقتصاد السياسي بأنه علم القوانين التي تحكم العلاقات الإقتصادية ، أي العلاقات الإجتماعية التي تنشأ بين أفراد المجتمع بواسطة الأشياء المادية و الخدمات " أي العلاقات التي تخص إنتاج و توزيع الأشياء العادية و الخدمات بغية تلبية إحتياجات أفراد المجتمع.
موضــوع الإقتصاد السياسي
موضوع الإقتصاد السياسي هو المعلرفة المتعلقة بالنشاط الخاص بإنتاج و توزيع المكنتجات و الخدمات التي يتطلبها أفراد المجتمع ، و هذا النشاط يكتسي وجه علاقة مزدوجة ، علاقة بين الإنسان و المحيط ، و علاقة بين الإنسان و الإنسان ، كما سيتضح لنا فيما بعد.
عملية الإنتاج كعلاقة بين الإنسان و الطبيعة
:بينما الكائنات الأخرى تعتبر جزء من الطبيعة ، الإنسان كائن مقاوم للطبيعة ، مضاد لها ، لا يستسلم لقيودها بل يبحث دوما على إمكانية التغلب على الطبيعة و التكيف معها ، لإشباع جاجاته العديدة
( les besoins)
يتجه الإنسان إلى الطبيعة ، الإنسان له حاجات ، من أجل إشباعها يتحرك الإنسان في محيطه يبذل جهدا ، أو قوة ، بغية الحصول على الشيء أو على الخدمة التي يتطلبهاوجوده.
مجهود الإنسان يختلف عن مجهود الكائنات الأخرى ، لكونه مجهود واع ذا هدف و هو العمل ، وهو يعي مسبقا النتيجة التي يوكله إليها جهده و الأسبلوب الذي يبذل به هذا الجهد ، عندما يسيطر الإنسان له هدف ، فيتصور الوسائل اللازمة لتحقيق الهدف
في مواعيد محددة حسب الموسم و المطر ، زرع المساحة ، وقايتها من الأعشاب الضارة ، حمايتها من المواشي كي لا تسودها ، و القيام بالحصاد في فصل الصيف و في الوقت المناسب ، ثمّ جمع الحبوب و طحنها لحصوله فيما بعد عن الخبز
: مثلا إذا أراد الفردان يستغل الأرض من أجل إشباع حاجة غدائية فيقوم بعدد من الأنشطة لتحقيق هذا المراد : تحديد المساحة ، تحضير وسائل الحرث ، تحضير البذور ، ثمّ القيام بعملية الحرث.(1) أكبر المترجمين لأرسطوط و المختص في فلسفته كان إبن رشد.إذا الهدف المسطر في البداية كان الحصول مثلا على الخبز و جميع الوسائل و الأنشطة السابقة كانت تهدف كلها إلى بلوغ هذا الهدف المتمثل في إشباع حاجة غدائية.
إذا لإشباع حاجاته ، الإنسان مجبور على القيام بالعمل أي أن يحقق إنتاج موجه لتلبية حاجاته ، و هو هكذا الكائن الوحيد الذي ينتج ما يحتاجه من أجل الإستمرار في الحياة ، و بالتالي يتعلق الأمر بعملية إنتاج مستمر عبر الزمن ، عندما لا تكفي قواه البدنية لإشباع حاجاته المتطورة
.
يستخدم الإنسان أشياء مكملة لأطرافه ، يصممها من الطبيعة و هي تعتبر الأدوات التي يستعملها في نشاطه بغية تحقيق إشياع الحاجة ، و هي أدوات العمل ، مثل المحراث الذي يصنعه من خشب شجرة كحرث الأرض و زرعها كي ينتج ما يشبع حاجته من الخبز
.فجوهر عملية الإنتاج إذن فهو علاقة الإنسان بالطبيعة ، أي تحويل قوى الطبيعة من أجل إشباع حاجاته ، هذه العملية هيعملية تفاعل نشط ذو تأثير متبادل بين الإنسان و الطبيعة.
و هذه العلاقة بين الإنسان و الطبيعة مثيرة للتغير و الحركة ، غير أنّ الإنسان لا يعيش هذا التفاعل المتبادل وحده ، بل في جماعة ، في مجتمع ، لأنّ الإنسان
" حيوان إجتماعي" لأنه لا يستطيع أن يحفظ وجود ه إلاّ من خلال عمل الآخرين عملية الإنتاج عملية إجتماعية ، عملية العمل الإجتماعي فهي محاولة مستمرة للحصول على الموارد اللازمة ، من الطبيعة ، لإشباع حاجات الجماعة و أفرادها ، عمل أفراد الجماعة كل مع الآخر يمثل لتعاون بينهم ، و عمل كل منهم للآخر يتم في صورة تقسيم العمل ، كل فرد يصبح مختص في جزء من عملية الإنتاج .
