مع كثرة همومنا و ضيق الحياة بنا و انعدام متطلبات الحياة لكل أبناء الشعب الفلسطيني بغزة و ما فعلة الحصار بنا و بأطفالنا و نساءنا و شيوخنا وكل ما يتنفس في قطاعنا الحبيب نسينا أن نوجه كلمة شكر لمن يقف معنا و يواسي جراحنا ويقوي عزيمتنا ولو بكلمة واحدة و الذي دفعنا لهذا المقال ذلك الدور الرائع للقضاء المصري , فقبل أيام قليلة أصدر القضاء المصري حكما تاريخيا في قضية تعتبر من أهم قضايا العام الحالي و قال كلمته الصريحة مدعمة ببراهين و أدلة تعبر عن إرادة عربية قوية نحو التصرف فيما تملك الأمة العربية من مصادر طبيعية, أوجدها الخالق سبحانه وتعالى في عمق الأرض العربية و وهبها للشعب العربي في كل مكان وله وحدة حق الانتفاع بها و التصرف فيها كيفما يشاء بما يعود النفع علية و الأجيال القادمة, مع أن الإعلام العربي للأسف لم يعطي أهمية كبيرة لهذه القضية ولم يعتبرها من ذوات الخبر الأول ولا حتى الأخير قياسا مع قضايا أخري تثيرها للرأي العام.
لقد عانت الأمة العربية منذ زمن من ضياع ما تدخر من مصادر على شكل صادرات و هبات للقوي الغربية و المعادية لطموحات ورغبات و قضايا العرب و إن عادت هذه الصادرات ببعض النفع فإنها بالتأكيد تبقي أكثر نفعا إن قننت أو حجبت حتى تعود هذه القوي عن هيمنتهاو سيطرتها الاستعمارية و التوسعية في أرضنا العربية و تستخدم كسلاح فريد و قوي في وجه الظلم الدولي العام . كان قرار محكمة القضاء الإداري في مصر العربية بوقف بيع الغاز الطبيعي إلى إسرائيل قرارا مسئولا يعكس قوة الانتماء المصري لقضايا أمته العربية و طموحاتها و يضع حدا لمن يفكر بالتطبيع مع إسرائيل دون تخليها عن عدائها المستمر للعرب و الفلسطينيين بوجه الخصوص وسرقة أرضهم بقوة السلاح و الاستيطان بها , فقد جاء في حيثيات حكمها بوجوب وقف قرار تصدير الغاز إلى إسرائيل و إن قرار بيع الغاز مخالف للقانون و الدستور لعدم موافقة مجلس الشعب علىالاتفاقية المبرمة
وكانت المعارضة المصرية قد أثارت هذه القضية في البرلمان و كشفت حقيقة بيع الغاز لإسرائيل و ساءلت الحكومة في ذلك التي ردت بأن الحكومة لا ترتبط بأي اتفاقيات مباشرة مع تل أبيب و أن التصدير يجري عبر شركات خاصة و تعللت أيضا بسرية هذه الاتفاقيات و هذا ما يوقع باللوم علي الحكومة و مؤسساتها الإدارية نفسها و الهيئات الرقابية لمصادر الدولة الطبيعية , أما الدفوع فقد تقدم بمرافعة مفادها أن وزارة البترول لها الاختصاص في ذلك إلا أن رئيس المحكمة قال أن الغاز عمل إداري يخضع لولاية ورقابة القضاء فقط. إن ما يدعونا للتفاخربعروبة القضاء المصري هو حجم اهتمام القضاء المصري بهذه القضية و قبول الدعوة من قبل أعضاء في البرلمان و قدرة القضاء أيضا لإثبات استقلاليته و حريته و إصدار قرار يمنع بيع الغاز لإسرائيل و ضخة في أنبوب بطول 100 كيلو متر يبدأ من العريش و حتى عسقلان على البحر المتوسط مارا بغزة المنكوبة و المحاصرة .
إن هذه الصفعة التي وجهها القضاء المصري لمتعاطي التطبيع و المستغلون لحقوق الشعوب تعتبر عملا وطنيا فريدا لم تشهده هيئات قضاء أخري بالمنطقة ولم تشهده حكومات أخري لتحافظ على ماء الوجه العربي و الكرامة العربية , فلا يعقل أن يموت أطفال فلسطين دونأن يروا النور و مصادر النور تضخ لإسرائيل بثمن اقل من الثمن العالمي ولا يعقل أن تدمر بيوت ومزارع و مصانع وقري ومدن الفلسطينيين باليات العدو الإسرائيلي و التي تعمل بمصادر الطاقة العربية ولا يعقل أن تستمر مسيرة التطبيع و الاحتلال الإسرائيلي يمارس سياسة التهويد لمدينة القدس و ينال من عروبتها و شرفها ولا يعقل أن يستمر تصدير الغاز و إسرائيل تنكرها للسلام العادل في المنطقة . اليوم انتصر القضاء الإداري المصري و قال كلمة الفصل و حمي حق الأجيال المصرية في مصادرهم الطبيعية و اليوم أضاف القضاء المصري عوامل قوة جديدة لاستقلاله و بعده عنالهيمنة و الصمت و اليوم أضاف القضاء المصري تاريخا جديدا لتاريخه المشرف على مدار مئات السنين , فلم يعهد أو يثبت بالدليل أن القضاء المصري حاد عن الصواب أو حابي طرف مهما كان على مصلحة مصر الأمة العربية , فهنيئا لكي يا ارض الكنانة بزعمائك و قادتك و قضائك و شعبك البطل.
******************* من قلم : د. هاني العقاد