أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ[هود:118-119]، وأيضاً يسأل عن قوله تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ
ليس في هذا إشكال الله -سبحانه- هو الحكيم العليم، ولو شاء لجمع الناس على الهدى، كما قال -جل وعلا-: وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ[الأنعام: 35] وقال -سبحانه-: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ[السجدة: 13] فالله –سبحانه- لو شاء لهداهم أجمعين -جل وعلا-، لكن له الحكمة البالغة، والحجة الدامغة، في إدخال من عصاه وخالف أمره وأشرك به سبحانه النار، لظلمه لنفسه، وتعديه حدود ربه، ومخالفة ما جاءت به الرسل، وله الحكمة البالغة والفضل الواسع على أوليائه وأهل طاعته في إدخالهم الجنة، وإنجائهم من النار؛ لأنهم أطاعوا أمره، واتبعوا شريعته، ووقفوا عند حدوده، فجزاهم سبحانه أحسن الجزاء. فهو -جل وعلا- خلقهم ليرحمهم، خلقهم لإدخالهم الجنة وإنجائهم من النار إذا قاموا بحقه، واستقاموا على دينه، فإن خرجوا عن طاعته وخرجوا عما أمرهم به فقد توعدهم بالنار جزاءً وفاقاً لأعمالهم القبيحة، وخروجهم عن طاعة ربهم -سبحانه وتعالى-، واتباعهم لأهوائهم قال -جل وعلا-: فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى[النازعات: 37-39] وقال سبحانه: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى[النازعات: 40-41]، فهم مؤاخذون بأعمالهم القبيحة من كفرٍ ونفاق ومعاصي، كما أن أهل الجنة مجزيون بأعمالهم الطيبة، وطاعتهم لربهم، وإحسانهم في ...... سبحانه، جازاهم -جل وعلا- كرامته، وإدخالهم جنته، والنظر إلى وجهه الكريم يوم القيامة وهم في دار النعيم، فضلاً منه وإحساناً، فهذا فضله -جل وعلا-، ولهذا قال -جل وعلا-: وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ[هود: 118-119] فالمرحومون هم أهل السعادة والنجاة، وهم الذين خلقوا ليرحمهم -سبحانه وتعالى- في توفيقه وهدايته -جل وعلا-، وأولئك حرموا هذه الرحمة وحرموا هذا الخير بأعمالهم القبيحة، وابتعادهم عن طاعته، وإيثارهم أهوائهم، فلما فعلوا ذلك استحقوا نقمته وغضبه -سبحانه وتعالى-. والاختلاف واقع ومكتوب عليهم بسبب ما يقدمونه من أعمال سيئة، وبسبب اتباعهم لأهوائهم وشهواتهم وإيثارها على الحق، وقع الاختلاف، فمن رحمه الله سلم من ذلك واتبع الحق، ومن لم يوفق لرحمة الله، ولم يهدى لسبيل الهدى بقي في ضلاله وعماه واختلافهم، نسأل الله العافية وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ[فصلت: 46] بل يجازيهم بأعمالهم، فمن عمل الصالحات وتابع المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، وتابع من قبلهم من الرسل رزقوا من ربهم فضله وإحسانه، وفازوا بجنته وكرامته. ومن تابع الهوى وعصى الرسل وآثر الدنيا على الآخرة باء بالخيبة الندامة، واستحق العقاب من ربه -سبحانه وتعالى- على علمه الخبيث، وعلى انحرافه عن طاعة مولاه -سبحانه وتعالى-.