أن الكون قد مر بعدد من الكوارث الطبيعية منذ بدء الخليقة واستعمار الأنسان للأرض و اليوم تمر البشرية بثلاث انفجارات (كوزمولوجية) و(بيولوجية) و(ثقافية) ويعصف بنا انفجار علمي يمشي على وتيرة تسابق شهيقنا و زفيرنا. العاصفة تكنس الطبيعة و الزلزال يستفز البحر فيبعث لنا بتسونامي ليذكرنا بنوح و سفينته. رسالة تعيد ترتيب جغرافيا الأرض و سيسيولوجيا البشر و عولمة العلاقات وثورة تكنس الأوضاع وتعيد تنظيم علاقات القوة وتوزيع الثروة وعلم جديد يقلب التصورات في قفزات تفوق الكم و النوع ، ليحدث في النهاية ثورات علمية غير نمطية. نحن اليوم نمشي فوق بركان جديد ليس من نوع بركان "فيزوف" الذي محا مدينة بومبي الإيطالية عن سطح الأرض،و لكنة بركان علمي يقذف حممه دون توقف ولا نعرف أين نقف منة حضارياً. إن حيرتنا العلمية ما هي سوى امتداد لحيرتنا السياسية و مبعث قلق دائم لأجيالنا القادمة.
يقول العباس بن الأحنف :
حتى إذا اقتحم الفتى لجـج الهوى جاءت أمور لا تطاق كبار .
يا فــوز هل لك أن تعـودي كنـا عليه منذ نحــن صغار .
خلال فترة قصيرة تم اختراق عشرات الحقول المعرفية في قطاف شهي لفاكهة جديدة لم يدركنا فخر في أن نتذوقها أو حتى نشارك في زراعتها، فتم الإعلان عن معلوما ت مثيرة في ( الفيزياء الذرية ) و(الكوزمولوجيا) و(الاركيولوجيا) و(البيولوجيا) و(الانثروبولوجيا) و( الطب ) و(البالينتولوجيا) و(الكيمياء) و(علم الخلية) و(أبحاث الأعصاب) و(أبحاث الجينات) و(التاريخ) و(حفريات الجينات) و(أبحاث الفضاء) و(تكنولوجيا سيارات المستقبل) و(آخر تطورات السلاح النووي) و(تطور الأبحاث الروحية( وفي البيولوجيا بعد إعلان (وايان ويلموت) البروفسور في معهد روسلين في ادنبره باسكتلندا وكلية كينغز كولدج في لندن عن أول نجاح له بتوليد النعجة دوللي ، بواسطة الاستنساخ الجسدي ، تبعها جيلان ( بوللي ) و( بوني ) بنعجات تحمل جينات بشرية ، تدب على الأرض لا شية فيها تسر الناظرين ، وقفزت أجيال متراكبة من خمسين فأرا ، تقفز بمرح ورشاقة ، من الاستنساخ الجسدي في نسخ تترى نجحت فيها التجربة بعد خمسين محاولة ، عرضها اليابانيون في المؤتمر العلمي في نيويورك يونيو 1998م ، بما عرف بـ (بأسلوب هونولولو) وبذلك ينفصل الإنجاب عن الجنس في آلية لا فكاك منها أودعها الخالق في كياننا في طاقة لحوحة لمتابعة البقاء وإنتاج أنفسناقال تعالى (ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) وجاء: (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) وهنا الخالق العظيم يعلمنا بأنة سبحانةو تعالى قد خلق الأزواج و أيضاً يخبرنا بهذا الشأن حين يقول و مما لا يعلمون.