إنّ تقسيم العمل رهني بتحقيق مستوى معين عن تطور القوى الإنتاجية ، أي مستوى معين من إنتاجية العمل يمكنه من خلق فائض في المواد الإستهلاكية يصبح بالتالي عمل الفرد جزء من فائض في المواد العمل الإجتماعي ، و مع نمو إقتصاد الجماعة الذي يصاحب الإتساع المستمر في حجم الجماعة
( العائلة، القبيلة ، الأمة ...) و مع تعقيد تركيب هذا الإقتصاد تزيده درجة تقسيم العمل بين أفراد الجماعة.
على هذا النحو يتبين بأنّ الإنتاج لا يتمثل فقط في العلاقة بين الإنسان و الطبيعة و إنمّا هو في الوقت نفسه علاقة بين الإنسان و الإنسان ، الأمر هنا يتعلق بمجموعة العلاقات بين أفراد المجتمع في صراعهم مع الطبيعة ، في مقاومتهم للطبيعة في العلاقات المتعددة التي تنشأ بينهم ممثلة للعلاقات الإقتصادية ، أي العلاقات الإجتماعية التي تتم بواسطة الأشياء المادية و الخدمات
.
و من ثم يمكن القول أنّ العملية الإقتصادية هي عملية إنتاج و توزيع الناتج الإجتماعي ، الغاية النهائية في هذه العملية هو إشباع الحاجات عن طريق بذل المجهود الذي يتبلور في منتجات قابلة لإشياع تلك الحاجات
.
إنّ علاقات الإنتاج هي روابط إجتماعية لأنها تتكون بين أفراد المجتمع ـ أو فئاته ، أو طبقاته ـ إنها إقتصادية لكونها تتم بواسطة الشياء المادية و الخدمات ، و تتم في أثناء الإنتاج بواسطة وسائل الإنتاج فهي الروابط التي تحدد موقف كل فرد
( أو فئة ، أو طبقة ) في مواجهة الآخر إزاء وسائل الإنتاج أمّا إذا كان مسيطرا عليها بفضل الملكية أو مبعدا عنها ) ، هذه العلاقات تتواقف هي الأخرى مع مستوى تطور قوى الإنتاج الموجودة في المجتمع ، التي تكوّن معها شكلا إجتماعيا لعملية الإنتاج ( و التوزيع ) ، يميز مرحلة معينة من مراحل تطور المجتمع الإنساني.
بتعريفنا للعملية الإقتصادية ، عملية النشاط الإقتصادي ،
( نشاط الإنتاج و التوزيع ) في أشكالها الإجتماعية المختلفة ، يتحدد لنا موضوع علم الإقتصاد السياسي ، هذا الموضوع هو الأفكار المتعلقة بالقوانين الإجتماعية التي تحكم مجموع الظواهر التي يمكن ملاحظتها و التي تكون النشاط الإقتصادي في المجتمع ، و هو نشاط يأخذ شكل عملية ذات بعد زمني و متكررة عبر الزمن : هذه هي القوانين الإقتصادية أي العلاقات التي تتكرر بإستمرار بين عناصر العملية الإقتصادية ، القوانين الإجتماعية الخاصة بإنتاج المنتجات بالكيفية التي تجد بما هذه المنتجات سبيلها إلأى الأفراد يستخدمونها لتلبية حاجاتهم، و هو ما يحدث بأشكال تختلف من مرحلة إلى أخرى من مراحل تطور المجتمع.
يتضح لنا أنّ علم الإقتصاد السياسي هو علم متفلرع من العلوم الإجتماعية بما بينها من إعتماد متبادل
.
تكوين علم الإقتصاد لم يتم بين عشية و ضحاها ، و إنما من خلال عملية تاريخية دارت و تدور
) بين إستمرار و إنقطاع و تقدم من خلال التناقضات ، التقدم لا يجري على نحو خطى متواصل التعرف على الملامح العريضة لهذه العملية التاريخية يزيد من دققة تحديدنا لآفاق هذا العلم و يسمح لنا بأن نذكر أسماء كبار مفكرية ، كما سيرد في الفصل التالي.