من أدرك الإمام راكعا ودخل معه هـل يعتـد بتلك الركعـة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م . أ . س . وفقني الله وإياه للفقه في السنة والقرآن ، آمين . سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعده :
كتابكم المكرم وصل وما تضمنه من المسائل علم ، وهذا نص السؤال والجواب [1]:
الأول : ما قولكم فيمن أدرك الإمام راكعا ودخل معه في الركوع ، هـل يعتـد بتلك الركعـةأم لا ؟
ج : قد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين :
أحدهما : لا يعتد بهذه الركعة ، لأن قراءة الفاتحة فرض ولم يأت به ، وروي هذا القول عن أبي هريرة ، ورجحه البخاري في كتابه ( جزء القراءة ) وحكاه عن كل من يرى وجوب قراءة الفاتحة على المأموم ، كذا في ( عون المعبود ) ، وقد حكي هذا القول عن ابن خزيمة ، وجماعة من الشافعية ، ورجحه الشوكاني في ( النيل ) وبسط أدلته .
والقول الثاني : يعتد بها ، حكاه الحافظ ابن عبد البر عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهم ، وحكاه أيضا عن جماهير أهل العلم ، منهم الأئمة الأربعة ، والأوزاعي ، والثوري ، وإسحاق ، وأبو ثور ، ورجحه الشوكاني في رسالة مستقلة نقلها عنه صاحب ( عون المعبود ) . وهذا القول أرجح عندي؛ لحديث أبي بكرة الذي في البخاري فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بقضاء الركعة ، ولو كان ذلك واجبا عليه لأمره به ، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز ، وقوله في الحديث : ((زادك الله حرصا ولا تعد))[2] يعني لا تعد إلى الركوع دون الصف؛ لأن المسلم مأمور بالدخول مع الإمام في الصلاة على أي حال يجده عليها . ومن أدلة الجمهور أيضا على ذلك ما رواه أبو داود ، وابن خزيمة ، والدارقطني ، والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا : ((إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة))[3] وفي لفظ لابن خزيمة ، والدارقطني ، والبيهقي : ((ومن أدرك ركعة في الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه)) فهذا الحديث نص واضح الدلالة لقول الجمهور من وجوه :
أحدها : قوله صلى الله عليه وسلم في السجود : ((ولا تعدوها شيئا)) فإنه يفهم منه أن من أدرك الركوع يعتد به.
الثاني : أن لفظ الركعة إذا ذكر مع السجود يراد به الركوع كما جاء ذلك في أحاديث ، منها حديث البراء : (رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته)[4] الحديث ، ومنها أحاديث الكسوف وقول الصحابة فيها : (صلى النبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات في أربع سجدات) يعنون أربع ركوعات .
الوجه الثالث : قوله في رواية ابن خزيمة ، والدارقطني ، والبيهقي ((قبل أن يقيم صلبه)) نص واضح في أنه أراد بالركعة الركوع . وحديث أبي هريرة المذكور قد جاء من طريقين يشد أحدهما الآخر ، وتقوم بمثلهما الحجة على ما قد تقرر في مصطلح الحديث ، ويعتضد بعمل من ذكر الصلاة من الصحابة بما دل عليه . وقال النووي رحمه الله في شرح المهذب صفحة ( 215 ) ( جلد 4 ) بعد كلام سبق ما نصه : ( وهذا الذي ذكرناه - من أدراك الركعة بإدراك الركوع - هو الصواب الذي نص عليه الشافعي وقاله جماهير الأصحاب ، وجماهير العلماء ، وتظاهرت به الأحاديث ، وأطبق عليه الناس ، وفيه وجه ضعيف مزيف أنه لا يدرك الركعة حكاه صاحب التتمة عن إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة من أكبر أصحابنا الفقهاء المحدثين ، وحكاه الرافعي عنه ، وعن أبي بكر الصبغي من أصحابنا ، وقال صاحب التتمة : هذا ليس بصحيح؛ لأن أهل الأمصار اتفقوا على الإدراك به ، فخلاف من بعدهم لا يعتد به ) انتهى كلامه . وقد حكى الحافظ ابن حجر في ( التلخيص ) عن ابن خزيمة ما يدل على موافقته للجمهور على أن الركعة تدرك بإدراك الركوع . والله أعلم .