ومع هذا الانتصار الجديد سوف يحدث أفضل بكثير مما تخيله جوليان هكسلي عام 1923م وتوقع حدوثه بعد 600 سنة ، ويتم الحصول على ذرية مرغوبة بشدة منتقاة بعناية مفحوصة ومراقبة بدقة ، بفحص الخلية الملقحة لمعرفة كامل تركيب المادة الوراثية ، ثم الدخول من خلال إعادة تصنيع الجينات ، لإزالة الأمراض الخلقية من العيوب الوراثية كما في مرض فرط الكولسترول العائلي القاتل ، أو هبل المنغولية ، أو فقدان الذاكرة عند مرضى الزهايمر وتعديل الاستعداد لإصابة ما مثل تضخم القلب. وهذه ليست شركا بالله ولا خللا في الطبيعة ، بل هي وظيفة خول الله الإنسانإياها بموجب عهد الخلافة على الأرض، منذ أن برمج دفعه إلى الوجود و " أن ليس للانسان إلا ما سعى" و الإنسان مسؤول على نوعه وتكاثره وقواه العدديةوالكيفية فقد علم الله تعالى آدم الاسماء كلها‚ أي علمه حدود مفاهيم علاقته بالله وبالكون وبالبشر‚ ثم علمه معاني الحياة و العمل والخلق والأب والأم والعبادة والحق والباطل‚ وهذه وأشباهها هي مفردات الحضارة الإسلامية‚ فبدأ آدم بعد هذا العلم في رحلة الحضور الكوني و من الحضور اشتقت كلمة « الحضارة»‚ وهو مزود بالمفاهيم اللازمة لحضوره البشري والكوني‚ فحضور آدم‚ أي حضارته‚ كان ثابتا من البداية .
فلا عجب إذا يأتي من ينبش و يبحث عن التخلص من جينات الإجرام والحقد والإحباط وداء باركنسون والجنون ، و يستميت لكي يعتقل سر السرطان و الزهايمر و مرض الايدز طالما يحوي معه سر الديمومة والاستمرارية في الحياة ، ثم الوصول إلى سر تجدد الخلايا فيمكن بهذه الطريقة الاقتراب من سر امتداد عمر نوح إلى ألف سنة إلا خمسين عاما ، فلا شك أن هناك سر بيولوجي خلفه .
وسيتم زراعة أعضاء جديدة حسب الطلب، من كبد خارت عزيمته ، وكلية تلفظ أنفاسها الأخيرة ، وقلب مرتخي يعلعل ، وفشل بانكرياس أغرق الجسم بطوفان سكري . أو المحافظة على سلالات راقية رشيقة للحصان العربي من نوع ( رئيفة ) التي بيعت بحوالي مليون ريال في السعودية.
في العام 1962م، قاما عالما الكيمياء الحيوية ماكولم ديكسون، أيدويب بحساب احتمال تكون جزيء البروتين ذاتياً نتيجة مجرد التقاء جزيئات أحماض أمينية في مخلوط منها ـ وقد تبيَّن أن هذا الاحتمال لكي يتحقق يقتضي حجماً من مخلوط الأحماض الأمينية المعروفة يصل إلى أضعاف حجم الكرة الأرضية بمقادر 10 أس(50) ضعفاً كل ذلك لمجرد تكون جزيء بروتين واحد من النوع العادي غير المتخصص، أما احتمال تكون جزيء بروتين متخصص مثل (الهيموغلوبين)، فإن الحساب قد وصل إلى ضرورة توافر حجم من مخلوط الأحماض الأمينية لا يقل عن 10أس (512) ضعف حجم الكون كله· فما أروع قدرة الخالق سبحانه وتعالى الذي منح أجسامناً الحياة والقدرة على أن تبنى هذه الجزيئات بدقة بالغة ليلاً ونهاراً حتى ونحن نيام، حقاً ما أروع قدرة الخالق سبحانه وتعالىحيث يقول:( وقليل من عبادي الشكور ).
