البنك الإسلامي : أتاجر هو أم وسيط مالي
الناقل :
elmasry
| العمر :42
| الكاتب الأصلى :
FORZA BOUBIA
| المصدر :
www.startimes2.com
البنك الإسلامي : أتاجر هو أم وسيط مالي ؟
محمد علي القري
أستاذ مشارك - مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
كلية الاقتصاد والإدارة - جامعة الملك عبد العزيز- جدة
المستخلص : تحاول الورقة إثبات أن الباعث على السؤال هو أن القوانين الوضعية تفرق من حيث التكليف بين مؤسسات التجارة ومؤسسات الوساطة المالية ، فما كان جائزاً في نشاط الأول ربما لا يكون مسموحاً للثاني بممارسته ، أما الأحكام الشرعية فليس فيها هذا التفريق ، فما كان محرماً كان كذلك لجميع المكلفين ، ولذلك فالسؤال ليس له أهمية من الناحية الشرعية ، ثم ذكرت أن المبرر الاقتصادي للتفريق بين التاجر والوسيط المالي هو حاجة الأخير للمواءمة بين الأصول والخصوم من حيث المخاطر وأن هذه الحاجة ليست ملحة في نموذج المصرف الإسلامي الذي يعتمد على فكرة المضارب يضارب ، ثم حاولت إثبات أن المسلمين قد عرفوا الوساطة المالية التي اعتمدت عندهم على عقد المضاربة .
مقدمة
هذا السؤال كثير التردد في دوائر العمل المصرفي الإسلامي ، وقبل محاولة الإجابة عنه أرى من المناسب البحث في الباعث على هذا السؤال لأن مثل هذا البحث سيساعدنا كثيرا في الإجابة. إن الباعث على هذا السؤال ليس حاجة التصور الشرعي للعمل المصرفي الإسلامي ، ولكنه امتداد للمناقشات التي تجري في دوائر المصارف غير الإسلامية حول العمل المصرفي الإسلامي ، وسبب ذلك أن النظام القانوني الوضعي يعتمد على تقسيم القوانين بحسب أولئك الذين يخضعون لأحكامها، فمثلا هناك القانون التجاري وهو قانون التجار ، وهناك قانون المصارف وهو ينطبق فقط على مؤسسات الوساطة المالية وهناك قانون العمل ولا تسري أحكامه إلا على من ينطبق عليه تعريف العامل ... الخ .
وفي كثير من الأحيان يجيز القانون التجاري للتجار ممارسة تصرفات ونشاطات لا يجيزها لسواهم وهم يتمتعون بها لمجرد أنهم تجار ، ويمنع سواهم من ممارسة نفس ذلك العمل (فمثلا موظف الخدمة المدنية ممنوع من ممارسة التجارة) . ولذلك جرى العرف والقانون على حصر نشاط البنوك التجارية في الوساطة المالية بعيدا عن التجارة ، كما أن القوانين التجارية قامت على حصر نشاط التجار في التجارة بعيدا عن عمل المصارف وعن الوساطة المالية . ومن هنا جاء التساؤل التالي ...
هل المصرف الإسلامي تاجر أم وسيط مالي ؟
فإذا نظرنا إلى المسألة من المنظور الإسلامي ، ومن منطلق الشريعة نجد أن الأحكام الشرعية في العبادات وفي المعاملات ليس فيها جزء مخصوص للتجار وآخر للوسطاء الماليين ولكنها تتعلق بالمكلفين (الإسلام ، العقل ، البلوغ ... الخ) ومن ثم فليس في الشريعة "مكلف" اسمه وسيط مالي له أحكام خاصة به، كما أنه ليس فيها تاجر يختلف في أحكامه عن بقية المكلفين لمجرد أنه كذلك، فالعلاقات بين الناس التي يترتب عليها التزامات وحقوق ينظر إليها من منظار التكليف وما كان محرما على أي واحد منهم فهو محرم على الجميع لا يخرجه من الحرمة أن الممارس له تاجر أو موظف أو وسيط مالي . والمباح مباح للجميع تجارا كانوا أم غير تجار . وكما أن القوانين الوضعية تسأل هل أنت تاجر أم وسيط مالي ، فهي تسأل هل أنت تاجر أم موظف لمن كان يبيع ويشتري وهو في سلك الخدمة المدنية كما أسلفنا ، ولكن السؤال لا يترتب عليه حل ولا حرمة من ناحية الشرعية . وكذلك الحال في الأول ، فلماذا نسأل إذن "هل أنت وسيط مالي أم تاجر" الجواب عن ذلك : لأن هذا السؤال قانوني وليس شرعي . لا ننكر أن لولي الأمر أن يصدر من اللوائح والتعليمات ما يحقق الاستقرار في المعاملات بين الناس وينظم حياتهم الاقتصادية والتي ربما كان فيها منع لمباح لتحقيق مصلحة يراها ولي الأمر أو حصر نشاط معين في فئة محددة. لكن تلك مسألة أخرى .
على ذلك فإن إثبات أن المصرف الإسلامي "تاجر" لا يترتب عليه حكم شرعي وكذلك الحال في إثبات أنه وسيط مالي . إن الحكم على تصرفاته وجواز نشاطه معتمد على النظر في هذه النشاطات للتأكد أنها خلو من المحرمات ومن مفسدات العقود .
نستطيع أن نقرر إذن أن السؤال ليس ذا بال من الناحية الشرعية . هذا لا يعني أنه غير مهم من الناحية العملية لكن لابد من التأكد أننا ننظر إليه من خلال المنظور المناسب
|