لا حدود للبحث العلمي إذاً ولا يمكن محاصرته فطبيعته استكشافية ، ولا خوف من التفكير لأن أعظم ما في الإنسان جهاز التفكير ، فالتفكير قاعدة الإيمان وأداته المعرفية ، لشق الطريق إلى نداءات معرفية لا نهائية ، ولكن الخوف كل الخوف من إغلاق العقل ، و مصادرة الفكر وممارسة الإرهاب عليه. كان الإنسان يبحث في الطبيعة خارج نفسه ، يسبح بين الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا . والآن يدخل معراج البيولوجيا ، إلى الحجرة المقدسة ، إلى نفسه التي غاب عنها كثيرا لتطوريها نحو الأفضل ، وعلمنا التاريخ أن التقدم يمشي و علنا القرآن بأن العلم أمر رباني و سلوك حضاري حيث يقول تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم" وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض وأن الزبد يذهب جفاء وفي ( أبحاث الأعصاب ) في السويد من جامعة ( لوند ) أعلن طبيب الأعصاب ( وايدنر ) عن بداية رحلة زرع الدماغ بتقنية الاستفادة من بقايا ( الأجنة الساقطة ) في عزل خلاياها العصبية ، وإعادة زرعها بنجاح في أدمغة المصابين بداء ( باركنسون الرعاش ) لتحل مكان الخلايا التالفة ، في كسر مريع لعقيدة ثبات الخلايا العصبية.
ويتم تطوير العلوم العصبية اليوم لكشف أسرار الدماغ ، وكيف يعمل هذا الجهاز؟
الذي تشع منه شخصيتنا بطريقة مجهولة ، وفي ظلماته تحوم نفوسنا ، ويعمل بطريقة كهربية كيمياوية فتنتقل السيالة العصبية بشرارة لتحط عند خلية فتفرز ما لا يقل عن أربعين مادة كيمياوية في أربعين حرف للغة جديدة يتعامل معها الدماغ البشري في شبكة عصبية تترابط فيها مائةمليار خلية عصبية تقفز باحتمالات انفتاح الأقنية العصبية إلى ما فوق الغوغول(عشر مرفوعة إلى ما فوق المائة).
كان الإنسان قبل عشر ة آلاف سنة يطارد الوحوش وهي تطارده فماذا ينتظره بعد عشر آلاف سنة ؟
وفي ( أبحاث الجينات) بدأت جراحة الجينات على يد (خورانا) بعد أن اكتشف (آربرت فيرنر) السويسري إنزيمات ( مقصات ) الحامض النووي في الخلية ، فأمكن تسخير أقذر البكتريا التي تنشر رائحة البراز الإنساني ليكتشف أنها أفضل مصنع لإنتاج الإنسولين البشري ، ويحلم الأطباء في تسخير هذا الفن بعد كشف كامل الخارطة الوراثية في التخلص من 800 مرض وراثي في جراحات خلوية على الخلية الملقحة الأولى قبل أن تتتابع دورة انقسامها وتخصص خلاياها لتتضاعف إلى مائة مليون مخلية في 210 نوعا من الأنسجة ومن لوس آلاموس تم الانطلاق بمشروع الماموت الجديد ( الجينوم البشري ) العالمي لفك الشيفرة الوراثية عند الإنسان حتى سنة 2005م ، ويمشي مشروع ( هوغو hogo ( الآن بتعاون عالمي لفك مغاليق أسرار الشفرة الوراثية للخلق ، بمعرفة ثلاثة مليارات حمض نووي في كروموسومات النواة لها طلع نضيد بما يزيد عن مائة ألف ثمرة من سطور الخلق لتشكيل كامل الخارطة البيولوجية لعالمنا البهيج ، وأعلن (كريج فينتر) عن فتح (الطريق السريع ) لكشف الكود الإنساني بثلاث سنوات ، مسخرا ثلاثمائة كمبيوتر ، تعمل أطراف النهار و تحت جنح الليل ، بكمبيوترات لا تعرف الاستراحة وشرب القهوة و تدخين الشيشة، تقدح بيديها أشعة الليزر ، فوق أسرار نواة الخلية ، لتستمر الرحلة بداية بأبحاث هندسة الجينات إلى شرعية الاستنساخ حيث يمارس الإنسان أخطر قدراته منذ أن بدأت الخليقة رحلتها و يقترب من الخطوط الحمراء حيث يركن المتهاونون إلى الاكتفاء بالتحليل و التحريم من دون أن يدركوا إن الإنسان لا يتجاوز حدوده فهو لم يخلق الخلية و لكنه يمارس حقوقه المعرفية في تشكيلها و تصنيعها و له أن ينجح أو يفشل و لكن ليس له أن يستكين أو يتوقفقال تعالى: "يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" و قال تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" .